حتى نكون من هؤلاء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
ما من مسلمٍ ومسلمة إلا ويتمنى أن يسمع كلمة تفرحه، وتزيل عنه هموم الدنيا التي أتعبته طول حياته، ويعمل في هذه الدنيا لأجل أن يسمعها.
ولكن يا تُرى هل سيسمعها ؟
وممن سيسمعها ؟!
وفي أي وقت سيسمعها ؟!
إنها كلمة من رب العالمين، كلمة سيسمعها يوم الفصل بين العباد، كلمة يطير من يسمعها فرحاً، ويتمنى المسلم أن يسمعها الناس، كما يتمنى أن تقال لكل مسلم.
إنها قوله سبحانه وتعالى: «يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ»
لا أستطيع أن أتخيل حالي وحال كل من سيسمعها ـ أسأل الله أن يجعلنا ممن تُقال لهم ـ.
ولكن !!
لابد لنا أن نعرف أوصاف من ستقال له هذه الكلمات؟
وما هي شروطها ؟ وكيف نستطيع تحقيقها ؟
الجواب:
سنجدها في الآية التي بعد الآية التي ذكرناها، وهي قوله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ».
إذاً أوصافهم أنهم آمنوا بآيات الله، أي: آمنت قلوبهم وبواطنهم لله سبحانه وتعالى، وآمنوا بآيات الله تصديقاً بها، ويكون ذلك بالعلم بمعناها والعمل بمقتضاها.
ومن أوصافهم أنهم مسلمين لله، أي: منقادين في جوارحهم وظواهرهم لشرع الله، فجمعوا بين الاتصاف بعمل الظاهر والباطن.
فيا أيها القارئ الكريم، تخيل معي هذا الموقف المخيف، تخيل يوم ينادي المنادي بين الخلائق في عرصات القيامة، «يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ» فالكل في هذه اللحظات العصيبة يتمنى أن يكون ممن تقال له هذه الكلمات، بل إن الجميع يقول نحن من عبادك، فيقال لهم «الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ»، فيفرح الذين آمنوا؛ لأنهم استحقوها بإيمانهم، وإخلاصهم، وصدقهم مع الله.
تأمل معي هذه الآيات السابقة، هل إيماننا صادق مع الله ؟ هل نحن ممن يعمل بما علم ؟ هل نحن منقادون لشرع الله في ظاهرنا وباطننا ؟
لماذا نجد في أنفسنا الضعف والتكاسل في تنفيذ أوامر الله ؟ أليس من العيب علينا أن نتصف بالإسلام ونحن مقصرين في حقوقه وواجباته ؟
لماذا إذا سمعنا نداء الصلاة ((حي على الصلاة، حي على الفلاح)) نذهب إلى الصلاة متكاسلين ... متأخرين ؟ أليس عيبٌ علينا هذا الأمر ؟
كيف يهنئ لنا بالٌ ونحن نسمع النداء ولا نذهب إلى الصلاة ؟ كيف سنواجه ربنا وهذا حالنا ؟ ماذا ستكون إجابتنا ؟ وما هي أعذرنا ؟
تأمل معي أخي الكريم قصة حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه، فهي من القصص العجيبة للصحابة وسرعة تنفيذهم لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم، فحنظلة رضي الله عنه لما سمع داعي الجهاد، أجابه وكان جنباً، ولم يعط نفسه وقتاً ليغتسل خشية أن يتأخر عن الإجابة، فقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم عندما استشهد: ((إِنَّ صَاحِبَكُمْ تَغْسِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ فَاسْأَلُوا صَاحِبَتَهُ)).
وهذا أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يقول: ((أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاَثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَصَلاَةِ الضُّحَى ، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ)). تأمل قوله: لا أدعهن حتى أموت. مع أنها من نوافل الطاعات فلله درهم من رجال أفذاذ.
ولم يكن هذا هو حال الرجال فقط بل كان نساؤهم كذلك فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ لَمَّا نَزَلَتْ {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ} خَرَجَ نِسَاءُ الأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانُ مِنَ الأَكْسِيَةِ. رواه أبو داود. فالمرأة عزها بحجابها, وأمرها الله بستر عورتها عن الناس والمرأة كلها عورة. وقد أخل كثير من نسائنا بهذا الأدب الواجب والله المستعان.
لقد كان نساء الصحابة رضي الله عنهن من أتقى النساء وأرجحهن عقلاً وفي جيل الصفوة والطهر وفي خير القرون ومع ذلك التزمن أمر الله تعالى بالحجاب ونحن في هذا الزمن المتأخر الذي كثرت فيه الفتن تخلت فيه المرأة عن حجابها وخرجت في لباس مبتذل والله المستعان.
فلماذا نرى كثيراً من بنات الإسلام في هذا الزمان ابتعدوا عن تعاليم الإسلام التي تدعوهن إلى الحشمة والتستر والعفاف ؟
فما بال هذه الجوهرة والدرة المصونة أصبحت لعبه في أيدي العابثين الطامعين !!
لماذا نرى بعض الآباء والأمهات اهتمامهم مقصورٌ على دراسة الأبناء وتعلمهم اللغات الأجنبية، وغفلوا عن تعلم القرآن الكريم واللغة العربية، وإذا حان وقت الصلاة نجد البعض لا يأمر أبنائه وبناته بالصلاة، بل تجد بعض الآباء والأمهات لا يصلون ؟!
ألم يعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر)).
أيعقل هذا الحال ؟! أيعقل أن يكون الإسلام على جانبٍ من حياتنا اليومية ؟
ولهذا لابد أن نغير من حياتنا، لابد أن نبدأ من جديد، نعاهد أنفسنا، بأن نكون مميزين، وكيف نحقق التميز؛ إلا بتمسكنا بالإسلام، وتعاليمه.
لابد أن نبدأ من الآن، وها هي يدي أضعها بيدك، لكي تساعدني وأساعدك، ونقف أمام الجميع، ونقول: بالإسلام الحقيقي نكون في المقدمة ، وبالإسلام الحقيقي يتحقق النصر، وبالإسلام الحقيقي تذهب الهموم والغموم، وبالإسلام الحقيقي نكون سعداء للأبد .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
وكتب
عبد الله بن حميد الفلاسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق