رحمته صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } ، وأصح القولين أنه على عمومه ، وفيه على هذا التقدير وجهان:
أحدهما: أن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته:
أما اتباعه فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة .
وأما أعداؤه المحاربون لـه ، فالذين عجل قتلهم وموتهم خير لهم من حياتهم ، لأن حياتهم زيادة لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة ، وهم قد كتب عليهم الشقاء فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم في الكفر .
وأما المعاهدون لـه فعاشوا في الدنيا تحت ظله وعهده وذمته ، وهم أقل شراً بذلك العهد من المحاربين له .
وأما المنافقون فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وأموالهم وأهلهم ، واحترامها ، وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوارث وغيرها .
وأما الأمم النائية عنه فإن الله سبحانه رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض فأصاب كل العالمين النفع برسالته .
الوجه الثاني: أنه رحمة لكل أحد ، لكن المؤمنون قبلوا هذه الرحمة ، فانتفعوا بها دنيا وأخرى ، والكفار ردوها ، فلم يخرج بذلك عن أن يكون رحمة لهم ، لكن لم يقبلوها .
الرحمة عند الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } .
وقال صلى الله عليه وسلم: ( بعثت بالرحمة) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ( إنما أنا رحمة مهداة) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يرحم الله من لا يرحم الناس) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تنزع الرحمة إلا من شقي) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى: ارحموا من في الأرض ، يرحمكم من في السماء) . "أي على السماء وهو الله" .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علـي ، وعنـده الأقـرع بن حابس التميمي ، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلتُ منهم أحداً ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: (من لا يرحم لا يُرحم) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تقبلون الصبيان ، ولا نُقبلهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك) .
وكان صلى الله عليه وسلم ، رحيماً ، لا يأتيه أحد إلا وعده وأنجز له إن كان عنده .
وعن أنس بن مالك قال: ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم بالحيوان:
وعن سهيل بن الحنظلية قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ببعير قد لحق ظهره ببطنه ، فقال: (اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة ، وكلوها صالحة) . "المعجمة: التي لا تنطق" .
وعن عبد الله ، عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فانطلق لحاجته ، فرأينا (حُمرة) معها فرخان ، فأخذنا فرخيها ، فجاءت الحمرة ، فجعلت تُعرش ، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: من فجع هذه بولدها ؟ ردوا ولدها إليها ، ورأى قرية نمل قد أحرقناها ، فقـال: من أحرق هذه ؟ قلنا: نحن ، قال: لا ينبغي أن يُعذب بالنار إلا رب النار.
(الحمرة: طائر يشبه العصفور) ، ( تُعرش: ترفرف) .
وكان صلى الله عليه وسلم ، يُصغي للهرة الإناء ، فتشرب ثم يتوضأ ، بفضلها ، (يصغي ، يميل).
وقال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله كتب الإحسان على كل شئ ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضعاً رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته ، وهي تلحظ إليه ببصرها ، فقال: أتريد أن تميتها موتتين ؟ هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها ؟ (تلحظ: تنظر) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ( عُذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت ، فدخلت فيها النار ، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) . " خشاش الأرض: حشراتها " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق