الخميس، 6 مارس 2014

أحاديث الأبدال والأقطاب

أحاديث الأبدال والأقطاب

     الحمد لله المعز لأوليائه. المذل لأعدائه. حمداً يوجب رضوانه. ويستوهب إحسانه. والصلاة والسلام على موضح آياته. ومبلِّغ كلماته. وبعد...
     فإن من موجبات الرحمة والغفران ، كشف أباطيل أهل الزيغ والبهتان. وبيان أكاذيبهم على رسولنا الكريم. وما حرفوه من أصول وفروع شرعنا القويم. إعلاءاً لكلمة الحق. وتصديقاً بوعد الصدق. {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره}.
     قال الحافظ ابن القيم "رحمه الله" في فصل عقده لأحاديث مشهورة باطلة من ((نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول)) (صفحة: 127): ((ومن ذلك أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقرب ما فيها حديث "لا تسبوا أهل الشام ، فإن فيهم البدلاء ، كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلا آخر" ذكره أحمد ، ولا يصح أيضا فإنه: منقطع)) اهـ.
     وأما قول السيوطي "رحمه الله" في ((النكت)): ((خبر الأبدال صحيح فضلا عما دون ذلك ، وإن شئت قلت متواتر ، وقد أفردته بتأليف استوعبت فيه طرق الأحاديث الواردة في ذلك)) فمن مراكب الإعتساف ، والمباعدة عن مواقع الإنصاف ، إذ ليس فيما ذكره حديثاً واحداً تنتهض به الحجة لما ادَّعاه.
     وأنا ذاكر بعون الله وتوفيقه جملة من الأحاديث التي ذكرَها ، ومبين آفاتِها وعللَها:
     (الأول) حديث عوف بن مالك
أخرجه الطبراني ((الكبير)) (18/65/120) ، وابن عساكر ((التاريخ)) (1/290) كلاهما من طريق عمرو بن واقد نا يزيد بن أبي مالك عن شهر بن حوشب قال: لما فتحت مصر سبوا أهل الشام ، فأخرج عوف بن مالك رأسه من برنسه ، ثم قال: يا أهل مصر ، أنا عوف بن مالك لا تسبوا أهل الشام ، فإني سمعت رسـول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((فيهم الأبدال ، وبهم تنصرون ، وبهم ترزقون)).
     هذا الحديث كذب كأنه موضوع ، وإنما يعرف بعمرو بن واقد أبي حفص الدمشقي ؛ مولى بنى أمية ، وهو هالك تالف. قال أبو مسهر علي بن مسهر: ليس بشيء كان يكذب. وقال البخاري والترمذي: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكر الحديث. وقال يعقوب بن سفيان عن دحيم: لم يكن شيوخنا يحدثون عنه. قال: وكأنه لم يشك أنه كان يكذب. وقال الدارقطني والنسائي والبرقاني: متروك الحديث. وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد ويروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك.
     ومن مناكيره ، بل أباطيله وموضوعاته ، ما أخرجه الطبراني((الكبير)) (20/35/162) ، وابن عدى (5/118) والبيهقي ((شعب الإيمان)) (6/479/8974) جميعا عن عمرو بن واقد عن يونس بن ميسرة عن أبي إدريس عن معاذ بن جبل عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((من أطعم مؤمنا حتى يشبعه من سغب أدخله الله بابا من أبواب الجنة ، لا يدخله إلا من كان مثله)).
قال ابن أبي حاتم ((علل الحديث)) (2/179/2031): ((سألت أبي عن حديث رواه هشام بن عمار عن عمرو بن واقد ثنا يونس بن ميسرة بن حليس عن أبي إدريس عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أشبع جائعا)) الحديث بنحوه. قال أبي: هـذا حديث كأنه موضوع. ولا أعلم روى أبو إدريس عن معاذ إلا حديثا واحدا ، وعمرو ضعيف الحديث)) اهـ.
     (الثانى) حديث عبادة بن الصامت
وله طريقان:
     [ الطريق الأولى ] أخرجها أحمد (5/322) قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء أنا الحسن بن ذكوان عن عبد الواحد بن قيس عن عبادة بن الصامت عن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الأَبْدَالُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ ثَلاثُونَ ، مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ ، كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَكَانَهُ رَجُلاً)).
قال عبد الله بن أحمد: ((قَالَ أَبِي رَحِمَه الله: حَدِيث عَبْدِ الْوَهَّابِ هَذَا مُنْكَرٌ)).
وأخرجه كذلك الهيثم بن كليب ((المسند)) ، والخلال ((كرامات الأولياء)) (2) ، وأبـو نعيم ((أخبار أصبهان)) (1/180) والخطيب ((تالي تلخيص المتشابه)) (1/248) ، وابن عساكر (1/292) جميعا من طريق الحسن بن ذكوان به.
     قلت: وهذا حديث منكر كما قال الإمام أحمد ، وله ثلاث آفات:
(الأولى) عبد الواحد بن قيس ، وإن وثقه ابن معين والعجلي وأبو زرعة الدمشقي ، لكنه لا يُعتبر برواية الضـعفاء عنه. قال أبو حاتم: يكتب حديـثه وليس بالقوى. قال البخاري: عبد الواحد بن قيس قال يحيى القطان: كان الحسن بن ذكوان يحدث عنه بعجائب.
وقال ابن حبان في ((المجروحين)): عبد الواحد بن قيس شيخ يروي عن نافع روى عنه الأوزاعي والحسن بن ذكوان ، ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير ، فلا يجوز الاحتجاج بما خالف الثقات ، فإن اعتبر معتبر بحديثه الذي لم يخالف الأثبات فيه فحسن.
وقال في ((الثقات)): لا يعتبر بمقاطيعه ولا بمراسيله ولا برواية الضعفاء عنه ، وهو الذي يروي عن أبي هريرة ولم يره.
(الثانية) الانـقطاع ، فإن عبد الواحد بن قيس إنما أدرك عـروة ونـافع ، وروايته عن أبي هريرة مرسلة ، كما قال البخاري وابن حبان. فعلى هذا فهو لم يدرك عبادة بن الصامت ولم يره.
(الثالثة) الحسن بن ذكوان يحدث عن عبد الواحد بن قيس بعجائب ، كما قال يحيى القطان وعلى بن المدينى والبخاري. وقال ابن معين: كان صاحب أوابد. وقال الأثرم: ((قـلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: ما تقول في الحسن بن ذكوان ؟ ، قال: أحاديثه أباطيل ! يروى عن حبيب بن أبي ثابت ولم يسمع من حبيب ، إنما هذه أحاديث عمرو بن خالد الواسطى)).
ولما كان الحسن بـن ذكوان موسوماً بالتدليس مشهوراً به ، فـقد أورد له ابـن عـدى في ((كامله)) (5/125) أربعة أحاديث دلَّسها عن عمرو بن خالد الواسطى الكذاب الوضاع.
وواحدة من هذا العلل الثلاث تكفي في الحكم على حديث عبادة بنفي ثبوته فضلا عن صحته ، ومنه تعلم أن قول الهيثمى ((مجمع الزوائد)) (10/62): ((رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح غير عبد الواحد بن قيس ، وقد وثقه العجلي وأبو زرعة وضعفه غيرهما)) ، وأقره السيوطي والمُناوي وغيرهما ، أبعد شيء عن الصواب !! ، وذلك لما ذكرناه آنفاً.
وأما قوله الحسن بن ذكوان من رجال الصحيح ، فالجواب عنه ما وصفه به الإمام أحمد من التدليس عن الكذابين ورواية الأباطيل. فإن قيل: قد أخرج البخاري له في ((كتاب المناقب)) من ((صحيحه)) (4/139. سندي) قال: حدثنا مسدد حدثنا يحيى ـ يعنى القطان ـ عن الحسن بن ذكوان حدثنا أبو رجاء حدثنا عمران بن حصين عـن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، يُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ)).
فربما يكتفي بعضهم بما ذكره الحافظ ابن حجر في ((هدى الساري)) بقوله: ((والحسن بن ذكوان تكلم فيه أحمد وابن معين وغيرهما ، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث برواية القطان عنه مع تعنته في الرجال ، ومع ذلك فهو متابعة)) !.
وأقـول: وتمام هذا التوجيه وكماله أن نقول:
(1) أن الحسن بن ذكوان قد صرَّح في الحديث بالسماع ، فانتفت تهمة تدليسه.
(2) أن كون الحديث من رواية يحيى القطان عنه ، وهو أعرف الناس بما يصح من حديثه ، وما ينكر ، فهو من صحاح حديثه. وقد قال أبو أحمد بن عدى: ((أن يحيى القطان حدَّث عنه بأحرفٍ ، ولم يكن عنده بالقوي)).
ومما يفيده هذا التوجيه: أن انتقاء الصحيح من أحاديث الضعفاء والمجروحين هو مما توافرت عليه همم الجهابذة النقاد أمثال: يحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بـن مهدي ، ويحيى بـن معين ، والبخاري ، وأبي حاتم وغيرهم من أئمة هذا الشأن.
     [ الطريق الثانية ] أوردها ابن كثير ((التفسير)) (1/304) من طريق ابن مردويه قال: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن جرير بن يزيد حدثنا أبو معاذ نهار بن عثمان الليثي أخبرنا زيد بن الحباب أخبرني عمرو البزار عن عنبسة الخواص عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الأبدال في أمتي ثلاثون ، بهم ترزقون ، وبهم تمطرون ، وبهم تنصرون)) ، قال قتادة: إني لأرجو أن يكون الحسن منهم.
قال الهيثمى ((مجمع الزوائد)) (10/63): ((رواه الطبراني من طريق عمرو البزار عن عنبسة الخواص ، وكلاهما لم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح)).
قلت: ومع جهالة رواته عن قتادة ، فقد خولفوا على رفعه. رواه عبد الوهاب بن عطاء الخفاف نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: لن تخلو الأرض مـن أربعين ، بهم يغاث الناس ، وبهم تنصرون ، كلما مات منهم أحد أبدل الله مكانه رجلاً.
أخرجه هكذا ابن عساكر ((التاريخ)) (1/298) من طريق عمران بن محمد الخيزراني عن عبد الوهاب به.
     (الثالث) حديث أنس بن مالك
وله أربع طرق:
     [ الطريق الأولى ] أخرجها ابن عدى (5/220) حدثنا محمد بن زهير بن الفضل الأبلي ثنا عمر بن يحيى الأبلي ثنا العلاء بن زيدل عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البدلاء أربعون اثنان وعشرون بالشام ، وثمانية عشر بالعراق ، كلما مات منهم واحد بدل الله مكانه آخر ، فإذا جاء الأمر قبضوا كلهم ، فعند ذلك تقوم الساعة)).
وأخرجه كذلك ابن عساكر ((التاريخ)) (1/291) ، وابن الجوزي ((الموضوعات)) (3/151) كلاهما من طريق ابن عدى به.
قلت: هذا إسناد مظلم وحديث موضوع ، لا يحل ذكره إلا تعجباً ولا كتابته إلا تحذيراً.
قال الحافظ الذهبى ((الميزان)) (5/123): ((العلاء بن زيدل الثقفي بصري روى عن أنس بن مالك كنيته أبو محمد تالف. قال ابن المديني: كان يضع الحديث. وقال أبو حاتم والدارقطني: متروك الحديث. وقال البخاري وغيره: منكر الحديث. وقال ابن حبان: يروي عن أنس بن مالك بنسخة موضوعة لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل التعجب)). وذكر هذا الحديث من مناكيره ، وقال: ((وهذا باطل)).
     [الطريق الثانية] أخرجها ابن عدى (6/289) من طريق محمد بن عبد العزيز الدينوري ثنا عثمان بن الهيثم ثنا عوف عن الحسن عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بكثرة صلاة ولا صيام ، ولكن بسخاء الأنفس وسلامة الصدور)).
قال أبو أحمد: ((وهذا الحديث بهذا الإسناد ليس يعرف إلا بابن عبد العزيز الدينوري ، وهو من الأحاديث التي أنكرت عليه)).
     قـلت: والدينورى ليس بثقة ولا مأمون ، ينفرد عن الثقات بالمقلوبات ، ويأتى بالبلايا والطامات ، كأنه المتعمد لها. وهذا الحديث رواه جماعة من الضعفاء عن الحسن البصرى ، واختلفوا عليه ، فمرة عـن أنس ، وثانـية عن أبي سعيد الخدرى ، وثالثة عن الحسن مرسلاً ، ولا يصح منها كبير شئٍ.
     [الطريق الثالثة] أخرجها الخلال ((كرامات الأولياء)) ، وابن الجوزى ((الموضوعات)) (3/152) من طريق أبي عمر الغدانى عن أبي سلمة الحرانى عن عطاء عن أنس قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((الأبدال أربعون رجلاً وأربعون امرأة ، كلما مات رجل بدل الله مكانه رجلاً ، وكلما ماتت امرأة أبدل الله مكانها امرأة)).
قال أبو الفرج: ((وفي إسناده مجاهيل)) يعنى أبا سلمة وأبا عمر لا يعرفان !!.
     [الطريق الرابعة] أخرجها ابن عساكر ((التاريخ)) (1/292) من طريق نوح بن قيس الحداني عن عبد الله بن معقل عن يزيد بن أبان الرقاشي عن أنس عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((دعائم أمتي عصائب اليمن ، وأربعون رجلاً من الأبدال بالشام. كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً ، أما إنهم لم يبلغوا ذلك بكثرة صلاةٍ ، ولا صيامٍ ، ولكن بسخاوة الأنفس ، وسلامة الصدور ، والنصيحة للمسلمين)).
     قلت: هذا إسناد واهٍ بمرة. قال الحافظ الذهبي ((الميزان)) (4/204): ((عبد الله بن معقل بصري عن يزيد الرقاشي. لا يدرى مـن ذا ؟!. روى عنه نوح بن قيس فقط)). وأما يزيد بن أبان الرقاشي فمتروك الحديث ذاهب الحديث. قال ابن حبان: ((كان يقلب كلام الحسن فيجعله عن أنس عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو لا يعلم ، فلما كثر في روايته ما ليس من حديث أنس وغيره من الثقات بطل الاحتجاج به ، فلا تحل الرواية عنه إلا على سبيل التعجب ، وكان قاصا يقص بالبصرة ، ويبكي الناس ، وكان شعبة يتكلم فيه بالعظائم)).
     (الرابع) حديث عبد الله بن عمر
أخـرجه أبو نعيم ((الحلية)) (1/8) ، وابـن عساكر((تاريخ دمشق)) (1/303،302) ، وابن الجوزى ((الموضوعات)) (3/151) سعيد بن أبي زيدون ثنا عبد الله بن هارون الصوري ثنا الأوزاعي عن الزهري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيار أمتي في كل قرن خمسمائة ، والأبدال أربعون فلا الخمسمائة ينقصون ، ولا الأربعون ، كلما مات رجل أبدل الله من الخمسمائة مكانه ، وأدخل من الأربعين مكانهم)) ، قالوا: يا رسول الله دلنا على أعمالهم ؟ ، قال: ((يعفون عمن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساءهم، ويتواسون فيما آتاهم الله)).
     قال أبو الفرج: ((موضوع ، وفيه مجاهيل)) ، يعني الصوري ، وابن أبي زيدون لا يعرفان.
وقال الحافظ الذهبى ((الميزان)) (4/217): ((عبد الله بن هارون الصوري عن الأوزاعي. لا يعرف. والخبر كذب في أخلاق الأبدال)) ، وأقرَّه الحافظ ابن حجر في ((لسان الميزان)) (3/369).
     (الخامس) حديث أبي هريرة
أخرجه ابن حبان ((المجروحين)) (2/61) ، وابن الجوزي ((الموضوعات)) (3/151) من طريق عبد الرحمن بن مرزوق الطرسوسي عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الرحمن ، بهم تغاثون ، وبهم ترزقون ، وبهم تمطرون)).
قال أبو حاتم بن حبان: ((هذا كذب. عبد الرحمن بن مرزوق بن عوف أبو عوف ؛ شيخ كان بطرسوس يضع الحديث لا يحل ذكره إلا علي سبيل القدح فيه)).
     (السادس) حديث أبي سعيد الخدري
أخرجه البيهقي ((شعب الإيمان)) (7/439/10893) من طريق محمد بن عمران بن أبي ليلى أنا سلمه بن رجاء عن صالح المري عن الحسن عن أبي سعيد الخدري أو غيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبدال أمتي لم يدخلوا الجنة بالأعمال ، ولكن إنما دخلوها برحمة الله ، وسخاوة الأنفس وسلامة لجميع المسلمين)).
قلت: وهذا حديث منكر ، وله ثلاث آفات:
     (الأولى): صالح بن بشيرٍ المري القاص ، منكر الحديث جداً يحدث عن قوم ثقات أحاديث مناكير. قـال أحمد: كان صاحب قصص يقص ليس هو صاحب آثار وحديث ولا يعرف الحديث. وقال عمرو بن علي الفلاس: هو رجل صالح منكر الحديث جداً ، يحدث عن الثقات بالأباطيل والمنكرات. وقال البخاري: منكر الحديث ذاهب الحديث. وقال السعدي: واهي الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث.
     (الثانية): الانقطاع ، فإن الحسن البصري لم يسمع أبا سعيد الخدري. قال الحافظ أبو سعيد العلائى ((جامع التحصيل)) (1/163): ((قال علي بن المديني: رأى الحسن أم سلمة ، ولم يسمع منها ، ولا من أبي موسى الأشعري ، ولا من الأسود بن سريع ، ولا من الضحاك بن سفيان ، ولا من جابر ، ولا من أبي سعيد الخدري ، ولا من ابن عباس ، ولا من عبد الله بن عمر ، ولا من عمرو بن تغلب ، ولم يسمع مـن أبي برزة الأسلمي ، ولا من عمران بن حصين ، ولا من النعمان بن بشير ، ولم يسمع من أسامة بن زيد شيئا ، ولا من عقبة بن عامر ، ولا من أبي ثعلبة الخشني)).
     قـلت: وهذا كما قال ؛ إلا سماعه من عمرو بن تغلب. ففي ((كـتاب الجهاد)) مـن ((صحيح البخاري)) (2/157. سندي): حدثنا أبو النعمان حدثنا جرير بن حازم قال سمعت الحسن يقول حدثنا عمرو بن تغلب قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ نِعَالَ الشَّعَرِ ، وَإِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا عِرَاضَ الْوُجُوهِ ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ)).
     (الثالثة) المخالفة ، فقد رواه جماعة عن صالح المري عن الحسن مرسلاً ، وسلمة بن رجاء التيمي الكوفي صدوق يغرب ، ويتفرد بما لا يتابع عليه.
فقد أخرجه البيهقي ((شعب الإيمان)) (7/439) من طريق يحيى بن يحيى أنا صالح المري عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن بدلاء أمتي..)) بنحوه ، هكذا مرسلاً.
     (السابع) حديث عبد الله بن مسعود
أخرجه أبو نعيم ((الحلية)) (1/8) ، ومن طريقه ابن الجوزي ((الموضوعات)) (3/150) من طريق محمد بن السري القنطري ثنا قيس بن إبراهيم بن قيس السامري ثنا عبد الرحمن بن يحيى الأرمني ثنا عثمان بن عمارة ثنا المعافي بن عمران عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال: قال رسـول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إن لله عزَّ وجلَّ في الخلق ثلاثمائة ، قلوبهم على قلب آدم عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق أربعون ، قلوبهم على قلب موسى عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق سبعة ، قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق خمسة ، قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق ثلاثة ، قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق واحد ، قلبه على قلب إسرافيل عليه السلام ، فاذا مات الواحد أبدل الله عز وجل مكانه من الثلاثة ، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله تعالى مكانه من الخمسة ، وإذا مات من الخمسة أبدل الله تعالى مكانه من السبعة ، وإذا مات من السبعة أبدل الله تعالى مكانه من الأربعين ، وإذا مات من الأربعين أبدل الله تعالى مكانه من الثلاثمائة ، وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله تعالى مكانه من العامة ، فبهم يحيي ويميت ، ويمطر وينبت ، ويدفع البلاء)) ، قيل لعبد الله بن مسعود: كيف بهم يحيي ويميت ؟ ، قال: ((لأنهم يسألون الله عز وجل إكثار الأمم فيكثرون ، ويدعون على الجبابرة فيقصمون ، ويستسقون فيسقون ، ويسألون فتنبت لهم الأرض ، ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء)).
قال أبو الفرج: ((إسناده مظلم ، كثير من رجاله مجاهيل ليس فيهم معروف)).
     قلت: وبقية أحاديث الأبدال مراسيل لا تنتهض بمثلها الحجة ، كيف وقد بان أن المرفوعات كلها واهية بمرة.
     والذي ندين الله به ، ونعتقده واجباً لازما ، بعد قيام الدلالة بمقتضى ما بيناه من بطلان الأحاديث الآنفة الذكر ، أن هذه الألفاظ ((الأبدال)) و ((الأوتاد)) و ((الأقطاب)) و ((الغوث الفرد)) ، وغيرها مما تتهوعها قلوب المؤمنين الموقنين ، لم تكن تدور قطعاً على ألسنة الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، ولم ترد بها أحاديث صحاح تؤكد صحة مدلولاتها ، على مقتضى كلام مَنْ أكثرَ استعمالها ، ولهجَ بذكرِها ، وأجراها على وفق قوانين وقواعد مبتدعة ، ضاهت عند بعضهم الشرك الأكبر ، وأكثرُهم من المنتمين إلى الشيعة ، والرافضة ، والصوفية.
     وما اُستعمل منها على ألسنة أكابر أئمة السنة والجماعة ، كالإمام ابن المبارك والأوزاعي والشافعي وأحمد وابن معين والبخاري وغيرهم من رفعاء أهل السنة ، وخاصةً لفظ ((الأبدال)) ، فمحمول على معانٍ محمودة ، ومدائح جائزة. وربما وقع الاشتباه في دلالات هذه الألفاظ ، من جهة المعهود الذهني لمعانيها عند المخالفين من أهل الطوائف المبتدعة ، كالشيعة الباطنية ، والصوفية الإتحادية. وأما مع المجانبة والحذر من مشابهتهم ، فلا مشاحة في استعمال هذه الألفاظ حبنئذٍ ، على المعانى الجائزة مما تبيحه أدلة الكتاب والسنة.
     فلا يظن أحدٌ أن قول الإمام أبي عبد الله الشافعي عن شيخه يحيى بن سليم الطائفي: كنا نعده من الأبدال ، أنَّه يعنى أن شيخه الطائفي أحد الأربعين أشباه إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ ، الذين كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللهُ تَعَالَى مَكَانَهُ رَجُلاً ، ولا يعنى أن شيخه أحد من يستغاث بهم ، ويستنـزل بهم القطر والرزق. وهذا مما لا ينبغي الإسهاب في بيان بطلان اعتقاده ، وحمل كلام أئمتنا عليه.
ألا تراهم يقولون في المديح ما لا يسعهم فعله ، فضلاً عن اعتقاده ، كقولهم ((فلان كعبة المحتاج لا كعبة الحُجَّاج ، ومَشْعَر الكرم لا مشعر الحَرَم ، ومِنَى الضيف لا مِنَى الخَيْف ، وقِبْلَة الصِّلاتِ لا قِبْلَة الصَّلاة)) ، وهذا كثير دائر على ألسنة الأدباء الأبيناء البلغاء من أهل السنة.
     وعليه فقولهم عن رجل ((فلان من الأبدال)) ، محمول على معانٍ من الثناء والمديح والمحامد الجائزة ، مما لا مساس معها بالمحظورات العقائدية. وما كان منها على خلاف هذه الدلالة ، فمردود على قائله أو متأوله ، فمن ذلك قول شهاب بن معمر البلخي عن الإمام حماد بن سلمة: كان يُعد من الأبدال ، تزوج سبعين امرأة فلم يولد له. ألا ترى أن مسحة الصوفية قد أذهبت رونق المدح والثناء ، فأحالت المدح قدحاً ، والثناء هجاءاً. وقارن ذلك بقول ابن المبارك عنه: ما رأيت أحداً أشبه بمسالك الأوائل من حماد بن سلمة ، تجد بينهما بوناً شاسعاً ، تستلطف معه كلام ابن المبارك ، وتلقي إليه سمعك ، بينما تستغرب ما صدر عن البلخي.
     فإذا وضحت هذه اللمعة ، فلنذكر طرفاً من الاستعمالات الجائرة لهذه الألفاظ عند الصوفية.
     فهذا الشيخ عبد الرؤوف المناوي الصوفي يوضح حقيقة البَدَل على اعتقادهم ، فيقول في (فيض القدير): ((وإذا رحل البدلُ عن موضعٍ ترك بدله فيه حقيقة روحانية ؛ يجتمع إليها أرواح أهل ذلك الموطن الذي رحل عنه هذا الولي ، فإن ظهر شوقٌ من أناس ذلك الموطن شديد لهذا الشخص ، تجسدت لهم تلك الحقيقة الروحانية التي تركها بدلُه ، فكلمتهم ، وكلموها ، وهو غائب عنهم ، وقد يكون هذا من غير البدل ، لكن الفرق بينهما أن البدل يرحلُ ويعلمُ أنه ترك غيره ، وغيرُ البدل لا يعرفُ ذلك وإن تركه)).
     ولا أظنك وأنت تقرأ هذا الغثاء ، إلا تعوذت بالله من هذه الأباطيل ، وقلت مسارعاً {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً} ، ودعوت عائذاً {رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ}.
     وها هو يقول ما تقشعر منها الجلود ، وتشمئز منه الأفئدة: ((الأَبدال ـ بفتح الهمزة ـ جمع بَدَل بفتحتين ، خصهم الله تعالى بصفات: منها أنهم ساكنون إلى الله بلا حركة ، ومنها حسن أخلاقهم في هذه الأمة ، (ثلاثون رجلا) قيل سموا أبدالا ، لأنهم إذا غابوا تبدل في محلهم صور روحانية تخلفهم ، (قلوبهم على قلب إبراهيم) خليل الرحمن عليه السلام ، أي انفتح لهم طريق إلى الله تعالى على طريق إبراهيم عليه السلام ، وفي رواية (قلوبهم على قلب رجل واحد) قال الحكيم الترمذي: إنما صارت هكذا ، لأن القلوب لهت عن كل شيء سواه ، فتعلقت بتعلق واحد ، فهي كقلب واحد. قال في ((الفتوحات)): قوله هنا (على قلب إبراهيم) ، وقوله في خبر آخر (على قلب آدم) ، وكذا قوله (على قلب شخص من أكابر البشر أو من الملائكة) معناه: أنهم يتقلبون في المعارف الإلهية بقلب ذلك الشخص ، إذ كانت واردات العلوم الإلهية إنما ترد على القلوب ، فكل علم يرد على قلب ذلك الكبير من ملك أو رسول ، يرد على هذه القلوب التي هي على قلبه ، وربما يقول بعضهم: فلان على قدم فلان ، ومعناه ما ذكر.
     وقال القيصري الرومي عن العارف ابن عربي: إنما قال (على قلب إبراهيم عليه السلام) لأن الولاية مطلقة ومقيدة ، والمطلقة هي الولاية الكلية التي جميع الولايات الجزئية أفرادها ، والمقيدة تلك الأفراد ، وكل من الجزئية والكلية تطلب ظهورها ، والأنبياء قد ظهر في هذه الأمة جميع ولاياتهم على سبيل الإرث منهم ، فلهذا قال هنا (على قلب إبراهيم عليه السلام) ، وفي حديث آخر (على قلب موسى عليه السلام) ، وفلان ، وفلان ، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم صاحب الولاية الكلية من حيث أنه صاحب دائرة الولاية الكلية ، لأن باطن تلك النبوية الكلية الولاية المطلقة الكلية ، ولما كان لولاية كل من الأنبياء في هذه الأمة مظهراً ، كان من ظرائف الأنبياء أن يكون في هذه الأمة من هو على قلب واحد من الأنبياء. (كلما مات رجل) منهم ، (أبدل الله مكانه رجلا) فلذلك سموا أبدالا ، أو لأنهم أبدلوا أخلاقهم السيئة وراضوا أنفسهم حتى صارت محاسن أخلاقهم حلية أعمالهم.
     وظاهر كلام أهل الحقيقة ؛ أن الثلاثين مراتبهم مختلفة. قال العارف المرسي: جُلْتُ في الملكوت ، فرأيت أبا مدين معلقا بساق العرش ، رجل أشقر أزرق العين ، فقلت له: ما علومك ومقامك ؟ ، قال: علومي أحد وسبعين علما ، ومقامي رابع الخلفاء ، ورأس الأبدال السبعة ، قلت: فالشاذلي ! ، قال: ذاك بحر لا يحاط به. قال العارف المرسي: كنت جالسا بين يدي أستاذي الشاذلي ، فدخل عليه جماعة ، فقال: هؤلاء أبدال ، فنظرت ببصيرتي ، فلم أرهم أبدال ، فتحيرت ، فقال الشيخ: من بدلت سيئاته حسنات ، فهو بدل ، فعلمت أنه أول مراتب البدلية. وأخرج ابن عساكر أن ابن المثنى سأل أحمد بن حنبل: ما تقول في بشر الحافي بن الحارث ؟ ، قال: رابع سبعة من الأبدال)) اهـ بنصه من غير تحريف ولا تصرف.
     وألقِ سمعك هذه الخرافة المأثورة عن شيخِهم الأكْبر ، ذي المآثر التي تخبلُ العقول وتَـبْهَر ـ أعني ابن عربي الحاتمي ـ حيث يقول عن نفسه ((الأوتاد الذين يحفظ الله بهم العالم أربعة فقط ، وهم أخص من الأبدال ، والإمامان أخص منهم ، والقطب أخص الجماعة. ولكل وتد من الأوتاد الأربعة ركن من أركان البيت ، ويكون على قلب نبي من الأنبياء ، فالذي على قلب عيسى له اليماني ، والذي على قلب آدم له الركن الشامي ، والذي على قلب إبراهيم له العراقي ، والذي على قلب محمد له ركن الحجر الأسود ، وهو لنا ـ يعنى نفسه ـ)) كذا حكاه المناوي عنه.
     وكتب القوم طافحة بهذه التعبيرات الجائرة عن طريق الاستقامة ، أعاذنا الله من الزيغ بعد الهداية. والحمد لله أولاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً
     (الثامن) حديث على بن أبي طالب
أخرجه الإمام أحمد (1/112) قال: حدثنا أبو المغيرة ثنا صفوان حدثني شريح يعني ابن عبيد قال ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب وهو بالعراق فقالوا: العنهم يا أمير المؤمنين ، قَالَ: لا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((الأَبْدَالُ يَكُونُونَ بِالشَّامِ ، وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلاً ، كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللهُ مَكَانَهُ رَجُلاً ، يُسْقَى بِهِمُ الْغَيْثُ وَيُنْتَصَرُ بِهِمْ عَلَى الأَعْدَاءِ ، وَيُصْرَفُ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ بِهِمُ الْعَذَابُ)).
أخرجه كذلك أحمد في ((فضـائل الصحابة)) (1727) ، وابن عساكر (1/289) ، والمقدسى ((المختارة)) (2/110/484) جميعا بهذا الإسناد مثله.
     قلت: وهذا الإسناد منقطع ، فإن شريح بن عبيد الشامي لم يسمع من علي بن أبي طالب.
وقد روى بإسنادين آخرين مرفوعا:
     (الأول)
أخرجه ابن أبي الدنيا ((الأولياء)) (8): نا أبو الحسين الواسطي خلف بن عيسى نا يعقوب بن محمد الزهري نا مجاشع بن عمرو عن ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن عبد الله بن زرير عن علي قال: سألت رسول الله عن الأبدال ، قال: ((هم ستون رجلا)) ، قلت: يا رسول الله جلهم لي ؟ ، قال: ((ليسوا بالمتنطعين ، ولا بالمبتدعين ، ولا بالمتعمقين ، لم ينالوا ما نالوا بكثرة صيام ، ولا صلاة ، ولا صدقة ، ولكن بسخاء النفس وسلامة القلوب والنصيحه لأئمتهم ، إنهم يا علي من أمتي أقل من الكبريت الأحمر)).
     قلت: وهذا حديث كذب من وضع مجاشع بن عمرو ، فإنه أحد الكذابين. قال ابن حبان: كان ممن يضع الحديث على الثقات ويروي الموضوعات عن أقوام ثقات لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار للخواص.
     (الثاني)
أخرجه الطبراني ((الأوسط)) (4/176/3905) ، وابن عساكر (1/334) من طريقين عن الوليد بن مسلم وزيد بن أبي الزرقاء عن ابن لهيعة نا عياش بن عباس القتباني عن عبد الله بن زرير الغافقي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((يكون في آخر الزمان فتنة يحصَّل فيها الناس كما يحصَّل الذهب في المعدن ، فلا تسبوا أهل الشام ولكن سبُّوا شرارهم ، فان فيهم الأبدال ، يوشك أن يُرسل على أهل الشام سيب من السماء ، فيغرق جماعتهم ، حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم ، فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي في ثلاث رايات ، المكثر يقول هم خمسة عشر ألفاً ، والمقل يقول هم اثنا عشر ألفاً ، أمارتهم: أمت أمت ، يلقون سبع رايات ، تحت كل راية منها رجل يطلب الملك ، فيقتلهم الله جميعا ، ويرد الله إلى المسلمين إلفتهم ونعمتهم وقاصيهم ودانيهم)).
     قلت: وهذا وهم وخطأ ، إذ رواه ابن لهيعة حال اضطرابه واختلاطه ، فخالف الثقات الأثبات. فقد رواه الحارث بن يزيد الحضرمي ـ أحد أثبات ثقات المصريين ـ عن عبد الله بن زرير عن على موقوفا ، ولم يرفعه.
أخرجه ابن عساكر (1/335) من طريـق أحمد بن منصور الرمادي نا عبد الله بن صالح حدثني أبو شريح عبد الرحمن بن شريح المعافري أنه سمع الحارث بن يزيد ثنى عبد الله بن زرير أنه سمع علي بن أبي طالب يقول: لا تسبوا أهل الشام ، فإن فيهم الأبدال.
     وما صحَّ من أسانيده موقوفا على علي بن أبي طالب ، ليس فيه ذكر عددهم ولا أوصافهم ، وهو بها أثبت وأصحَّ منه مرفوعاً.
فقد أخرج ابن المبارك ((الجهاد)) (192) عن معمر عن الزهري قال أخبرني صفوان بن عبد الله بن صفوان أن رجلا قال يوم صفين: اللهم العن أهل الشام ، فقال علي: لا تسبوا أهل الشام جمعاً غفيرا ، فإن فيهم قوماً كارهون لما ترون ، وإن فيهم الأبدال.
وأخرجه الضياء ((المختارة)) (2/112) من طريق صالح بن كيسان عن الزهري حدثني صفوان بن عبد الله بن صفوان أن عليا قام بصفين وأهل العراق يسبون أهل الشام فقال: فذكر نحوه.
     والحديث يروى من غير وجهٍ عن علي موقوفاً ، والحديث موقوفا عن علي بن أبي طالب أصح وأشهر.
     وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، والحمد لله رب العالمين.

                                                 نقلاً عن الشيخ أبي محمد الألفي بتصرف يسير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق