الفرق بين النصيحة والإنكار
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
إن النصوص جاء فيها لفظ النصيحة وجاء فيها لفظ الإنكار، وفرق بين النصيحة والإنكار، فقد روى ابن أبي عاصم وغيره من قوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية»، وروى أبو سعيد الخدري رَضِيَ اللهُ عنْهُ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».
ففي حديث سعيد جعل مراتب الإنكار ثلاثة، وقيد الإنكار برؤية المنكر، وجعل الإنكار على المنكر نفسه.
والذي درج عليه سلفنا الصالح -من الصحابة فمن بعدهم- أنّ الواقع في المنكر إذا كان مظهرا له أمام الناس فإنه ينكر عليه، فإذا وقع أي مسلم في منكر وأظهره فإن على من رآه الإنكار عليه علنا باليد إذا كان المنكر من أهل اليد، أو باللسان إن لم يكن من أهل اليد، أو بالقلب إن لم يستطع المرتبتين الأوليين.
وقد قيّد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإنكار بقوله «من رأى منكم منكرا» وهذا الوصف مقصود بالحكم؛ إذْ الرؤية مختلفة عن السمع فلا يصح أن من سمع منك منكرا فليغيره بيده أو بلسانه، فتحرّر بهذا أن المنكر إذا ظهر ينكر بما جاء في حديث أبي سعيد.
أما إذا لم يظهر أو لم ير صاحبه يواقعه أو كان المنكر فاشيا ولم يكن الواقع فيه معيّنا فإن بابه يكون باب النصيحة، فمثلا رأيت فلانا من الناس يواقع منكرا في الشارع، أو كنا حضورا عند أميرٍ، وذكر مخالفة شرعية ظاهرة سمعناها منه ورأيناها، فإننا ننكر عليه ما لم يترتّب على هذا الإنكار مفسدة.
وأما إذا كان الأمر خفيا وإذا ما يتعلق بولايته، ولم يكن هو الواقع فيه، وإنما الواقع في الأمر ما تحت ولايته فإننا لا نقول إن المنكر وقع منه ورأيناه منه، فلا يكون الباب إنكار، وإنما يكون الباب باب نصيحة؛ لأن الأمر لم يقع فيه هو علانية، وإنما هو منتشر، ويراد من الوالي أن يصلح هذا فيكون الأمر بنصيحته وأنها تكون سرا وليست بعلن.
وقد روى البخاري في صحيحه عن أسامة ابن زيد رَضِيَ اللهُ عنْهُ أنه خوطب بقوله: ألا تنصح لعثمان؟ حينما وقع منه بعض ما وقع في أواخر خلافته، ألا تنصح لعثمان؛ يعني لبعض الفتن التي بدأت تظهر في أواخر أيامه، قال أسامة: أمَا إني لم أبدي ذلك علانية وقد بذلته له سرا، ولن أكون فاتحا لباب فتنة.
وقد علق الحافظ ابن الحجر على هذا الأثر بقوله: إن النصيحة للوالي إذا خرجت إلى العلن صار مبلغها ومؤداها إلى الخروج على الولاة.
وهذا الأمر -وهو الخروج على الولاة- جاءت الشريعة بوصده؛ بل كان مما يميز أهل السنة والجماعة أنهم يرون الطاعة ولا ينزعون يدا من طاعة ولاة الأمر. وأنهم يبذلون لهم الدعاء في السر والعلن، والنصيحة العلنية هذه هي من نوع التشهير الذي يوغر الصدور ويخرج الناس عن طاعته ويؤدي بهم إلى الخروج على ولاة الأمور، هذا ملخص كلام الحافظ ابن حجر على كلام أسامة.
وهذا الأثر حقيق بأن يحفظ وبأن يراجع في البخاري ويحفظ لفظه.
ومن كان منا خطيبا أو مدرسا أو يلتقي بالشباب فليذكرهم به، فإن كان في القلوب حياة ولزوم السنة التي صحّت عنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ من قوله «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبدها علانية» وكان لنا شغف بلزوم هدي الصحابة رضوان الله عليهم وما أخبر به أسامة من هديه فإنه إن كان في القلوب حياة فنلزم حياة، أما إذا كان في القلوب غير ذلك من الأهواء المضلة، ومما هو مشابه لطرق أهل السنة والجماعة من الخوارج والمعتزلة فإن أولئك لن رفعوا رأسا بالسنة ولا بهدي الصحابة، وسيُشرَب من هواهم ما أُشرب من كان من قبلهم.
فإذاً تحصل أن هناك فرق بين الإنكار والنصيحة، وإذا بين ذلك للمخالفين فإنها تنقطع الحجة، لأن النصوص دلت أن الفرق بين هذا وهذا فالإنكار له مقامه والنصيحة لها مقامها، والخلط بين المقامين هو سبيل أهل الهواء.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
——————————-
نقلاً عن موقع مقالات من الصحف والمجلات العربية
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/shobhat/27881.html#ixzz2vSj8yuq1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق