عنوان الكتاب
|
الصوفية في حضرموت نشأتها أصولها آثارها (عرض ونقد)
|
اســـم المــؤلف
|
أمين بن أحمد بن عبدالله السعدي
|
النـاشـــــــــــــــر
|
دار التوحيد - الرياض
|
ســــــنة الطبـــع
|
ط1/ 1429هـ
|
عدد الصفحات:
|
1135
|
نــــوع الكتـــاب
|
رسالة جامعية تقدم بها الباحث لنيل درجة الماجستير في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية قسم العقيدة كلية الدعوة وأصول الدين، بإشراف الدكتور محمد بن عبدالرحمن الجهني، ثم طبعت في مجلد ضخم يقع في (1135) صفحة
|
التعريف بموضوع الكتاب:
إن الله تعالى بحكمته وعلمه، كتب على هذه الأمة الافتراق والاختلاف، وهذا الافتراق يمحص الذين يتبعون الحق ممن يتبعون الشبهات أو الشهوات، واليوم ونحن نرى بأعيننا هذا الافتراق وآثاره، وانتشار الفرق المخالفة لفرقة أهل السنة والجماعة وما لها من آثار وتأثيرات، ومن هذه الفرق التي لها أكبر انتشار في العالم، الصوفية، وما أدراك ما الصوفية، فمؤلفنا فيعرف صوفية بلده حق المعرفة، وهي صوفية حضرموت، ولما كان الأمر كذلك فقد آثر أن يكونوا موضوع رسالته الجامعية، رغبة منه في كشف جانب كبير من حقيقتهم دفاعاً عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وإسهاماً منه في كشف هذه الفرقة في تلك البلاد لمن لا يعرفون حقيقتهم ممن اغتر بهم وبمشايخهم وطريقتهم.
فبدأ المؤلف بالتعريف بأرض حضرموت وتاريخ دخول الإسلام إليها وأنّ ذلك كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عرَّف المؤلف بالتصوف ونشأته وتطوره بشكل موجز، وبعدها بدأت أبواب الكتاب لتفتح لنا آفاقاً جديدة, وتُفَصِّل بفصولها مشارب القوم ومواردهم، وتبحث بمباحثها أدلتهم واستدلالاتهم وترد عليهم شبهاتهم.
فكان أول تلك الأبواب (تاريخ التصوف في حضرموت) حيث أوضح المؤلف نشأة الصوفية في حضرموت وأسباب نشأة هذا التصوف فيها، وكيف بدأ دخول التصوف إليها، وأنّ ذلك كان بدخول العلويين – نسبة إلى علوي بن عبيدالله بن أحمد المهاجر الحسيني - القادمين من العراق، ثم تطور الحال وأصبح له أصوله ومنهجه بعد ذلك، ثم عرَّفَنا المؤلف بأبرز أعلام صوفية حضرموت من أول القرن الرابع الهجري إلى القرن الثاني عشر، وقد بلغ عدد الذين ترجم لهم (31) صوفياً، ثم عرَّفَنا بالطرق الصوفية التي انتشرت في حضرموت وقد بلغت (8) طرق بين أصل وفرع، وإتْباعاً لما سبق فقد أفرد لنا المؤلف فصلاً كاملاً في أعلام صوفية حضرموت في القرون الثلاثة الأخيرة ودورهم في نشر التصوف، ففي القرنين الثالث عشر والرابع عشر ترجم المؤلف لثمان من أبرز أعلامهم، وفي القرن الخامس عشر ترجم لخمس من أبرز أعلامهم.
أما الباب الثاني من الكتاب فكان في (أبرز عقائد الصوفية في حضرموت ومناقشتهم فيها وبيان أثرها) وأورد تحته سبعة فصول.
1. مصادر التلقي عند صوفية حضرموت ومناقشتهم فيها
2. وقولهم في توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات ومناقشتهم فيه
3. وقولهم في توحيد الألوهية ومناقشتهم فيه
4. وقولهم في النبوة ومناقشتهم فيه
5. وقولهم في القدر ومناقشتهم فيه
6. وقولهم في اليوم الآخر ومناقشتهم فيه
7. أثر الصوفية في حضرموت وجهود أهل العلم وبعض الولاة في مواجهة الآثار السلبية لصوفية حضرموت
قد يستغرب القارئ من هذه العناوين وهل يمكن أن يصل الانحراف في الصوفية إلى توحيد الربوبية والألوهية وإلى مسألة النبوة واليوم الآخر؟
لكن هذا الاستغراب الذي في الصدور سيزول بعد أن تقرأ ما في السطور.
فمصادر التلقي عندهم على ما بَيَّنَه المؤلف تختلف عما هو عند أهل السنة والجماعة، فما لم يوافق عقولهم – بل أهواءهم – أوَّلوه أو فسروه تفسيراً باطنياً لا يخطر على بال موحد، أو رَدُّوه، وزادوا مصادرَ للتلقي أخرى، كالأخذ عن الله تعالى مباشرة بدون رسول، والكشف وهو من مصادرهم الوثيقة، وقد يدخل تحته أنواع عديدة كرؤية الأنبياء والأولياء بعد موتهم !! والمنامات والإلهام والهواتف والذوق، بل والإسراءات والمعراجات أيضاً، كل هذا بالأدلة الواضحة من كتب القوم ومن أقوالهم وأحوالهم دون افتراء عليهم أو افتئات.
أما قولهم في توحيد الربوبية فهم يقولون بوحدة الوجود، وأثبتوا كثيراً من صفات الربوبية الخاصة بالله لأوليائهم وأقطابهم، كالتصرف في الكون والإحياء والإماتة كالذي ذكروه في ترجمة عبدالله بن أبي بكر العيدروس وأنه أحيا زوجته بعد موتها، ومثل إعطاء الولد لمن طلب هذا منهم، هذا فضلاً عن ادعاء علم الغيب وإنزال المطر وإجابة استغاثة المستغيثين بهم، بل والتصرف في أمور الآخرة كضمان دخول الجنة.
كل هذا بالأدلة من كتب القوم كما أسلفنا.
أما في توحيد الأسماء والصفات فهم أشعرية عموماً، مع التلفيق بين الجانب العلمي عند المتكلمين منهم، وبين الجانب العملي عند الصوفية، وقد حرر المؤلف أقوال صوفية حضرموت في العلو والاستواء وصفة الكلام لله تعالى ومسألة الرؤية مبيناً انحرافهم في كل هذا عن المنهج الحق، كما أوضح المؤلف تقديم العقل على النقل عندهم وموقفهم من خبر الآحاد.
وأما توحيد الألوهية فقد بيَّن المؤلف أيضاً اضطرابهم فيه وعدم معرفتهم لحقيقة هذا النوع من التوحيد ووقوع الشرك الأكبر منهم، بسبب ذلك، وانحرافهم في تفسير كلمة التوحيد، وفي ما يناقض (لا إله إلا الله)،
أما انحرافهم في التوسل والدعاء والشفاعة، فحدِّث ولا حرج، فليس أكثر من صرفهم هذه الأنواع لغير الله تعالى، بدعوى اختصاص الأولياء والأقطاب بها، ونحن إذ نقول هذا الكلام لسنا نتأول على القوم أو نتجنى عليهم، فالمؤلف نقل العديد والعديد من النقولات التي تثبت هذا الانحراف من أقوالهم وأشعارهم ومقالاتهم، ومن شاء الاستزادة فليرجع للكتاب ليجد بغيته فيه.
أما قولهم في النبوة، فيتضح انحرافهم فيه في مسألة الوحي وموقفهم منها، فقد زعموا نزول الوحي على أوليائهم ومشايخهم، وزعموا أن الإلهام للولي هو كالوحي للنبي، وأما انحرافهم واضطرابهم في مقام النبوة، فمنهم من زعم كما زعمت الفلاسفة أنها مكتسبة بالرياضة، ومنهم من زعم مساواة أفعال مشايخهم بمقام النبوة، كما نقل عن الحسن بن عبدالله الحداد أنه حصل له شق لصدره ووضع له المعراج وعرج به ووقف بين يدي الله وخاطبه بل وألبسه تاج العلم، نعم هكذا نقل عنه حفيده علوي في الرسالة النافعة !!
أما قولهم بالنبي صلى الله عليه وسلم فهم يزعمون أنه أول الموجودات وهذا ما يعبرون عنه بالحقيقة المحمدية، وغير ذلك من الغلو الذي أثبتوه أيضا لأوليائهم ومشايخهم، بل فَضَّلوا علوم مشايخهم على علوم الأنبياء.
أما قولهم في القدر فلم يَأْلُ المؤلف جهداً أيضا في بيان انحرافهم فيه، كقولهم في استقلال أوليائهم بأفعالهم كالإماتة والإحياء، وبالمقابل تجد التناقض فتراهم يقولون بعقيدة الجبر مستعملين طرقاً ملتوية، وَاسِمِيْنَ بِدعتهم تلك بـ (الكسب)، وكذلك بين انحرافهم في مسألة الأسباب وتأثيرها، وكذلك في التوكل، وقولهم أيضاً بالتحسين والتقبيح والتعليل.
أما قولهم في الإيمان باليوم الآخر، فهو واضح في انحرافهم في مسائل الشفاعة وصفة الحشر وزعمهم لأوليائهم كثيراً من الغيبيات في تلك المواقف الأخروية، وكذلك افتراءاتهم في الصراط والمارِّين عليه، بل استثنوا مَنْ أرادوا مِنْ قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} [مريم:71] فزعم شيخ إسلامهم أبو الحسن البكري الصديقي أن أهل حضرموت مستثنون من هذه الآية، وكذلك قولهم في الجنة ومكانها ومن يدخلها أو دخلها من أوليائهم وتصرفهم فيها كما يشاؤون، ومثل ذلك في النار، وكذلك أمر البرزخ وتصرف أوليائهم فيه والاطلاع على أمره.
إن كل ما سبق لم يتركه المؤلف – جزاه الله خيرا – دون أن يرده ويناقشه، بل هذا غاية الكتاب أصلا، فهو ينقل كلامهم ويثبت دعاويهم ثم يبيِّن خطأهم ووجه الانحراف، مبيِّناً الصواب والحق، مستدلاً بالأدلة الشرعية، مردفاً بأقوال الأئمة القوية.
وبعد كل هذا الزخم الكبير من العرض والمناقشة نصل إلى الفصل الأخير في هذا الباب وهو (أثر الصوفية في حضرموت وجهود أهل العلم وبعض الولاة في مواجهتها)
ففي الغلو في الصالحين، فهُم كما سبق منحرفون في مفهوم الولاية، وبالتالي كان منهم الذبح للأولياء والصالحين، والنذر لهم، وجعلهم واسطة بين الله وخلقه، وكذلك انحرافهم في علاقة الشيخ بالمريد.
وفي الغلو في القبور، ليس الأمر مختلفاً عن سابقه، فحضرموت تعتبر من أكثر محافظات اليمن تشييداً للقبور وبناء القبب عليها، واتخاذها بَعْدُ مساجد، وأما شد الرحال والزيارات الشركية فقد جوزوها بل زعموا فيها البركة وزعموا قضاء الحاجات عند قبور معينة، وأجوراً وثواباً لزيارات أخرى.
وفي العبادات الشركية والبدعية، فقد سلكت صوفية حضرموت في عباداتها مناهج وطرقاً للتعبد للوصول إلى المراتب التي يسعون لنيلها، مثل المجاهدة أو الرياضة والخلوة الصوفية، والفناء مع اضطرابهم في تعريفه، والأوراد والأذكار والصلوات البدعية، وقد ذكر المؤلف نماذج منها، وكذلك الحضرات والسماع والاحتفال بالمولد النبوي، والاحتفال بزيارة القبور والمشاهد، وأشهر ذلك زيارة قبر هود عليه السلام.
وقد استعمل الصوفية في حضرموت لنشر تصوفهم وسائل عديدة، منها التأليف والنشر، كتباً أو مجلات أو صحفاً أو بإنشاء المكتبات، وكذلك بالرحلات وبواسطة التلاميذ والأتباع، والتدريس، وأيضا بالتأثير على بعض الولاة، حيث وطَّدوا علاقتهم بالحكام والولاة في فترات من التاريخ، لاسيما عند وجود الفرص السانحة، وقد سعوا عن طريقهم لنشر التصوف في حضرموت، وكذلك بنشر الزوايا والأربطة.
وبالمقابل كانت هناك جهود لأهل العلم وبعض الولاة في مواجهة الآثار السلبية لصوفية حضرموت، والتي لم يغفلها المؤلف بل ذكر منها مثلاُ جهود بعض علماء الحضارمة بمواجهتهم مثل الشيخ علوي بن سقاف الجفري، والشيخ محمد العماري، وغيرهم من غير الحضارمة كالشيخ صالح المقبلي والشيخ محمد بن سالم البيحاني، وكذلك الجهود المبذولة في القرن الخامس عشر الهجري ومن أشهرهم الشيخ مقبل الوادعي.
ومن تلك الجهود الخارجية أيضا جمعية الإصلاح والإرشاد بأندونيسيا.
أما جهود بعض الولاة وبعض القبائل، فقد ذكر المؤلف ما قامت به بعض القبائل من مساهمة في نشر الدعوة السلفية ومحاربة التصوف، وبيَّن ما لدخول النجديين من أثر طيب في نشر دعوة التوحيد.
وبعد كل هذا الجهد الكبير الذي قام به المؤلف جزاه الله خيرا، وبعد كل تلك الحجج والبراهين التي أتى بها لدمغ الباطل وإزهاقه، ختم الرسالة بخاتمة لخَّص فيها بحثه.
ونحن بعد أن مررنا بالكتاب مُقَلِّبِيْنَ صفحاته وأبوابه وفصوله ومباحثه، معرِّفين به، فإننا نعتبر هذا الكتاب إحدى الموسوعات المرجعية في التصوف الحضرمي، وقد يدلك عدد المراجع التي اعتمد عليها المؤلف والتي زادت على (630) مرجعا على مدى موسوعية هذه الرسالة التي تعتبر مثالاً يمكن أن يحتذيه الباحثون من طلاب الدراسات وغيرهم في كشف الصوفية في مناطق أخرى من هذا العالم المليء بهم، والله الهادي إلى سواء الصراط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق