من أخبار الواثقين برب العالمين
من ثقة الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى فيما ذكر أحد مرافقيه قال: كنا في اجتماع دوري في المساء فجاء أحد العاملين في مكتب الشيخ وهمس في أذنه يبلغه رسالة عاجلة ملهوفة من بضعة دعاة في دولة أفريقية قد صدر ضدهم حكم بالإعدام شنقًا عند فجر ذلك اليوم, فتكدّر الشيخ جدّا ثم طلب مهاتفة الملك فهد يرحمه الله فتمنّع مسئولو الاتصالات الملكية بحجة عدم مناسبة الوقت للملك لأنه وقت راحته, فألح الشيخ وقال: صلوني به وأيقظوه إن كان نائمًا وإلا ذهبت إليه بنفسي, فالأمر لا يحتمل التأخير. فوصلوه به فكلّمه وعظّم حرمة دم الدعاة ووجوب نصرتهم وتحتّم تدخل الملك بنفسه فورًا عند رئيس ذلك البلد فوعد الملك خيرًا, ثم أغلق الهاتف والشيخ مشتغل بدعاء الله تعالى والضراعة إليه في فكاكهم وكشف كربتهم, وتكرار أدعية الكرب, فما هي إلا لحظات حتى هاتفه الملك بنفسه يبشره بإنجاء الله تعالى لأولئك الدعاة, فشكره الشيخ ودعا له بخير, ثم رفع يديه وهو يردد: "ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون" فلا إله إلا الله ما أعظمها من ثقة بالله ويقين وحسن ظن بمعيّته سبحانه.
وذكر أحد مرافقي الشيخ عن أحد طلبة العلم فيما يذكر عن نفسه أنه دخل على الشيخ في إنكار منكرات متهمًا الحكومة بالتقصير في إنكارها, فأغلظ للشيخ القول, والشيخ يتلطف في الخطاب ويلين له الجواب ويعده بالكتابة للمسؤولين, ثم قام الشيخ ومشى, فلمّا أدبر قال ذلك الرجل كلمة وندم عليها فقال: أم أنك يا شيخ تخاف الحكّام؟
قال: فلمّا خرجت الكلمة من فمي وعلمت أني جرحت الشيخ أُسقط في يدي فخفضت رأسي فوقف الشيخ وقال: يا فلان, خمسة من الملوك عاصرتهم ولم أضيع حق الله فيهم, ولم أداهنهم ولم أخشهم بحمد الله, والمصلح الهادي هو الله.
وحينما زار الملك خالد رحمه الله العلامة المفسر الفقيه الزاهد محمد العثيمين في منزله الطيني المتواضع قال له: اطلب ما تشاء يا شيخ محمد. ولعلك تأذن لنا بتجديد بيتك. فقال الشيخ: أما لنفسي فلا, فلي بيت أبنيه في الصالحية -يقصد قبره- فإن كان من أمرك ولابد فجدِّد جامع ابن سِعدي _وقد كان الشيخ محمد يؤم المصلين فيه حتى موته رحمه الله_ وابنِ للطلاب المنقطعين لطلب العلم سكنًا يكون كالرباط لهم. فنظر الملك لأحد مرافقيه ممن كانوا يُغمزون فقال: إيهٍ يا فلان, هؤلاء هم مشايخ الآخرة!
إن الثقة بالله هي اتكاء إلى جدار عظيم, واستنادٌ إلى ركن شديد, والسعيد من جاوز بثقته طباق السماوات ووصل بها بين عالمي الغيب والشهادة, فصار يرى بحسن ظنه وعظيم ثقته بوعد ربه ما لا يراه المتزعزعون.
إبراهيم الدميجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق