الخميس، 6 مارس 2014

البدعة المحمودة والبدعة المذمومة

البدعة المحمودة والبدعة المذمومة

سؤال: هل هناك بدعة حسنة محمودة، وأخرى سيئة مذمومة؟
اعلم أخي الحبيب، وفقني الله وإياك، أن البدعة في الاصطلاح تنقسم إلى ثلاثة أنواع هي:
بدعة لغوية:
وهي كل أمر حادث، سواء كان في العادات أو العبادات، مثل اختراع الساعة، والسيارة، ومُكبّر الصوت، وما شابه ذلك، وهي من المباحات.
بدعة شرعية:
وهي كل أمر مُحدث ليس له أصل في الدّين يُراد به التقرب إلى الله عز وجل، فهي خاصة بالعبادات، نحو البناء على القبور، والسماع الصوفي، وما شابه ذلك.
بدعة إضافية:
 وهي أن يكون أصل العمل مشروعاً، ولكنه عُمِل بكيفية غير مشروعة، نحو: الذكر بالاسم المفرد "الله، الله" أو"هو، هو"، وما شابه ذلك.
والذي يعنينا هنا هو البدعة الشرعية، وهل فيها حسن وقبيح؟
اعلم أخي الموفّق إلى كل خير أن البدع كلها سيئة وباطل، وإن كانت متفاوتة في السوء، فمنها ما هو كفر، ومنها ما هو حرام، ومنها ما هو مكروه؛ وكلها مردودة على صاحبها، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإليك طرفاً من الأدلة على ذلك:
* حديث عائشة في الصحيح ترفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ}، متفق عليه؛ وفي رواية لمسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ}، فالمخترِع للبدعة والمقلّد له فيها سواء، وقد عدَّ العلماء هذا الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم.
* حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه: {... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عُضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة ضلالة}.
وقوله: "كل بدعة" نكرة في سياق العموم، تشمل كل بدعة صغيرة كانت أم كبيرة، جليلة كانت أم حقيرة، سواء كانت قولية، أو عملية، أو اعتقادية.
* حديث جابر في خطبته صلى الله عليه وسلم: {أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة}.
* قوله عز وجل: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا))[المائدة:3]، فالدين قد تمّ وكمُل، وماذا بعد التمام والكمال إلا النقص والخسران؟
ولهذا قال الإمام مالك: (ما لم يكن في ذلك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً)، وقال: (من زعم أن الدين لم يكتمل فقد زعم أن محمداً خان الرسالة).
ويتشبث البعض في تقسيم البدع إلى حسنة وقبيحة ببعض الشبه، ويتذرع ببعض الآثار والأقوال نشير إليها مع دحضها، نحو:
* قوله صلى الله عليه وسلم: {من ابتدع بدعة ضلالة}، أُخِذ منه بمفهوم المخالفة الذي يقول به بعض الأصوليين أن هناك بدعة حسنة؛ وكلمة "ضلالة" هنا لا مفهوم لها كما لا مفهوم لكلمة "أضعافاً مضاعفة" في قوله تعالى: {لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة} الآية.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله رادّاً لهذه الشبهة ودافعاً لها: (... الإضافة فيه لا تفيد مفهوماً، وإن قلنا بالمفهوم على رأي طائفة من أهل الأصول -فإن الدليل دلّ على تعطيله في هذا الموضع كما دلّ الدليل على تحريم قليل الربا وكثيره، فالضلالة لازمة للبدعة بإطلاق بالأدلة المتقدمة، فلا مفهوم أيضاً).
* قوله صلى الله عليه وسلم: {من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة عليه وزرها و وزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء}.
فقد قال صلى الله عليه وسلم ذلك عندما حثَّ على الصدقة المشروعة على بعض المجهدين من الأعراب، فسارع إلى ذلك أحد الأنصار فجاء بصرَّة كادت يده تعجز عنها بل عجزت -كما في الحديث -فتتابع الناس على الصدقة حين رأوه، فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك وقال: {من سنّ في الإسلام..}الحديث.
فمراد الحديث: من أحيا في الإسلام سنة قد أميتت، لا أن يُحدث فيه أمراً جديداً لا أصل له.
* قول عمر رضي الله عنه عندما جمع الناس في صلاة القيام على أُبَيِّ بن كعب وقد كانوا يصلونها جماعات متفرقة، فدخل المسجد وسره اجتماعهم: (إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة هي).
فالمراد بالبدعة هنا البدعة اللغوية لا الشرعية، إذ صلاة القيام جماعة لها أصل في السنة، فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم يومين أو ثلاثة، وعندما اجتمعوا له بعد ذلك لم يخرج عليهم خشية أن تُفرض عليهم، وكان صلى الله عليه وسلم يحب التخفيف على الأمة، بجانب أنها من عملِ عمر وعملُ عمر سنة يُقتدى بها.
* زعم بعض أهل العلم -القرافي وابن الصلاح رحمهما الله- أن البدعة تعتريها الأحكام الخمسة، وهذا وهم منهما وممن قلدهما، والله يتجاوز عنا وعنهما، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم مهما كانت منزلة القائل.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى وآله وصحبه وسلم تسليماً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق