الأحد، 13 أبريل 2014

نقد التصوف (تفصيلي محكم ومميز)

نقد التصوف

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
هذه المادة تعنى بدراسة التصوف دراسة نقدية ، تتضح لنا من خلالها حقيقة التصوف لنعرف ما له وما عليه ،وتصبح  لدينا صورة واضحة المعالم عنه ، وعندئذٍ نستطيع  أن نحدد الموقف الصحيح من هذا الموضوع .
وقبل أن نبدأ الحديث عن التصوف لابد لنا أن نستحضر جملة من الأصول الهامة جداً في حياة المسلم ، والتي تمثل القاعدة التي يبني عليها المسلم منهجه الصحيح في الحياة عن يقين راسخ وقناعة كاملة .
وأهم هذه الأصول ما يلي :
أولاً –  إن الإنسان لا يستطيع أن يعرف بنفسه كيف يعبد الله تبارك وتعالى على النحو الذي يرضيه سبحانه ؛ لذلك فهو في حاجة لمن يعلمه العبادة الصحيحة التي يقبلها الله ، ولهذا أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعلم الناس كيف يعبدونه سبحانه كما يحب ويرضى .
ثانياً _ إن العقل السليم يوجب قبول ما جاءت به الرسل لأنه من عند الله العليم الحكيم .
ثالثاً _ إن المسلم يأخذ دينه كله عقيدة وشريعة وعبادة عن الوحي الذي جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .
رابعاً – إن العبادة لا تقبل إلا إذا تحق فيها شرطان هما :
أ‌-         الإخلاص لله وحده .
ب‌-    المتابعة لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
خامساً _ إن من ادعى لنفسه طريقاً غير طريق الرسول صلى الله عليه وسلم فقد فارق الدين وخرج من ملة الإسلام ، قال الله تعالى : " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم " ، وقال سبحانه وتعالى : " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى و نصله جهنم و ساءت مصيرا).
سادساً _ إن من قال أو فعل ما يتعارض ظاهره مع الدين الإسلامي عقيدة وشريعة لم يقبل ذلك منه و لا يقر عليه أبدا كائناً من كان لقوله عليه الصلاة و السلام: (من احدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) . 
سابعاً – إن أهم ما في حياة المرء عقيدته لأنها المحك الأول للنجاة أو الهلاك فلابد أن تكون صافية خالية من شوائب الشرك ، قال تعالى : " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون "  .
ثامناً – إن أصل الشرك تعلق القلب بغير الله عز وجل
تاسعاً _ إن المصدر الوحيد لتلقي العقيدة عند المسلم هو الوحي بقسميه القرآن الكريم والسنة الصحيحة .
تلك هي الأصول التي يجب مراعاتها عند تناول كل القضايا التي تتعلق بالدين الإسلامي الحنيف .
وعلى ضوء هذه المعطيات يمكن لنا أن نتناول موضوع التصوف بشيء من التفصيل والتدقيق ، باعتباره منهجاً عقدياً مبني على فكر دخيل يأخذ سمة الدين ، فنقول وبالله التوفيق:
- ما معنى كلمة ( تصوف ) ، وما هو اشتقاق هذه الكلمة ، ومن أين جاءت ؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة نقول :
الواقع أن مادة هذه الكلمة لم ترد في كتاب الله الكريم غير مرة واحدة في قوله تعالى : " ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين " ،  ولم تكن معروفة في زمن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بغير هذا المعنى ، أما استعمال كلمة ( صوفي ) أو ( متصوف )  في وصف إنسان مسلم فلا ، وإنما كان يقال : هو مؤمن وعابد وتقي وبَر وصالح ومحسن ، فهذه ألفاظ إسلامية جاءت في الكتاب العزيز والسنة المطهرة ، ولم تظهر كلمة ( متصوف أو صوفي ) وتشتهر إلا بعد ظهور الفتن والأهواء ، والصوفي اسم يدل على نسبة كالقرشي والمدني والمكي ونحو ذلك ، ونريد هنا أن نعرف من أين اشتقت هذه النسبة ،
فنقول : إن الباحثين في هذه النسبة تباينت آراؤهم حيالها ، فمن قائل بأنها نسبة إلى الصوف إلى قائل بأنها نسبة إلى الصفاء إلى قائل بأنها نسبة إلى الصفٌة إلى قائل بأنها نسبة إلى الصف إلى قائل بأنها نسبة إلى صوفة .
 ونفند هذه الأقوال على النحو التالي :
أما النسبة إلى الصف فالمراد به الصف الأول في الصلاة ، وذلك لتقدمهم على غيرهم وسبقهم لهم  لكن القياس اللغوي لا يشهد لهذه النسبة ، إذ النسبة إلى الصف هي صَفٌي وليست صوفي ، ثم إن المتتبع لواقع حال القوم لا يجد ما يشهد لهم بصحة تلك النسبة من تقدم وملازمة للصف الأول في الصلاة ، بل إن حالهم على خلاف ذلك ، فبطلت هذه النسبة من حيث اللغة والواقع .
 وأما النسبة إلى الصفاء فعلى زعم أنهم أصحاب النفوس الصافية الخالية من متعلقات الدنيا وأثقالها ، غير أننا نجد أن القياس اللغوي لا يشهد لهذه النسبة أيضا ، إذ النسبة إلى الصفاء أن يقال صفائي أو صفوي وليس صوفي ، ثم إن دعوى صفاء النفس ليس لها دليل يثبتها في الخارج إذ هو أمر داخلي لا يطلع عليه إلا علام الغيوب الذي يعلم السر وأخفى ، ولا يصح أن يعتمد في إثبات الدعوى على أمر داخلي لا يعلمه إلا الله ، فبطلت هذه النسبة أيضاً .
 وأما النسبة إلى الصفٌة ، والمراد بهم أهل الصفٌة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالقياس اللغوي أيضاً لا يشهد لها ، إذ النسبة إلى الصفة يقال فيها صُفٌي وليس صوفي ، ثم إن أهل الصفة لم يكونوا يتميزون عن غيرهم من المسلمين بمنهج خاص بهم لا في العقائد والأفكار ولا في الأقوال والأفعال _ كما هو حال الصوفية _ فبطلت هذه النسبة كذلك .
  وأما النسبة إلى ( صُوفة)  قيل إنها قبيلة من العرب كانت في الجاهلية تنسب إلى رجل من أبناء الغوث بن مر وكانت أمه لا يعيش لها ولد فنذرت إن ولدت ابناً أن تهبه للبيت وتربط على رأسه قطعة صوف ليعرف ، فولدت ابناً وفعلت به ذلك فصار الناس يقولون له صوفة لذلك ، لكن وإن كانت النسبة من حيث اشتقاق اللغة صحيحة فإن هذا القول ضعيف لأن تلك القبيلة لم تعرف بين العرب ثم إن الصوفية أنفسهم لا يرضون بهذه النسبة .
 وأما النسبة إلى الصوف فعلى أساس أنهم لفرط بعدهم عن متع الحياة الدنيا لبسوا الصوف وكثر ذلك منهم فعرفوا به فنسبوا إليه ، والواقع أن النسبة من حيث الاشتقاق اللغوي صحيحة وقد ظهر هذا اللباس فيهم  .
 وزعم بعضهم أن كلمة ( تصوف ) مشتقة من كلمة ( سُوف) وهي كلمة يونانية ومعناها الحكمة وأن الصوفية من الحكماء لذلك ينتسبون إلى الحكمة لكن يرد هذا القول بأن التصوف عرف عند العرب قبل ترجمة كتب اليونان إلى العربية ، لكن هذا القول يعجب المتصوفة ومن وقع في شراكهم من ضعاف العقول وأصحاب الأهواء ، وكذلك أعجب المستشرقين ومن سار على دربهم من أعداء الإسلام ، غير أننا لا نجد عند القوم شيئا من الحكمة التي هي موافقة الصواب ، كما سيتضح لنا ذلك جلياً من خلال الاطلاع على ما عندهم من منهج عقدي وفكري وسلوكي بعيد كل البعد عن مقتضيات الحكمة ، والله تعالى أعلم .
فمن خلال عرضنا لتلك الأقوال في اشتقاق نسبة التصوف يتضح لنا أن التصوف ينسب إلى الصوف ليس إلا ، وأسباب ترجيحنا صحة النسبة إلى الصوف هي :
أولاً- صحة اشتقاق الكلمة من حيث اللغة .
ثانياً- كثرة لبسهم للصوف واشتهار ذلك فيهم .
ثالثاً- أنه يدل على التواضع وكسر النفس والتذلل والخضوع والعزوف عن متع الدنيا ، وهذا ما تزعمه المتصوفة .
رابعاً- إن كبار الصوفية جعلوا لبس الصوف ركناً هاماً لمن يريد الدخول في زمرتهم ، فقد سئل أبو علي الروزباري عن الصوفي من هو ؟ فقال : من لبس الصوف على الصفاء.
خامساً _ إن الغزالي لما ذكر من  يصرف له ما يوصي به المتصوفة جعل لبس الصوف أحد الأمور التي تميز من يستحق ذلك.
سادساً _ قال الطوسي: ( إن سأل سائل فقال قد نسبت أصحاب الحديث إلى الحديث و نسبت الفقهاء إلى الفقه ، فلمَ قلت { الصوفية } و لم تنسبهم إلى أحد و لا إلى علم و لم تضف إليهم حالاً كما أضفت الزهد إلى الزهاد و التوكل إلى المتوكلين و الصبر إلى الصابرين ! فنقول لك نسبتهم إلى ظاهر لبسهم ) .
سابعاً- قال أبو نعيم الأصفهاني في الحلية معللاً سبب اختيارهم لبس الصوف : [ إذ لا كلفة لآدمي في إنباته وإنشائه ، وإن النفوس الشاردة تذلل بلباس الصوف وتكسر نخوتها وتكبرها به لتلزم المذلة والمهانة ] .
ثامناً-قال ابن تيمية : [ هؤلاء نسبوا إلى اللبسة الظاهرة عليهم وهي لباس الصوف فقيل في أحدهم صوفي ] .
تاسعاً-قال الشيخ أحمد أمين في كتاب ( ظهر الإسلام) : [ فلما جاء المتصوفة فلسفوا الزهد وجعلوه مقامات وأقساماً ، وكان من زهدهم لبس الصوف كما يفعل رهبان النصارى فسموا من أجل ذلك بالصوفية ] .
- رأي بعض الصوفية في اشتقاق التسمية:
قال الشيخ عبد الواحد يحيى : [ أما أصل هذه الكلمة فقد اختلف فيه اختلافاً كبيراً ووضعت فروض متعددة وليس بعضها أولى من بعض ، وكلها غير مقبولة ، وهي في الحقيقة تسمية رمزية وإذا أردنا تفسيرها علينا أن نرجع إلى القيمة العددية لحروفها ، وإنه لمن الرائع أن نلاحظ أن القيمة العددية لحروف كلمة (صوفي) تماثل القيمة العددية لحروف كلمة ( الحكمة الإلهية ) فيكون الصوفي الحقيقي إذاً هو الرجل الذي وصل إلى الحكمة الإلهية ،إنه العارف بالله إذ أن الله لا يعرف إلا به وتلك هي الدرجة العظمى ( الكلية ) فيما يتعلق بمعرفة الحقيقة ] .
وقد تعقبه بعض العلماء بأنه  قد انفرد بهذا الرأي الذي لم يوافقه عليه أحد ، وهو قول غريب بعيد عن الصواب ، إذ لو أردنا أن نفسر المعاني بالقيمة العددية للحروف لأدى ذلك إلى الوقوع في المحظور من المتناقضات المرفوضة عقلاً وشرعاً فرب كلمة كفر جمعت من القيمة العددية ما لكلمة التوحيد وهكذا فلا يصح هذا المذهب أبداً .
وقال الدكتور عبد الحليم محمود – وهو من الصوفية المعاصرين - : [ إنني أرى أن هذه الكلمة –يعني كلمة ( تصوف ) - لم توضع في الأصل للتصوف بمعناه الذي نفهمه الآن ] .
ويفهم من كلامه أن كلمة ( تصوف ) أطلقت في بادئ الأمر إطلاقا عفويا على ظاهر لبس القوم ، لكننا إذا أعملنا الفكر في كلام السلف رحمهم الله في شأن من تعمد لبس الصوف وحرص عليه نجد أن كلام الدكتور عبد الحليم محمود غير صحيح ، وهذه بعض أقوال السلف في حق من  تعمد لبس الصوف وحرص عليه ولزمه في أغلب أحواله.
يروى عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه سخر من ذلك فأنشد:
أيا كاسياً من جيد الصوف نفسه           وعارياً من كل فضل ومن كَيس
أتزهو به وهو بالأمس مصبح                على نعجة واليوم أضحى على تَيس
وروى عن الحسن البصري أنه قال في حق من تظاهر بلباس الصوف :[ إنهم  أكَنٌوا الكبر في قلوبهم وأظهروا التواضع في لباسهم  والله لأحدهم أشدعُجبا بكسائه من صاحب المِطرف بِمطَرفه ]
وروي عن الإمام  الأوزاعي رحمه الله أنه قال : [ لباس الصوف في السفر سنة وفي الحضر بدعة] ، وذلك لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس جبة صوف في سفر له ، وروي عن ابن سيرين رحمه الله تعالى أنه بلغه أن أقواما يتحرون لباس الصوف ، فقال : [ أظن هؤلاء بلغهم أن المسيح كان يلبس الصوف فلبسوه ، وهدي نبينا أحب إلينا من هدي غيره ] .
وقال أبو العالية لرجل عليه ثوب صوف : [ إنما هذه ثياب الرهبان ] .
وقال حماد لرجل يدعى فرقد السنجي كان يلبس الصوف : [ ضع عنك نصرا نيتك هذه ] .
وقال سفيان الثوري لرجل منهم : [ لباسك هذا بدعة ] .
وقال ابن تيمية : [ إن اتخاذ لباس الصوف عبادة وطريقاً إلى الله تعالى بدعة ، وأما لبسه للحاجة والانتفاع به لعدم وجود غيره ونحو ذلك فحسن مشروع والامتناع من لبسه مطلقا مذموم لاسيما من ترك لبسه تكبرا وخيلاء ] .
ويرى ابن خلدون أن المتصوفة آثروا لباس الصوف ليتميزوا به عن غيرهم من المنتسبين للإسلام.
وقد زعم القشيري أن لبس الصوف غير مختص بهم ، فرد عليه ابن خلدون بأنه لو استعرضنا طوائف الناس لم نجد منهم طائفة غلب على أفرادها لبس الصوف غيرهم ، ثم إنهم يلبسونه تزهدا وتورعاً عن لبس فاخر الثياب أما سائر الناس فيلبسونه لغير هذا الغرض .


-          تعريف التصوف عند المتصوفة :
عرف التصوف عند أهله بتعريفات متعددة ومتباينة فيما بينها تبايناً كبيراً جداً ، وما ذاك إلا لأنه أمر وجداني ينبع من الذوق الفردي الخاص فاختلفت تعريفاته بحسب اختلاف أذواق من عرفه .
 وقد نبه ابن خلدون إلى ذلك حيث قال عنه : ( إنه علم لا يمكن التعبير عنه لأنه أمور ذوقية  وجدانية وكل واحد عبر بما وجد ) .
ونذكر هنا أشهر تعريفاته عندهم فنقول :
عرف الجريري التصوف فقال : ( التصوف هو الدخول في كل خلق سني والخروج من كل خلق دني ) .
وقال القصاب في تعريفه : ( التصوف أخلاق كريمة ) .
وقال أبو عثمان الحيرى : ( التصوف الصحبة مع الله بحسن الأدب ودوام الهيبة والمراقبة والصحبة مع رسول الله باتباع سننه ولزوم ظاهر العلم ) .
وقال الجيلاني : ( التصوف هو الصدق مع ا لحق وحسن الخلق مع الخلق ) .
وقال الهروي الأنصاري : ( هو بذل المعروف وكف الأذى ) .
وأما الجنيد فعرف التصوف بقوله : ( التصوف هو أن تكون مع الله بلا علاقة)، و له ايضاً تعريف آخر يقول فيه :( التصوف هو أن يميتك الحق عنك و يحييك به).
و قال أبو الحسين النوري : ( التصوف ترك كل حظوظ النفس).
و قال الشبلي : ( هو برقة مخرقة ) .
أما الصوفي عندهم فقد عرفه التستري بقوله : ( الصوفي من صفا من الكدر وامتلأ من الفكروانقطع من البشر واستوى عنده الذهب والمدر) .
وقد فرق ابن سينا في كتابه [ الإشارات ] بين الزاهد والعابد والصوفي حيث قال : ( المعرض عن متاع الدنيا يخص باسم الزاهد ، والمواظب على فعل العبادات يخص باسم العابد ، أما المنصرف بفكره إلى قدس الجبروت مستديماً لشروق نور الحق في سره فيخص باسم العارف ) _ والعارف عنده هو الصوفي _ .
 - أما التصوف عند المتأخرين من الصوفية فيصوره لنا الدكتور زكي مبارك فيقول : ( التصوف هو كل عاطفة صادقة متينة الأواصر قوية الأصول لا يساورها ضعف ولا يطمع فيها ارتياب ) .
ويقول الشيخ أبو الفضل المنوفي : ( نسبة التصوف من الدين نسبة الروح من الجسد لأنه مقام الإحسان الذي فسره الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل ، وفائدته تهذيب القلوب ومعرفة علام الغيوب ، وثمرته سخاوة النفس وسلامة الصدر وحسن الخلق مع كل المخلوقين ) .
ويقول الشيخ أبو العلاء عفيفي : ( هو المظهر الروحي الديني الحقيقي عند المسلمين لأنه المرآة التي تنعكس على صفحتها الحياة الروحية الإسلامية في أخص مظاهرها فإذا أردنا أن نبحث عن العاطفة الدينية الإسلامية في صفائها ونقائها وعنفها وحرارتها وجدناها عند الصوفية ) .
لكن الدكتور عبد الحليم محمود يرى أن إرجاع التصوف إلى القيم الأخلاقية وحدها لا يعبر تعبيرًا دقيقاً عن التصوف ويستدل على ذلك بأن كل من رويت عنهم التعاريف التي تؤكد على الجانب الأخلاقي قد رويت عنهم تعاريف أخرى مما يدل على عدم كفاية الجانب الأخلاقي في تحديد ماهية التصوف ، كما أن كثيرين ممن اشتهروا بالسمو الأخلاقي ليسوا من المتصوفة من أمثال الحسن البصري وغيره ، فالأخلاق والمثل العليا قد تكون ثمرة للتصوف لا أنها هي التصوف .قلت : من عرف حقيقة التصوف ونشأته علم أنه لا يثمر أخلاقاً ولا مثلاً عليا وإنما ينتج زندقة وإلحاداً  فالأخلاق الفاضلة والمثل العليا بريئة كل البراءة من التصوف .
وهناك من جعل التصوف رديفاً للزهد وهذا خطأ فأكثر الزهاد ليسوا من المتصوفة ، فالزهد شيء والتصوف شيء آخر ، وهكذا يقال في العابد إذ الإكثار من العبادة ليس مرتبطاً بالتصوف فالعبادة شيء والتصوف شيء آخر .
ونحن لا نريد أن نعطي للتصوف تعريفاً معيناً قبل أن نطلع على جميع جوانبه وكل ما يتعلق به لنعرف ماهيته وكنهه وحقيقته ، فنبدأ أولاً بالاطلاع على بداياته الأولى فنقول :
-         نشأة التصوف –
يلزمنا للاطلاع على نشأة التصوف أن نعرف من أين جاء ، وكيف وصل إلى بلاد المسلمين ؟
وللإجابة عن هذين السؤالين نقول :
كان أول ظهور هذا المسلك عند الهندوس الذين يقسمون المجتمع إلى عدة طبقات بعضها أدنى من بعض فالطبقة العليا عندهم هي طبقة البراهمة وهم الذين خرجوا من رأس الإله بزعمهم ، ثم طبقة الكاشتر وهم الذين خرجوا من ذراع الإله بزعمهم ومهمتهم حمل السلاح للدفاع عن البراهمة ، ثم طبقة الويش وهم الذين خرجوا من فخذ الإله كما يزعمون وهم الصناع والتجار والزراع ، ثم طبقة الشودر وهم الذين خرجوا من أرجل الإله بزعمهم وهم طبقة المنبوذين وعملهم مقصورعلى خدمة الطبقات السابقة التي هي أعلى منهم رتبة وخاصة طبقة البراهمة ، ولا يجوز عندهم أن يتزوج رجل من طبقة أعلى من طبقته ، ويجوز أن يتزوج من طبقة أدنى من طبقته باستثناء طبقة الشودر إذ لا يجوز لأحد من الطبقات الثلاث الأولى أن يتزوج منهم أبداً  ، وعندهم أن طبقة الشودر هؤلاء أحط درجة من البهائم وأذل من الكلاب ، كما أنه لا يحق لأحد من طبقة ما أن ينتقل إلى طبقة أعلى منها أو أدنى على الإطلاق ، ومن أسس معتقدات الهندوس أن من لم يرغب في شيء وتحرر من جميع الشهوات فإن روحه تنطلق بعد موته لتتحد بالبراهمة ، وعندهم أن البرهمي يرتقي في أربع مراتب ، الأولى التلميذ وهو صغير السن ، الثانية رب الأسرة ، الثالثة الناسك ، الرابعة الفقير وهو الذي يخرج من حكم الجسد إلى حكم الروح فيقترب من الإله كما يزعمون ، وبدهي أن الطبقة السفلى المنبوذة والتي تعاني الأمرين من جراء معاملة الطبقات الأخرى لهم تتكون لدى أبنائها الرغبة القوية في التخلص من ذلك الوضع المخزي الذي فرض عليهم رغماً عنهم بلا جريرة منهم فيتطلعون إلى الوصول إلى الطبقات العليا وبخاصة طبقة البراهمة ذات السيادة المطلقة والامتيازات الكبيرة والنفوذ الواسع ، وقد علمنا أن من أسس معتقداتهم أن من لم يرغب في شيء من متع الدنيا فإن روحه تتحد بالبراهمة بعد موته ولا شك في أن هذه العقيدة دفعت بأعداد من تلك الطبقة المقهورة إلى ترك كل متع الحياة والخروج إلى البراري والجبال والعيش داخل الكهوف في ظل الأحلام الوردية العذبة يمنون النفس بكل جميل ويعيشون على أوهام أمل خادع ينتظرونه بفارغ الصبر فيشعر أحدهم بشيء من السعادة والرضى لأنه تخلص من ذلك الرق الذي فرضه عليه المجتمع ظلماً وعدواناً ، وشيئا فشيئا تكاثرت أعداد الهاربين من الذل والقهر حتى أصبحوا مجموعات صغيرة تتوارث حياة العزلة والخيال ،حتى عرفوا بالكهفيين لأنهم سكنوا الكهوف  أو الفقراء ، ثم صاروا يبررون حالهم بمبررات يحاولون تصديقها  ثم غدت تلك المبررات قواعد وأسس لمنهجهم الخاص هذا الذي يقوم على الكسل والتواكل والخمول والبعد عن الواقع المؤلم بالنسبة لهم ، ومما لا شك فيه أن هذا المنهج بعيد كل البعد عن الدين الإسلامي الحنيف دين العمل والنشاط والعطاء والحيوية ومعايشة الواقع بكل شجاعة والعمل فيه بإيجابية كاملة  .
 أما عن كيفية انتقال هذا المنهج إلى المسلمين فنقول : لما اتسعت الفتوحات الإسلامية في كل اتجاه وأزالت عن الساحة دول الكفر من مجوس ويهود ونصارى  ودخلت شعوب تلك الملل في الإسلام كان دخولهم على صنفين ، صنف دخل في الإسلام عن رضاً وقناعة لما رأى في الإسلام من عدل وسماحة وخير فحسن إسلامه حتى كان منهم العلماء الذين يفخر بهم المسلمون في كل مكان وزمان ، وقسم لم يرض بالإسلام بديلاً عما كان عليه لكنه رأى أن من مصلحته أن يظهر الإسلام حتى يسلم من الرق أو الجزية ولقد غص أولئك بهذا المجد و ذلك العز الذي تحقق للمسلمين فأضمروا الحقد على الإسلام والمسلمين وصاروا يعملون للنيل من الإسلام وأهله ولم تكن الفرصة متاحة لهم للظهور على الساحة والمجاهرة بأهدافهم ونواياهم إبان حكم بني أمية ، فإن العهد قريب والدولة الإسلامية في حماس شديد لنشر الإسلام وتوسيع رقعته في الأرض فأخفوا رغبتهم وظلوا يتربصون بالمسلمين الدوائر حتى إذا بدت بوادر ضعف الدولة بادروا إلى معاونة بني العباس في القضاء على بني أمية ، لا حباً في بني العباس وإنما تشفيا من المسلمين ورغبة في إحداث الفوضى والتفرقة بين أبناء الأمة الواحدة – خاصة وأن بني أمية كانوا يتعصبون للعرق العربي مما أوغر صدور الشعوب غير العربية على الدولة _ وعلى أكتافهم قامت الدولة العباسية وتنفس أولئك الصعداء فقد سنحت لهم الفرصة ليعملوا على تحقيق غاياتهم في إبعاد المسلمين عن دينهم الذي هو مصدر قوتهم وسب عزهم ورفعتهم ، فصاروا يظهرون التزهد والعزوف عن متع الحياة الدنيا لينالوا المكانة الرفيعة عند العامة والخاصة فتحصل لهم بذلك نشوة النصر بغير جيش أو سلاح ، وجهدوا في ترجمة الكتب التي تحمل الفلسفات الهندية والإغريقية والفارسية إلى اللغة العربية - لغة أكثر المسلمين في ذلك الوقت - لكي تزاحم تلك الأفكار الغريبة عن الدين  العلوم الإسلامية فيقع في شراكهم من يقع ، وبالفعل تم لهم ما أرادوا فوقع بعض المسلمين ممن أحسن الظن بهم ولم يفطن لمكرهم ولم يفهم الإسلام الفهم الصحيح .
وهكذا دخل هذا الداء الخبيث إلى جسم الأمة الإسلامية ثم أخذ ينموا حتى استفحل أمره وعظم خطره نسأل الله العافية .
-   وخلاصة القول هي : [ إن الذين أدخلوا التصوف إلى بلاد المسلمين هم الحاقدون على الإسلام والمسلمين ليفسدوا على المسلمين دينهم ] .
-          كيف دخل التصوف على المسلمين:
إن مما لا شك فيه أن التصوف هو أكبر بدعة أدخلت على الدين الإسلامي الحنيف ، حتى قال القائل في ذلك :( إن التصوف هو أدنأ وألأم كيد ابتدعه الشيطان ليسخر معه عباد الله في حربه لله ولرسوله ، إنه قناع المجوس يتراءى أنه رباني ) ، وقال آخر : ( وجه الخطر في الصوفية أنها غطيت بألوان السحر البياني والفتون والخيالي فلا ينجوا منها إلا العالمون الأقوياء عقولاً )، وقال الدكتور صابر طعيمة : ( إن مسار هذه الجماعة التي انطلقت تحمل مؤثرات غير إسلامية  لم تكن بالمستوى الذي كان عليه السلف من المسلمين فتعرج ذلك المسلك في اتجاهات عدة حتى كادت أن تنقطع الصلات والروابط التي بينهم وبين الإسلام ، وحتى إنه ليمكن القول وبغير تجاوز أنه قد ضل عبر مسار التاريخ الإسلامي الطويل معظم المنخرطين في سلك الجماعات الصوفية ) .
وكما هو معلوم أن البدعة أول ما تدخل على الناس تدخل من باب الاستحسان وتبدأ صغيرة لا يفطن لها العامة ، وإن الزهد أمر حسن جميل يستحسنه كل مسلم ، وبدعة التصوف دخلت من باب استحسان الزهد ، وقد علمنا سابقاً أن نفراً من المسلمين قد أحسنوا الظن بأعدائهم ولم يفطنوا لمكرهم فحاولوا الإقتداء بهم لما رأو فيهم من إعراض عن ملذات الحياة الدنيا وطيباتها باسم الزهد ، وقد كان أولئك النفر الأوائل على قدر كبير من صدق العاطفة وقوة اليقين والرسوخ في العلم وكان منهجهم يقوم على أسس صحيحة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف مستنيرين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أمثال الفضيل بن عياض وابنه علي رحمهما الله .
  ونستطيع أن نقول إذاً : ( بدأ التصوف باسم الزهد لكنه لم يكن زهداً في الحقيقة ).
  -         علاقة التصوف بالزهد:
الحق أن التصوف شيء والزهد شيء آخر لكن المتصوفة لما أرادوا الدخول على المسلمين لإفساد أمرهم لم يجدوا غير الزهد مدخلا لأن الزهد أمر مطلوب في الإسلام والزاهد محترم مبجل فكان هذا هو الباب الذي دخل منه المتصوفة على الناس .
هذه خلاصة العلاقة بين الزهد والتصوف ، لكن ما حقيقة الزهد في الإسلام ؟ وما الذي طرأ عليه ؟ وهل بقي الزهد زهداً إسلامياً كما بدأ ؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة نقول :
الزهد أمر مشروع في الإسلام حثت عليه النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ، فمن نصوص الكتاب الكريم قول الحق تبارك وتعالى :" واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا".
ومن نصوص السنة المطهرة قوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين ) ، وقوله : ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء)
ولما فهم بعض الصحابة من هذه النصوص وأمثالها أن عليهم ترك الطيبات والإعراض عن الحياة السوية فقال أحدهم : أنا لا أتزوج النساء وقال الآخر : أنا أصوم ولا أفطر وقال الثالث : أنا أصلي الليل كله ولا أنام ، بين  لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمر ليس كما فهموا وأنه عليه الصلاة والسلام أتقى الناس وأشدهم خشية لله سبحانه لكنه يصوم ويفطر ويصلي وينام ويتزوج النساء وأن هذا هو الهدي السوي ولا ينبغي لأحد أن يعدل عنه لأن من رغب عن سنته فليس منه ، واستجاب الصحابة لتوجيهات نبي الهدى عليه الصلاة والسلام فعاشوا حياة الزهد الذي ينسجم مع الكتاب والسنة لا سلبية فيه في النظرة إلى الدنيا والمال وعرفوا أن الزهد يكون في القلب قبل الجوارح وأنه يكون مع السعة والغنى كما يكون مع الفقر ، فعاشوا حياة البساطة في كل أمر أبعد الناس عن التكلف والتصنع يرفضون كل ما يخالف الفطرة وكانوا لكمال إيمانهم وقوة عزمهم لا يلتفتون إلى زخرف الحياة الدنيا وبهرجها الزائف .
ونحن نعرف أن الدولة الإسلامية أخذت تتسع في كل الاتجاهات وصارت الأموال تتدفق على بيت المال من الخراج والزكاة والفيئ والغنائم حتى أنه في زمن الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه كان لا يكاد يمر يوم إلا وأموال تقسم وتوزع على المسلمين فعم الرخاء وزاد المال في أيدي الناس ، ولما انقضى عصر الراشدين وجاء عصر بني أمية زادت موارد الدولة واتسعت رقعة البلاد الإسلامية أكثر وأكثر وبدأ الترف والإقبال على الدنيا والافتتان ببهرجها الزائف والانغماس في الشهوات والملذات وجمع الأموال والثروات ، ونتج عن ذلك رد فعل قوي عند كثير من التابعين كان منشؤه الإيمان القوي الصادق والرغبة في السير على الجادة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام  ، لكن رد الفعل هذا كان في بعض الأحيان أقوى مما يجب فصار بعضهم يذم الدنيا ويحتقرها ويدعوا إلى ترك كل ما فيها ويؤثر حياة العزلة والانفراد عن الناس خشية أن تفتنه زخارف الحياة الدنيا فصار يستغرق في العبادة وينقطع لها عن كل شيء ، ولقد نقل عن بعضهم أنه كان يصعق عند قراءة القرآن ، وهذا أمر لم يكن موجوداً في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ولعل الباعث لهم على هذا الغلو حسرتهم على فوات لقيا الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم فأرادوا أن يكملوا ذلك النقص بالاجتهاد والإمعان في العبادة ، ولقد روي عن الصحابة الكرام ذم حال هؤلاء لأنهم أحدثوا أمراً لم يكن موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فهذا عبد الله بن عمر لما مر برجل قد سقط عند قراءة القرآن فقال : ما شأنه قالوا : إذا قرئ عليه القرآن يصيبه هذا ، فقال إنا لنخشى الله وما نسقط .
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه : لقد رأيتنا ووعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم حتى سمعنا للقوم خنيناً حين أخذتهم الموعظة وما سقط منهم أحد .
وقيل لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قراءة القرآن  ؟ قالت : كانوا كما ذكرهم الله تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم ، فقيل لها : إن هاهنا رجالاً إذا قرئ على أحدهم القرآن غشي عليه ، فقالت : أعوذ بالله .
وقال محمد بن سيرين في شأن هؤلاء الذين يصعقون عند تلاوة القرآن : يقعد أحدهم على جدار ثم يقرأ عله القرآن فإن وقع فهو صادق .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( إن خير الإسلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وخير القرون القرن الذي بعث فيهم وإن أفضل الطرق والسنن إلى الله ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإن على المؤمنين أن يتقوا الله بحسب اجتهادهم ووسعهم كما قال الله تبارك وتعالى :" فاتقوا الله ما استطعتم " ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : [ إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم  ] ، وإن كثيراً من المؤمنين المتقين أولياء الله قد لا يحصل لهم من كمال العلم والإيمان ما حصل للصحابة فيتقي الله ما استطاع بحسب اجتهاده فلا بد أن يصدر منه خطأ إما في علومه وأقواله وإما في أعماله وأحواله ، ويثابون على طاعتهم ويغفر لهم خطاياهم فمن جعل طريق أحد من العلماء والقراء أو طريق أحد من العباد والنساك أفضل من طريق الصحابة فهو مخطئ ضال مبتدع ، ومن جعل كل مجتهد في طاعة أخطأ في بعض الأمور مذموما معيبا ممقوتا فهو مخطئ ضال مبتدع ) .
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائماً في الشمس فقال ما هذا ؟ فقالوا : أبو اسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم ، فقال النبي: ( مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهكذا ما يراه الناس من الأعمال تقرباً إلى الله ولم يشرعه الله ورسوله فإنه لا بد أن يكون ضرره أعظم من نفعه ، وإلا فلو كان نفعه غالباً على ضرره لم يهمله الشارع ، فإنه صلى الله عليه وسلم حكيم لا يهمل مصالح الدين ولا يفوت على المؤمنين ما يقربهم إلى ربهم .أه
أما المتصوفة فإن لهم إتجاه آخر غير الزهد فهم يرون أن السعي في طلب الرزق سوء ظن بالله عز وجل وأن الزواج معصية يعاقب فاعلها بالذرية ، وفي مثل هذا يقول الجنيد : ( أحب للمبتدئ أن لا يشغل قلبه بهذه الثلاث وإلا تغير حاله ، التكسب وطلب الحديث والتزوج ) ، ومن أقواله  أيضاً : ( الحيلة ترك الحيلة والاهتمام بطلب الرزق يؤذي الدين والأخذ بالأسباب يبعد المطالب )
وقال آخر: ( من تزوج فقد ركب البحر فإن ولد له فقد غرق ) ، ويروي الشعراني عن أبي رباح القيسي قوله : ( لا يبلغ الرجل منازل الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة وأولاده كأنهم أيتام ويأوي إلى مزابل الكلاب ) .
ويقول ابن عطاء الاسكندري : ( لا تختر من أمرك شيئاً واختر أن لا تختار ، وإن المدبر لنفسه مع الله يبني والله يهدم ، والتدبير شجرة تسقى بسوء الظن بالله وثمرتها القطيعة عن الله ، ولو أحسن العبد الظن بالله لماتت شجرة التدبير في قلبه ) .
ويروي الشعراني في معرض ذكر كرامات القوم أن الشيخ مرشد كان يطوي الأيام والليالي وأنه مكث أربعين سنة يأكل في كل يوم زبيبة حتى لصق بطنه بظهره ، وأن الولي عيسى بن نجم مكث بوضوء واحد سبع عشرة سنة وأنه نام طول هذه المدة ولما استيقظ صلى بوضوئه السابق وكان في وسطه منطقة فلما حلها تناثر الدود من وسطه .
ويروي الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين 4/304 أنه قيل لأبي يزيد البسطامي حدثنا عن رياضة نفسك في بدايتك ، فقال نعم دعوت إلى الله نفسي فجمحت علي فعزمت عليها أن لا أشرب الماء سنة ولا أذوق النوم فوفت لي .
هذا هو منهج القوم ، وشتان بين هذا المنهج وبين الزهد الإسلامي الذي حث عليه الدين الحنيف
وهكذا نجد أن المتصوفة قد ساهموا مساهمة كبيرة في ضياع شخصية الأمة الإسلامية وحولوها إلى مسخ مشوه تنفر منه الطباع السليمة والعقول المستقيمة ويأنف من النظرإليه كل ذي بصيرة .
قال بعض الباحثين في التصوف : ( إن من الإجرام أن نصف المفلسين العاجزين بالزهد والعفة لأن الزهد يكون ممن قدر على الكثير فرضي بالقليل والعفة تكون لمن كف عن رغبة وقدرة وليس لمن عجز وضعف .
-         الطريق الذي سار فيه التصوف بعد بدايته الأولى :
ينشأ لدى الباحث في التصوف سؤال وهو ما الذي حدث بعد تلك البداية ؟.
وللإجابة عن هذا السؤال يقول العلامة ابن الجوزي رحمه الله : ( وكان أصل تلبيسه عليهم أن صدهم عن العلم وأراهم أن المقصود العمل فلما انطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا في ظلمات الجهل ، فمنهم من كان  لقلة علمه يعمل بما يقع له من أحاديث موضوعة وهو لا يدري ، ثم جاء أقوام فتكلموا في الجوع والفقر والوسواس والخطرات وصنفوا في ذلك وجاء آخرون فهذبوا مذهب التصوف وأفردوه بمصنفات وخصوا الصوفية بالسماع والوجد والرقص والتصفيق ثم ما زال الأمر ينموا والأشياخ يضعون له أوضاعاً ويتكلمون بوقعاتهم ويدعون أن ما هم عليه أوفى العلوم وأتمها حتى سموا ما هم عليه  علم الباطن وجعلوا علم الشريعة هو العلم الظاهر ، ومنهم من خرج به الجوع إلى خيالات فاسدة فادعى عشق الإله والهيام به وكأنهم تخيلوا شخصا حسن الصورة فهاموا به ، ثم تشعبت بأقوام منهم السبل ففسدت عقائدهم فمنهم من قال بالحلول ومنهم من قال بالاتحاد وما زال إبليس يتخبط بهم في فنون من البدع حتى اختلقوا لأنفسهم سننا ، وقد دخل عليهم من أبواب :
أحدها – أنه منع جمهورهم من العلم أصلاً وأراهم أنه يحتاج إلى تعب وكلفة فحسن لهم الراحة فلبسوا المراقع وجلسوا على بساط البطالة .
وفي هذا يقول الشافعي رحمه الله : ( أسس التصوف على الكسل ) .
الثاني – أنه قنع قوما منهم باليسير ففاتهم الفضل الكثير وأوهمهم أن علو الإسناد والجلوس للحديث كله رياسة ودنيا وأن للنفس في ذلك لذة .
الثالث – أنه أوهم قوما منهم أن المقصود العمل – وما فهموا أن الاشتغال بالعلم من أوفى الأعمال ثم أن العالم وإن قصر فإنه على الجادة والعابد بغير علم على غير الطريق - .
-   الرابع – أنه أوهم خلقاً كثيراً منهم أن العلم هو ما اكتسب من البواطن ، حتى إن أحدهم يتخايل له وسواسه فيقول : حدثني قلبي عن ربي ، وقد سموا علم الشريعة علم الظاهر وسموا هواجس النفس علم الباطن .
-         علاقة التصوف بالتشيع :
نرى بوضوح العلاقة الوثيقة بين التصوف والتشيع من خلال ما يزعمه المتصوفة بأنهم أهل الحقائق الباطنة التي لم يطلع عليها سوى الخاصة ، وأن هذه الحقائق هي عين ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه دون غيره من المسلمين ، وهذا القول هو ما يدعيه الشيعة لأنفسهم ، والحق أن هذا القول فيه اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم بالخيانة لأنه يلزم منه أنه عليه الصلاة والسلام أخفى عن المسلمين شيئاً مما يهمهم في دينهم _ وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك _ وقد قال له ربه تبارك وتعالى في محكم التنزيل : { يا أيه الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس } ، فكيف يصح عند مسلم أن يزعم مثل هذا الزعم الباطل ، إنه لا يقول بهذا القول من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ، ثم إن التاريخ يثبت أن الشيعة هم أول من جلب التصوف إلى بلاد المسلمين باسم الزهد كما قد عرفنا من قبل ، ولعل سبب ذلك هو أنه بعدما غلب بنوا أمية على الخلافة انقمع كل من كان يظهر التشيع لآل البيت ولم يجرؤ على المجاهرة بما يخالف حكم بني أمية – خلافاً للخوارج الذين كانوا يجاهرون بالعداء لبني أمية – فوجد أولئك في التصوف متنفساً لهم وستاراً يختفون تحته دون أن يشعر بهم أعداؤهم فيتمكن الواحد منهم من خداع أكبر عدد ممكن من العامة ويفرض عليهم شخصيته بكلام وأحوال يصطنعها ليستميل قلوبهم إليه فيعظمونه ويجلونه وهنا يشعر بالفخر والكبرياء يملأ نفسه ويشعر بنشوة الانتصار بدون حرب أو قتال وما ذاك إلا من نفخ الشيطان والعياذ بالله ، _ وهاهنا أمر جدير بالانتباه له والتنبيه عليه وهو أن محبة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة على كل مؤمن بل لا يصح إيمان العبد بغير محبة الرسول الكريم ومحبة آل بيته الكرام صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ وأما دعوى ضرورة أن تكون الخلافة فيهم فهي دعوة باطلة ، لأن المحبة والموالاة شيء وتولي السلطة شيء آخر ، لكن أولئك الذين يتظاهرون بالتشيع لآل البيت إنما غرضهم إحداث الفتنة والفرقة بين المسلمين ليتمكنوا هم من استعادة أمجادهم القديمة من مجوسية ويهودية حاقدة على الإسلام وأهله .    

-         أركان التصوف:
أركان التصوف التي يبنى عليها هي : ( الكسل ، الجهل ، الفقر )
والواقع أن الكسل أدى إلى امتناعهم عن طلب العلم لأن في طلب العلم نوع مشقة وتعب وجهد وهذا لا يتناسب مع حال الكسول ، فلما امتنعوا عن طلب العلم وقعوا في الجهل ، ومعلوم أن الجهل هو أعظم داء يصاب به الإنسان فالجاهل عدو نفسه قبل أن يكون عدو غيره ، وإن الشيطان ليلعب بالجاهل لعب الصبيان بالكرة فيرميه في أوحال الإلحاد والزندقة من حيث لا يعلم ، ثم إن الكسل أدى بهم إلى ترك العمل وطلب الرزق بالطرق الشريفة المشروعة فأصابهم الفقر وصاروا عالة على غيرهم في كل شيء حتى في طعامهم وشرابهم حتى إنه كان لبعضهم من المعجبين بعدد أيام السنة فينزل في كل يوم عند واحد منهم فيطعمه وسقيه ويؤويه في ذلك اليوم _ وما أبعد حال هؤلاء عن الإسلام دين العمل والجد والنشاط والعطاء _ لكن الحقيقة التي يجب أن لا تغيب عن الأذهان هي أن أولئك الذين أضمروا الحقد على الإسلام وأهله ممن عرفنا حالهم بدؤوا بتحطيم عقيدة التوحيد التي قامت عليها الأمة الإسلامية وانبنى عليها مجد المسلمين ، فأرسلوا دعاتهم في البلاد يتظاهرون بالزهد والتقشف والعبادة وينشرون في الناس من وراء ذلك سموم الشرك والإلحاد والفوضى في العقيدة والفكر ، فهم يلقنون أتباعهم عقيدة الحلول والاتحاد ويغرون الناس بالرذيلة حتى قال بعض العلماء : ( إن الصوفية هم الذين نشروا الشذوذ الجنسي في المجتمعات  ، ويشجعون على الاستخفاف بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف والترخص في أوامره ونواهيه ، فيبيحون المحرمات ويحرمون الطيبات ويتأولون القرآن بتأويلات تتناسب مع مذهبهم الباطل حتى جعلوا للقرآن ظاهرا وباطنا ويضعون الأحاديث كذبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤيدوا بها باطلهم ويخلطون في كلامهم فيدعون رؤية الملائكة ومخاطبتهم والأخبار بالغيب والقدرة على شفاء المريض ورد الغائب ، وهم في كل ذلك يحدثون طوائف الناس بما يناسب ميولهم ورغباتهم وأحوالهم ويخدعون البلهاء والعامة بالسحر والشعوذة ويقولون عنها إنها كرامات .
ولقد كانت بذور التصوف هي المحاولة الأولى التي سعى بها الشعوبيون لتقويض الدولة الإسلامية الناشئة وانتهاب ميراثها ، ثم تبعتها مرحلة أخرى حيث اندس أعوانهم بين صفوف المسلمين ونهضوا بدعوة القرامطة ليوسعوا بذلك شقة الخلاف والفرقة حتى يتم انهيار الأمة الإسلامية تماما

- التصوف والباطنية -
إن التصوف والباطنية يصدران عن مورد واحد وهو ادعاء أن للدين ظاهراً وباطناً ، لكن لماذا اختار المتصوفة هذا المسلك الذي سلكته الفرق الباطنية ؟ [ الشيعة وما تفرع عنها ] .
وللإجابة عن هذا السؤال نقول : لقد علم المتصوفة أن مذهبهم العقدي القائم على الإلحاد والزندقة لا يمكن أن تقبله جماهير المسلمين إن هم صرحوا به علانية ، فبحثوا عن وسيلة ينفثوا من خلالها سمومهم القاتلة ، فوجدوا في القول بالباطن بغيتهم فراحوا يزعمون أن للدين ظاهراً وباطناً واجتهدوا في دعم زعمهم هذا بأدلة مختلقة يلبسون بها على العامة والسذج من الناس ، وبذلك يجدون لإنفسهم ملجأً يحتمون به من انتقاد العلماء لهم والحكم على أقوالهم وأفعالهم بمخالفة الشريعة الإسلامية وفي نفس الوقت يوهمون الناس بأن لهم دعماً غيبياً يبررون به كل مخالفاتهم لنصوص الشرع الحنيف ، وقد جعلوا الرمز والإشارة وعلم الباطن طريقهم لبلوغ هدفهم ،  وتلك الأدلة المزعومة هي :
1 – { لكل آية ظهر وبطن ولكل حرف حد ولكل حد مطلع }.
2 – { للقرآن باطن وللباطن إلى سبعة أبطن } .
3 – { إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله فإذا نطقوا به لم ينكره إلا أهل الغرة بالله }
وزعموا أن هذه الأقوال أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
4 – دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما بقوله :" اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل " .
5 – أثر عن أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال :" حفظت وعاءين من رسول الله صلى اله عليه وسلم ،أما الأول فبثثته وأما الثاني فلو بثثته لقطع مني بلعومي هذا " .
6 – ما يروونه عن علي بن الحسين من أنه قال :
يارب جوهر علم لو أبوح به                  لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا.
ولاستحل رجال مسلمون دمي             يرون أقبح ما يأتونه حسنا .
إني لأكتم من علمي جواهره                كي لايرى الحق ذوجهل فيفتتنا.
وقد تقدم في هذا أبوحسن                   إلى حسين ووصى قبله الحسنا .
7 – قصة الخضر مع موسى عليه الصلاة والسلام .
وتفنيد هذه الأدلة المزعومة على النحو التالي :
أما الأقوال الثلاثة الأولى فكذب وافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ]،
وأما حديث دعائه لعبد الله بن العباس رضي الله عنهما فصحيح ، لكن ليس المراد به ما ذهب إليه أهل الباطل من المتصوفة ،وإنما المراد به أن يفتح الله عليه في فهم النصوص الشرعية ما لا يفتح به على كثير من الناس ، ويوضح ذلك ما رواه البخاري رحمه الله في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال لعمر: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال عمر رضي الله عنه : هو من قد علمتم ، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم ، قال : فعلمت أنه ما دعاني  يومئذ إلا ليريهم ، فقال عمر : ما تقولون في قول الله تعالى : { إذا جاء نصر اله والفتح } ، فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا ، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً ، فقال لي : أكذلك تقول يا ابن عباس ؟ ، فقلت : لا ، قال : فما تقول ؟ قلت : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه إياه ، قال { إذا جاء نصر الله والفتح } ، وذلك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً ، فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تقول .
قال الحافظ إبن حجر العسقلاني : ( في هذا الخبر فضيلة ظاهرة لابن عباس وتأثير لإجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أن يفقهه في الدين ويعلمه التأويل ) ، فهذا وأمثاله إنما يدل على أن فهم ما غاب عن كثير من الناس هو فضل من الله تبارك وتعالى يختص به من يشاء من عباده وهو فهم ينسجم مع روح الشريعة الإسلامية غير متعارض معها أو مناقض لها أو غريب عنها كما يفعل أهل الباطن .
وأما أثر أبي هريرة رضي الله عنه فصحيح أيضاً لكن ليس المراد بالوعاء الآخر علم الباطن كما يزعم أهل الباطن ، وإنما المراد به _ كما قال الحافظ ابن حجر _ هو تلك الأحاديث التي فيها بيان أسماء أمراء السوء وأحوالهم وزمانهم ، وقد روي عنه أنه كان يقول : ( أعوذ بالله من سنة الستين وإمارة الصبيان ) ، يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية فقد كانت في سنة ستين للهجرة ، وقد استجاب الله له دعوته هذه فمات قبلها بسنة واحدة .
قال ابن المنير : ( جعل الباطنيون هذا الحديث ذريعة إلى القول بمذهبهم الباطل حيث قالوا بأن للشريعة ظاهراً وباطناً ، وذلك الباطن إنما حاصله الانحلال من الدين ) .
وأما الأبيات التي ينسبونها إلى علي بن الحسين فهي من اختلاق الرافضة الذين يزعمون أن الله خص علياً وأولاده بعلوم باطنة .
وقد روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي جحيفة قال : قلت لعلي بن أبي طالب هل عندكم كتاب _ يعني غير القرآن المعروف عند المسلمين _ قال :لا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة ، قال قلت : فما هذه الصحيفة ؟ قال : العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر ،
وهذا دليل واضح وصريح على أن أهل بيت رسول الله صلى اله عليه وسلم لم يخصهم الرسول صلى الله عليه وسلم  بعلم دون سائر المسلمين .
وأما استدلالهم بقصة الخضر عليه السلام مع موسى عليه الصلاة والسلام ، فهي أعظم ما تمسكوا به ليروجوا على الناس باطلهم ظناً منهم أن فيها ما يؤيد مذهبهم الباطل خاصة وأنها مذكورة في القرآن الكريم ، وقد ركز المتصوفة على جانبين في شخصية الخضر عليه السلام هما :
الجانب الأول - ادعاؤهم أن الخضر عليه السلام ولي وليس نبي ، وهم يسعون من خلال هذا الادعاء إلى القول بأن الولي أعلم من النبي ، لأن موسى عليه الصلاة والسلام وهو نبي ذهب إلى الخضر ليتعلم منه ، وقد رسخت هذه الفكرة في أذهانهم حتى قال قائلهم :
مقام النبوة في برزخ                فويق الرسول ودون الولي .
لذلك فإنه ليس من المستغرب أن تجد في بعض كتبهم عبارة ( لقد خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله ) ، بل تجد بعضهم يزعم أنه استغنى عن الوحي تماماً بما يسميه كشفاً أو علماً لدنياً وفي ذلك يقول الشبلي :
إذا طالبوني بعلم الورق             برزت لهم بعلم الخرق .
ويقول ابن عربي :( تأخذون علمكم عن الأموات ونأخذ علمنا عن الحي الذي لا يموت ، فإذا قلت لأحدهم من أخبرك قال فلان فإن قلت أين هو قال مات عن فلان فإن قلت أين هو قال مات ، ونحن نقول حدثني قلبي عن ربي )،.
وإبطال دعوى أن الخضر ولي وليس نبي يكون على النحو التالي :
أولاً- ما جاء في تفسير الرحمة المذكورة في قوله تعالى { آتيناه رحمة من عندنا } بأنها النبوة وذلك مروي عن عدد من المفسرين ، وقد تكرر إطلاق الرحمة في القرآن على النبوة كما في قوله تعالى : { أهم يقسمون رحمة ربك } أي النبوة ، ويقوي هذا المعنى كون هذه الآيات في الرد على الكفار الذين قالوا لولا أنزل القرآن على رجل من القريتين عظيم ، أي أنهم أرادوا أن يكون النبي غير محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ،
ثانياً -  قول الخضر عليه السلام ( وما فعلته عن أمري ) فيه دلالة واضحة على أنه نبي يوحى إليه لأن الله تبارك وتعالي هو الذي أمره بأن يفعل ما فعل .
ثالثاً _ إن العلم اللدني المذكور في الآية الكريمة في قوله تعالى : { وعلمناه من لدنا علماً } هو من علم النبوة كما في قوله تعالى ممتناً على نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم { وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً } ، وامتن على يوسف عليه الصلاة والسلام بالنبوة فقال سبحانه { ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً} ، فالخضر عليه السلام لم يفعل إلا ما أمره به الله  وهذا الأمر إنما يكون عن طريق الوحي ، لاسيما أن فيه قتل نفس بغير نفس وتعييب للسفينة وهذا وأمثاله مما يخالف ظاهر الشرع لا يصح أن يفعل إلا عن طريق الوحي عن الله تبارك وتعالى ، ولا يجوز أن يقال أن ذلك كان إلهاماً للخضر وليس نبوة لأن الإلهامات لا يعتد بها فيما يخالف المشروع لعدم العصمة فيها ، وغير المعصوم لا ثقة بخواطره إذ لا يؤمن أن تكون من دسائس الشيطان ولا يصح بحال أن تنزل الخواطر منزلة الشرع أبداً .
رابعاً - يتضح من القصة أن الله سبحانه وتعالى قد أطلع الخضر على شيء من الغيب لم يطلع عليه موسى ، وقد جاء في القرآن الكريم قوله تبارك وتعالى : {عالم الغيب فلا يظهر على عيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدداً } ، ولا يكون رسولاً حتى يكون نبياً فكل رسول نبي من غير عكس  .
خامساً - قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسير الآية الكريمة : وفيه دلالة لمن قال بنبوته _ يعني الخضر عليه السلام _ ، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : إن أغلب أخباره مع موسى هي الدالة على تصحيح قول من قال إنه كان نبياً ، وقال الإمام البقاعي في هذا : ( ولا حجة للمتصوفة في قصة الخضر مع موسى عليهما السلام للفرق بخصوص تلك الرسالة مع أن الخبر بعلم الخضر جاء من الله تعالى إلى موسى عليه السلام ، فأين هي من دعاويهم ، ولا شبهة عليها فضلاً عن دليل بل هي مصادمة للقواطع ومن صادم القواطع قطعت عنقه ولو بلغ في الزهد والعبادة أقصى الغايات ) .
الجانب الثاني –
دعوى استمرار حياة الخضر عليه السلام ، وقد بنوا على هذه الفرية أساطير وحكايات كثيرة هي من نسج خيالهم ووحي شياطينهم ، وجعلوها مستندهم في الأخبار العجيبة ، فصاروا يروون اجتماعهم به وأخذهم عنه العلوم الباطنة كما يزعمون ، والجواب عن هذه الفرية يكون على النحو التالي :
أولاً- قال الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل : { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون }  فهذا نص صريح في أن الله تبارك وتعالى لم يحكم لأحد من البشر بالخلود في هذه الحياة الدنيا ولو كتب الخلود فيها لبشر لكان أولى الناس بذلك خاتم الأنبياء والمرسلين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، وقد حكم الله تبارك وتعالى بموته صلى الله عليه وسلم فقال تعالى : { إنك ميت وإنهم ميتون } .
ثانياً- لما سئل الإمام البخاري رحمه الله عن حياة الخضر وإلياس وهل هما حيان ؟ قال : كيف يكون هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بقليل :[ أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد ] .
ثالثاً- قال شيخ الإسلام ابن تيمية : لو كان الخضر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حياً لوجب عليه أن يأتي النبي ويجاهد معه ويتعلم منه ، ولقد قال النبي يوم بدر: ( اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ) ، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم فأين كان الخضر يومئذ .
رابعاً- إن القول بحياة الخضر عليه السلام قول على الله بغير علم وهو محرم قال الله تعالى :{ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } ، ولو كانت حياته باقية لدل عليها الكتاب أو السنة بل الدليل على خلافها ، والله تعالى أعلم .
- أوائل كتب التصوف :
في القرن الثالث الهجري بدأ المتصوفة يدونون أفكارهم وآراءهم ، وقد كان من أوائل من  صنف في ذلك ( الحارث المحاسبي ) وكان معاصراً للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله  فحذر الإمام أحمد من مجالسة المحاسبي أو قراءة كتبه وقال في ذلك : ( إن الخطرات والوساوس لم يتكلم فيها الصحابة والتابعون ) ، وسئل أبو زرعة الرازي عن كتب الحارث المحاسبي فقال : ( إياك وهذه الكتب هذه كتب بدع وضلالات وعليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب فقيل له : في هذه الكتب عبرة فقال : من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة هل بلغكم أن مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والأئمة المتقدمين صنفوا مثل هذه الكتب في الخطرات والوساوس لكن هؤلاء قوم قد خالفوا أهل العلم ، _ ثم قال _ : ما أسرع الناس إلى البدع  ) ، كما صنف لهم أبو نصر السراج كتاب ( اللمع في التصوف ) ، وصنف أبو طالب المكي كتاب ( قوت القلوب ) .
وصنف أبو نعيم الأصبهاني كتاب ( حلية الأولياء ) .
وصنف القشيري كتاب ( الرسالة ) ، وصنف أبو سعيد الخراز كتاب (السر ) .
ثم صنف ابن طاهر المقدسي كتاب ( صفة الصفوة ) .
ثم صنف أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي كتاب ( رياض النفوس ).
وفي أوائل القرن الرابع أحرق عل باب العامة ببغداد عدد كبير من الكتب التي صنفها الزنادقة ومنها كتب الحلاج ، ويقول ابن الجوزي : كان السبب في تصنيف هؤلاء مثل هذه الأشياء هو قلة علمهم بالسنن والآثار وإقبالهم على ما استحسنوه من طريق القوم .
-  ما يلاحظ على هذه المصنفات _
أولاً – إنهم دونوا حالاتهم الخاصة وما كان يعرض لهم بسبب الجوع والفقر وطول السهر والخلوة.
ثانياً – أن الدافع لهم لتصنيف مثل هذه الكتب هو الرغبة في التميز والانفراد عن غيرهم من علماء المسلمين وتوسيع شقة الخلاف بينهم .
ثالثاً – إن أصولهم التي بنوا عليها مذهبهم تدعوا إلى الانحلال والضياع وإهدار الطاقات سدى .
رابعاً- محاولة إيجاد مستند لهم بادعاء أن كبار الصحابة رضوان الله عليهم كانوا متصوفة فنسبوا إليهم أقوالاً وأحوالاً كذبا وزوراً.
خامساً – ساهمت هذه الكتب في انتشار الأحاديث الموضوعة كذبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم والقصص والأساطير الخيالية .
سادسا _ مهدت تلك الكتب لظهور عقائد الإلحاد الفاضح كالحلول والاتحاد والقول بوحدة الوجود والعشق الإلهي ونحو ذلك .
-         التصوف والتفسير –
لم يكتف المتصوفة بوضع تلك الكتب التي سبق وأن أشرنا إليها وإنما حاولوا إضفاء الروح الدينية على ما يعتقدونه ويسعون لنشره من أفكار وعقائد فاسدة فأخذوا يضعون تفاسير لكتاب الله العزيز ينشرون من خلالها ضلالهم وباطلهم ووسموها بالتفسير الإشاري أو الفيضي كما يقولون ، ومن أشهر تفاسيرهم :
1- [تفسير القرآن العظيم ] لسهل بن عبد الله التستري المتوفى سنة 273
2- [ حقائق التفسير] لأبي عبد الرحمن السلمي المتوفى سنة 412
3- [ عرائس البيان في حقائق القرآن ] لأبي محمد الشيرازي
4- [ التأويلات النجمية ] لنجم الدين واية المتوفى سنة 654
5- [ تفسير القرآن ] لابن عربي الحاتمي المتوفى سنة 638
6- [ تفسير ابن عجيبة ] لابن عجيبة المغربي .
تلك هي أشهر تفاسير القوم  .
وهذه بعض نماذج من تفاسيرهم :
يقول التستري في تفسيره للبسملة في القرآن الكريم : الباء بهاء الله عز وجل ، والسين سناء الله عز وجل ، والميم مجد الله عز وجل  ، ثم يقول : ( الله ) هو الاسم الأعظم الذي حوى الأسماء كلها ، وبين الألف واللام حرف مكني غيب من غيب إلى غيب وسر غيب من سر إلى سر ، وحقيقة من حقيقة إلى حقيقة لا ينال فهمه إلا الطاهر من الأدناس ، والرحمن اسم فيه خاصية من الحرف المكني بين الألف واللام .
ويفسر قوله تعالى عن لسان إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام :{ والذي هو يطعمني ويسقين } يقول : أي يطعمني لذة الإيمان ويسقيني شراب التوكل .
أما السلمي فيفسر قوله تعالى :{ وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي } فيقول : هو الذي بسط الأرض وجعل فيها أوتاداً من أوليائه وسادة من عبيده فإليهم الملجأ وبهم النجاة فمن ضرب في الأرض بقصد هم فاز ونجا ومن كانت بغيته لغيرهم خاب وخسر .
أما نجم الدين واية فيقول في تفسير قول الحق تبارك وتعالى :{ وحشر لسليمان جنوده من الجن } أي صفته الشيطانية ، { والانس } أي صفته النفسانية ، { والطير} أي صفته الملكية ، { فهم يوزعون } عن طبيعتهم بالشريعة ليسخروا لسليمان القلب وينقاد له ، { حتى إذا أتوا على وادي النمل } هو هوى النفس الحريصة على الدنيا وشهواتها ، { قالت نملة } هي النفس اللوامة ،{ يا أيها النمل } أي الصفات الإنسانية ، { ادخلوا مساكنكم } محالكم وهي الحواس الخمس ، { لا يحطمنكم سليمان وجنوده } القلب وجنوده المسخرة له ، { وهم لا يشعرون } لأنهم الحق وأنتم الباطل ، فإذا جاء الحق زهق الباطل ، كما أن الشمس إذا طلعت تبطل الظلمة وتنفيها وهي لا تشعر بحال الظلمة وما أصابها .
وعلى هذا المنوال يسير في تفسيره لكلام الله عز وجل .
ويفسر بعضهم قوله تعالى :{ اذهب إلى فرعون إنه طغى } بأنه القلب ، ويفسر بعضهم البقرة في قوله تعالى :{ إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } بأنها النفس ، وأن المراد بخلع النعلين في قوله تعالى :{ اخلع نعليك } أي اترك الدنيا والآخرة .
وإن مما لاشك فيه أن هذا تفسير غريب لم يقل به أحد من الصحابة أو التابعين لهم بإحسان ولا تشهد له اللغة العربية التي نزل القرآن بها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( إن من فسر القرآن والحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله ملحد في آياته محرف للكلم عن مواضعه وهذا فتح لباب الزندقة والإلحاد وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام) .
وقال الإمام الواحدي :( وصنف لهم أبو عبد الرحمن السلمي كتاب [حقائق التفسير] وإن كان يعتقد أن ذلك تفسيراً فقد كفر ) .
وبالفعل فقد مهدت تلك التفاسير الغريبة لظهور تفاسير تعج بالكفر والضلال من زعم بوحدة الوجود والاتحاد بين الخالق والمخلوق ونحو ذلك من عقائد فاسدة ، كتفسير ابن عربي مثلاً ، قال الشيخ محمد حسين الذهبي في كتابه [ الاتجاهات المنحرفة في تفسيرالقرآن الكريم ودوافعها ] :(يأبى الصوفي إلا أن يحول القرآن الكريم عن هدفه ومقصده إلى ما يقصده هو ويرمي إليه ، وغرضه في هذا أن يروج لتصوفه على حساب القرآن الكريم ، وأن يقيم نظريته وآراءه على أساس من كتاب الله ، وبهذا الصنيع يكون الصوفي قد خدم فلسفته ونظرياته التصوفية ولم يقدم للقرآن شيئاً إلا هذا التأويل الذي كله شرعلى الدين وإلحاد في آيات الله ) ، ثم يتابع الشيخ فيقول : ( ولقد وجدنا لابن عربي في كتابه [ الفتوحات المكية ] ، وفي كتابه [ فصوص الحكم ] ، وفي كتابه                 [ التفسير ] أقوالاً في التفسير بناها على نظريته في وحدة الوجود فمن ذلك أنه فسر قوله تعالى في سورة الإسراء :{ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } ، فقال ما نصه : فعلماء الرسوم يحملون لفظ قضى على الأمر ، ونحن نحمله على الحكم كشفاً وهو الصحيح فإنهم اعترفوا أنهم ما يعبدون هذه الأشياء إلا لتقربهم إلى الله زلفى ، فأنزلوهم منزلة النواب الظاهرة بصورة من استنابهم وما ثم صورة إلا الألوهية فنسبوها إليهم ولهذا يقضي الحق حوائجهم إذا توسلوا إليه غيرة منه على المقام أن يهتضم ، وإن أخطأوا في النسبة فما أخطأوا في المقام .أه . وفسر قوله تعالى في سورة (المزمل) : { واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً ، رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً } ، قال ما نصه : فاذكر ربك الذي هو أنت أي اعرف نفسك واذكرها ولا تنساها فينسيك الله واجتهد لتحصيل كمالها بعد معرفة حقيقتها ، { رب المشرق والمغرب } أي الذي ظهر عليك نوره فطلع من ألق وجودك بإيجادك والمغرب الذي اختفى بوجودك وغرب نوره فيك واحتجب بك .أه .
ويفسر ابن عربي أيضا قوله تعالى : { قرة عين لي ولك } فيقول : فيه قرة عين لها بالكمال الذي يحصل لها وقرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق فقبض طاهراً مطهراً ليس فيه شيء من الخبث ) .
وبعد  فإن ما ذكرناه إنما هو نماذج فقط من تفاسير القوم ولم نرد تتبعها واستقصاءها لأنها كلها على هذه الشاكلة ، وإن الناظر المتأمل في تفاسير القوم هذه لا يشك لحظة في كفرهم وإلحادهم .
وقد تصدى العلماء لمثل هذه التفاسير المنحرفة بالرد وبيان ما فيها من خطر على الدين .
 قال الحافظ زين الدين العراقي رحمه الله في كتابه [ تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي ] : ( ولا يقبل ممن اجترأ على مثل هذه المقالات القبيحة أن يقول : أردت بكلامي هذا خلاف ظاهره ، ولا نأول له كلامه ولا كرامة .أه
ويقول علاء الدين القونوي في معرض رده على هؤلاء المتصوفة : إنما نأول كلام من ثبتت عصمته حتى نجمع بين كلاميه لعدم جواز الخطأ عليه ، وأما من لم تثبت عصمته فجائز عليه الخطأ والمعصية  والكفر فنأخذه بظاهر كلامه .
وحذر الإمام أبو علي السكوتي من ابن عربي وكتبه فقال : وليحترز من مواضع كثيرة من كلام ابن عربي الطائي في فصوصه وفتوحاته وغيرها وليحترز أيضاً من مواضع كثيرة من كلام ابن الفارض الشاعر وأمثاله ممن يصيرون إلى القول بالحلول والاتحاد .أه
 ولم يكتف المتصوفة بهذا بل راحوا يشككون في علوم الشريعة التي تلقتها الأمة عن رسولها صلى الله عليه وسلم فهذا ابن عربي يقول في فتوحاته المكية : ( ورب حديث يكون صحيحاً من طريق رواته حصل لهذا المكاشف الذي عاين هذا المظهر فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الحديث فأنكره وقال له : لم أقله ولا حكمت به فيعلم ضعفه فيترك العمل به على بينة من ربه ،وإن كان قد عمل به أهل النقل لصحة طريقه وهو في نفس الأمر ليس كذلك ) . ولاشك أن قوله هذا معول هدم للشريعة الإسلامية ونقض لأحكامها وتعطيل للعمل بها وفتح لباب الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصراعيه أمام كل زنديق وناعق .
ويقول ابن عربي أيضاً في مقدمة كتابه [ فصوص الحكم ] : ( أما بعد فإني رأيت رسول الله صلى اله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الأواخر من محمر سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق ، وبيده كتاب ( فصوص الحكم ) وقال خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به فقلت : السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا فحققت الأمنية وأخلصت النية وجردت القصد والنية إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان فمن الله فاسمعوا وإلى الله فارجعوا) .أه .
وأما ابن عجيبة فيقول : وأما واضع هذا العلم فهو النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي والإلهام ، فنزل جبريل أولاً بالشريعة فلما تقررت نزل ثانياً بالحقيقة فخص بها بعضاً دون بعض ، وأول من تكلم فيه وأظهره سيدنا علي كرم الله وجهه وأخذه عنه الحسن البصري .أه
من خلال ما سبق يتضح أن المتصوفة قد سلكوا في تفسير القرآن الكريم مسلك الباطنية في تأويل النصوص وادعائهم أن للدين ظاهراً وباطناً ، يقول الغزالي في كتاب [ فضائح الباطنية ] : (إن الباطنية لقبوا بذلك لأنهم يدعون أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري مجرى اللب من القشرة وأنها بصورها توهم الجهال الأغبياء صوراً جلية وهي عند العقلاء والأذكياء صورة إشارات إلى حقائق معينة ، وإن غرضهم الأقصى إبطال الشرائع حيث إنهم إذا انتزعوا عن العقائد موجب الظواهر قدروا على الحكم بدعوى الباطن على حسب ما يوجب الانسلاخ عن قواعد الدين ، وإذا سقطت الثقة بموجب الألفاظ الصريحة فلا يبقى للشرع عصام يرجع إليه ويعول عليه ) .
قال ابن الجوزي رحمه الله : ( إن الباطنية لما عجزوا عن صرف الناس عن الكتاب والسنة صرفوهم عن المراد بهما إلى مخاريق زخرفوها ، إذ لو صرحوا بالنفي المحض لقتلوا ) ، أه .
كنا قد عرفنا مدى الصلة بين التصوف والتشيع وأنهما وجهان لعملة واحدة ، يقول الدكتور أبو العلاء عفيفي في كتابه [ الثورة الروحية في الإسلام] ما نصه : ( وترجع المقابلة بين الشريعة والحقيقة –  في أصل نشأتها - إلى المقابلة بين ظاهر الشرع وباطنه ، ولم يكن المسلمون في أول عهدهم بالإسلام ليقروا هذه التفرقة أو يفكروا فيها لكنها بدأت بالشيعة الذين قالوا إن لكل شيء ظاهر اً وباطناً وأن للقرآن ظاهراً وباطناً ، بل لكل آية فيه وكل كلمة  فيه ظاهراً باطناً وينكشف الباطن للخواص من عباد الله الذين اختصهم بهذا الفضل وكشف لهم عن أسرار القرآن ، ولهذا كانت لهم طريقتهم الخاصة في تأويل القرآن وتفسيره ، وقد أطلق عليه الشيعة علم الباطن الذي ورثه علي أهل العلم الباطن الذين سمو أنفسهم بالورثة ، وقد تبع الصوفية طريقة التأويل هذه واستعملوا فيها أساليب ومصطلحات الشيعة إلى حد كبير ومما سبق تدرك مبلغ الصلة بين التصوف والتشيع الباطني ) .أه
وكذلك ذكر التطابق بين التصوف والتشيع في القول بالعلوم الباطنة ومراتب الولاية والقول بالحلول والاتحاد العلامة ابن خلدون في مقدمته ص875.
ويقول المفكر الإسلامي الشاعر محمد إقبال مفنداً فرية القول بالظاهر والباطن : ( إن التماس معان باطنة في قانون الأمة هو مسخ لهذا القانون كما يعلم من سيرة القرامطة ، ولا يختار هذه الطريقة إلا أمة في فطرتها الخضوع والذل ) ، وأنشد يقول:
لا تقل في الشرع معنى مضمر           ليس إلا النور يحوي الدرر.
جوهر أبدع فيه القادر                  جوهر باطنه والظاهر .
وللإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا الصدد نظم جيد جاء فيه :
زخرفوا ظاهرهم بأثواب التقى            وحشوا بواطنهم من الأدغال.
إن قلت قال الله قال رسوله               همزوك همز المنكر المتعالي .
أو قلت قد قال الصحابة والألى          تبعوهم في القول والأعمال .
أو قلت قال الآل آل المصطفى           صلى عليه الله أفضل آل .
أو قلت قال الشافعي وأحمد              وأبوا حنيفة والإمام العالي .
أو قلت قال صحابهم من بعدهم         فالكل عندهم كشبه خيال .
ويقول: قلبي قال لي عن سره             عن سر سري عن صفا أحوالي .
عن حضرتي عن فكرتي عن خلوتي        عن شاهدي عن واردي عن حالي .
عن صفو وقتي عن حقيقة مشهدي       عن سر ذاتي عن صفات فعالي .
دعوى إذا حققتها ألفيتها                  القاب زور لفقت بمحال .
-         بعض أقوال المتصوفة :
يقول أحدهم :
كفرت بدين الله والكفر واجب                     علي وعند المسلمين قبيح .
ويقول آخر :
وما القرد والخنزير إلا إلهنا                            وما الله إلا راهب في كنيسة .
ومن أقوالهم أيضاً:
الشرك أمرلا وجود له لأن الشرك غير موجود ، وهو موضوع والموضوعات إضافات والإضافات لا حقيقة لها .
ومن كلام بعضهم : ما في الجبة إلا الله
ومن أقوالهم أيضاً :
قيل لي اهبط إلى الناس لينتفعوا بك ، فقلت : يا رب أقلني من الناس فلا طاقة لي بمخالطتهم ، فقيل لي : انزل فقد أصحبناك السلامة ورفعنا عنك الملامة .
وقال بعضهم :
لا تطلع الشمس حتى تسلم علي وتجيء السنة وتسلم علي وتخبرني بما يكون فيها وكذا لك الشهر والأسبوع ، وإن السعداء والأشقياء ليعرضون علي في اللوح المحفوظ .
ومن أقوالهم أيضاً :
فتح لقلبي سبعون باباً من العلم اللدني سعة كل باب ما بين السماء والأرض .
ومن نظم بعضهم :
ذراعي من فوق السماوات كلها                 ومن تحت بطن الحوت مديت راحتي .
وأعلم نبت الأرض كم نباته                     وأعلم رمل الأرض كم هو رمله .
وأعلم علم الله أحصي حروفه                   وأعلم موج البحر كم هو موجه .
أنا كنت مع نوح بأعلى سفينة                  بحار وطوفان على كف قدرتي .
ولولا رسول الله بالعهد سابق                   لأغلقت أبواب الجحيم بعظمتي .
وقال أحدهم :
أذن لي ربي أن أقول أنا الله ، وقال لي : قل أنا الله ولا تبالي .

وقال آخر :
حفظت علم القدرة الغيبية والأبدية وحفظت علم الموت الذي يقبض به عزرائيل الأرواح ، والعلم الذي تصعد به الملائكة إلى السماء واكتشفت سدرة المنتهى .
ومن كلام بعضهم :
إبليس سيد الموحدين ، ومن لم يتعلم التوحيد من إبليس فهو زنديق .
ومن أقوال بعضهم :
القرآن كله شرك ليس فيه توحيد إنما التوحيد في كلامنا نحن .
ومن أقوال ابن عربي :
إن خاطب عبده فهو المستمع السميع ، وإن فعل ما أمر بفعله فهو المطاع المطيع ، ولما حيرتني هذه الحقيقة أنشدت على الطريقة للخليقة :
الرب حق والعبد حق                  يا ليت شعري من المكلف .
إن قلت عبد فأنت رب               وإن قلت رب أنى يكلف .
وأنشد آخر نظماً أيضاً :
نحن المظاهر والمعبود ظاهرنا           ومظهر الكون عين الحق فاعتبروا .
ومنهم من قال : سبحاني ما أعظم شأني
وأنشد أحدهم نظماً :
وأسلمت نفسي حيث أسلمني الهوى         وما لي عن حكم الحبيب تنازع
فطوراً تراني في المساجد راكعاً             وطوراً تراني في الكنائس راكع
إذا كنت في حكم الشريعة عاصياً            فإني في حكم الحقيقة طائع

_ الذكر عند الصوفية _
قال الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً } .
وقال سبحانه وتعالى : { وأقم الصلاة لذكري } .
وقال : { والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً } .
وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إنما جعل رمي الجمار والطواف بالبيت من أجل ذكر الله تعالى ) .
والآيات والأحاديث في فضل الذكر كثيرة ، فهو أعظم العبادات التي يتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى ، لكن ما هو حال الذكر عند الصوفية ؟
الواقع أن الذكر لم يسلم من بدع الصوفية وضلالا تهم فحولوه عن هيأته التي شرعها الله لعباده المؤمنين وخرجوا به إلى كيفيات وأحوال وألفاظ ما أنزل الله بها من سلطان ، بل إن في بعضها شرك بالله  .
ولقد وضع الشارع آداباً للذكر فقال سبحانه وتعالى : { واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين } .
ومما ابتدعه الصوفية في هيئة الذاكر ، الرقص والضرب بآلآت الطرب أثناء ذكرهم ، ومن ذالك  ما ذكره الشعراني حيث قال : إن من آ داب الذكر عندهم أن يستمد الذاكر عند شروعه في الذكر بهمة شيخه بأن يشخصه بين عينيه ويستمد من همته ليكون رفيقه في السر ، وأن يرى استمداده من شيخه حقيقة هو استمداد من رسول اله صلى الله عليه وسلم لأنه لا واسطة بينه وبينهم .
ومنها أن المريد إذا بلغ مرتبة معينة عندهم فإنه لا يجوز له أن يذكر الله عندئذٍ ، وفي هذا يقول الشعراني : بذكر الله تزداد الذنوب            وتنطمس البصائر والقلوب .
ولا شك أن هذا كفر بواح حيث يقول الحق تبارك وتعالى : { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } ، وهذا يقول تزداد الذنوب وتنطمس البصائر والقلوب ، ولكل شيخ منهم طريقته التي يلزم بها أتباعه من المريدين له فلا يجوز لأحدهم أن يذكر بغير طريقة شيخه ، ولهم في هذا تقسيمات عجيبة إذ يقول ابن عطاء الاسكندرى : ( اسم الله العفو يليق بالعوام لأنه يصلحهم ، وليس من شأن السالكين إلى الله ذكره بهذا الاسم ، واسم الباعث يذكره أهل الغفلة ولا يذكره أهل طلب الفناء ، واسمه تعالى الغافر يلقن لعوام التلاميذ وهم الخائفون من عقوبة الذنب ، وأما من يصلح للحضرة فذكره مغفرة الذنب عندهم يورث الوحشة، واسمه تعالى المتين يضر أرباب الخلوة وينفع أهل الاستهزاء بالدين)
وأحياناً يكون ذكرهم بكلمات غير مفهومة ، فقد ذكر الدباغ في كتابه [ الابريز ] عن الدسوقي ذكراً هذا نصه ( بسم الله الخالق يلجمه بلجام قدرته أحمى حميثاً وأطمى طميثاً وكان الله قوياً عزيزاً
 _ حم عسق _ حمايتنا _ كهيعص _ كفايتنا { فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم }،) ثم ينسبون هذا وأشباهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد زعم أحمد التيجاني شيخ الطريقة التيجانية أن صلاة الفاتح قد أخذها مشافهة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له : إني قد خبأتها لك ، وقال التيجاني :( إن المرة الواحدة منها تعدل من القرآن ستة آلاف ختمة ) .
-         مجمل عقائد الصوفية –
بعث الله جميع رسله يدعون الناس إلى توحيده وإفراده بالعبادة والإخلاص له وحده ونبذ كل ما سواه ولا يقبل الله من عبد أشرك به شيئاً قال تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فد ضل ضلالاً بعيداً } ، وأن أصل الشرك تعلق القلب بغير الله عز وجل واعتقاد أن غير الله ينفع أو يضر من تلقاء نفسه ، وإن الصوفية تقوم عقائدهم على تعلق القلب بغير الله ، وقد تعددت طرقهم في هذا الضلال ، وأصول عقائدهم الباطلة ثلاث هي :
أولاً : _  عقيدة الحلول _
فما هي عقيدة الحلول ؟ ومن أول من قال بها ؟ ومن أين أخذها المتصوفة ؟.
عقيدة الحلول هي أن يعتقد المتصوف أن الحق تبارك وتعالى حل في بعض الأجسام التي اصطفاها فانتقلت هذه الأجسام من البشرية إلى الإلهية فصارت بمثابة آلهة  تمشي على الأرض .
وقد شرح الجيلي هذه العقيدة في كتابه [ الإنسان الكامل ] فقال : ( إذا تجلى الله على عبد من عبيده في اسم من أسمائه استظل العبد تحت ظل أنوار ذلك الاسم فمتى ناديت الحق بذلك الاسم أجابك العبد لوقوع ذلك الاسم عليه فإن ارتقى وقواه الله وأبقاه بعد فنائه كان الله مجيباً لمن دعا هذا العبد ) .
وأول من أظهر عقيدة الحلول  هو الحسين بن منصور الحلاج الذي عاش في القرن الثالث الهجري  وقد أخذ المتصوفة عقيدة الحلول هذه من النصرانية المحرفة التي يزعم أصحابها أن الله تبارك وتعالى قد حل في عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام .
 قال الدكتور زكي مبارك في كتابه [ التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق ] : ( إن التصوف الإسلامي هو في الحقيقة ظل من ظلال المسيحية ، وإنه لا مفر من الاعتراف بأن شخصية المسيح كان لها أثر في تكوين النزعات الصوفية ، فما تكاد كتب الصوفية تخلوا من الاستشهاد بكلام المسيح ، وإن الصوفية ينقلون كلام الرهبان ) أه.
وقد شرح الحلاج عقيدة الحلول بقوله : ( من هذب نفسه بالطاعة ، وصبر على اللذات والشهوات ارتقى إلى مقام المقربين ، ثم لا يزال يصفوا ويرتقي في درجات المصافاة حتى يصفوا عن البشر ، فإذا لم يبق فيه من البشرية حظ حل فيه روح الإله الذي حل في عيسى بن مريم ، ولم يرد شيئاً إلا كان كما أراد وكان جميع فعله من فعل الله ) .
قال ابن الجوزي رحمه الله : جاء في بعض رسائل الحلاج إلى أتباعه ما نصه ( من الهو رب الأرباب إلى عبده فلان ) ، وكتب إليه بعض مريديه ( يا ذات الذات ومنتهى الشهوات نشهد أنك المتصور في كل زمان بصورة وفي زماننا هذا بصورة الحسين بن منصور ونحن نستجير ونرجوا رحمتك يا علام الغيوب ) ، ومن شعر الحلاج في هذه العقيدة :
سبحان من أظهر نا سوته                 سر سنا لا هوته الثاقب .
ثم بدا في خلقه ظاهراً                    في صورة الآكل والشارب .
حتى لقد عاينه خلقه                     كلحظة الحاجب بالحاجب .
ويروي ابن الجوزي بسنده قال : قال أبو بكر بن الممشاد : حضر عندنا رجل بالدينور ومعه مخلاة لا يفارقها لا في ليل ولا في نهار ففتشوا المخلاة فوجدوا فيها كتاباً للحلاج أوله ( من الرحمن الرحيم إلى فلان بن فلان ، فوجه إلى بغداد وعرض عليه الكتاب فقال : هذا خطي وأنا كتبته فقالوا كنت تدعي النبوة فصرت تدعي الربوبية ، فقال : ما أدعي الربوبية ولكن هذا عين الجمع عندنا ، هل الكاتب إلا الله واليد فيه آلة ، فقيل له هل معك أحد على هذا فقال نعم ابن عطاء والجريري والشبلي فأحضروا وسئلوا فقال الجريري : هذا كافر يقتل ، وقال الشبلي : من يقول هذا يصفع ، وكان هذا سبب قتله ) .
ومن المتصوفة من يرى أن الحلاج كافر خبيث ، منهم السلمي والسهرودي .
وذكر عبد القادر البغدادي في كتابه [ الفرق] عند كلامه عن الحلول أن من القائلين بذلك فرقة يقال لهم الحلاجية يعتقدون بأن روح الله حلت بالحسين بن منصور الحلاج .
ثانياً _ عقيدة الا تحاد _
وهي أن يعتقد الصوفي أن روحه قد اتحدت مع الإله فصار هو والإله شيئاً واحداً  _ تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً _ وأشهر القائلين بهذه العقيدة هو ابن الفارض المتوفى سنة 632هـ .


ثالثاً _ عقيدة وحدة الوجود _
من العقائد الباطلة التي أدخلها المتصوفة ليضللوا بها عباد الله عقيدة وحدة الوجود ، وهذه العقيدة معناها أنه لا موجود إلا الله تبارك وتعالى أي أن هذا الكون بكل ما فيه هو الله عز وجل ، ولعل أبرز من أظهر هذه العقيدة هو ابن عربي الطائي المتوفى في سنة 638 هـ وهو مؤلف  كتابه الذي سماه  [  فصوص الحكم ]  الذي يدعي أنه أخذه مناولة من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
 ومن أقواله في هذا الكتاب :( ألا ترى أن الحق يظهر بصفات المحدثات وبصفات المدح وبصفات الذم ألا ترى أن المخلوقات تظهر بصفات الحق من أولها إلى آخرها ) . وفيه أيضاً: ( ومن أسمائه العلي ، على من على ؟ وما ثم إلا هو! ، وهو العلي بذاته عن ما ذا ؟ وما ثم إلا هو ! فعلوه بنفسه وهو عين الموجودات فالمسمى محدثات هي العلي بذاتها 000 إلى أن قال فهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو المسمى أبا سعيد الخراز ، وغير ذلك من أسماء المحدثات ) .
وقد شرح ابن عربي عقيدة وحدة الوجود بطريقته الخاصة فقال : ( ليس هناك سوى الواحد ، والإثنين إنما هو الواحد وكذلك الثلاثة والأربعة والعشرة والمائة والألف ، فالواحد ظهر مرتين فسمي اثنين وظهر مرة أخرى فسمي ثلاثة ثم زاد مرة فكان أربعة وواحد فيكون خمسة فإذا أعدمت الواحد من الخمسة إنعدمت الخمسة وإذا ظهر الواحد ظهرت الخمسة ، وهكذا ينعدم كل شيئ ويبقى الواحد ) أه .
والواقع أن أمثال هؤلاء إنما تتمثل لهم الشياطين فتكلمهم وتوحي إليهم بالكفر والإلحاد فيظن الواحد منهم أنه قد رآى ملكاً أو نحو ذلك ، كما لا يتورع أحدهم عن الكذب على الله ورسوله ، وقد قال الله تبارك وتعالى :{ وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم } ، وقال سبحانه : { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم } ، ولما قرئ كتاب فصوص الحكم هذا على المتصوف التلمساني وقيل له : القرآن يخالف فصوصكم ، قال : القرآن كله شرك ، وإنما التوحيد في كلا منا نحن ، فقيل له فإذا كان الوجود واحداً فلم كانت الزوجة حلالاً والأخت حراماً ؟ فقال : الكل عندنا حلال ، ولكن هؤلاء المحجوبون قالوا : حرام ، فقلنا : حرام عليكم .
وقد قال أحد هؤلاء المتصوفة لمريده : من قال لك إن في الكون سوى الله فقد كذب ، فقال المريد : فمن هو الذي كذب !؟.
وطريقتهم في الاستدلال على مذهبهم الباطل هذا قولهم : ( العبد من أفعال الله وأفعال الله من صفاته وصفاته من ذاته ، فأنتج هذا ألتركيب أن العبد من ذات الله ، _ تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً _ .
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله موضحاً عقيدة هؤلاء القائلين بوحدة الوجود : ( إنهم يقولون إنه ما ثم من وجود قديم خالق ووجود حادث مخلوق ، بل وجود هذا العالم هو عندهم عين وجود الله ، فليس عندهم رب وعبد ولا مالك ومملوك ولا راحم ولا مرحوم ولا عابد ولا معبود ، بل عندهم الرب هو نفس العبد وحقيقته والعابد هو عين المعبود و الخالق هو عين المخلوق والمالك هو عين المملوك ، وإنما التغاير أمر اعتباري بحسب مظاهر الذات وتجليا تها ،  فتظهر تارة في صورة معبود كما ظهرت في صورة فرعون ، وتارة في صورة عابد كما ظهرت في صورة العبيد ، وفي صورة هاد كما ظهرت في صورة الأنبياء والمرسلين والعلماء ، والكل عين واحدة عندهم بل هو العين الواحدة ) .اه ، وقد عرفنا فلسفتهم في قضية الواحد والإثنين والثلاثة وسائر الأعداد .
ولقد فرع ابن عربي على هذه العقيدة الباطلة عدم قول ( لا إله إلا الله )  ، وزعم أن الاستثناء يستلزم التعدد ، وبناءً على هذا كان ابن سبعين يقول مع أصحابه في مجلسهم : ( ليس إلا الله ) ، بدل ( لا إله إلا اله ) ، فأطلق عليهم القسطلاني اسم ( الليسية)  وكان يحذرالناس منهم .
ويقول الجيلي في كتابه [ الإنسان الكامل ] : ( أول رحمة رحم الله بها الوجود أن أوجد العالم من نفسه ) ، وقد استدل على هذا بقول الله تبارك وتعالى : { وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه } ، ثم قال : ( ولهذا سرى وجوده في الموجودات فظهر كماله في كل جزء من أجزاء العالم ) ، ويوضح كلامه هذا بقوله : ( فمثل العالم مثل الثلج  والله تعالى الماء الذي هو أصل الثلج ) ، وأنشد في ذلك :
وما الخلق في التماثل إلا كثلجة                  وأنت لها الماء الذي هو نابع .
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه                    ويوضع حكم الماء والأمر واقع .
ويمثل بعضهم العالم بموج البحر والله تعالى هو البحر فما الموج إلا جزء من البحر ، وأنشد في ذلك :
هو البحر لا شك عندي في توحده               وإن تعدد بالأمواج والزبد .
ولقد مهد الحلاج لهذه العقيدة حيث قال : ( ما في الجبة إلا الله )  .
وكذلك البسطامي القائل : ( خرجت من الله إلى الله فصاح مني في يا من أنا أنت ) وهو القائل أيضاً : ( سبحاني ما أعظم شني ) .
ومن القائلين بهذا أيضاً ( ابن عامر البصري ) فهو القائل :
تجلى لي المحبوب في كل وجهة                  فشاهدته في كل معنى وصورة .
نظرت فلم أبصر سوى محض وحدة              بغير شريك قد تغطت بكثرة .
تكثرت الأشياء والكل واحد                       صفات وذات صفا في هوية .
ومن أقوال بعضهم في ذلك :
وقد كنت عرشي واستويت عليه             قديم زمان في الوجود برحمتي .
وأسجدت أملاكي بأمري لمظهري            فكان سجود لي وأدم قبلتي   .
_ بيان خطر عقيدة وحدة الوجود _ :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( هذه المقالات وأمثالها من أعظم الباطل الواجب انكاره ، وإن انكار هذا المنكر الساري في المسلمين أولى من إنكار دين اليهود والنصارى الذي لا يضل به المسلمون ، وأقوال هؤلاء شر من قول اليهود والنصارى ، ومن عرف معناها واعتقدها كان من المنافقين الذين أمر الله بجهادهم بقوله : { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم }، والنفاق إذا عظم كان صاحبه شراً من كفار أهل الكتاب ، وكان في الدرك الأسفل من النار ، وهؤلاء يسقون الناس شراب الكفر والإلحاد في آنية أنبياء الله وأوليائه ) .أه
ومما لا شك فيه أن هذه العقيدة الباطلة تدعوا إلى إبطال الشرع والعمل به فلا تكليف ولا عبادة بل اتباع للهوى وقد قال الحق تبارك وتعالى : { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون } ، وقال سبحانه وتعالى : { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين } .
وقد فرعوا على القول بوحدة الوجود هذه إلغاء العقاب عن جميع من كفر لأنه ليس ثم مطيع وعاصي فالكل سواء حتى أن أهل النار إذا دخلوها فهم يتنعمون فيها ، وفي هذا يقول ابن عربي :
وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم              على لذة فيها نعيم مباين .
يسمى عذابا من عذوبة طعمه            وذاك له كالقشر والقشر صائن .
  ثم إنها تفتح الباب أمام القائلين بوحدة الأديان جميعها فلا فرق عندهم بين إسلام ومجوسية وبوذية ويهودية ونصرانية فالكل عندهم سواء ، يقول ابن عربي في كتابه [ ترجمان الأشواق ] :
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي             إذا لم يكن ديني إلى دينه داني .
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة               فمرعى لغزلان ودير لرهبان .
وبيت لأوثان وكعبة طائف                  وألواح توراة ومصحف قرآن .
أدين بدين الحب أنى توجهت               ركائبه فالحب ديني وإيماني .
ويقول الجيلي في كتابه [ الإنسان الكامل ] في هذا المعنى :
وأسلمت نفسي حيث أسلمني الهوى          وما لي عن حكم الحبيب تنازع .
فطوراً تراني في المساجد راكعاً              وطوراً تراني في الكنائس راكع .
إذا كنت في حكم الشريعة عاصياً            فإني في حكم الحقيقة طــا ئع .
_ الفارق الأساسي بين الإسلام والتصوف _
يفترق منهج الإسلام وصراطه المستقيم عن منهج التصوف في شيء أساسي وهو ( مصدرالتلقي )  فبينما يحصر الإسلام مصدر التلقي في العقائد في وحي الله الذي هو الكتاب العزيز والسنة النبوية الصحيحة فقط ، نجد أن المنهج الصوفي يجعل من الكشف المزعوم والمنامات ولقاء الإموات والخضر والنظر في اللوح المحفوظ والأخذ عن الجن الذين يسمونهم بالروحانيين مصدراً لتلقي العقائد والأفكار والأخلاق ،
وأما مصدر التلقي في التشريع عند أهل الإسلام فهو الكتاب والسنة والإجماع والقياس . وأما عند المتصوفة فإن تشريعاتهم تقوم على المنامات ورؤية الخضر والجن والأموات والشيوخ كل هؤلاء مشرعون ، لذلك تعددت طرق التصوف وتشريعاتهم حتى قالوا : الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق ، فلكل شيخ طريقة مخصوصة .
_ تفصيل عقائد الصوفية _
أولاً – عقيدتهم في الله عز وجل :
يعتقد الصوفية في الله عقائد شتى منها ( الحلول ) ومنها ( الاتحاد ) ومنها ( وحدة الوجود ) وهذه الأخيرة هي التي سادت العقائد الصوفية وهي التي عليها عامة طواغيت المتصوفة كابن عربي وابن سبعين والتلمساني والنابلسي والجيلي وعامة أهل التصوف المحدثين .
ثانياً _ عقيدتهم في الرسول صلى الله عليه وسلم :
يعتقد الصوفية في الرسول عقائد شتى فمنهم من يزعم أنه أقل مرتبة منهم وأنه جاهلاً بعلومهم حتى قال البسطامي  : ( خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله ) ، ومنهم من يعتقد أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو قبة الكون وأنه هو الله المستوي على العرش وأن السماوات والأرض والعرش والكرسي وكل الكائنات خلقت من نوره ، ومنهم من يقول أنها خلقت من أجله ، ومنهم من يقول أنه هو أول موجود ، ويعبرون عن ذلك بقولهم أنه قطب الرحى ومركز الدائر ومحور البيكار إلى غير ذلك من اصطلاحاتهم الخاصة .
ثالثاً _ عقيدتهم في الأولياء :
يعتقد الصوفية قي الأولياء عقائد شتى فمنهم من يفضل الولي على النبي ، وعامتهم يجعلون الولي مساوياً لله عز وجل في كل صفاته ، فهو يخلق ويرزق ويحي ويميت ويتصرف في الكون ، ولهم في الولاية تقسيمات ، فهناك الغوث وهو المتحكم في كل شيء في الكون وهناك الأقطاب الأربعة الذين يمسكون الأركان الأربعة في العالم بأمر الغوث ، وهناك الأبدال السبعة الذين يتحكم كل واحد منهم في قارة من القارات السبع بأمر الغوث ، وهناك النجباء وهم المتحكمون في المدن ، كل نجيب يختص بمدينة ، وهكذا فشبكة الأولياء العالمية هذه تتحكم في الخلق ، وهم يجتمعون في غار حراء كل ليلة بزعمهم لينظروا في المقادير .
رابعاً _ عقيدتهم في شأن الجنة والنار :
يعتقد الصوفية أن طلب الجنة منقصة عظيمة ، ولا يجوز للولي أن يسعى إليها ولا أن يطلبها ، ومن طلبها فهو ناقص ، وأما مطلب الصوفي فهو الفناء المزعوم في الله والاطلاع على الغيب المطلق والتصرف في الكون ، تلك هي جنة الصوفي .
وأما النار فالفرار منها منقصة أيضاً ، ولا يليق بالصوفي أن يخاف من النار لأن الخوف من طبع العبيد وليس للأحرار ، حتى قال قائلهم : ( لو بصقت على النار لأطفأتها ) ، ويروى عن بعضهم أنه قال مخاطباً الحق تبارك وتعالى : ( إن كنت أعبدك طمعاً في جنتك فاحرمني منها أو كنت أعبدك خوفاً من نارك فأدخلني فيها ) ،  ومن يقول بوحدة الوجود منهم يزعم أن النار بالنسبة لمن يدخلها تكون نعيماً لا يقل عن نعيم الجنة لأهل الجنة ، حتى قال في ذلك زعيمهم ابن عربي :
وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم                  على لذة فيها نعيم مباين
يسمى عذاباً من عذوبة طعمه                 وذلك له كالقشر والقشر صان
خامساً _ عقيدتهم في إبليس وفرعون :
أما إبليس فيعتقد عامة الصوفية أنه أكمل العباد وأفضل الخلق إيماناً لأنه لم يسجد إلا لله بزعمهم وامتنع عن أن يسجد لمخلوق وأنه يدخل الجنة .
وأما فرعون عندهم فهو أفضل الموحدين لأنه قال : ( أنا ربكم الأعلى ) فعرف الحقيقة لأن كل موجود هو الله بزعمهم . تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .
_  الشريعة عند الصوفية :
أولاً _ العبادة :
يعتقد الصوفية أن الصلاة والصوم والزكاة والحج عبادات العوام ، أما هم فيسمون أنفسهم الخاصة أو خاصة الخاصة وبناءً على ذلك نجد أن لهم عبادات خاصة يشرعها لهم شيوخ الطرق فكل شيخ يشرع لأتباعه عبادة خاصة به وبأتباعه لها ألفاظ وهيئآت معينة ، ولا يجوز لأحد من أتباعه الذين يسمونهم مريدين أن يعبد بغير طريقة شيخه أبداً ، ويزعم الصوفية أن العبادة عندهم من أجل ربط القلب بالله للتلقي عنه مباشرة دون حاجة إلى رسول مبلغ عن الله ، حتى يقول قائلهم حدثني قلي عن ربي ، ولا يهم عند الصوفية أن يخالف الصوفي شريعة الإسلام التي جاء بها النبي الكريم عليه الصلاة والسلام لأن للولي شريعته التي تلقاها عن الله بزعمه ، فالحشيش والخمر والزنا وكل الفواحش والرذائل لا تهم ولا يصح أن ينتقد عليهم فيها لأن الولي المكاشف قد تلقى الأحكام عن الله مباشرة كما يزعم ، بل إن القائلين منهم بوحدة الوجود ليس عندهم شيء محرم أبداً لأن الكل عين واحدة كما يزعمون حتى قال التلمساني : ( الكل عندنا حلال ولكن هؤلاء المحجوبون _ يعني بهم علماء الشريعة الإسلامية _ قالوا حرام فقلنا حرام عليكم .
_ التربية عند الصوفية :
لعل أخطر ما في المنهج الصوفي هو طريقتهم في التربية حيث يستحوذون على عقول البلهاء والأغبياء ويسيطرون على قلوب المفتونين من ضعاف الإيمان ويعملون على إلغاء عقولهم بإدخالهم في متاهة متدرجة تبدأ بالتأنيس ثم تنتقل إلى التهويل والتعظيم لشأن التصوف وأهله ثم تنتقل إلى التلبيس والتضليل وربط المريد بشيخه شيئاً فشيئاً حتى يصبح المريد عندهم كما يقولون كالميت بين يدي الغاسل لا يعترض على شيخه في شيء وإن رآى منه الموبقات ، ومن مبدئهم في هذا الشأن أن من قال لشيخه ( لم ) طرد من الطريقة وحرم من الصحبة بزعمهم .
_  من أحدث منشورات الفكر الصوفي  _
إن متصوفة هذا القرن يسيرون على نهج متصوفة القرون الماضية ، وبرغم الحركة العلمية التي يشهدها العالم بأسره إلا أن المتصوفة ظلوا متمسكين بتلك الأفكار والعقائد التي لا يقبلها عقل سليم ولا يقرها شرع قويم ، وحرصاً منهم على نشر ذلك الغثاء الذي خلفه سلفهم فقد راحوا ينبشون تراث أجدادهم ويحاولون صقله وتلميعه وإلباسه ثوباً جديداً براقاً يجذب المخدوعين والسذج وضعاف العقول ببريقه الامع ، وقد صدق فيهم قول الحق تبارك وتعالى : { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب } ، فشكلت لجان لإحياء التراث الصوفي في كثير من بلاد المسلمين لتخرج للمسلمين ذلك الغثاء القائم على الوهم والخيال والخداع و الذي تفوح منه رائحة الإلحاد والزندقة والكفر والضلال ، فأعادوا طبع عشرات الكتب بإشراف زعماء التصوف في العصر الحاضر _ في الوقت الذي تتعرض فيه الأمة الإسلامية لأشد المواقف وأصعبها خلال تاريخها الطويل _  فأخرج أولئك المتصوفة كتب ( الرواس ) الذي عاش في القرن الحادي عشر للهجرة ، وقد زادت هذه الكتب عن عشرين كتاباً حوت من الضلال والبهتان الشيء الكثير ، فقد جاء في كتابه [ بوارق الحقائق ] وكتاب [ بارق الحمى ] قوله : ( رأى البجلي رسول الله صلى اله عليه وسلم في المنام فقال له : عظني يا رسول الله  فقال له : وقوفك بين يدي ولي لله كحلب شاة أو كشوي بيضة خير لك من أن تعبد حتى تتقطع إرباً إرباً ، قال : حياً كان أو ميتاً يا رسول الله فقال حياً كان أو ميتاً ).
وإذا نظرنا إلى هذا الذي كتبه الرواس وجدنا فيه دعوةً صريحةً إلى عبادة غير الله تبارك وتعالى حيث جعل الوقوف بين يدى الولي خير من عبادة الله عز وجل ، وفيه أيضاً التجرؤ على الكذب على رسول الله صلى اله عليه وسلم ليروج لضلاله بين الناس حيث يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قال له ذلك ، وللرواس هذا أيضاً كتاب اسمه [ سماع وشراب ] جاء فيه في قصيدة يمدح فيها شيخه فيقول :
كم له من مدد يحي الرميم 0000000000صادر عن صاحب الخلق العظيم .
كم له من جده الهادي الكريم 000000000نفحات طيبات المشرب .
ناب في الكون جناب المصطفى 0000000بالهدى والصدق طوراً والوفا.
لو ندبناه على ميت عفا 000000000000قام بالسر كظبي ربرب.
وله أيضاً في مدح شيخه :
الفرد الحسيني غوث الثقلين 00000000هو في الأقطاب راسي القدمين .
                كم أغاث الملهوف قبل رمش العين .
ليته جاد لي بقبلة نعل 000000000000هي أشهى من ألف جنة عدن .
ولم يكتف بوصف شيخه بتلك الصفات التي لا تليق بمخلوق أبداً بل أراد أن يجعل لنفسه شيئاً من ذلك فقال عن نفسه :
نحن لولا مكنة في طورنا 00000000000لرأينا كل عبد عبدنا .
ولم يزل يغري السذج وضعاف العقول بالدخول في زمرتهم المنتنة هذه بكلام خادع ووعود كاذبة وأماني باطلة ، ومن ذلك قوله في كتابه [ سماع وشراب ] : ( إن العبد إذا تمكن من الأحوال بلغ محل القرب من الله عز وجل وصارت همته خادمة السماوات ، وصارت الأرضون كالخلخال برجله وصارت صفاته من صفات الحق جل وعلا ولا يعجزه شيء وصار الحق يرضى لرضاه ويسخط لسخطه ) .
والرواس هذا جبري كغيره من المتصوفة ، يقول موضحاً عقيدته هذه في كتاب له اسمه [ أشرف الوسائل ] : ( إن الله سبحانه لا يعذب في الآخرة أناساً دون أناس وينعم على أناس دون أناس لأنه هو الذي قدر للرجل الانحراف عن الصواب أو الاستقامة على ما يرضاه في كل باب )  ، وقد عرفنا سابقاً أن ابن عربي وغيره من الصوفية  كانوا  يقولون  بالجبر كذلك .
كما قامت لجان إحياء التراث الصوفي بطبع كتب الشعراني أحد كبار الصوفية في الماضي ، فأخرجوا للناس كتابه المسمى [ الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية ] وكتاب [ الطبقات الكبرى ] وكتاب [ الطبقات الصغرى ] لتأخذ هذه الكتب  دورها في إفساد العقيد والفكر كما فعل غيرها من كتب القوم ، ولابن قضيب البان كتاباً اسمه [ المواقف الإلهية] تحدث فيه عن عروجه إلى السماوات فقال : ( حتى دنوت من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فنا ولني يمينه ، فأخذته بكلتا يدي ، فلا زال يجذبني ويدنيني حتى ما بقي بيني وبين ربي أحد فلما حققت النظر في ربي رأيته على صورة النبي إلا أنه كالثلج أشبه شيء أعرفه في الوجود ، من غير رداء ولا ثياب ، ولما وضعت شفتي على محل منه لأقبله أحسست ببرد كالثلج سبحانه وتعالى ، فأردت أن أخر صعقاً 00إلى آخر ما يصف من هذه الأكاذيب والخيالات ) ، كما أخرجوا كتاب [ الذخائر المحمدية ] الذي زعم فيه مؤلفه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب ، وأعرض عن قول الحق تبارك وتعالى : { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله } ، وقوله تعالى على لسان رسوله الكريم محمد عليه الصلاة والسلام : { قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله  ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون } ، وقد وقع هؤلاء فيما حذر منه المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم بقوله : ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) ، وما أخبر به بقوله ( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) .
وبعد أن عرفنا حقيقة التصوف نستطيع أن نعرفه بأنه [ اتجاه فكري عقدي سلوكي يسير فيه المتصوف بغير دليل من السنة أو القرآن رائده فيه الذوق والوجدان ] .
_ دور التصوف في المجتمع الإسلامي _
من خلال معرفتنا بنشأة الفكر الصوفي والمبادئ التي يقوم عليها وعقائد المتصوفة نستطيع أن نحدد دور التصوف في المجتمع الإسلامي ، فكل إناء بما فيه ينضح .
ويتلخص دور التصوف في المجتمع الإسلامي فيما يلي :
1-    الدعوة إلى الكفر والزندقة والإلحاد باسم الدين .
2-     إفساد عقائد المسلمين بإدخال الشرك والوثنية عليها من خلال نشر تلك الضلالات والأكاذيب .
3-  العمل على تخلف المجتمع الإسلامي عن السير في ركب التقدم العلمي والتقني من خلال الدعوة إلى البطالة وترك العمل والإعراض عن طلب العلوم النافعة .
4-  صرف المسلمين عن كتاب ربهم وسنة نبيهم وشغلهم بأوراد وترانيم اخترعوها وزعموا أنها أفضل من تلاوة القرآن الكريم وتدبره .
5-  تهميش دور المسلمين في العالم من خلال تعطيل الدور الفاعل للمسلم وجعل حياته مليئة بالأوهام والخرافات والفراغ والجري وراء السراب .
  يقول الشيخ محمد الغزالي : ( لوأن التصوف اقتصر عل الجانب الأخلاقي في الإسلام والتزم في شروحه الحدود المعروفة في الكتاب والسنة لأفاد كثيراً ، بيد أن التصوف دخل في موضوعات غيبية لا علاقة له بها ، وتعلق بأفكار أجنبية ينكرها الإسلام واشتط في أحكامه على الأمور فزل عن السراط المستقيم ) .
- تعريف التصوف :
التصوف منهج غير إسلامي أدخله أعداء الإسلام على المسلمين من باب الزهد ليلبسوا عليهم دينهم  ويضلوهم عن السراط المستقيم
- خلاصة مهمة :
إن معظم من ينتسب إلى التصوف لا يعرفون  حقيقته ،  بل هم مخدوعون فيه .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه .


المراجع :
1-    الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان  _ لشيخ الإسلام ابن تيمية
2-     مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين  _ لابن القيم
3-     فضائح الصوفية   _ لعبد الرحمن عبد الخالق
4-     هذه هي الصوفية  _ لعبد الرحمن الوكيل
5-     موقف الإمام ابن تيمية من التصوف والصوفية _ للدكتور أحمد بن محمد البناني
6-     تلبيس إبليس _ لابن الجوزي
7-     مصرع التصوف  _ لبرهان الدين البقاعي
8-     التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق _ لزكي مبارك
9-     فصوص الحكم _ لابن عربي الحاتمي
10-       تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي _ لزين الدين العراقي .
http://uqu.edu.sa/page/ar/99190

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق