بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
ذكرنا في مقال سابق بعنوان ( هل يصح قول من يقول إن الصوفية أنواع ) وتجده إن شاء الله على هذا الرابط

أن أصل أمر التصوف كان من المبالغة في التزهد والتعبد، وأن التصوف بهذا المعنى لا يمكن الآن إطلاقه على مجتمع الصوفية أو شيء من طوائفهم، وإن كان قد ينطبق على بعض أو كثير من الأفراد ممن ينتسب إليهم أو لا ينتسب إليهم.
وإنه ومن زمن طويل أصبح التصوف عبارة عن طرق ومذاهب استقلت بعقائدها ومصادرها عن أهل السنة، وأظهرت المخالفة لهم في اعتقادات كثيرة وطقوس عديدة لا تمت إلى الكتاب والسنة بصلة

وفي هذه المقالة نبين بعض وأهم هذه المبادئ والعقائد التي جنح إليها التصوف فخالف بذلك عقائد أهل السنة والجماعة لأننا كما يقول الشيخ العلامة أحمد بن حجر البوطامي «لو ذهبنا نعد مبادئ الصوفية مع التعليق عليها، لتطلب كتاباً مفرداً لكونها كثيرة»(1).

قلت نعم، إن ما ينطوي عليه التصوف من البدع والمبادئ الضالة كثير جداً، يصعب تتبعه وحصره، بل إنه لا يزال مع الأيام يزداد، ولا يزالون يتفننون بألوان من البدع والخرافات، ولذلك نكتفي بذكر بعض ما نبه عليه الشيخ رحمه الله، ولعل ذلك يكون دليلاً لما وراءه.
وقد ذكر رحمه الله من مبادئهم الضالة زعمهم أن الإسلام شريعة وحقيقة، وقولهم بالكشف، وقولهم بالحلول وعقيدة التجلي، ووحدة الوجود، وذكر بعض عقائد التيجانية.
ذكر ذلك في «تحذير المسلمين» وفي غيره أيضاً، وأشار إلى الكثير من مبادئهم وبدعهم وغلوهم وحال كثير من مشائخ طرقهم، وفيما يلي التوضيح لبعض ذلك:
يقول رحمه الله:

«أولاً: زعمهم أن الإسلام شريعة وحقيقة، وأنهم علماء الحقيقة وعلماء الباطن والعارفين بالله، وأما أهل العلم فهم أهل الظاهر وعلماء الرسوم»(2).
وخلاصة هذه الدعوى أنهم ليسوا بحاجة إلى أخذ العلم بطريقته المعروفة، ولكن بالكشف، ويفتخرون على علماء الشرع بهذه الدعاوي الكاذبة «يقول أبو يزيد البسطامي(3)، من أئمة الصوفية في القرن الثالث، يخاطب علماء الشريعة: "أخذتم علمكم ميتاً عن ميت، وأخذنا علمنا من الحي الذي لا يموت، يقول أمثالنا: حدثني قلبي عن ربي، وأنتم تقولون: حدثني فلان، أين هو، قالوا: مات، عن فلان، قالوا: وأين هو، قالوا: مات"»(4).
وقد أبطل الشيخ رحمه الله هذه الدعوى وقال «أن هذا تقسيم مخترع باطل، لم يقيموا عليه دليلاً واحداً....»(5).
وذكر أن مما يبين بطلان هذا المبدأ:
1. أن هذه الدعوى -دعوى مخاطبة الله تعالى أو الكشف عن اللوح المحفوظ- معناها أنهم لا حاجة لهم إلى الرسل.
قال: «وأجمع أهل الأديان السماوية أن الله تعالى اصطفى من عباده من جعلهم واسطة بينه وبين خلقه في تبليغ شرائعه ...».
2. أن هذه الدعوى معناها أنهم فوق النبي صلى الله عليه وسلم وأفضل منه، ولا شك أن هذا كذب وباطل، فإنه بالإجماع أفضل الخلق صلوات الله وسلامه عليه، ولم يقل يوماً أنه يأخذ عن اللوح المحفوظ وأنه لا حاجة له إلى جبريل.
3. أن هذا المبدأ الضال يهدم الإيمان بالرسل، كما يهدم الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إذ أنه بموجب ذلك يسوغ عدم متابعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن وصل إلى تلك الدرجة.
4. أن هذا المبدأ الكفري يفتح الباب على مصراعيه لكل دجال يريد أن يدعي النبوة ويزعم أنه كُشف له اللوحُ المحفوظ، أو أن الله خاطبه أو أرسله لعباده(6).
وقد توسع الصوفية في مسألة الكشف والإلهام، حتى صاروا يزعمون تصحيح الأحاديث وترجيح المسائل عن طريق الكشف، بل ويعتمدون في مثل ذلك حتى على المنامات(7).

وعند هذا المبدأ الكفري الخطير، أقصد مبدأ التلقي بالكشف والإلهام والرؤى، تظهر لنا آثار ما في التصوف من نبذ الشريعة ومحاولة إبعاد أتباعها عن العلم والعلماء، وعن الكتاب والسنة، وإفساد عقولهم ومنهج الاستدلال والتلقي عندهم، ليخوضوا بهم بعد ذلك أينما شاءوا من أودية الضلال والشرك والبدع، وهذا يدلنا على الأيدي الخبيثة المعادية للإسلام، التي تعبث بهؤلاء السذج وتضلهم بهذه الفلسفات والسفسطات الباطلة.

يتبع إن شاء الله تعالى .
----------------------------------------------------
(1) تحذير المسلمين ص: 124.
(2) تحذير المسلمين ص: 124.
(3) هو طيفور بن عيسى بن سروشان، كان جده مجوسياً فأسلم، وله كلام كثير مخرج عن الملة. انظر: طبقات الصوفية ص: 67، سير أعلام النبلاء: (13/86)، المصادر العامة للتلقي عند الصوفية عرض ونقد ص: 70.
(4) تحذير المسلمين ص: 124.
(5) تحذير المسلمين ص: 125.
(6) انظر: تحذير المسلمين ص: 124، الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد القرن الثاني عشر ص: 202-204، مجموع فتاوى ومقالات وخطب الشيخ أحمد بن حجر رحمه الله: (12/27-28)، (8/39)، 016/5).
(7) انظر: مجموع فتاوى ومقالات وخطب الشيخ أحمد بن حجر رحمه الله: (8/39)، (24/30)، (15/36).