أحاديث حياة الخضر في الميزان ، وبيان جهالات وأكاذيب الصوفية
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ أما بعد:
فإن الخضر عليه السلام من الأنبياء الذين ذكر الله شأنهم في القرآن دون التصريح باسمه، وذلك في سورة الكهف .. قال تعالى عن موسى وفتاه ـ وهو يوشع بن نون ـ: {فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً{65} قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً{66} قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{67} وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً{68} قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً{69} قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً{70} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً{71} قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{72} قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً{73} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً{74} قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً{75} قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً{76} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً{77} قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً{78} أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً{79} وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً{80} فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً{81} وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً{82}
وبيَّن النبي صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم أن هذا العبد الصالح هو الخضر عليه السَّلام ، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي بن كعب رَضِيَ اللهُ عنهُ عن النبي صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم أنه قال: ((.. حتى أتيا الصخرة فرأى رجلا مسجى عليه بثوب. فسلم عليه موسى. فقال له الخضر: أنى بأرضك السلام؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه. وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه. قال له موسى، عليه السلام: هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا؟ قال: إنك لن تستطيع معي صبرا. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا. قال له الخضر: فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا. قال: نعم. فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر. فمرت بهما سفينة. فكلماهم أن يحملوهما. فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول. فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه..)) الحديث .
وقد دلت الآيات السابقة ، والأحاديث الصحيحة على أن الخضر عليه السلام نبي من الأنبياء ، وليس ولياً فقط ، بل هو من أعلى مراتب الأولياء ..
فالأنبياء عليه السلام مرتبتهم أعلى مرات الولاية والقربى ..
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الخضر ليس نبياً ، وقد تولى جمع من العلماء بيان ذلك ، والرد على من نفى عنه النبوة ..
وليس موضوعي هنا بيان هذا الأمر ، وإنما أردت بيان مسألة خطيرة وهي ما ذهب إليه بعض العلماء من أن الخضر لم يمت، وأنه ما زال حياً..
وهذا القول وإن قال به بعض العلماء فهو قول منكر، وباطل ظاهر البطلان ، وأدلة إبطاله كثيرة من الكتاب والسنة .. منها:
قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} ومعنى التخليد: البقاء إلى قرب قيام الساعة ، وهذا مما نفاه الله حل وعلا عن البشر ..
وكذلك فإن النبي صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم لَمَّا بعث لم يأته ما يزعمون أنه الخضر، ولم يبايعه، ولم يهاجر ، ولم يجاهد ولم يحصل شيء من ذلك ألبتة ..
علماً بأن الهجرة كانت واجبة قبل فتح مكة...
وكذلك الواجب على الخضر لو كان حياً أن يتبع محمداً صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم ، فلا يخالفه في شريعة ، ويجب عليه اتباع شريعة محمد صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم ، وطاعته .. فقد قال عمر رَضِيَ اللهُ عنهُ لرسول الله صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم: "إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟!!" فقال: ((أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟!! لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي))
وقد وضع الكذابون، وروى المجهولون النكرات أحاديث يذكرون فيها أن الخضر لا يزال حيا!! وجميع تلك الأحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
وسأبين في هذا البحث البراهين على أن تلك الأحاديث مكذوبة على رسول الله صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم ..
تنبيهان هامان:
وقبل ذكر تلك الأحاديث أذكر شيئاً ورد في صحيح مسلم قد يلبس به الصوفية على العامة والجهال ، فيزعمون كذباً وضلالاً أن مسلماً روى ذلك في صحيحه!!
وبعد ذلك أذكر بعض الآثار السيئة لتلك الأحاديث المكذوبة التي وضعها الأفاكون على رسول الله صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم ليموهوا على الناس بذلك ، ويخدعوهم بأن الخضر عليه السلام ما زال حياً!!
أولاً: روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: "حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال. فكان فيما حدثنا قال: ((يأتي وهو محرَّمٌ عليه أن يدخل نقاب المدينة. فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة. فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس، أو من خير الناس. فيقول له: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم حديثه. فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته، أتشكون في الأمر؟ فيقولون: لا. قال فيقتله، ثم يحييه. فيقول حين يحييه: والله! ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن. قال فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه".
فقد قال إبراهيم بن سفيان راوي صحيح مسلم: "يقال: إن هذا الرجل هو الخضر عليه السلام"
وقال معمر بن راشد في جامعه لما روى الحديث: وبلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجال ثم يحيه"..
وهذا القول باطل لأنه لم يسند إلى دليل ، فالأول قال: يُقال! ، والآخر قال: بلغني! وكل هذه ليست أدلة ..
فالقول بأن ذلك الرجل هو الخضر من القول على الله بغير علم ، والإمامان: معمر ، وإبراهيم بن سفيان ؛ إنما نقلاه عن مجهول ولم يقولاه ..
ومسلم رحمهُ اللهُ لم يذكر ذلك وإنما هذا من زيادة أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان رحمهُ اللهُ.
ثانياً: إن الاعتقاد بحياة الخضر عليه السلام ، جر إلى خرافات وبلايا ، نطق بها بعض المجانين من الصوفية والحلولية والزنادقة ..
حتى وصل الحال إلى أن يزعم أكثر الصوفية أن كل ما ينقلونه من علومهم يسمعونه من الخضر، وقد زاد الجيلي أن الخضر مخلوق من روح الله.. "ولا يعلم هذا الجاهل أن آدم هو الذي أمر الله جبريل أن ينفخ فيه وجبريل هو روح الله وليس الخضر خلقاً خاصاً".
وقد أدى الاعتقاد بحياة الخضر عليه السلام إلى التماس كثير من الناس للخضر ، وبحثهم عنه ليدعو لهم ، وليتبركوا بجسده والتبرك بالذوات ممنوع شرعاً إلا ما خصه الشرع وهو التبرك بذات النبي صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم .
وقد اخترعوا لذلك أساطير وخرافات.
فزعموا أن الخضر عليه السلام يصلي مع الناس متخفياً بزي الفقراء وأن له علامة وذلك أن بؤبؤ عينيه يتحرك كالزئبق! وأن إبهام اليد اليمنى لا عظم لها!! [انظر: روح المعاني للآلوسي (15/326)] لذلك إذا صافح بعض الناس بعضهم قبض كل واحد منهم على يمين الآخر مرتكزاً على الإبهام عله أن يصادف الخضر !!
وكذلك مما يزعمونه من علاماته أنه يكون أول خارج من المسجد!! [سمعت هذا من بعض العوام، وحدثني بذلك الذي تزعمه العوام الشيخُ عمر محمد فلاتة رحمه الله ، وذكر قصة حصلت له مع بعض العامة في ذلك ] .
بل وصل حد الغلو في الخضر عليه السلام أن كثيراً من المتصوفة يزعم أنه لقي الخضر وتلقى منه أحكاماً شرعية وإن كانت مخالفة للشريعة الإسلامية !!
والحكايات عن الخضر ولقيه من بعض الناس وإعانتهم ودفع البلاء عنهم كثيرة جداً لا تحد بحد وذلك من أبين الأدلة على أنها كذب وبهتان لأن ميزة الكذب أنه لا نهاية له.
ومن ذلك: ما روي عن رياح بن عبيدة قال: رأيت رجلاً يماشي عمر بن عبد العزيز معتمداً على يديه ، فلما انصرف قلت له: من الرجل؟ قال: رأيتَه؟ قلت: نعم .قال: أحسبك رجلاً صالحاً ذاك أخي الخضر ، بشرني أني سأولَّى وأعدل [انظر: فتح الباري(6/311) والبداية والنهاية(1/334) ]
وهذه حكاية باطلة وقد وردت بطرق وقد ذكرها الحافظ ابن كثير وفندها كلها [البداية والنهاية(1/334) ].
ومن ذلك ما ذكر عن عبد الله بن المبارك رحمه الله. قال العلامة الآلوسي: [ روى ابن بشكوال في كتاب "المستغيثين بالله تعالى" عن عبد الله بن المبارك أنه قال: كنت في غزوة فوقع فرسي ميتاً ، فرأيت رجلا حسن الوجه طيب الرائحة قال: أتحب أن تركب فرسك؟ قلت: نعم . فوضع يده على جبهة الفرس حتى انتهى إلى مؤخره ، وقال: أقسمت عليك أيتها العلة بعزة عزة الله ، وبعظمة عظمة الله ، وبجلال جلال الله ، وبقدرة قدرة الله ، وبسلطان سلطان الله ، وبـ"لا إله إلا الله" ، وبما جرى به القلم من عند الله ، وبـ"لا حول ولا قوة إلا بالله" إلا انصرفت ، فوثب الفرس قائماً بإذن الله تعالى ، وأخذ الرجل بركابي وقال اركب ، فركبت ، ولحقت بأصحابي . فلما كان من غداة غدٍ وظهرنا على العدو ، فإذا هو بين أيدينا فقلت: ألست صاحبي بالأمس؟ قال: بلى. فقلت: سألتك بالله تعالى من أنت؟ فوثب قائماً فاهتزت الأرض تحته خضراء فقال: أنا الخضر . فهذا صريح "أقول: ولكنه ليس بصحيح ، وعلامات الوضع عليه ظاهرة كما سيأتي من كلام الآلوسي رحمه الله ، والله أعلم" في أنه قد يحضر بعض المعارك]
ثم قال الآلوسي رحمه الله مفنداً لهذه القصة ولغيرها من الشبه التي يستند إليها من يؤمن بحياة الخضر عليه السلام: [لا يخفى أن نظم الخضر عليه السلام في سلك أويس القرني والنجاشي رحمهما الله ، ورضي عنهما وأضرابهما ممن لم يمكنه الإتيان إليه ؛ بعيد عن الإنصاف .
وإن لم نقل بوجوب الإتيان عليه –عليه السلام فكيف يقول منصف: بإمامته لجميع الأنبياء واقتداء جميعهم به ليلة المعراج ، ولا يرى لزوم الإتيان على الخضر –عليه السلام ، والاجتماع معه مع أنه لا مانع له من ذلك بحسب الظاهر ، ومتى زعم أحد أن نسبته إلى نبينا –صلى الله عليه وسلم كنسبته إلى موسى –عليه السلام فليجدد إسلامه.
ودعوى أنه كان يأتي ويتعلم خفية لعدم أمره بذلك ، علانية لحكمة إلهية ؛ مما لم يقم عليها الدليل ، على أنه لو كان كذلك لذكره ولو مرة.
وأين الدليل على الذكر ؟ وأيضاً لا تظهر الحكمة في منعه عن الإتيان مرة أو مرتين على نحو إتيان جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبي رضي الله عنه .
وإن قيل: إن هذه الدعوى مجرد احتمال. قيل: لا يلتفت إلى مثله إلا عند الضرورة ، ولا تتحقق إلا بعد تحقق وجوده إذ ذاك بالدليل ووجوده كوجوده عندنا .
وأما ما روي عن ابن المبارك رحمه الله فلا نسلِّم ثبوته عنه ، وأنت إذا أمعنت النظر في ألفاظ القصة استبعدت صحتَها .
ومن أنصف يعلم أن حضوره عليه السلام يوم قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد رضي الله تعالى عنه: ((إرم فداك أبي وأمي)) كان أهم من حضوره مع ابن المبارك –رحمه الله واحتمال أنه حضر ولم يره أحد أشبه شيء بالسفسطة ]. انظر: روح المعاني(15/324)
ومن الخرافات التي نسجت حول الخضر ، وما يفعله مع الناس ما ذكره البرزنجي في كتابه "الإشاعة لأشراط الساعة" عن العلامة ملا علي قاري في كتابه "المشرب الوردي في مذهب المهدي" والذي رد فيه على بعض الجهلة الذين نقلوا قصصاً وحكايات من مصادر مجهولة .
فذكر هذه الحكاية: (اعلم أن الله قد خص أبا حنيفة بالشريعة والكرامة ، ومن كراماته: أن الخضر عليه السلام كان يجيء إليه كل يوم وقت الصبح ، ويتعلم منه أحكام الشريعة إلى خمس سنين. فلما توفي أبو حنيفة رحمه الله ناجى الخضر عليه السلام ربه قال: ((إلهي إن كان لي عندك منْزلة فأذن لأبي حنيفة حتى يعلمني من القبر على حسب عادته حتى أعلم شرع محمد صلى الله عليه وسلم على الكمال ليحصل لي الطريقة والحقيقة)).[أقول: سبحان الله!! ما أعظم افتراء مخترع هذه الحكاية إذ لو كان هذا الطلب سائغاً لطلب من الله أن يكون معلمه محمداً –صلى الله عليه وسلم لا سيما وهو صاحب الشرع وهو حي في قبره حياة أكمل من حياة غيره من الأموات. ] فنودي أن اذهب إلى قبره ، وتعلم منه ما شئت . فجاء الخضر ، وتعلم منه ما شاء كذلك إلى خمس وعشرين سنة أخرى حتى أتم الدلائل والأقاويل ، ثم ناجى الخضر ربه ، وقال: ((إلهي ماذا أصنع؟)). فنودي: أن اذهب إلى صعانك ، واشتغل بالعبادة إلى أن يأتيك أمري –إلى أن قال له: اذهب إلى البقعة الفلانية وعلم فلاناً علم الشريعة. ففعل الخضر عليه السلام ما أمره.
ثم بعد مدة ظهر في مدينة ما وراء النهر شاب ، وكان اسمه أبا القاسم القشيري ، وكان يخدم أمه ويحترمها ، ثم إنه قال وقتاً من الأوقات لأمه: يا أماه قد حصل لي الحرص على طلب العلم ، وقد قال علي رضي الله عنه: (من كان في طلب العلم كانت الجنة في طلبه) فائذني لي بالسفر إلى بخارى لأتلقى العلم . فقدرت والدته أنها إن لم تأذن له فستكون مانعة للخير ، وإن أذنت له لم تصبر على فراقه ، فلم يكن لها بد حتى أذنت له ، فودع القشيري أمه وعزم على السفر مع شاب صاحب له يطلبان العلم . فقعدت أمه على الباب باكية حزينة وقالت: إلهي أشهد أني حرمت على نفسي الطعام والمنْزل ، ولا أقوم من مقامي حتى أرى ولدي . فمضى القشيري ليقضي حاجته فتلوثت ثيابه ببوله وقال لصاحبه: اذهب أنت فإني أريد أن أرجع إلى المنْزل ، وأخاف أن تصيب النجاسة جسمي في المنْزل الثاني ، ويصيب روحي في الثالث!! ، فقعودي عند والدتي أولى.
ورجع إلى أمه ، فوجدها في مكانها الذي ودعها منه ، فقامت وصافحت ولدها وقالت: الحمد لله. فأمر الله الخضر عليه السلام: أن اذهب إلى القشيري وعلمه ما تعلمت من أبي حنيفة رحمه الله لأنه أرضى أمه . فجاء الخضر إلى أبي القاسم وقال: أنت أردت السفر لأجل طلب العلم ، وقد تركته لرضى أمك ، وقد أمرني الله تعالى أن أجيء إليك كل يوم على الدوام ، وأعلمك. فكل يوم يجيء إليه الخضر عليه السلام حتى ثلاث سنين ، وعلمه العلوم التي تعلم من أبي حنيفة في ثلاثين سنة حتى علمه علم الحقائق والدقائق ، ودلائل العلم ، وصار مشهورَ دهرِه ، وفريدَ عصرهِ حتى صنف ألف كتاب وصار صاحب كرامة وكثر مريدوه وتلاميذه …) إلخ هذا الهراء.
قال الشيخ ملا على قاري رحمه الله بعد نقله الحكاية السابقة مختصرة جداً: [ولا يخفى أن هذا مع ركاكته ولحنه ؛ كلام بعض الملحدين الساعين في إفساد هذا الدين إذ حاصله:
1 إن الخضر عليه السلام الذي قال الله في حقه: {عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً } وقد تعلم منه موسى عليه السلام ؛ أصبح من جملة تلاميذ أبي حنيفة رحمه الله! .
2 وما أسرع فهم التلميذ حيث أخذ عن الخضر في ثلاث سنين ما تعلمه الخضر من أبي حنيفة حياً وميتاً في ثلاثين سنة!.
3 وأعجب منه أن أبا القاسم القشيري ليس معدوداً في طبقات أبي حنيفة!! .
4 ثم العجب من الخضر عليه السلام أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتعلم منه الإسلام ، ولا من الصحابة الكرام ، ولا من عظماء التابعين ، وقد رضي بغيرهم! فهذا لا يخفى بطلانه حتى على العقول السخيفة!!
ثم قال العلامة البرزنجي: إن كلام القائل المذكور باطل من وجوه كثيرة منها ما أشار إليه الشيخ علي القاري ومنها:
5 أن أبا القاسم القشيري من الفقهاء الشافعية ، ومشايخه في الفقه والكلام والتصوف معروفون.
6 أنه لا يعرف له من التأليف غير كتاب الرسالة والتفسير وكتب أخر معدودة لا تبلغ ألف ورقة فضلاً عن ألف كتاب.
7 أن الخضر عليه السلام الذي يخاطب ربه ، ويناجيه ، ويجيبه ربه ، ويناديه ؛ لم لا يسأل ربه أن يعلمه الإسلام من غير واسطة أحد حتى يتعلم من قبر أبي حنيفة رحمه الله ؟!!.
8 أن الخضر عليه السلام إما أن يكون مأموراً بتعلم شرع النبي صلى الله عليه وسلم أو لا ؛ فإن كان مأموراً به فتَرْكُهُ التعلمَ إلى زمن أبي حنيفة رحمه الله بل إلى بعد موته وهو إنما مات سنة 150 تركٌ للواجب ، وكيف يجوز للمعصوم أن يترك الواجب 150 سنة؟!! إذا الأصح أنه نبي .
وإن لم يكن مأموراً بذلك ، وإنما هو زيادة تحصيل الكمال فلِمَ لم يأخذه من النبي –صلى الله عليه وسلم غضاً طَرِيّاً؟!! وإن لم يعلم أنه كمال إلا بعد موت أبي حنيفة رحمه الله فقد جوز الجهل بالكمال!!.
9 أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله مجتهد ؛ والمجتهد قد يصيب ، وقد يخطئ ، ولذا خالفه صاحباه في أكثر من ثلث أقواله فكيف يقلد من لا يخطئ قط من يخطئ ويصيب!!.
10 أن جميع فقه أبي حنيفة يمكن أن تجمع أصوله وفروعه في كتاب واحد أو في كتابين فما الذي في ألف كتاب؟!
11 أن فيها مفاسد كثيرة لا تنحصر لأنها افتراءات وأكاذيب لا يرضاها الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم ، ولا أبو حنيفة نفسه.
انتهى كلام العلامة البرزنجي انظر: الإشاعة لأشراط الساعة(ص/228230).
وقد أطلت في ذلك لبيان مدى تأثير القول بحياة الخضر عليه السلام على العامة والقصاص والوعاظ الجهلة.
وقد رجح جمع من المحققين وفاة الخضر عليه السلام منذ أمدٍ بعيد ، وفندوا شبه من قال بحياته ؛ منهم العلامة ابن الجوزي في كتابه"عجالة المنتظر في شرح حال الخضر".
وكتاب"القول المنتصر على الدعاوى الفارغة بحياة أبي العباس الخضر لحسين بن الأهدل اليمني.
ومن أجمل من فند شبه من قال بحياة الخضر ودلل على موته العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه المنار المنيف (ص/6776).
وكثير ممن يعتقد بحياة الخضر يستغيث به لتفريج الكربات عند حصول المدلهمات وهذا من الشرك الأكبر. والله المستعان
وبعد هذه المقدمات أسوق الأحاديث التي يستدل بها من يستدل على حياة الخضر عليه السلام ، وأبين أنها مكذوبة .. والله الموفق
الحديث الأول
عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في المسجد فسمع كلاماً من زاوية وإذا بقائل يقول: اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع ذلك: الا تضم إليها أختها؟! فقال: اللهم ارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك وكان معه: ((اذهب يا أنس فقل له: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: استغفر لي))، فجاء أنس فبلغه ، فقال له الرجل: يا أنس أنت رسول رسول الله إلي؟! فقال: كما أنت، فرجع واستثبته
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل له: نعم. فقال: نعم. فقال له: (اذهب فقل له فضلك الله على الأنبياء بمثل ما فضل رمضان على الشهور وفضل أمتك على الأمم مثل ما فضل يوم الجمعة على سائر الأيام). فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر عليه السلام.
تخريجه:
رواه ابن عدي في "الكامل"(6/62) والبيهقي في "دلائل النبوة"(5/424425) وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(16/422) وابن الجوزي في "الموضوعات"(1/308309) كلهم من طريق محمد بن يوسف بن عاصم حدثنا أحمد بن إسماعيل القرشي حدثنا عبد الله بن نافع عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده رضي الله عنه به .
وله شاهد لكن:شاهد زور سيأتي في الحديث الآتي إنْ شاءَ اللهُ تعالَى .
الحكم عليه:
حديث موضوع فيه أربع آفات:
الآفة الأولى: محمد بن يوسف بن عاصم: كذاب كما قال الدارقطني [انظر: تاريخ بغداد (4/167168)].
الآفة الثانية: أحمد بن إسماعيل القرشي: متروك كما قال أبو أحمد الحاكم وكذبه الفضل بن سهل ، وقال ابن عدي: حدث عن مالك بالموطأ وحدث عن غيره بالبواطيل، وقال الخطيب: كان أبو حذيفة قد أدخل عليه عن مالك أحاديث ليست من حديثه ولحقه السهو في ذلك ولم يكن ممن يتعمد الباطل ولا يدفع عن صحة السماع من مالك [انظر: تهذيب الكمال (1/266267)وتاريخ بغداد(4/24)].
الآفة الثالثة: عبد الله بن نافع: في حفظه لين، قال البخاري: في حفظه شيء [انظر: تهذيب الكمال(16/211)].
الآفة الرابعة: كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، المدني: قال الشافعي: ركن من أركان الكذب، وكذبه أبو داود وضرب أحمد على حديثه وقال الدارقطني وغيره: متروك، وقال النسائي: ليس بثقة.وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً، يروي عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب. وقال الذهبي: أحد التلفى.
انظر: التهذيب (3/462463) ، والميزان (2/467) ، (3/406408) ، والمجروحين (2/221222).
وقال ابن الجوزي في الموضوعات (1/313314) عنه وعن أحاديث أخر: وهذه الأحاديث باطلة ، أما الأول ـ يعني هذا الحديث ـ ففيه عبد الله بن نافع، قال يحيى بن معين: ليس بشيء ، وقال علي بن المديني: يروي أحاديث منكرة ، وقال النسائي: متروك الحديث[يقول أبو عمر: هذا وهم من ابن الجوزي رحمه الله ؛ حيث ظن أن عبد الله بن نافع هو المدنى مولى بن عمر ، والصواب أنه عبد الله بن نافع الصائغ حيث إنه هو المعروف بالرواية عن كثير المزني كما في تهذيب الكمال(16/209) ]، وفيه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني ، قال أحمد بن حنبل: لا يحدث عنه ، وقالمرةً: لا يساوي شيئاً ، وقال يحيى بن معين: ليس حديثه بشيء ولا يكتب، وقال النسائي والدارقطني: هو متروك الحديث ، وقال الشافعي: هو ركن من أركان الكذب ، وقال أبو حاتم ابن حبان: روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة، لا يحل ذكرها في الكتب، ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب.ا.هـ
وقال الحافظ ابن حجر الإصابة(1/437):كثير بن عبد الله:ضعفه الأئمة.
الحديث الثاني:
عن أنس بن مالك قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الليالي أحمل له الطهور إذ سمع منادياً فقال: ((يا أنس صُبَّه)) فقال: اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو قال أختها)) فكأن الرجل لُقِّن ما أراد رسول الله، فقال: وارزقني شوق الصادقين إلى ما شوقتهم إليه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((حيَّا يا أنس ضع الطهور وائت هذا المنادي فقل له: أن يدعو لرسول الله صلى الله عليه وسل مأن يعينه على ما ابتعثه به ، وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به نبيهم بالحق)) فأتيته فقلت: ادع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعينه الله على ما ابتعثه وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به نبيهم بالحق. فقال: ومن أرسلك؟ فكرهت أن أعلمه ولم أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: وما عليك رحمك اللهبما سألتك؟ قال: أولا تخبرني من أرسلك؟ فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له ما قال، فقال: ((قل له أنا رسول رسول الله)) فقال لي: مرحباً برسول الله ومرحباً برسوله أنا كنت أحق أن آتيه أقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام وقل له: الخضر يقرئك السلام ويقول لك: إن الله قد فضلك على النبيين كما فضل شهر رمضان على سائر الشهور وفضل أمتك على الأمم ،كما فضل يوم الجمعة على سائر الأيام فلما وليت عنه سمعته يقول: (اللهم اجعلني من هذه الأمة المرحومة المرشدة المتاب عليها).
تخريجه:
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (3/255256رقم3071) وانظر: مجمع البحرين (6/213214 رقم3608) وأبو الحسين بن المنادي كما في "البداية والنهاية"(1/309) [وانظر: الإصابة (1/437) و اللآلئ المصنوعة (1/152)] ومن خطه نقله ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/310311رقم402) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (16/422423)
كلهم من طريق بشر بن علي بن بشر العمِّي ، قال: نا محمد بن سلام المنبجي ، قال: نا وضاح بن عباد الكوفي عن عاصم الأحول عن أنس بن مالك به.
قال الطبراني عقبه: لم يرو هذا الحديث عن أنس إلا عاصم، ولا عن عاصم إلا وضاح بن عباد، تفرد به محمد بن سلام.
وله طريقان آخران:
الأول: من طريق أبي خالد ؛ مؤذن مسجد بني مسلية عن أبي داود الأعمى عن أنس به. رواه ابن عساكر في تاريخه(16/423). وانظر: الإصابة(1/437) والبداية والنهاية(1/309)
الثاني: من طريق أنس بن خالد عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن حاتم بن أبي رواد عن معاذ بن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن أنس رضي الله عنه به.
رواه ابن شاهين والدارقطني في "الأفراد" كما في الإصابة(1/437438) .
الحكم عليه:
الحديث موضوع وطرقه لا تزيده إلا وهناً لتفرد الكذابين بها.
فالطريق الأول: فيه ثلاث علل.
العلة الأولى: بشر بن علي بن بشر العمِّي الأنطاكي: مجهول . قال الهيثمي: لم أعرفه.مجمع الزوائد(8/212).
العلة الثانية: محمد بن سلام التيمي المنبجي فيه جهالة ؛ حيث لم يوثقه معتبر [وقاعدة ابن حبان في توثيق المجاهيل معروفة انظر مقدمة تمام المنة للألباني ] ، ومع ذلك عنده غرائب ، وهذا منها.
فقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أغرب . وقال ابن منده: له غرائب. وذكره الذهبي في المغني في الضعفاء. رَ: الثقات (9/101) والميزان (3/568) والسان (5/146147) والمغني في الضعفاء(2/587).
العلة الثالثة: وضاح بن عباد الكوفي: وهَّنَه أبو الحسين بن المنادي بسبب هذا الحديث. حيث قال: حديثه هذا: هو حديث واهٍ بالوضاح وغيره. وأقره على هذا الجرح: ابن الجوزي في الموضوعات (1/314)وفي الضعفاء والمتروكون (3/183) والذهبي في الميزان (4/4/334) وابن حجر في اللسان (7/321).
قال أبو الحسين ابن المنادي: هو حديث واهٍ بـ"الوضاح" وغيره، وهو منكر الإسناد ، سقيم المتن ، ولم يراسل الخضر نبياً ولم يلقه. رَ: الموضوعات (1/314)، والإصابة (1/437) واللآليء (1/152).
وقال أيضاً: وأهل الحديث متفقون على أنه منكر الإسناد ، سقيم المتن ، يتبين فيه أثر الصنعة. انظر: البداية والنهاية(1/309)
وحكم ابن الجوزي بوضعه ، وأقره ابن عراق. انظر: تنْزيه الشريعة(1/224).
وقال ابن كثير رحمه الله: وهو مكذوب لا يصح سنداً ولا متناً كيف لا يتمثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجيء بنفسه مسلماً ومتعلماً وهم يذكرون في حكاياتهم وما يسندونه عن بعض مشايخهم أن الخضر يأتي إليهم ، ويسلم عليهم ، ويعرف أسمائهم ومنازلهم ومحالهم ، وهو مع هذا لا يعرف موسى بن عمران كليم الله الذي اصطفاه الله في ذلك الزمان على من سواه حتى يتعرف إليه بأنه موسى بني إسرائيل. انظر: البداية والنهاية(1/309).
وأما الطريق الثاني: فهو هالك جداً فيه وضاع وهو:
أبو داود الأعمى: نفيع بن الحارث النخعي الهمداني الدارمي الكوفي القاص كذبه: قتادة ، وابن معين ، والساجي.
وقال ابن معين: أبو داود الأعمى: يضع ، ليس بشيء. وقال الحاكم: روى عن بريدة وأنس أحاديث موضوعة.ا.هـ وهذا من حديثه عن أنس.
وقال ابن حبان: يروي عن الثقات الموضوعات توهماً لا يجوز الاحتجاج به. انظر: تهذيب التهذيب(4/239240) .
وأما الطريق الثالثة: ففيها أربع علل وهي:
العلة الأولى: محمد بن عبد الله، أبو سلمة الأنصاري قال الحافظ ابن حجر: كذبوه انظر: التقريب(ص/422).
وقال أيضاً: ومحمد بن عبد الله هذا هو أبو سلمة الأنصاري وهو واهي الحديث جداً ، وليس هو شيخ البخاري قاضي البصرة ذاك ثقة وهو أقدم من أبي سلمة . انظر: الإصابة (1/438) .
العلة الثانية، والثالثة والرابعة: حاتم بن أبي رواد ومعاذ بن عبد الله بن أبي بكر وأبوه: لم أجد لهم تراجم، والله أعلم. فالخلاصة: أن الحديث موضوع مكذوب ..
الحديث الثالث
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الخضر عليه السلام في البحر ، واليسع عليه السلام في البر يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج ، ويحجان أو يجتمعان كل عام ، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل)).
تخريجه:
رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده"(2/866رقم926 –بغية الباحث) من طريق عبد الرحيم بن واقد حدثنا القاسم بن بهرام حدثنا أبان عن أنس بن مالك رضي الله عنه به مرفوعاً.
ولم أقف على من أخرجه سوى الحارث بن أبي أسامة .
وانظر: المطالب العالية (8/441رقم 3828) وجمع الجوامع للسيوطي (1/194رقم 5463) وكذا الدر المنثور(4/240) وكنْز العمال (34051).
الحكم عليه:
الحديث موضوع فيه آفات عديدة:
الآفة الأولى: عبد الرحيم بن واقد: في حديثه مناكير كما قال الخطيب في تاريخ بغداد (11/85). وانظر: ميزان الاعتدال (2/607) ، ولسانه (4/345).
الآفة الثانية: القاسم بن بهرام: كذاب كما قال ابن عدي في الكامل (7/294). وانظر: ميزان الاعتدال (3/369) ، ولسان الميزان(5/494).
الآفة الثالثة: أبان بن أبي عياش: متروك كما في تقريب التهذيب (ص/ 27)، وانظر أصوله.
قال الحافظ بن حجر بعد تخريجه للحديث في المطالب العالية(8/441): ضعيف جداً.
وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة(7/141رقم6526): هذا إسناد ضعيف لجهالة بعض رواته.ا.هـ وفي عبارة البوصيري تساهل واضح يعلم مما تقدم.
وقال السيوطي في الدر المنثور (4/240): سنده واهٍ. وقال في جمع الجوامع (1/194): وفيه أبان ، وعبد الرحيم بن واقد متروكان.
الحديث الرابع
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يلتقي الخضر وإلياس عليهما السلام في كل عام في الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه، ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات: بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله ؛ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله ، ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله)). قال ابن عباس: (من قالهن حين يصبح وحين يمسي كل يوم وليلة ثلاث مرات عوفي من الغرق والحرق والشرق وأحسبه قال: ومن الشيطان ، والسلطان ، ومن الحية والعقرب حتى يصبح ويمسي).
تخريجه:
رواه ابن عدي في "الكامل" (2/740) ، والعقيلي في "الضعفاء" (1/224225) ، وأبو إسحاق المزكي في "فوائده تخريج الدارقطني" كما في "الإصابة" (1/438) والدارقطني في "الأفراد" (3/285رقم 2674أطرافه) ، وابن شاذان في "مشيخته الصغرى" (ص/4041رقم 52) ، وابن الجوزي في "الموضوعات" (1/311رقم403) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (9/211) و(16/426427) كلهم من طريق محمد بن أحمد بن زبدا حدثنا عمرو بن عاصم عن الحسن بن رزين عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنه به.
وانظر: لسان الميزان (2/385) والتذكرة للزركشي(ص/207) ، والمقاصد الحسنة (ص/62)، واللآليء (1/153) .
فائدة: محمد بن أحمد بن زبداء [وعند ابن حبان: زيد] أبو جعفر المذاري [وعند ابن حبان: المدادي] البصري. ذكره ابن حبان في الثقات(9/123). وانظر الأنساب(5/240).
وللحديث طريق أخرى؛ فرواه ابن الجوزي كما في الإصابة(1/438) من طريق أحمد بن عمار عن محمد بن مهدي بن هلال عن أبيه عن ابن جريج به .
تنبيه: وأظن أن ابن الجوزي رواه في كتابه"عجالة المنتظر في شرح حال الخضر" وهو ليس بين يدي ، وعزاه في اللآليء المصنوعة (1/153) وتنْزيه الشريعة (1/234) إلى ابن الجوزي في الواهيات وقد استقرأت طبعة كتاب "الواهيات" أو على الأصح"العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" فلم أجده ؛ بل إن منهج ابن الجوزي في الكتاب يمنعه من إخراجه فيهوإن كان أخل به في مواطن كثيرة . انظر: كتاب العلل المتناهية (1/17). والله أعلم .
الحكم عليه:
الحديث موضوع ، أما الطريق الأول: فآفته الحسن بن رزين فإنه مجهول.
قال العقيلي: بصري مجهول في الرواية وحديثه غير محفوظ. وقال الذهبي والزركشي: ليس بشيء
وقال أبو الحسين بن المنادي: هو حديث واهٍ بالحسن ، والخضر وإلياس مضيا لسبيلهما.
انظر: الميزان (1/490) واللسان (2/384385) والتذكرة للزركشي (ص/207) والإصابة (1/438).
وقال الدارقطني: لم يحدث به عن ابن جريج غير الحسن بن رزين.
انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (16/427) ، والإصابة (1/438).
وقال الذهبي في الميزان (1/490): لا يروى عن ابن جريج إلا بهذا الإسناد ، وهو منكر ، والحسن فيه جهالة.
وفيما قال الذهبي ؛ نظر إذ إنه روي من طريق أخرى عن ابن جريج كما سبق.
وأما الطريق الأخرى ؛ ففيها أحمد بن عمار الدمشقي ، ومهدي بن هلال: واهيان جداً .
أما أحمد بن عمار ؛ فقال الدارقطني والعجلي: متروك. انظر: الميزان(1/123) واللسان (1/353).
وأما مهدي بن هلال؛ فقال ابن معين: يضع الحديث. وقال ابن المديني: كان يتهم بالكذب.
وكذبه أحمد وأبو داود والنسائي. انظر: الميزان(4/195) واللسان (7/8486).
وقال ابن حجر في الإصابة (1/438) عن الطريق الثاني: واهٍ جداً.
وقال السخاوي عن طريقي هذا الحديث: وهو منكر من الوجهين وثانيهما أشد وهاءً .
وقال أيضاً عما يروى في اجتماع الخضر وإلياس: إلى غير ذلك مما هو ضعيف كله: مرفوعه وغيره ، وأودع شيخنا رحمه الله في الإصابة له أكثره، بل لا يثبت فيه شيء. انظر: المقاصد الحسنة (ص/62) .
وذكره السيوطي في "اللآليء" (1/153) من طريق أبي إسحاق المزكي، وتعقب ابنَ الجوزي بأن ابن عدي حكم على الطريق الأولى بأنه منكر. ويعني بذلك أنه لم يحكم عليه بالوضع كما فعل ابن الجوزي!
وهذه غفلة من السيوطي ؛ إذ إن العلماء يطلقون لفظة "منكر" على الحديث الموضوع ؛ إما لمخافته للأصول الشرعية، وإما لتفرد من لا يحتمل تفرده .
فالحكم على حديث بالنكارة لا يخالف الحكم عليه بالوضع بل يجامعه.
وكذلك تعقب ابنَ الجوزي بذكر الطريق الأخرى المذكورة آنفاً وقال: أحمد بن عمار ومهدي بن هلال متروكان.ا.هـ
وهذا تعقب غير مجدٍ ، بل باطل ؛ إذ لا يزيد الحديث إلا وهاءً ، لذلك تعقبه ابن عراق في تنْزيه الشريعة(1/234235) بعد نقله تعقبه على ابن الجوزي فقال: بل مهدي: يضع .
والله أعلم. وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبينا محمد
كتَبَهُ: أبو عمر أسامةُ العُتَيْبِي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق