والنفسُ ذاتُ إقبالٍ وإدبارِ
الحمد لله، وبعد؛ فإن النفس عجيبة مدهشة، غريبة مبهرة، تارة تسمو فوق السحاب إلى السماء، وحينًا تثَّاقلُ إلى طينة الأرض السفلى، وما بين ذينك فهي في اضطراب وثبات، وعزم ونقض، وزلزلة ورسوخ، حينًا تُحسن وآخر تظلم، وما بين ذينك تعدل، لها رغائبُ خائبة تُضعِفُها النفسُ وتنفيها إن أُلهِمتْ رُشدَها وغلَّبتْ عقلَها، وتقهرُها الطباعُ وتكسرها إن علت على عقلها صولةُ شهوةِ إرادتِها، لها قرينان مصاحبان ملكيٌّ بالخير يُسدِّدُها ويهديها، وشيطانيّ للشرّ يعدها ويُمنّيها، تارة أمّارة، وحينًا لوّامة، وخيرُها المطمئنة، تبارك وتعالى من خلقها وسوّاها، وبارك فيها وأعلاها، فقال في محكم تنزيله: (ولقد كرمنا بني آدم).
نفسُ المؤمن العابد لربه طاهرة، وللخير توّاقة، وللمعالي نزّاعة، وللبركات والفلاح حائزة، أما من تجبّر وعتى؛ فنفسة خبيثة خائبة خاسرة، والمُوفَّقُ من أخذ الله بيده للحسنى وزيادة.
وَما وَجدُ أَعرابِيّةٍ قَذَفَت بِها ... صُرُوفُ النَّوى مِن حَيثُ لَم تَكُ ظَنَّتِ
تَمَنّت أَحالِيبَ الرِّعاءِ وخَيمةً ... بِنَجدٍ فَلَم يُقدَر لَها ما تَمَنَّتِ
إِذا ذَكَرَت ماءَ العِضاهِ وطِيبَهُ .... وَبَرْدَ الحَصَى مِن بَطنِ خَبتٍ أَرَنَّتِ
بِأَعظَمَ منِّى لَوعَةً غَيرَ أَنَّنِى .... أجَمجِمُ أَحشائِى على ما أَجّنَّتِ
وَكانَت رِياحٌ تَحملُ الحاجَ بَينَنَا ... فَقَد بَخشلَت تِلكَ الرِّياحُ وَضَنَّتِ
فيا أيها النفس تفكّري، وبهُدى الله استهدي، فكم لله تعالى عليكِ من أنعام خفيّة، وألطاف سابغة، وكرامات واصلة، لكن أين شكركِ للحميد الشكور؟! (1) (كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور).
والمقصود؛ أن للنفس مع الرضا تقلّب واضطرام واضطراب يليه رسوخ للموفّقين، فكن -رحمك الله- منهم تفُز، وخذ بأسباب ذلك، واهتم بما هنالك، علّك للخير تحُز، فكل ما نعمةٍ ونعيمٍ من فضل الله الكريم لا شريك له.
إبراهيم الدميجي
aldumaiji@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق