الخميس، 6 مارس 2014

الجواب عن شبهة القبورية باحتجاجهم بقصة العتبي

قصة العتبي

     قصة العتبي التي تروى في تفسير قوله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً}
     قصة ضعيفة لم يثبتها أحد ممن أوردها ، بل صنيع بعضهم يدل على ضعفها ، كصاحب المغني ، والشرح الكبير ، وابن كثير ، وهي مروية عن العتبي وعن محمد بن حرب الهلالي وعن أبي الحسن الزعفراني وعن علي بن أبي طالب بإسناد موضوع ، كما حقق ذلك ابن عبد الهادي ، وكلهم يرويها عن أعرابي أنه أتى إلى القبر فقرأ الآية فرأى العتبي في المنام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتاه وقال له: "الحق بذاك الأعرابي وأخبره أن الله قد غفر له بشفاعتي" وهذا منام لا يحتج به ، والأعرابي مجهول لا حجة في فعله لو صح الإسناد إليه ، فكيف وإسناد القصة لا تقوم به الحجة.
     وهذه الآية وردت في قوم مخصوصين وهم الذين لم يرضوا بحكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس هناك لفظ عام لا من جهة الآتي ولا الذي يؤتى إليه حتى يقال أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
     وأما من جهة الذي يؤتى إليه فإن اللفظ العام على زعم من قال بالعموم لا يتناول إلا ما كان من أفراده والمجيء إلى القبر ليس من أفراد المجيء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا قيل أن المقصود المجيء إليه في حياته الدنيوية والبرزخية ولما كان المجيء إليه في حياته البرزخية يستلزم المجيء إلى القبر قلنا بذلك فيقال دون إثبات المجيء في حياته البرزخية خرط القتاد .
     وكذلك لو صح حمل الآية على العموم لصح ذلك في قوله تعالى: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} الآية . بل هو أولى لأن الاسم الموصول " الذين " من ألفاظ العموم ولا قائل أن مناداة الزائر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله السلام عليك يا رسول الله يدخل في معنى الآية.
     وكذلك قوله تعالى {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} الآية . فلو صح الاستدلال بالآية المذكورة على المجيء إلى قبر النبي لكان هنا من باب أولى ولا أحد يقول بهذا .
     كما أن ذلك القول فيه مصادمة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تتخذوا قبري عيداً)) لأنه حينئذ سيكون عيداً للمذنبين كلما أذنبوا .
     وأما من احتج على مطلق إتيان قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ((أن وسيلة القربة المتوقفة عليها قربة)).

     فيقال أن هذه القاعدة غير مطردة لأن هنالك من القرب ما يكون وسيلتها أمر محرم أحيانا فالسفر إلى غير المساجد الثلاثة ليس بقربة مع أن الصلاة بالمسجد قربة فلو أراد أحد أن يسافر لأجل أن يصلي بقباء لأجل أن الصلاة به قربه لكان مأزورا غير مأجوراً .
     ويقال لمن يحتج بالآية على شرعية المجيء إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه ذكر في الآية أن استغفار النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكون بعد المجيء فهل لهم أن يثبتوا وقوع هذا الاستغفار ودون هذا خرط القتاد ولا يصلح أن يحتجوا بالنصوص العامة التي فيها استغفار النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمؤمنين ولا باستغفاره عقب عرض الأعمال عليه فإنه لا يصح ولو صح فالمطلوب استغفار عقب المجيء لا قبله .
     ولو صح قولهم في الاستدلال بالآية لكان هذا فيه نسب التقصير إلى سلف هذه الأمة لأنه ما ثبت عن أحد منهم أنه كان يأتي القبر بعد الذنب بل لم تثبت الزيارة عن أحد من الصحابة إلا ما ندر كما ثبت عن ابن عمر وكان ذلك فقط إذا أتى من سفر بل جاء عن بعض التابعين كالإمام مالك التزهيد فيها لما تؤدي إليه من الغلو في النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتخاذ قبره عيدا وقد ثبت نهيه عن ذلك .
     فعن أبي إسحاق إبراهيم بن سعد قال: ما رأيت أبي يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم قط وكان يكره إتيانه.
     وهذا عبيد الله بن عمر العمري يقول: ما نعلم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك غير ابن عمر .
     وعندما قيل للإمام مالك إن أناسا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه يقفون على القبر فيصلون عليه ويسلمون فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا وتركه واسع ولا يصلح آخر الأمة إلا ما أصلح أولها .

                                                                  " صيانة الإنسان " للسهسواني"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق