الخميس، 6 مارس 2014

الجواب عن شبهة القبوريين بخصائص النبي صلى الله عليه وسلم في حياته البرزخية

خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في حياته البرزخية عند غلاة الصوفية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد..
للنبي صلى الله عليه وسلم خصائص مدونة في كتب السنة النبوية الصحيحة وقبلها القرآن الكريم، لكن هناك من يجعل له خصائص لم يختص نفسه بها ولا اختصه الله تبارك وتعالى بها أيضاً، ولكنه الغلو في جناب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن تلك الخصائص التي ادعاها الغلاة في حياته البرزخية ما يلي:
- اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بأن من زار قبره وجبت له شفاعته:
فممن شهَّر القول بذلك منهم: السبكي وابن حجر الهيتمي واستدلوا على ذلك بالآتي:
أولاً: {من زار قبري وجبت له شفاعتي}.
ثانياً: {من زار قبري حلَّت له شفاعتي}.
والحديثان ضعيفان.
وبالنظر إلى متن الحديثين نجد:
حصول الشفاعة بل وجوبها لمن زار قبره صلى الله عليه وسلم، وهذا لم يثبت؛ لأنَّ حصول الثواب على عبادةٍ ما أمر توقيفي لا يؤخذ إلا من كتاب الله تعالى أو الصحيح من سُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم على فهم السلف الصالح.
- اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بأن من حج حجة الإسلام وزار قبره وغزا غزوة وصَلّى عليه في بيت المقدس لم يسأله الله تعالى فيما افترض عليه:
أورد السبكي في شفائه من رواية أبي الفتح محمد بن الحسين الأزدي في الثاني من فوائده بسنده إلى ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً قال: {من حج حجة الإسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلى عليَّ في بيت المقدس لم يسأله الله عز وجل فيما افترض عليه}([1]) مستدلاً بذلك على فضل زيارة القبر النبوي الشريف وتعظيمه.
وهذا الحديث موضوع باطل لا شك في بطلانه.
أما المفاسد العظيمة المترتبة على الحديث:
لمَّا سوَّد السبكي بهذا الحديث كتابه لا أدري هل تأمل متن الحديث جيداً وعرف ما يلزم منه من لوازم تنقض عرى الإسلام عروة عروة أم غلب عليه الهوى حتى أصمه وأعمى بصره وبصيرته عن تدبر ما يلزم من ذلك الحديث.
- هل يعتقد السبكي ومن شايعه: أن من حج حجة الإسلام وزار قبره عليه الصلاة والسلام وغزا غزوة وصلى في بيت المقدس جاز له أن يعبد غير الله تعالى؟!
- هل يعتقد السبكي ومن شايعه: أن من أتى بتلك الأعمال جاز له ترك الصلاة والزكاة وهما مما افترض على العبد وقد جاء في شأن الصلاة: {إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر}؟!.
- هل يعتقد السبكي ومن شايعه: أن من أتى بتلك الأعمال حلَّ له شرب الخمر ونكاح الأمهات والأخوات والبنات؟!
أصناف حُجاج القبور:
الصنف الأول: قوم يقصدون القبور من أجل قضاء الحاجات، وطلب الدعاء من الأموات.
يقول شيخ الإسلام: (وهؤلاء الذين يحجون إلى القبور يقصدون ما يقصده المشركون الذين يقصدون بعبادة المخلوق ما يقصده العابدون لله وحده.
الصنف الثاني: قال رحمه الله: (وصنف ثان يحجون إلى قبورهم لِما عندهم من المحبة للميت والشوق إليه أو التعظيم والخضوع له، فيجعلون السفر إلى قبره أو إلى صورته الممثلة تقوم مقام السفر إلى نفسه لو كان حياً.
- اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بمحو الذنوب وعلم ما في اللوح المحفوظ والقلوب:
يقول عبد الله الصديق الغماري: (فما يوجد في كتب المولد النبوي وقصة المعراج من مبالغات وغلو لا أساس له من الواقع يجب أن تحرق لئلا يحرق أصحابها وقارؤها في نار جهنم نسأل الله السلامة والعافية) ([2]).
لكن انظر ماذا يقول مصطفى البكري: (إن الذين يفعلون ذلك إنما يتخذون الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره واسطة لمقامهم الرفيع عند ربهم) ([3]).
- اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بأنه إليه الملاذ والمهرب في الشدائد والكرب فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى:
قال النبهاني: (قال محمد الجمالي الحلبي:
يا ملاذي يا منجدي يا منائي                 يا معاذي يا مقصدي يا رجائي
يا نصيري يا عمدتي يا مجيري                يا خفيري يا عدتي يا شفائي
أدرك أدرك أغث أغث يا شفيعي            عند ربي واعطف وجد بالرضاء
أنت عوني وملجئي وغياثي                   وجلا كربتي وأنت غنائي([4])

ويتبين بطلان ذلك بالنصوص الآتية:

قال تعالى: ((قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ)) [الأنعام:63-64]، وقال تعالى: ((وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ)) [النحل:53-54].

- اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بأنه يُجيب الدعاء وترفع إليه أكف الضراعة:
قال البرعي:
وهاك جوهر أبيات بك افتخرت            جاءت بخط أسير الذنب يرقمه
فانهض بقائلها عبد الرحيم ومن              يليه إن همّ صرفُ الدهر يدهمه
اجعله منك بمرعى العين مرحمة               إذا ألمَّ به من ليس يرحمه
وإن دعا فأجبه وأحمِ جنابه                  يا خير من دفنت في القاع أعظمه([5])

وهذا أيضاً من خصائص الله تعالى التي لا يجوز صرف شيء منها لغيره تعالى. فقد أمر سبحانه بإخلاص الدعاء له وحده. قال تعالى: ((هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [غافر:65].
وقد علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أمته آداب الدعاء التي يدعو بها العبد ربه، فمن ذلك رفع اليدين في الدعاء، وبذلك بوب البخاري في صحيحه قائلاً: (باب رفع الأيدي في الدعاء). وقال أبو موسى الأشعري: {دعا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رفع يديه ورأيت بياض إبطيه}.

- اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بخروج يده الشريفة من القبر لمصافحة أحمد الرفاعي:
قال أبو الهدى الصيادي الرفاعي: (ولما حج -يعني أحمد الرفاعي- وقف تجاه الحجرة الشريفة وأنشد:
في حالة البعد روحي كنت أرسلها                    تقبل الأرض عني وهي نائبتي
وهذه نوبة الأشباح قد ظهرت              فأمدد يمينك كي تحظى بها شفتي

قال: فخرجت إليه يده الشريفة من القبر حتى قبلها والناس ينظرون)([6]).
فالناظر في هذه الحادثة المزعومة لا يشك أنها كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كذب حتى على أحمد الرفاعي نفسه وذلك من أوجه:
الأول: ثبت بهذه الحادثة المزعومة أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأحمد الرفاعي تفوق محبة الخلفاء الراشدين.
الثاني: كما لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم حال حياته أن يمد يده كي يقبلها المسلِّم عليه.
الثالث: ذكر تاج الدين السبكي الصوفي في ترجمة أحمد الرفاعي: (أن من فضائله رأفته على الهرة والبعوضة والجرادة والكلب)([7])، ولم يذكر شيئاً عن حادثة اليد، ولو كان لها وجود لما توانى السبكي في ذكرها وقد ذكر ما هو دونها.
- اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة برؤيته بعد موته في الحياة الدنيا يقظة لا مناماً:
وأكثر ما يستدل به هؤلاء: الحكايات، والادعاءات المنقولة عن أرباب الأحوال الصوفية، ومنهم من استدل بحديث أبي هريرة الذي رواه البخاري ولفظه: {من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي}.
ولكن اضطراب مقالات القوم في كيفية الرؤية:
فمنهم من أخذته العزة بالإثم فنفى الموت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالكلية وزعم أن موته صلى الله عليه وسلم هو تستره عمن لا يفقه عن الله([8]).
- ومنهم من زعم أنه صلى الله عليه وسلم يحضر كل مجلس أو مكان أراد بجسده وروحه ويسير حيث شاء في أقطار الأرض في الملكوت وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته([9]).
- ومنهم من زعم أن له صلى الله عليه وسلم مقدرة على التشكل والظهور في صور مشايخ الصوفية([10]).
وفريق لان بعض الشيء:
- فمنهم من زعم أن المراد برؤيته كذلك يقظة القلب لا يقظة الحواس الجسمانية([11]).
- ومنهم من قال: إن الاجتماع بالنبي صلى الله عليه وسلم يكون في حالة بين النائم واليقظان([12]).
- ومنهم من قال: إن الذي يُرى هي روحه صلى الله عليه وسلم([13]).
- اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بتلقين مشايخ الصوفية الأوراد وحضور حلق ذكرهم بعد موته يقظة لا مناماً:
فمن تلك الأوراد التي أملاها الرسول صلى الله عليه وسلم لأحمد التجاني كما زعموا، صلاة جوهرة الكمال.

فالناظر في أذكار التجانية تلك وفضلها يُلزمهم بواحد من الأمور التالية:
- إما أن يقولوا بخيانة الرسول صلى الله عليه وسلم للأمانة وعدم تبليغه للرسالة لإخفائه هذه الأذكار وهذا الفضل العظيم الذي يسع ثواب الخلق أجمعين بما فيهم الأنبياء والمرسلين عن أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين الذين ماتوا ولم يدركوا ما أدركه التجانيون من الفضل.
- إما أن يقولوا إن هذه الأذكار من جملة شرائع الإسلام أو أنها من غير شرائع الإسلام.
فإن فروا من هذا طوَّق عنقهم الإلزام الآخر وهو أن يقولوا: إنها من شريعة غير شريعة الإسلام وإنها دين آخر غير دين الإسلام. فإن قالوا بهذا فلنا معهم طرق أخرى منها الدعوة إلى الإسلام.
وإلى القول بأن الطريقة التجانية دين جديد ذهب الشيخ طاهر ميغري البرناوي وهو أحد مشايخ الطريقة التجانية السابقين الذين تدرجوا في مراتبها إلى أن وصل إلى أعلى هذه المراتب وهي رتبة خليفة للشيخ أحمد التجاني.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 ــــــــــــــــــ

([1]) شفاء السقام، ص (34).
([2]) ملحق عن قصيدة البردة لعبد الله بن الصديق الغماري، ص (77) بذيل كتاب البوصيري مادح الرسول صلى الله عليه وسلم.
([3]) لمع برق المقامات العوالي في زيارة سيدي حسن الراعي وولده عبد العال لمصطفى البكري الحلوتي، ص (442) ضمن شواهد الحق للنبهاني، وانظر الدرر السنية لزين دحلان ص (17).
([4]) شواهد الحق ص (355).
([5]) ديوان البرعي ص (74-75) مع شرحه.
([6]) قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر، لمحمد أبي الهدى أفندي الرفاعي الصيادي، ص (76-68)، وانظر البرهان المؤيد لأحمد الرفاعي - ترجمة الرفاعي لمحمد أفندي الصيادي الرفاعي، ص (13).
([7]) طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي (6/23).
([8]) تقدم ص (208).

([9]) عمر الفوتي: رماح حزب الرحيم (1/215) بهامش جواهر المعاني.
([10]) عبد الكريم الجيلي: الإنسان الكامل (2/74-75).
([11]) الشعراني: ط. ك. نقلاً عن محمد المغربي الشاذلي.
([12]) الشعراني: ط. الصغرى ص (89).
([13]) محمد علوي المالكي: الذخائر المحمدية ص (259)، والقرب والتهاني في حضرة التداني شرح الصلوات. لفؤاد الفرشوطي ص (25).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق