*كتب الشيخ عمرو عفيفي*
ابن تيمية ... قام بأكبر حركة نقدية تصحيحية في القرون المتأخرة على الأوضاع السائدة في عصره، كان مركزها عقائد الملة، ولها أطراف وفروع طالت أكثر علوم الشرع من سلوك وفقه وأصول وتفسير ... وصولا إلى المنطق.
وقوعه في الخطأ بدهية عقلية لا ينكرها عاقل، ولو لم يقرأ له حرفا، لأن من خاض هذا البحر الخضم لابد أن يقع منه الخطأ والنسيان.
لكن من ظن أن هذا أصل الخلاف أو تربطه به علاقة فهو غافل على الأقل.
فالصراع ليس حول أخطاء ابن تيمية، وليس حول ابن تيمية نفسه، وإنما حول الأوضاع التي ثار عليها ابن تيمية، والتي انحسر وجودها في العصر الحديث بفضل انتشار الحركات الإصلاحية التي عمت أرجاء العالم الإسلامي، من أقصى غرب أفريقيا إلى شرق آسيا، والتي كان أكثرها متأثرا بابن تيمية مستفيدا منه على درجات.
فهناك تيار صاعد من غلاة المذهبية والقبورية والمذاهب الكلامية يسعى لاستعادة هذه الأوضاع، وإنعاش القبورية والكلام.
فإشكال القوم وصراعهم على الحقيقة مع نقد وتصحيح الأوضاع التي سادت في القرون المتأخرة، فلو نقلنا لهم كلام ابن عبد البر والقرافي والعز ابن عبد السلام وأبي شامة، وغيرهم من الأئمة في ذم مقلدة المذاهب وتقريعهم، لنخروا وما قبلوا.
لو نقلنا لهم كلام ابن الجوزي وابن عقيل والعز والشاطبي والبقاعي وغيرهم في ذم بدعهم وأهلها لنخروا وما قبلوا.
لو نقلنا لهم كلام محمد بن الحسن الشيباني والموفق والغزالي وابن الصلاح والسيوطي في ذم الكلام لنخروا وما قبلوا.
-وإنما انصب الهجاء على ابن تيمية لاتساع دائرة نقده حتى شمل أكثر الأبواب، ولمبلغ عمق هذه النقد الذي طال الجذور، فأغار على الأرسطية والغنوصية والحلولية وغيرها من الأفكار الوافدة التي كدرت صفاء الوحي الإلهي ونازعته في مصدريته ومركزيته، ولامتداد أثر هذا النقد في مشارق الأرض ومغاربها.
على العموم يبدو هذا التوجه صاعدا وقويا لأسباب؛ من أهمها حالة التأزم السياسي، وإخفاق وتراجع خطى الإصلاح في معظم الأصعدة، لكن أظنها حالا طارئة عارضة، ما أسرع أن تزول، ولا أظن أن الأمة ستختار الرجوع إلى هذه الأوضاع بعد إذ نجانا الله منها.