تأملات عجيبة في الاحتفال بالمولد النبوي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد:
فقد ظهرت فكرة الاحتفال بالمولد في عصر الدولة العبيدية الباطنية، إظهاراً منهم لدعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم انتشرت في كثير من دول العالم الإسلامي، إلى يومنا هذا، فأصبح يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول عيداً مشهوداً عند كثير من المبتدعة، يجتمعون فيه لإنشاد المدائح النبوية والأوراد الصوفية، وإقامة الحفلات والرقصات، وقد يقترن بذلك بعض الشركيات من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به، وقد يصاحب ذلك الاختلاط بين الرجال والنساء، والاستماع إلى الملاهي المحرمة.
إن تحويل الإسلام إلى طقوس وثنية من الأهازيج الشعرية والطبول والمزامير والتمايل والرقص، وبالتالي الانحراف به عن صفائه ونقائه، هو من قبيل جعله إلى العبث والخرافة أقرب منه إلى الدين الحق.
وحينما تكون هذه العقلية الساذجة المنحرفة حاكمة للعالم الإسلامي يكون رد الفعل الرئيس لدخول خيول نابليون إلى الأزهر الشريف هو اجتماع الشيوخ للتبرك بقراءة حديث النبي صلى الله عليه وسلم من صحيح البخاري! وكلما ازدادت الدائرة على المسلمين ازدادت الدروشة، وتمايلت الرءوس وبحت الأصوات بالأناشيد والأوراد والمدائح النبوية.
إن الاحتفال بالمولد النبوي أصبح عند بعض الناس من العامة والخاصة الآية الرئيسة لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وأذكر أنني كنت قبل سنوات في بلد إسلامي في أوائل شهر ربيع الأول، والناس منهمكون في التجهيز والإعداد لليوم الثاني عشر، فتحدثت مع أحد كبار الأساتذة الجامعيين عن هذه البدعة، وبعد أن بح صوتي بذكر الأدلة والشواهد، قال لي: هذا صحيح، ولكن هذا سيدنا النبي!! عندها تذكرت قول غلاة الصوفية: (من أراد التحقيق فليترك العقل والشرع!) ، وصدق ابن تيمية حينما قال عن غلاتهم: (كلما كان الشيخ أحمق وأجهل، كان بالله أعرف، وعندهم أعظم).
ومن المفارقات التي تدعو إلى التأمل، أن بعض الناس قد يعصي النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً ونهاراً، ويتهاون في تعظيم أوامره، فضلاً عن الالتزام بسنته، ومع ذلك فهو يحتفي بيوم المولد، ويوالي فيه ويعادي، وكأن غاية الحب عنده هو إحياء هذا اليوم بالمدائح والأوراد، وبعد ذلك ليفعل ما يشاء...؟! يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: (من تتبع التاريخ يعلم أن أشد المؤمنين حباً واتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم أقلهم غلواً فيه ولاسيما أصحابه رضي الله عنهم ومن يليهم من خير القرون، وأن أضعفهم إيماناً وأقلهم اتباعاً له هم أشد غلواً في القول وابتداعاً في العمل).
وليس عجيباً أن يحظى هذا اليوم باحتفاء رسمي من الحكومات العلمانية، وتسخر له كافة الإمكانات الرسمية، وتجري تغطية فعالياته من جميع وسائل الإعلام؛ لأنها تعلم يقيناً أن غاية هؤلاء الدراويش لا تتجاوز الأوراد والمدائح، حتى إن النذور والقرابين التي ترمى على القبور والأضرحة والمزارات أصبحت مصدر دخل رئيس لوزارات الأوقاف والسياحة، ولهذا كان حافظ إبراهيم يقول متهكماً:
أحياؤنا لا يرزقون بدرهم وبألف ألف يرزق الأموات
من لي بحظ النائمين بحفرة قامت على أحجارها الصلوات؟!
إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم عقيدة راسخة في قلوب المؤمنين، ثمرتها الاقتداء والبذل والعطاء والتضحية والجهاد في سبيل نصرة دينه وإعلاء لوائه وحماية سنته، ولا يوجد بين محبي الرسول صلى الله عليه وسلم مكان للعجزة النائحين، وما أجمل قول أنس بن النضر رضي الله عنه لما مر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما تصنعون في الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه.
اقتبس هذا المقال من موضوع بعنوان: (دلائل محبة النبي صلى الله عليه وسلم بين السنة والبدعة) للشيخ: أحمد بن عبد الرحمن الصويان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق