أهل القرآن هم أولى الناس بالجهاد في سبيل الله
ألا وإن لأهل القرآن في مواطن الجهاد ما ليس لغيرهم من عظيم البلاء والنية والصبر والصدق. واعتبر ذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس في حنين لما انكشف المسلمون أن ينادي: يا أصحاب سورة البقرة. فحملة القرآن قد تغذّت قلوبهم على التنزيل وارتوت من الذكر الحكيم. وقد صاح بها ثابت بن قيس في اليمامة لما انكشف المسلمون فنادى: يا أصحاب سورة البقرة, قال رجل من طيء: والله ما معي منها آيةٌ, وإنما يريد ثابتٌ يا أهل القرآن.
وقد ذكرَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومًا وقعة اليمامة, ومن قُتل فيها من المهاجرين والأنصار وحملة كتاب الله فقال: أَلَحَّتْ السيوف على أهل السوابق من المهاجرين والأنصار, ولم نجدِ المُعَوَّلَ يومئذ إلا عليهم, خافوا على الإسلام أن يُكسرَ بابُه فيُدخَلَ منه أن ظهر مسيلمة _أي خافوا تبديل الدين بظهور مسيلمة الكذاب_ فمنعَ الله الإسلام بهم, حتى قتل عدوّه, وأظهر كلمته, وقدموا يرحمهم الله على ما يُسرُّون به من ثواب جهادهم مَنْ كَذَبَ على الله وعلى رسوله, ورجع عن الإسلام بعد الإقرار به, وجعل منادي المسلمين _يعني يوم اليمامة_ ينادي: يا أهل القرآن, فيجيبون المنادي فُرادَى ومثنى, فاستحرّ بهم القتل. فرحمَ الله تلك الوجوه, لولا ما استدركَ خليفةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من جَمْعِ القرآن؛ لَخِفْتُ أن لا يلتقي المسلمون وعدوَّهم في موضع إلا استحرّ القتل بأهل القرآن.
قلت: وشهادة ذلك أن المسلمين في اليمامة لما انكشفوا بسبب اختلاط الأعراب بالمهاجرين والأنصار فيفرّون فيستحر القتل في أهل السابقة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتى غلبت حنيفة على الرِّحَالِ, فجعل زيد بن الخطاب رضي الله عنه ينادي وكانت عنده راية خالد: أما الرِّحال فلا رحال, وأما الرجال فلا رجال, اللهم إني أعتذر إليك من فرار أصحابي, وأبرأ إليك مما جاء به مسيلمة ومحكم بن طفيل, وجعل يشتدُّ بالرَّاية يتقدَّمُ بها في نحر العدو, ثم ضارب بسيفه حتى قُتِل رضي الله عنه, فلما قُتل وقعت الراية, فأخذها سالم مولى أبي حذيفة, فقال المسلمون: يا سالم, إنا نخاف أن نُؤتى من قِبَلِكَ! فقال: بئس حامل القرآن أنا إن أتيتم من قبلي. _وتأمل ذكره لحمل القرآن لا غير_. ونادت الأنصار ثابت بن قيس وهو يحمل رايتهم: الزمها, فإنما مِلاكُ القوم الراية. ثمّ إن سالمًا تقدّم في نحر الكفرة براية المهاجرين, ثم حفر لرجليه حتى بلغ أنصاف ساقيه, وحفر ثابت بن قيس لنفسه مثل ذلك, ثم لزما رايتيهما, وكان الناس يتفرّقون في كل وجه منهزمين, _قبل أن تخلُص الرايات لقومها_ وإن سالمًا وثابتًا لقائمان برايتيهما, حتى قُتِلَ سالمٌ, وقتل أبو حذيفة مولاه عليهما رضوان الله تعالى, فوُجِدَ رأسُ أبي حذيفة عند رجلي سالم, ورأسُ سالمٍ عند رجلي أبي حذيفة لقُرْب مصرع كل واحد منهما من صاحبه, وثباتهما مع شدة القتل.
إبراهيم الدميجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق