منهج المدرسة الروحي (الصوفية) في الإصلاح المعاصر
لمحات من مناهج الإصلاح المعاصرة وأثر العلماء في توجيهها وتقويمها (8)
مهما قيل في تاريخ التصوُّف وقِدمه عند المسلمين، وأسباب التسمية بهذا الاسم (الصوفية)، فإن هذا اللفظ - كما يقول الإمام ابن تيمية -: "لم يكن مشهورًا في القرون الثلاثة، وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك"[1].
وكان أول ظهوره في البصرة، وكان أول بداياته زهدًا مُبالَغًا فيه، ثم تطور إلى أعمال ورسوم جديدة[2].
غير أنه يمكن تقسيم التصوف إلى قسمين:
الأول: التصوف العملي.
الثاني: التصوف الفلسفي.
أما التصوف العملي، فكان ثلاثة أنواع[3]:
1- تصوُّف الحقائق (وهو الزُّهد والمبالغة في الطاعة، مع حالات نفسية عارضة؛ كالغشي، والجنون، والموت).
2- وتصوُّف الارتزاق.
3- وتصوف الرسوم، وهو التصوف الشكلي، مثل: التزام ملابس، أو آداب وضعية، أو أوراد مُبتدَعة.
وأما التصوف الفلسفي، فهو الذي قام على النظر الفكري والعقلي، مع مزْج للنظريات الإسلامية بالنظريات الشرقية والغربية؛ ولذلك يُسمَّى: إشراقًا[4].
وقد انتشر التصوف بنوعَيه في العصور المتأخرة، وفي عصرنا هذا فشا التصوف في جمهور المسلمين، ولا تكاد تجد مجتمعًا يخلو من المتصوِّفة.
ومن هنا أصبح منهجًا وسلوكًا لكثير من العلماء والمفكرين والدعاة.
ولذلك لم يَعُد لضرب الأمثلة عليه حاجة؛ إذ يكفي أن تُقلِّب بصرك ذات اليمين وذات الشمال، وستجد أكثر مما في حسبانك.
ولعل من أبرز الدعوات التي طغى التصوف على منهجها: الدعوة المهدية[5] في السودان، والدعوة السنوسية في ليبيا[6]، وجماعة النور في تركيا[7].
ولن أتعرَّض لها؛ فقد أصبحت تاريخًا في جُمْلتها.
تقويم المدرسة الروحية وأثر العلماء في توجيهها:
بدا لنا في الحديث السابق عن هذه المدرسة أنها تقوم على أساس من التصوف والفلسفة الصوفية.
كما بدا أن التصوف في العصور المتأخِّرة أصبح ذا معالم محدَّدة تَزيد أو تَنقُص لدى الأفراد من مريد إلى شيخ إلى إمام في التصوف، وكذلك لدى الجماعات المتلبِّسة أو المُنتسِبة إلى التصوف، وإذا كان يحلو لبعض الناس أن يُناقِش في شرعيَّة هذا المنهج أو عدم شرعيته، فإن المسألة في تقديري لا تحتاج إلا إلى التحرير، ومن ثم تتَّضِح الرؤية.
فالتصوف فيما يبدو إذا كان يُراد منه تطهير النفس من الأدران، وتخليتها من هموم الدنيا، والتزام الأوراد والأذكار المشروعة، فذلك حق، مهما كانت التسمية[8].
وإن كان يُراد المبالغة في التعبد والزيادة فيه والانقطاع عن طلبِ الحلال، فذلك محل نظر، وهو خلاف الهدي النبوي، وإن كان يُراد به التزام رسوم معيَّنة من المظاهر، والتظاهر أمام الناس بالمظهر الصوفي، فذلك سذاجة ورياء.
وإن كان وضْع أعمال وأقوال مُخترَعة في الدين والتقرُّب بها إلى الله، فذلك عين فِعل النصارى.
وإن كان الدعاء للكشف والذوق والحلول والاتحاد، فهو مُروقٌ من الدين لا محالة.
والناظر الفاحص في أفراد الطرقية، يجد بينهم تباينًا شديدًا، سواء أكان شيخًا أم مريدًا، ولا سيما مَن يَقصُر عن درجة (خاصة الخاصة)، فقد يكون لكل منهم وِجهته، وفِكره، وسلوكه، ويكون له أيضًا نشاطه الاجتماعي العام الذي لا يختلف عن غيره، ومن هنا يصعُب التقويم العام، والتقويم الشخصي على حد سواء[9].
[1] مجموع الفتاوى (11: 5).
[2] انظر: "نشأة الفلسفة الصوفية وتطورها"؛ د. عرفان عبدالحميد (ص: 63).
[3] مجموع الفتاوى 11 / 19.
[4] الإشراق أو المعرفة الشرقية قيل: المقصود به: "الحكمة المؤسسة على الإشراق الذي هو الكشف، أو حكمة المشارقة، الذين هم أهل فارس" (نشأة الفلسفة الصوفية وتطورها، ص 213، مرجع سابق).
ومصادر المعرفة في الفكر الديني والفلسفي د. عبد الرحمن الزي ص 233 فما بعدها الطبعة الأولى 1412هـ.
[5] أسسها محمد أحمد المهدي المتوفى سنة 1302هـ.
[6] أسسها محمد بن علي السنوسي الإدريسي الجزائري الأصل توفي في جغبوب بليبيا 1276.
[7] أسسها سعيد النورسي المتوفى 1960م.
[8] على أن التزام الألفاظ الشرعية والابتعاد عن المصطلحات الوضعية الموهمة أحوط لجناب الدين.
[9] لمزيد الفائدة يمكن الرجوع إلى:
• مجموع فتاوى الإمام ابن تيمية (ج 11).
• وهذه هي الصوفية؛ للشيخ عبدالرحمن الوكيل.
• وحقيقة التصوف؛ للأستاذ محمد عبدالرؤوف قاسم.
• وينظر أيضًا: الحركة السنوسية في ليبيا؛ للدكتور علي محمد الصلابي، ولعله من أفضل ما ألِّف - مؤخرًا - عن هذه الحركة.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Web/triqi/0/57335/#ixzz2w2HraRPT
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق