الأحد، 9 مارس 2014

غربة التوحيد

غربة التوحيد
د. وليد الرشودي  | 15/3/1429 هـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
أخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها"، ويأرز بمعنى: يجتمع وينقبض إلى المسجدين الذين خرج منهما، فينطلق منهما كما خرج.
وفي مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً فطوبى للغرباء".
في هذين الحديثين بشارة ونذارة، فالنذارة هي غربة الإسلام ورأسه التوحيد، حتى يعود كما بدأ في أول عهد الدعوة المحمدية، يستهجنه الناس ويقللون شأنه ولا يرفعون به رأساً، والبشارة هي لمن قام بالواجب تجاهه كما قام به الذين في عهد بدايته ليكونوا في الفضل والأجر سواء.
غربة التوحيد استحكمت في هذا الزمان، حتى أصبح مظاهر منافاته أمراً لا يصح إنكاره أو كشف باطله، وأنا لا أريد أن أدلل لغربة التوحيد بأكثر من الواقع الذي نعيشه، يكفي أن تشاهد الفضائيات المسمومة التي لا تكف عن نشر الفوضى الأخلاقية، وضياع المروءة، بل أعظم من ذلك كله وهو نشر الشرك الأكبر صريحاً واضحاً لا لبس فيه، فالقنوات الرافضية تنشر شركها علانية باسم المآتم وذكرى الوفيات، ولك أن تسمع جميع صور الشرك في جعل ذلك الميت إلهاً مع الله، يستغاث به ويستشفع به، وتعلق الجنة برضاه، وفي القنوات البدعية المسماة إسلامية بهتاناً وزوراً كـ"اقرأ" و"الرسالة" ناشرين الفساد العقدي المتمثل في الطعن في السنة وتعظيم البدعة ترى ترويجها لاحتفالات المولد النبوي بعقد برامج خاصة لهذا الحدث البدعي، وسائر القنوات الأخرى تظهر هذه الموالد على أنها أفعال دينية مشروعة.
والموحد المتمسك بدينه وتوحيده وإفراده لربه بالتعظيم والتقديس والتنزيه هو المتهم بين العالم أجمع، إنه قلب الحق باطلاً والباطل حقاً، ناهيك ما يشاهده الناس في مسلسلات كثيرة من ألفاظ الشرك الأكبر والأصغر كطلب المدد من الأموات والحلف بالجاه النبوي الشريف، والحلف بغير الله مع تعظيم المقامات والتوسل بها وطَرْق أبوابها، وفي الأرض بعيداً عن الفضاء ترى التمسح بمقام إبراهيم عليه السلام الذي هو رمز التوحيد والحنيفية، يتمسح الناس بالمقام تمسح بركة ورجاء واستشفاء وهم يطوفون بالبيت العتيق، ويصرفون الرجاء لغير رب البيت.
يا سبحان الله!! ما أشد غربة التوحيد اليوم، ويقابل هذا كله قلة بل ندرة البرامج التوجيهية العلمية النافعة التي تبث التوحيد وتنشره عبر الوسائل الإعلامية المتعددة، أما الصحافة فإنها هدامة التوحيد ومعاديته الأولى، فهي رأس البلاء وأس الشر في الطعن بالتوحيد وأهله، حتى كلمة التوحيد لم تسلم منهم.
وبعد هذا الوصف لغربة التوحيد ما هو الواجب على أهل التوحيد تجاه غربة توحيدهم؟
فأقول:
1- تكثيف إقامة دروس التوحيد في المساجد والحلق والبرامج المسموعة والمرئية، من الخطأ أن يطلب أحد درساً من أحد المشايخ أو يعقد دورة في مسجد لا يكون فيها درس عن التوحيد.
2- تكثيف الخطب والمحاضرات في تبيين التوحيد وفضله وخطورة الشرك وشره.
3- إظهار التلازم بين الأمن والتوحيد، وأنه متى ما قدح في التوحيد ونيل منه اختل الأمن (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82)، (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل:112)، فلا أمن بلا توحيد.
4- في أكثر من بلد كان فيه كبار يعرفون قدر التوحيد، فلما ماتوا وجاء من بعدهم ولم يعرفوا قدر التوحيد أظهروا مظاهر الشرك والبدع ومكنوا لها فيا ويلهم يوم يلقون الله.
5- لقد دأبت التقارير الاستخباراتية العالمية المعادية للإسلام على تشخيص مكن العداوة بين الإسلام وغيره من الديانات الباطلة، فعلموا أن التوحيد صفاؤه ونقاؤه هو سبب عز الإسلام ونصرة أهله، فدأبوا في عمل برامج وخطط لتقويض هذا التوحيد بإبراز الفرق التي تنتسب إلى الإسلام لتكون بديلاً عن المنهج النبوي الرشيد (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف:8)، فلا نامت أعين الجبناء يوم نرضى بتبديل ديننا واستباحة حمى توحيدنا.
6- تقوية الحصانة لدى الناشئة بالتحذير من مظاهر الشرك الأصغر والأكبر الذي ينفثه الإعلام على مسامع الناس، وإعلامهم أن الحق هو ما هم عليه من إفراد الله بالعبادة وتحقيق المتابعة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
7- يجب على من ولاه الله أمراً من أمور المسلمين أن يعلم علم اليقين أن أول واجب يجب أن يحافظ عليه هو التوحيد، وأنه متى ما فرط في هذا الواجب فإن الله سائله عنه أشد المسألة، ويجب على من ولوه أمرهم أن يقوموا بواجب نصحه وإرشاده وإقامة الحجة عليه.
8- استمرار حملات الاحتساب والكشف والتبيين وأن لا ينقطع هذا الأمر أبداً أبداً، كل بحسبه، ولن يعدم الناس منك خيراً في توزيع شريط أو مطوية عن التوحيد.
9- المشاركة الفاعلة والهادفة عبر المنتديات العنكبوتية، فكثير يكتب عن مخالفات شرعية مهمة ولكن يغفل عن الأهم منها وهو التوحيد، فنضر الله ذلك الذي يسحب رابطاً لموقع أو كلمة أو مقالة عن التوحيد فينشرها بين الناس.
تظنون أن الدين لبيك في الفلا
وفعل صلاة والسكوت عن الملا
وسالم وخالط من لذا الدين قد قلا
وما الدين إلا الحب والبغض والولا
كذلك البرا من كل غاو وآثم
فلسنا نرى ما حل في الدين وامَّحت
به الملة السمحاء إحدى القواصم
عسى توبة تمحو ذنوباً لمرتجى
عسى نظرة تسلك بنا خير منهج
عسى وعسى من نفحة علها تجي
فنأسى على التقصير منا ونلتجي
إلى الله في محو الذنوب العظائم
أيا وحشة من بين تلك المنازل
ويا وصمة للدين من كل نازل
تكلمت الأوباش وسط المحافل
فيا محنة الإسلام من كل جاهل
ويا قلة الأنصار من كل عالم
فنفسك فاحزمها إذا كنت حازماً
ومن بابه لا تلتفت كن ملازماً
وصبر فرب العرش للشرك هازماً
وهذا أوان الصبر إن كنت حازماً
على الدين فاصبر صبر أهل عزائم

نسأل الله أن ينصر دينه وأن يجعلنا من أنصار دينه.
والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق