الأحد، 26 مارس 2023

التّصوُّف في ميزان الوحي والفقه

 

التّصوُّف في ميزان الوحي والفقه

سعد بن عبد الرحمن الحصين

 

لم يكن التصوف معروفاً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ولا في عصر التابعين رحمهم الله، وإن كانت حقيقته معروفة، لأن جل ما يصبوا إليه المرء هو الانتساب إلى الصحابة رضي الله عنهم ثم إلى التابعين رحمهم الله وكفى بالمرءِ شرفاً أن ينتسب إلى محمد صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه رضي الله عنهم بالاتباع.

وفي القرن الأول لم يكن يعرف اسم التصوف، بل كان أهله يعرفون باسم الزهاد والنساك والبكائين وليس باسم الصوفية، وكان اعتقادهم صافياً وإيمانهم نقياً خالصاً وما كان ابتعادهم عن الدنيا إلا لارتياعهم من عذاب الآخرة، وهرعوا إلى الكهوف والمغاور ورؤوس الجبال حيث الوحدة الصافية والانعزال عن صخب الحياة المادية.

ثم بعد مضي عصر الصحابة والتابعين وفي أواخر القرن الثاني الهجري بدأ لفظ الصوفية يظهر، وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ كالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (١٦٤ـ٢٤١هـ) وأبو سليمان الداراني المتوفى سنة ٢١٥هـ وقيل إن أول من بنى دويرة للصوفية هو بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد المتوفى بعد الخمسين ومائة للهجرة. وهو من أصحاب الحسن البصري وكان ذلك في البصرة (وإن أول من عرف باسم صوفي في المجتمع الإسلامي هو أبو هاشم الصوفي المتوفى قبل منتصف القرن الثاني الهجري) (ويقول عمر رضا كحالة ورد لفظ (الصوفي) لقباً مفرداً في النصف الثاني للهجرة إذ نعت به جابر بن حيان الكوفي وأما صيغة الجمع (الصوفية) فإنها ظهرت فيما انتهي إليه عمر رضا كحالة عام ١٩٩هـ).

المصدر:مفهوم التصوف وأنواعه في الميزان الشرعي لمحمود يوسف الشوبكي (مجلة الجامعة الإسلامية- المجلد العاشر) - ص ١٨

يرى المؤرّخ والرّياضي والفيلسوف محمد بن أحمد البيروني (د/٤٤٠) أنّ مَرَدَّ التَصّوف في بلاد المسلمين إلى تصّوف الهندوس في الهند، وقد نشأت وثنيّتهم قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بألفي سنة وأخذها منهم البوذيّون منذ انفصالهم عنهم بعد ألف سنة من نشأة الهندوسيّة، وأنّ كلمة المتّصّوف جاءت من كلمة فيلسوف أي: محبّ الحكمة. والبيروني حري بأن يَشْهد بما عَلِم؛ لطول مُكثِه في الهند يَدْرسُ أحوال أهلها عدد سنين، ولِذِهْنِه الرّياضي ودقّته في البحث ثم في تسجيل نتائج بحثه، ولسعة اطلاعه وطول باعه في المعرفة، يدلّ على ذلك ما ذكره ياقوت عنه (من أن سجلّ مؤلّفاته بلغ ستّين ورقة) وكثرة نقله عنه (أعلام الزّركلي) ويدلّ على صحّة استنتاجه أن الله ذكر في كتابه الكريم أنّ النّصارى (قبل المسلمين) نَزَعُوا إلى شيء من المنهج التصّوفي وأنّه مما ابتدعه البشر وليس مما شرعه الله فقال تعالى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا [الحديد: ٢٧]، وقال النَبيّ صلى الله عليه وسلم: ((لتتّبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع)(١) متفق عليه.

ويدل على صحّة استنتاجه أنّ كثيراً من معتقدات متصّوفة الهند وأقوالهم وأفعالهم وأحوالهم موجودة في متصوفة المسلمين منذ انتهت القرون المفضلة حتى هذا العصر، وأكبرها: تعظيم المزارات والمقامات، ووحدة الوجود والفناء في ذات الإله، وأهونها: المِسْبَحَة والرّهبَنَة وضرب الشين والرقص والطبل.

٢) وظن بعض العلماء أنّ منشأ التّصّوف من لبْس الصّوف والله لم يشرعه قُرْبَة إليه، ورسوله صلى الله عليه وسلم كان يلبس الكتّان وغيره وهو الذي جعله الله أسوةً حسنةً: لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب: ٢١]، ولكن لُبْس الصُّوف والتّقشف بما يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر شكليٌّ تركه متصّوفة العصر وأقبلوا على شهوات البطن والفرج حتى قال بعض منتقديهم:

أقال الله حيث عشقتموه كُلُوا أَكْل البهائم وارقصوا لي

ولكن أسوأ ما اتصف به المتصّوفة تعلّقهم بالشبهات حتى اليوم كما بتبيّن بالرجوع إلى شيء من كتبهم مقالاتهم قريبًا إن شاء الله.

٣) وظنّ بعض المتصّوفة أن كلمة الصّوفي جاءت من كلمة الصّفّة التي كان يأوي إليها بعض فقراء المسلمين في المدينة النبويّة، وهذا لا يصحّ لُغَة لأن النّسبة إلى الصّفة: (صُفِيَّ)، ولا يصحّ شرعاً لأنّ الصّفة (ومن سَكَنَها) لم تُميَّز بفضل المكان فالمسجد أفضل منها ولم يُمَيزْ أهلها بالفضل على غيرهم من الصّحابة فلاشك أن الخلفاء الراشدين وكبار فقهاء المهاجرين تقرّباً إلى الله بسكناها خاصّة، بل لأنّهم لا يجدون غيرها.

المصدر: مقال التّصوُّف في ميزان الوحي والفقه لسعد بن عبد الرحمن الحصين


(١) رواه البخاري (٣٤٥٦) ومسلم (٢٦٦٩)

 

الطرق الصوفية في ميزان الشرع للشيخ ابن باز رحمه الله تعالى

الطرق الصوفية في ميزان الشرع للشيخ ابن باز رحمه الله تعالى

السؤال: وهذه رسالة من المرسل علي سيد منصور جمهورية مصر العربية الوادي الجديد الداخلة، يقول في رسالته: هل يوجد أصل للطرق الصوفية في الإسلام، مثل: الطريقة الرفاعية، الخلوتية، والبيومية، والشاذلية، وماذا يجب علينا أن نفعل تجاه هذه الطرق، خاصة أن بعض الجهلاء يقولون: بأنه لا يصح التعبد إلا إذا كان للإنسان شيخ؟

تحميل المادة

الجواب: ليس للطرق الصوفية أصل في الشرع فيما نعلم، بل هي محدثة وبدع منكرة، وما كان فيها من ذكر شرعي أو عمل شرعي فما جاء به الكتاب والسنة يغني عنه، فالواجب على أهل الإسلام أن يتلقوا علومهم وأعمالهم عن كتاب الله، وعن سنة رسوله ﷺ لا عن الطرق الصوفية ، وما قد يوجد في بعضها من أعمال طيبة أو أقوال طيبة فإنما كانت كذلك لكونها متلقاة عن الله وعن رسوله، لا عن الشيخ فلان أو صاحب الطريقة فلان، لا، فالحق الذي في أي طريقة من طرق الصوفية إنما يقبل؛ لأنه جاء عن الله وعن رسوله لا لأنه مأخوذ عن الصوفية أو عن شيخ الصوفية فلان أو فلان.
والواجب على المؤمن أن يتعبد بما قاله الله ورسوله وبما شرعه الله ورسوله، ولا يتعبد بما رآه الشيخ فلان أو صاحب الطريقة فلان؛ لأن هذه الطرق محدثة، وقد قال عليه الصلاة والسلاممن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد يعني: فهو مردود، وقال جل وعلاوَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام:153] وصراط الله هو ما جاء به نبيه عليه الصلاة والسلام من القول والعمل والعقيدة، فليس لأحد أن يحدث شيئاً ويسميه طريق الشيخ فلان أو طريق الشيخ فلان، سواء كان نقشبندياً، أو خلوتياً، أو قادرياً، أو غير ذلك، الواجب على المسلمين جميعاً ومنهم الصوفية أن يتلقوا أعمال الشريعة وعبادات الشريعة عن ربهم وعن نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام لا عن آراء الناس.
وقد وضح النبي ﷺ العبادات بأفعاله وأقواله، ثم بينها أصحابه رضي الله عنهم، فعلينا أن نتبع ولا نبتدع، وعلينا أن ندعو إلى كتاب الله وإلى سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن نستغني بهما عما أحدثه الناس من الصوفية وغيرهم.
المقدم: جزاكم الله خير

 


التعريف بالصوفية لابن باز رحمه الله تعالى

 

التعريف بالصوفية

 

سئل الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: من هم الصوفيون؟ وما موقف الإسلام منهم؟ جزاكم الله خيرًا.

تحميل المادة

الجواب:

الصوفيون جماعات اشتهروا بإحداث طرق في العبادة والتنسك ما شرعها الله في صلواتهم، وفي أذكارهم، وفي خلواتهم، يقال لهم الصوفية، قال بعضهم: معناه من التصوف؛ لأنهم يلبسون الصوف، وقال بعضهم: إنها من الصفا، وأن النسبة غير لغوية، يعني: غير مستقيمة على الطريق السوي في النسبة، وأنها من الصفا، وأنهم يعتنون بصفاء القلوب من الكدر .. من كدر الذنوب، وكدر الكسب الحرام، ونحو ذلك.

فالتصوف: هو التعبد على طريقة خاصة، لم تأت بها الشريعة؛ ولهذا غلب على المتصوفة البدع، ويسمى الزاهد الذي يحرص على التفرغ للعبادة، والزهد في الدنيا، وطلبها يسمى -أيضًا-: صوفي.

لكن إذا كان ما أحدث بدعة، وإنما صفته الزهد والرغبة في الآخرة، والتقلل من الدنيا، والحرص على أعمال الآخرة، هذا ما يسمى صوفيًا في الحقيقة، يسمى زاهدًا.

فإذا كان زهده لا يوقعه فيما حرم الله، ولا يزيد في أعماله على ما أوجب الله، ولا يبتدع، بل يتحرى الشريعة في أعماله وأقواله؛ فهذا مشكور، ويثنى عليه كـالجنيد بن محمد، وأبي سليمان الداراني، وبشر الحافي، وجماعة اجتهدوا في العبادة والزهد في الدنيا، هؤلاء يثنى عليهم كثيرًا؛ من أجل زهدهم، ورغبتهم في الآخرة، وعدم ابتداعهم. نعم.

المقدمجزاكم الله خيرًا.  

 

حمّل مجّانًا مؤلفات إبراهيم الدميجي، من هنا.

 

حمّل مجّانًا مؤلفات إبراهيم الدميجي

 غفر الله له ولوالديه وللقارئ وللمسلمين.

 

http://aldumaiji.blogspot.com/2020/04/blog-post.html