الخميس، 20 يناير 2022

مفردةُ العارفِ بالله تعالى

 مفردةُ العارفِ بالله تعالى

 

الحمد لله، وبعد؛ فلدى بعض المتكلمين في السلوك مفردات غير معروفة لدى السلف، قد زاحمت مفرداتهم حتى عطلتها عند بعض الناس، منها أهل المعرفة بالله، والعارف بالله ونحو ذلك، ويعنون بذلك العلم بالله تعالى. والأمر في هذه التسمية واسع إن شاء الله لسلامة لفظها ومعناها، وفي التنزيل: (أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون)، فالمعرفة هي العلم، ولفظ العلم أشرف لأن الله تعالى يوصف بالعلم ومن أسمائه العليم، وقد جاء الثناء في الشرع على العلماء، والعلماء في لسان الشرع هم أهل العلم بعلم الآخرة القرآن والسنة، لا علوم أهل الدنيا.

وقد جاء النص بلفظ المعرفة عند الشيخين في حديث إرساله معاذًا إلى اليمن، -إن صحّ هذا اللفظ بحروفه دون معناه، لأن أكثر الرواة رووه بألفاظ أخرى-، كما في البخاري (1458) ومسلم (19): "فليكن أوّل ما تدعوهم إليه: عبادة الله عز وجل، فإذا عرفوا الله؛ فأخبرهم: أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات.." الحديث. قال الحافظ في الفتح (13 / 354): "الاحتجاج به يتوقّفُ على الجزم بأنه صلى الله عليه وسلم نطق بهذه اللفظة، وفيه نظر، لأن القصة واحدة، ورواة هذا الحديث اختلفوا هل ورد الحديث بهذا اللفظ أو بغيره، فلم يقل صلى الله عليه وسلم إلا بلفظ منها، ومع احتمال أن يكون هذا اللفظ من تصرف الرواة لا يتم الاستدلال. وقد بينت في أواخر كتاب الزكاة أن الأكثر رووه بلفظ: "فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم اطاعوا لك بذلك.." ومنهم من رواه بلفظ: "فادعهم إلى أن يوحّدوا الله، فإذا عرفوا ذلك.." ومنهم من رواه بلفظ: "فادعهم إلى عبادة الله، فإذا عرفوا الله..". ووجه الجمع بينها: أن المراد بالعبادة التوحيد، والمراد بالتوحيد الإقرار بالشهادتين، والإشارة بقوله ذلك إلى التوحيد، وقوله: "فإذا عرفوا الله"، أي عرفوا توحيد الله، والمراد بالمعرفة الإقرار والطواعية، فبذلك يجمع بين هذه الألفاظ المختلفة في القصة الواحدة، وبالله التوفيق". أهـ.

وهم قد أرادوا بقولهم: "العارف" أن يخصوه بمن له حسن معاملة مع الله تعالى ومزيد تعبّد وتعلق وعلم بالله تعالى، فيقولون: إن العارف هو العالم بالله، أما العالم فهو العالم بشرع الله. ولا يقصدون بذلك أن العالم بالشرع ليس عالمًا بالله تعالى، ولكن يقصدون أن من علماء الشريعة من ليس لهم كبير اهتمام بالعلم بالله تعالى وصفاته والتقرب إليه بخفي العبادة والمناجاة والأنس به والشوق إلى لقائه ونحو ذلك من أعمال القلوب الزاكية المزكية، وأنه يوجد من الناس من قلّ علمه بالعلم بتفاصيل العبادات والمعاملات في الشريعة لكنه قريب من الله بقلبه وقالبه دائم القنوت له والتقرب لمرضاته فسموه لذلك: العارف.

ولا منافاة في الحقيقة في بينهما، فقد يفتح الله تعالى لعبده من هذا أو هذا، وقد يجمعها له، فأحق الناس بالعلم بالله هم العالمون بشرعه، فهم يأخذون علمهم من معدن الوحي الكتاب والسنة، وهما فقط سبيل العلم بالله تعالى، ومع كثرة طرق نصوص الوحي للقلب فإنها تثمر الإيمان وزيادته ويقينه وثماره وتزكيته وتلك هي عين مرادهم من المعرفة. ولما سئل الإمام أحمد رحمه الله عن علم معروف الكرخي أجاب: "معه رأس العلم؛ خشية الله".

 وبالجملة؛ فمراعاة ألفاظ الشرع الثابتة كالعالم والعابد أولى وأسلم وأجمل، وهي سمت السلف وجادّتهم وألفاظهم، فحراستها ونشرها أحتم من مزاحمتها بما كان دخيلًا أو مدخولًا. وهذا أصل مسلكي عزيز. وبالله التوفيق.

إبراهيم الدميجي

aldumaiji@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق