الأحد، 13 أبريل 2014

الرسائل.. قرع لباب العقل (قصة)

الرسائل
بقلم عادل مناع
قرع لباب العقل
جلس الرجل على مائدة الإفطار، وبجواره زوجته، وابنيهما (عماد)، و(سمر)، وقال الرجل: الليلة مولد سيدي أبي العلاء رضي الله عنه، ولا يسعني التغيب عن الاحتفال.
وحين سألته ابنته: لماذا يحضر مثل هذه الموالد على الرغم من أنه دكتور في الجامعة، فأجاب: كنت لا أجد نفسي، كنت أعيش غارقًا في المادية، ولم أجد راحتي وأنسي إلا مع أولياء الله الصالحين.
معارضة سرية
قام (عماد) و (سمر) بحوار سريع، فقالت (سمر) معترضه على تصرفات أبيها حول ذهاب أبيهم إلى ذلك المولد: كيف يخضع عقله الناضج لهذه السخافات؟! ألا يقرأ التاريخ ويرى دور هذه الطرق الصوفية في مساعدة المحتلين؟!
فقاطعها (عماد) وقال لها: أعتقد أن والدك يعرف ذلك وأكثر، لكنه يغض الطرف عن هذه المعلومات، فالعقل مهما حاز من المعارف والعلوم غير معصوم عن الانحراف.
فأخرجت (سمر) كتابًا يتناول الطرق الصوفية واعتقاداتها، وقالت له: لابد أن نطالع ذلك الكتاب لإقناعه بالعدول عن الذهاب لهذه الموالد.
الغيبوبة
يذهب الأب إلى مسجد أبي العلاء، ويقابل الشيخ (جميل) شيخ الطريقة، ويدخل الدكتور إلى الضريح، فيتبعه الشيخ (جميل) ببصره، ثم يتمتم بخفوت: ما أروع أن يكون رجل في مكانته منتميًا للطريقة، حتى يعلم الجميع أن معنا من هم أهل العلم والثقافة، فخرجت منه ضحكة مكتومة، قد أمسك بزمامها حتى لا تتبدى للحاضرين.
ثم يتكلم الشيخ (جميل) مع الدكتور، ويقول له (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور) [حديث موضوع]، ويغمض الشيخ (جميل) عينيه ويشهق، والجميع ينظرون إليه في صمت مهيب، ولم يجرؤ أحد على محادثته، فتهامسوا: الله أكبر، إسراء ومعراج، إسراء ومعراج.
الصدام
يعود الأب الدكتور بعد ليلة المولد، ويدخل على زوجته وأولاده، وما إن دخل إلا ويجد الكتاب الذي جاءت به ابنته إلى البيت، وانطلق ووجهه غضبًا متسائلًا للأبنته: كيف تقرئين لهذا الوهابي الضال؟ وتتناقش ابنته مع أبيها: لقد علمتنا أن نستمع للرأي الآخر؟ لماذا تخالف القاعدة هذه المرة يا أبي؟
فقال لها أبيها: عندما يتعلق الأمر بخطر يتهدد أفكاركم فلتذهب القواعد إلى الجحيم، وحينها أنفعلت (سمر) وما أسكتتها إلا صفعة قوية على وجهها، وعلى إثرها خيم الصمت على المكان.
وتسرع (سمر) إلى حجرتها وتبعها (عماد) ووالدتها، ويمسك الدكتور بالكتاب وينظر إليه نظرات التحدي، ويلقي الكتاب قائلًا: هراء، هراء.
المجهول
خرج الدكتور أحمد من الجامعة ليستقل سيارته، وما إن وضع جسده وأغلق بابها حتى أخرج من جيب سترته مظروفًا آخر، فتحه على عجل وطالع ما فيه، ووجد فيها: (أخاطب فيك عقلك الراشد ونضج شخصيتك، وأهمس في أذنك بتلك الكلمات)، ويطوي الورقة ثم وضعها في جيب سترته، وانطلق بسيارته قاصدًا بيت والدته.
وفي الطريق جعل يتحدث إلى نفسه: ترى من هذا المجهول الذي يبعث إلى بهذه الرسائل؟، ويصل إلى بيت والدته، وهي تقول (قل: يارب يا ولدي، قل: يارب).
الصباح الحزين
التقت الأسرة على مائدة الإفطار في ذلك الصباح كالعادة، ولكن المشهد غير المعتاد كان صمت (سمر) وحزنها الدائم رغم مرور أسبوع على ما حدث بينهما وبين والدها، وحينما همت بالنهوض يناديها والدها بصوت خافت ويتحاورا، وتعتذر (سمر) عما بدر منها، وما إن قاما بالنقاش حول الفكر الوهابي، إلا أن يدق جرس الهاتف، ويأتيهم خبر أن ماتت أم الدكتور.
همس الحق
أسبوع مضى على وفاة والدة الدكتور، والذي تأثر كثيرًا بفقدانها، ويدخل إلى قاعة المحاضرات، فيرى مظروف آخر، فستشاط غضبًا هذه المرة، وتوجه إلى الطلاب قائلا بعنف: من منكم وضع هذا المظروف؟
وتنتهي المحاضرة ويخرج إلى كافيتيريا الجامعة ليتناول فنجان من القهوة، ويفتح المظروف ويقرأ ما بداخله، ثم يطويها ويتصل بزوجته ويسألها: عن وأبنائه؟، ويطمئن عليهم ويتبين له أن الأمر بعيد عن ابنيه.
الأوهام
دق جرس الهاتف في منزل الدكتور، ويتكلم مع الشيخ (جميل)، وبعدها دار حديث بينه وبين زوجته وابناه، وقال الدكتور: لقد صلى الشيخ الليلة هناك، وبشرني بأنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن يبلغني السلام، وذاك ما يسمى عند العارفين بالكشف.
ويدور حوار حول كيف ذهب الشيخ (جميل) إلى المسجد النبوي وعاد في ساعة واحده، ويبرر الأب أنهم من أهل الخطوة، تطوى لهم المسافات.
صمت أمام الضريح
وفي المساء فتح الدكتور خزانته وأخرج منها مبلغًا ماليًا كبيرًا، ونزل لكي يستقل سيارته، فإذ به يرى مظروفًا مثبتًا بشريط لاصق على الزجاج الأمامي، فوقف أمامه وهو يحدث نفسه: أتكون إحدى رسائل ذلك الشخص المجهول؟، ثم دخل سيارته وبدأ يقرأ الرسالة.
حدق الدكتور في الرسالة وقد احمر وجهه، وشعر لأول مرة بخوف شديد على نفسه، وبدأت التساؤلات تحيط به من كل زاوية، وهو يقول لنفسه: لا تدع بعض شبهات ألقى بها وهابي تزلزل كيانك، اذهب إلى الشيخ جميل، فحتمًا سوف يريحك بعلمه من عناء التفكير.
ويدور حوار بين الدكتور وبين الشيخ (جميل) حول الأولياء والأضرحة.
هزة وجدان
في ساحة الجامعة كانت (سمر) تسير مع زميلتها (سهيلة)، يتجاذبان أطراف الحديث، وقد تعودتا أن يكون الدكتور محور الأحاديث غالبًا، ودار الحوار حول أولياء الله وصفاتهم.
ويدور حوار آخر بين الدكتور وصاحبه القديم أستاذ (رمزي) حول الطريقة الصوفية ويسأله الدكتور لماذا لم تسلك معي طريقًا مباشرًا في نصحك لي بدلًا من طريقة الرسائل هذه؟، فاندهش الاستاذ (رمزي): وقال أي رسائل أنا لم أبعث إليك بأي رساله.
وينهض الدكتور وهو يقول: لا بأس سامحني على إزعاجك.
مفاجأة بعد منتصف الليل
ويرى الدكتور حلمًا مزعجًا وهو أن النار تشتعل بيديه حينما اقترب من المقام، ويستفيق وهو ينظر إلى يده، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويحمد الله أنه كان حلمًا.
وينظر إلى الهاتف بعدما سمع نغمة الهاتف تعلن عن وصول رسالة جوال، ويفتحها فإذا برسالة مثل التي وجدها في الجامعة.
ويدور حوار بين الزوجه وزوجها حول الرسائل التي تصل إليه وتقنعه بقرائتها وتدبرها، وأن صاحب الرسائل إنما يريد مصلحته.
منحنى جديد
وينطلق الاستاذ رمزي سائلًا شيخ أحد المساجد، عن كيفيه هداية الدكتور؟ وأن الأستاذ رمزي عنده من النية في فضح الشيخ (جميل) أمام الدكتور، فأجابه الشيخ: يجب الالتفاف حوله واستثارة فضوله لمعرفة الحق.
صداقة الحروف
أصبحت هناك صداقة مجهولة بين الدكتور والذي يبعث إليه بالرسائل، ومضت عشرة أيام على الدكتور أحمد وهو يتلقى الرسائل على صفحته في الـ (فيس بوك) من ذلك الشخص المجهول، بل صارا يتحدثان سويًا من خلال الـ (شات) حتى تكونت بينهما صداقة من نوع جديد، صداقة الحروف.
الصراع الهاديء
يعيش الآن فترة صراع، ولكنه صراع مفعم بالهدوء، يختلف عن ذي قبل، لم يعد ذلك الرجل الذي يدافع الخطرات ويجاهد لفض اشتباكها، ولا بالذي يغلق باب عقله، هو الآن يبحث عن الحق، هكذا عاهد نفسه.
الصرخة
جلس الدكتور أحمد مع الشيخ جميل في مسجده، وكان الأخير يتحدث بحماس عن كرامات الأولياء أحياء وأمواتًا، ويستعير من ذاكرته ما سمعه عن قصص أولئك الذين عادوا الأولياء ثم حلت بهم القوارع والمصائب.
ويدور حوار بين الدكتور والشيخ جميل، عن من هم أولياء الله؟، ويتجادل الدكتور مع الشيخ (جميل)، ويصرخ الشيخ (جميل): اخرج فلقد انحرفت عن الصراط المستقيم، ولسوف تندم أشد الندم، غضب الأولياء لا قبل لأحد به، ويقوم الدكتور ويذهب إلى المقام ثم يخاطبه: هل تسمعني؟ لا أحتاج إليك، ثم صرخ بأعلى صوته: لا أحتاج إليك، أنا أكفر بك، هل تسمعني؟
ويدخل سيارته ثم وأخرج هاتفه وكتب رسالة إلى صاحب الرسائل: أين أنت؟ أحتاج للحديث معك.
الوجه الآخر للحياة
بعث صاحب الرسالة المجهول برسالة أخرى للدكتور على صفحته بعد انقطاع التواصل بينه وبين صاحب الرسائل على مدى أسبوع، كان الدكتور خلاله في شوق عارم للحديث مع الغريب.
ويأتي الأستاذ رمزي وإمام المسجد لزيارة الدكتور والحديث معه.
الموعد
جلس الدكتور أحمد على جهاز الحاسوب يتبادل العبارات مع صاحب الرسائل كما تعود كل ليلة، ويتفق صاحب الرسائل على مقابلة الدكتور.
اللقاء
ويحين موعد اللقاء بين الدكتور وصاحب الرسائل، ويدق جرس الباب ويفتح الدكتور في لهفه وشغف، ويفتح الباب ليجد ولده (عماد) يقف أمامه، ويحتضنه والده الدكتور، وتنهمر الدموع من عينيهما.
على بساط البيان
ويجلس الدكتور يتناول الغداء برفقة عماد وصديقه (شريكه في هداية والده)، وبدأ الدكتور بسأل ولده (عماد) عن كيفية إرسال الرسائل له؟ ويجيبه ولده بكل صدق وإخلاص.
حفيف الذكريات
وبعد سبع سنين: توجهت الأسرة إلى معرض الكتاب، حيث حفل توقيع الكتاب الرابع للدكتور أحمد، وبدت الذكريات ترفرف عليهم وهم يطالعون عنوان ذلك الكتاب: الرسائل.



هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق