لنملأ قلوبنا بالثقة بالله وبوعده ولقائه..
هلا تدبرنا قول الله جل وعز: "فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون" نعم فالله حق ووعده حق, فلا يستخفنك أيها المؤمن ويزعزع ثقتك في مولاك أقوام مالهم في الآخرة من خلاق!
وتأمل قول العلي الكبير سبحانه: "ذلك بأن الله هو الحق" فكل ما سواه مما يُتعلّق به باطل, وكل ما يوثق به دونه ضعيف زائل.
وتدبر قوله جل في عُلاه: "من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت" فلا إله إلا الله! كم في هذا الوعد الصادق الكريم من تثبيتٍ لعزائم المحبين, ورَوحٍ لأفئدةِ الموحّدين، وربطٍ على قلوب المجاهدين بألسنتهم وأيديهم.
إنها الثقة التي تثمر أعجب الثمار, وأحلى النتائج, وأبهى النهايات, وأسمى الغايات:
فالمجاهد يقبل بمهجته في أتون كبد الوغى رابطَ الجأش ثقةٌ بموعود ربه. "فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون"
إذا فارقوا دنياهمُ فارقوا العنا .. وصارُوا إلى موعودِ مَا في المصاحفِ
المنفق أمواله في مراضي ربه واثقٌ بموعوده، ولا يريد من الخلق جزاء ولا شكورًا, فلا ينتظر منهم حتى كلمة جزاك الله خيرًا, أو شكرًا! لأنه صدره مليء بالثقة بما عند ربه وبصدق وعده, دعْها فمعها حذاءها وسقاءها. "من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت"
المريض المدنف ساكن النفس لاهج بحمد ربه بإِنعامه عليه بهذا البلاء! ولكن غير الواثقين لا يعلمون حقائق كنوز الرضى وذخائر الثقة! إنه يقرأ في منشور فلاحه وصفًا للمرضيِّ عنهم: "العابدون الحامدون السائحون" ويتدبر قول ربه: "والله يحب الصابرون" فتهفو نفسه الواثقة لمزيد من اليقين حتى يكون الخبر كالمعاينة!
الفقير يكدح بيده قد اكتفى بقوت يومه وليلته له ولمن يعول، بلا استشرافٍ قلِقٍ لمستقبل مظلمٍ! ثقةً أن مَن خلقهم هو من تكفل برزقهم, وهو يعلم أن مِن أفضل العبادة انتظار الفرج "وفي السماء رزقكم وما توعدون"
الداعي إلى الله والمربي والمحتسب يقابل جيوش الهموم وكتائب الصعاب والغموم بابتسام وصبر ورضى, مهما تكالبت عليه العوائق وتحالفت على كبحه المنغصات - رغَبًا ورَهَبًا وتعجيزًا - لأنه واثق بصدق وعد ربه, أنه لا يضيع أجر من أحسن عملًا, كيف وهذا العمل هو وظيفة المرسلين! "ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله"
الشاب القابض على دينه، المستمسك بعروة ملّته، يلتفت يمنةً ويسرةً في أسراب المتساقطين في حبائل الشهوات وهياكل المنقلبين لحضيض الخطيئات فيهزّ رأسه متعجّبًا من سرعة تقلب القلوب، ويضع يده على فؤاده سائلًا ربه مزيدًا من لطفه، وتثبيتًا من لدنه، فيمشي واثقًا لا تسع روحه الدنيا شوقًا للقيا ربه، وفرحًا بالعلم بإلهه، "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون"
الوالد المشفق يزرع ذريته في أرض أمهم الخصبة، ويسقيهم بأدعيته المباركة وإرشاده الصادق وقدوته الحسنة, ويعلم أن أبناءه وبناته هم مشروع حياته الأعظم, فيجعل لتحصيل هدايتهم وصلاحهم واستقامتهم أفضل أوقاته وأثمن ممتلكاته وأوفى جهده, واثقًا بأن المربي الحق والهادي الحق والحافظ الحق هو الله الحق, فجثمانه في إصلاح أجسادهم وروحُه معلّقة بالحافظ الهادي، استمطارًا لإصلاح فلذات كبده ومُهَجِ حياته, بزادٍ لا ينضب من الثقة بوعد الله وحكمته. فهو لَهِجٌ مُلِظٌّ بدعوة الحي الذي لا يموت والقيوم الذي لا ينام: "ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين"
المظلوم يتلوّى شِلْوُهُ مِن مرّارةِ قهْرِ الظالم, وحرارة سياط مقارِعِهِ النفسية والجسدية, لكن قلبه واثق بموعود ربه ونصره للمظلومين, ومهما طالت دولةُ ظالمِهِ وجولةُ قاهرِهِ ففوقه جبارُ السماوات والأرضين الذي يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته, فلا تزال عين المظلوم باردةٌ قرّى إذ موعد المحكمة الإلهية لِظَالمه بالمرصاد, وخيرٌ للمظلوم لو أُخّر نكال ظالمه للآخرة! فما أقصر ليل الظالمين! "ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار" إله الحق جنّبنا ظلم أنفسنا بشرك فما دونه و ظلم عبادك يا ذا الجلال والإكرام.
المبتلى في دنياه إن رزق الثقة فلا عليه ما يفوته من الحطام, وليعلم أن الفرج أقرب له من مارِنِ أنفه، وكفى بالإيمان حظًّا "أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتعودون برسول الله إلى رحالكم؟!"
يا صاحب الهمِّ إنَّ الهم منفرجٌ ... أبشِر بخيرٍ فإنَّ الفارج اللهُ
اليأس يقطع أحياناً بصاحبه … لا تيأسنَّ فإنَّ الكافي اللهُ
الله يُحدِث بعد العسر ميسرة … لا تجزعنَّ فإن القاسم اللهُ
إذا بُليت فثِقْ بالله وارضَ به … إنَّ الذي يكشف البلوى هو اللهُ
واللهِ ما لكَ غير الله من أحدٍ … فحسبُك الله في كلٍ لك اللهُ
إبراهيم الدميجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق