الخميس، 6 مارس 2014

الجواب عن شبهة القبورية بالتقاء النبي بالخضر عليهما الصلاة والسلام

التقاء النبي بالخضر عليهما الصلاة والسلام

     الحمد لله الذي إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ . والصلاة والسلام على المخصوص بالسيادة والشرف المصون . والمنـزل عليه وحياً في الكتاب المكنون . {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} . وعلى آله وصحبه المصدقين له والمؤمنين به وبالآخرة هم يوقنون . {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} . وبعد ..
وشبيه بهذا ، ما يفترونه من سماع النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخضر ، وبعثه أنس يسأله أن يدعو له ولأمته . وهذا من أبشع الكذب والافتراء والجهل بمقام سيد المرسلين صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ومما أوردوا فيه من الواهيات الموضوعات حديثين:
     [ الأول ] حديث أنس بن مالك ، وله ثلاث طرق
     [ الطريق الأولى ] قال أبو الحسين بن المنادي كما في ((الزهر النضر في نبأ الخضر)) (ص40): أخبرني أبو جعفر أحمد بن النضر العسكري أن محمد بن سلام المنبجي حدثهم قال حدثنا وضاح بن عباد الكوفي حدثنا عاصم بن سليمان الأحول حدثني أنس بن مالك قال: ((خرجت ليلة من الليالي ، أحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم الطهور ، فسمع مناديا ينادي ، فقال لي: يا أنس صه ، قال: فسكت ، فاستمع ، فإذا هو يقول: اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني منه ، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قال أختها معها ، فكأن الرجل لقن ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: وارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أنس ضع الطهور ، وائت هذا المنادي ، فقل له: ادع لرسول الله أن يعينه الله على ما ابتعثه به ، وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به نبيهم بالحق ، قال: فأتيته ، فقلت: رحمك الله ! اِدْعُ الله لِرَسُولِ الله أن يُعِيْـنَهُ على مَا اِبْتَعَثَهُ بِهِ ، واِدْعُ لأمَّتِهِ أن يَأْخُذُوا مَا أَتَاهُمْ به نَبِيُّهُمْ بالحقِّ ، فقال لي: ومَنْ أرسلكَ ؟ ، فكرهتُ أن أخبره ولم استأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت له: رحمك الله ! ما يضرك من أرسلني ، ادع بما قلت لك ، فقال: لا أو تخبرني بمن أرسلك ، قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسول الله ! أبى أن يدعو لك بما قلت له حتى أخبره بمن أرسلني ، فقال: ارجع إليه ، فقل له: أنا رسول رسول الله ، فرجعت إليه ، فقلت له ، فقال لي: مرحبا برسول الله رسول الله ، أنا كنت أحق أن آتيه ، اقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام ، وقال له: يا رسول الله الخضر يقرأ عليك السلام ورحمة الله ، ويقول لك: يا رسول الله إن الله فضَّلك على النبيِّين كما فضَّل شهر رمضان على سائر الشهور ، وفضَّل أمَّتك على الأمم كما فضَّل يوم الجمعة على سائر الأيام ، قال: فلما وليت سمعته يقول: اللهمَّ اجعلني من هذه الأمَّة المرشدة المرحومة ، المتوب عليها)) .
وأخرجه ابن الجوزي ((الموضوعات))(1/194) تعليقاً عن ابن المنادى به مثله .
وأخرجه الطبراني ((الأوسط))(3071) عن بشر بن علي بن بشر العجلي ، وابن عساكر ((تاريخ دمشق))(16/423:422) عن محمد بن الفضل بن جابر ، كلاهما عن محمد بن سلام المنبجي بنحو حديث ابن النضر العسكري .
وقال أبو القاسم: ((لم يروه عن أنس إلا عاصم ، ولا عنه إلا وضاح ، تفرد به محمد بن سلام)).
وقال أبو الحسين بن المنادى: ((هذا حديث واهٍ بالوضاح وغيره ، وهو منكر الإسناد سقيم المتن ، ولم يراسل الخضر نبَّينا صلى الله عليه وسلم ، ولم يلقه)) .
قـلت: صدق أبو الحسين . ما أسمجَه وأبردَه من خبرٍ ! ، كيف جهل واضعُه مقامَ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكرامتَه على ربِّه ، ولم يستحيي منه حتى تجرأ عليه ، فوضع على لسانه هذا المقال ((اِدْعُ الله لِرَسُولِ الله أن يُعِيْـنَهُ على مَا اِبْتَعَثَهُ بِهِ ، واِدْعُ لأمَّـتِهِ أن يَأْخُذُوا مَا أَتَاهُمْ به نَبِيُّهُمْ بالحقِّ)) !! .
     وقد قال إمام المحدثين ((كتاب العلم)) (106): حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بن الأَكْوَعِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)). ولا يستحل مثل هذا الادعاء ، أعني طلب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الخضر أن يدعو له ولأمَّتِه ، إلا الزنادقة الذين يزعمون كذباً وافتراءاً ؛ أن مقام الولاية أعلى من النُّبوة والرسالة !! . فقد تزندق قائلهم ، وأعظم على الله الفرية حين قال: مقامُ النُّـبُّوةِ في بَرْزَخٍ فُوَيْقَ الرسُولِ وَدُونَ الوليْ.
     [ الطريق الثانية ] قال ابن عساكر ((التاريخ)) (16/424:423): أخبرناه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم في كتابه أنا القاضي أبو الحسن علي بن عبيد الله بن محمد الهمداني بمصر أنا أبو الحسن علي بن محمد بن موسى التمار الحافظ نا أحمد بن محمد بن سعيد نا الحسين بن ربيع نا الحسين بن يزيد السلولي نا إسحاق بن منصور نا أبو خالد مؤذن بني مسلمة نا أبو داود عن أنس بن مالك قال: ((كان رسول الله يتوضأ من الليل إلى الليل ، فخرجت معه ذات ليلة في بعض طرق المدينة ، ومعي الطهور ، فسمع صوت رجل يدعو: اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني ، ......)) فذكره بنحو حديث الوضاح السالف .
     قلت: والمتهم بهذا الحديث أبو داود ، وهو نفيع بن الحارث الهمداني الكوفي القاص الأعمى ، مجمع على تركه ، وكذبه قتادة .
وقال ابن حبان: كان ممن يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات توهماً ، لا يجوز الاحتجاج به ، ولا الرواية عنه إلا على جهة الاعتبار .
     [ الطريق الثالثة ] قال أبو حفص بن شاهين كما في ((الزهر النضر فى نبأ الخضر))(ص42): حدثنا موسى بن أنس بن خالد بن عبد الله بن أبي طلحة بن موسى بن أنس بن مالك ثنا أبي ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا حاتم بن أبي رواد عن معاذ بن عبيد الله بن أبي بكر عن أبيه عن أنس قال: ((خرج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة لحاجةٍ ، فخرجت خلفه ، فسمعنا قائلاً يقول: اللهم إني أسألك شوق الصادقين إلى ما شوقتهم إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا لها دعوة لو أضاف إليها أختها ، فسمعنا القائل وهو يقول: اللهم إني أسألك أن تعينني بما ينجيني مما خوفتني منه ، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وجبت ورب الكعبة ، يا أنس ! ائت الرجل ، فاسأله أن يدعو لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرزقه الله القبول من أمَّته ، والمعونة على ما جاء به من الحق والتصديق ، قال أنس: فأتيت الرجل ، فقلت: يا عبد الله ادع لرسول الله ، فقال لي: ومن أنت ، فكرهت أن أخبره ولم أستأذن ، وأبى أن يدعو حتى أخبره ، فرجعت إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فأخبرته ، فقال لي: أخبره ، فرجعت ، فقلت له: أنا رسول الله إليك ، فقال مرحبا برسول الله وبرسول رسول الله ، فدعا له ، وقال: اقرأه مني السلام ، وقل له: أنا أخوك الخضر ، وأنا كنت أحق أن آتيك ، قال: فلما وليت سمعته يقول: اللهم اجعلني من هذه الأمة المرحومة المتاب عليها)) .
     وأخرجه كذلك الدارقطني ((الأفراد)) من طريق أنس بن خالد عن محمد بن عبد الله الأنصاري بمثله .
     وقال الحافظ ابن حجر: ((ومحمد بن عبد الله الأنصاري ، هو أبو سلمة البصري ، وهو واهي الحديث جداً ، وليس هو شيخ البخاري قاضى البصرة ، ذاك ثقة ، وهو أقدم من أبي سلمة)) .
     قلت: أبو سلمة هذا ممن يسرق الأحاديث ويركبه على أسانيد أهل البصرة ، ترجمه أبو جعفر العقيلى ((الضعفاء))(4/95) قال: ((محمد بن عبد الله أبو سلمة الأنصاري عن مالك بن دينار منكر الحديث . حدثنا محمد بن موسى بن حماد البربري ثنا محمد بن صالح بن النطاح ثنا أبو سلمة محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا مالك بن دينار عن أنس بن مالك قال: ((كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل من جبال مكة ، إذ أقبل شيخ متوكئا على عكازه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مشية جني ونغمته ، فقال: أجل ، فقال: من أي الجن أنت ؟ ، قال: أنا هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس ....)) فذكر حديثاً طويلاً باطلاً ، لا يتابعه عليه إلا مثله أو أكذب منه .
     [ الثانى ] حديث عمرو بن عوف المزني
     أخرجه ابن عدى ((الكامل))(6/62) ، ومن طريقه البيهقى ((دلائل النبوة))(5/423) ، وابن الجوزى ((الموضوعات))(1/193) من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده: ((أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في المسجد ، فسمع كلاما من ورائه ، فإذا هو بقائل يقول: اللهمَّ أعني على ما ينجيني مما خوفتني ، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سمع ذلك: ألا تضم إليها أختها ، فقال الرجل: اللهم ارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك: اذهب يا أنس إليه ، فقل له: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم تستغفر لي ، فجاءه أنس ، فبلَّغه ، فقال الرجل: يا أنس أنت رسول رسول الله إليَّ ، فارجع فاستثبته ، فقال النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قل له: نعم ، فقال له: اذهب فقل له: إن الله فضَّلك على الأنبياء مثل ما فضَّل به رمضان على الشهور ، وفضَّل أمتك على الأمم مثل ما فضل يوم الجمعة على سائر الأيام ، فذهب ينظر إليه ، فإذا هو الخضر)).
     قلت: والمتهم بهذا كثير بن عبد الله بن عمرو المزني ، ركن من أركان الكذب ، قاله الإمام الشافعي . وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً ، يروى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة ، لا يحل ذكرها في الكتب ، ولا الرواية عنه .
وهذه المناكير والموضوعات مما يحتج بها غلاة الصوفية والشيعة على حياة إلياس والخضر ، وأنهما أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأولى ، وأنهما يجتمعان كل عامٍ بالموسم ، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل ، وأن إلياس موكل بالفيافي ، والخضر موكل بالبحر . ولله درُّ من قال: ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان ! .
     وفى ((المنار المنيف)) (1/67) للحافظ الجهبذ ابن القيم: ((فصل: من الأحاديث الموضوعة أحاديث حياة الخضر عليه السلام ، وكلها كذب ولا يصح في حياته حديث واحد:
كحديث ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في المسجد ، فسمع كلاما من ورائه فذهبوا ينظرون ، فإذا هو الخضر)) .
وحديث ((يلتقي الخضر وإلياس كل عام)) .
وحديث ((يجتمع بعرفة جبريل وميكائيل والخضر)) الحديث المفترى الطويل .
سئل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر ، وأنه باق ؟ ، فقال: من أحال على غائبٍ لم ينتصف منه ، وما ألقى هذا بين الناس إلا الشيطان)) .

     كتبه
عبد الله بن محمد زقيل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق