الاثنين، 17 مارس 2014

عقيدة الحلول والاتحاد : قاسم مشترك بين أهل الزيغ والفساد

عقيدة الحلول والاتحاد : قاسم مشترك بين أهل الزيغ والفساد
19-10-2013  |  د. عامر الهوشان
ومن العقائد الباطلة الموجودة عند معظم المذاهب الفكرية الهدامة القديمة و المعاصرة, عقيدة الحلول والاتحاد, فالنصارى يقولون بحلول اللاهوت في الناسوت, أي حلول الذات الإلهية في جسد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام, واليهود يقولون بالحلول الإلهي في إسرائيل وفي شعبه المختار وأحيانا في الأرض المقدسة التي يدعون أن الله تعالى وعدهم بها (فلسطين).


من الملاحظات التي تثير الانتباه وتدفع المرء إلى مزيد من البحث والدراسة, التوافق والتطابق الكبير والخطير بين أصحاب الملل والمذاهب الباطلة, في كثير من المسائل العقدية الجوهرية, التي تؤكد بدورها على صدق المقولة المعروفة في الإسلام بأن ملة الكفر واحدة, وأن مصدر الباطل واحد مهما تغيرت أسماء تلك الفرق وتبدلت ألقابها.
ومن العقائد الباطلة الموجودة عند معظم المذاهب الفكرية الهدامة القديمة و المعاصرة, عقيدة الحلول والاتحاد, فالنصارى يقولون بحلول اللاهوت في الناسوت, أي حلول الذات الإلهية في جسد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام, واليهود يقولون بالحلول الإلهي في إسرائيل وفي شعبه المختار وأحيانا في الأرض المقدسة التي يدعون أن الله تعالى وعدهم بها (فلسطين).
ولم يقتصر الأمر على اليهود والنصارى, فالشيعة الرافضة يقولون بحلول الإله في علي رضي الله عنه كالسبئية, أو في الأئمة الاثني عشرية من بعده, وبعضهم يقول بحلوله بجعفر الصادق كالخطابية, وكذلك قول الدروز بحلول الله تعالى في شخص الحاكم, وبعض الصوفية يقولون بالحلول والاتحاد بين الله تعالى ومخلوقاته جميعا, بصيغة يسمونها وحدة الوجود, وهكذا فعقيدة الحلول والاتحاد عقيدة باطلة منتشرة في كثير من الملل والنحل والمذاهب.
وبداية لا بد من تعريف هذه المصطلحات المتداخلة المتشابكة, وهي الاتحاد والحلول ووحدة الوجود, لوضع بعض الخطوط الفاصلة بين كل مصطلح عن الآخر, ليكون الكلام علميا والنقد منهجيا.
فالاتحاد في اللغة: أن يصبح الواحد متعددا، مصدر من اتَّحَد يَتَّحِد، يُقال: اتحد الشيئان أو الأشياء، أي صارت شيئا واحدا, وفي الاصطلاح: تصيير الذاتين واحدة، وذلك بامتزاج الشيئين واختلاطهما حتى يصيرا شيئا واحدا لا يتمايز أحدهما عن الآخر, وذلك كلختلاط اللبن بالماء.
وأما الحلول فهو في اللغة: النزول، مصدر حلَّ يحُلُّ: إذا نزل بالمكان, واصطلاحا: نزول الذات الإلهية في الذات البشرية، ودخولها فيها، فيكون المخلوق ظرفاً للخالق بزعمهم.(1)
وأما وحدة الوجود فهو مذهب فلسفي صوفي يوحد بين الله والعالم, ولا يقر إلا بوجود واحد هو الله, وكل ما عداه أعراض وتعيينات له, وبصورة أخرى فليس في الوجود إلا واحد هو الله, وكل ما يرى إنما هو أجزاء منه تتعين بأشكال مختلفة, وقد أوضح ابن تيمية معنى كلام الصوفية بأن وجود الأعيان نفس وجود الحق وعينه.(2)
ومع بعض الاختلاف في تعريف الحلول عن الاتحاد أو وحدة الوجود, من حيث كون الاتحاد امتزاج كامل وتام دون تمايز واختلاف, بينما الحلول نزول مع بقاء التمايز بين الماهيتين, إلا أن النتيجة والمحصلة بالنهاية واحدة, وهي انتقاص الذات الإلهية, وجعل الخالق مشابها للمخلوق, بل وتقديس المخلوق ورفعه إلى درجة الإله والخالق سبحانه وتعالى.
إن تاريخ القول بالحلول قديم قدم التاريخ, وجذوره لا تقف عند زمن معين, فقد عرفت الديانات المجوسية الفارسية, والهندية بأديانها التي لا تعد ولا تحصى, واليهودية والنصرانية والشيعية الحلول والاتحاد بصور متفاوتة وأشكال مختلفة, الأمر الذي يؤكد توارث الباطل لعقائده وأفكاره.
وقبل إبداء الملاحظات والتعليقات الهامة على هذا التوافق والتطابق المشبوه والمريب بين الفرق والمذاهب والأديان الباطلة, لا بد من لمحة سريعة لمعنى الحلول والاتحاد عند أهم ثلاث فرق منها, ألا وهي اليهود والنصارى والشيعة.
الحلول والاتحاد عند اليهود
تأخذ الحلولية عند اليهود أبعادا كثيرة, فمفهوم الإله عند اليهود في الأصل مفهوم مضطرب, فالإله كائن يتصف بصفات البشر, فهو يأكل ويشرب ويتعب ويستريح ويضحك ويبكي، غضوب متعطش للدماء، يحب ويبغض، ويحس بالندم ووخز الضمير (خروج 32/10 ـ 14)، وينسى ويتذكر (خروج 2/23 ـ 24)، وهو ليس عالماً بكل شيء، ولذا فهو يطلب من أعضاء جماعة إسرائيل أن يرشدوه, بأن يصبغوا أبواب بيوتهم بالدم حتى لا يهلكهم مع أعدائهم من المصريين عن طريق الخطأ (خروج 12/13 ـ 14).
وتظهر الحلولية الإلهية المعقدة عند اليهود في أفكار الشعب المختار الذي حل الإله به, وفي أرض الميعاد التي تصبح مختارة ومقدسة تماما كالشعب, ليظهر الثالوث المقدس المتحد عند اليهود (الإله والشعب والأرض).(3)
الحلول والاتحاد عند النصارى
ونجد القول بالاتحاد عند النصارى واضح وصريح, حين زعموا اتحاد الناسوت باللاهوت في شخص عيسى عليه السلام, وهي مسألة مشهورة ومن صميم عقائد الديانة النصرانية وأُسسها، وهي من أوائل ضلالاتهم وانحرفاتهم.
فقد زعمت فرقة الملكانية أن الكلمة اتحدت بجسد المسيح وتدرعت بناسوته، وقال بعضهم: إن الكلمة مازجت جسد المسيح كما يمازج الماء اللبن, وزعمت النسطورية أن الآب تجسد واتحد بجسد المسيح حين ولد, ولكنه ليس اتحادا كاملا بل مأولا, حيث يعتقد نسطور أن اتحاد اللاهوت بعيسى الإنسان ليس اتحادا حقيقيا، بل ساعده فقط، وفسر الحلول الإلهي بعيسى على المجاز, أي حلول الأخلاق والتأييد والنصرة, كما قالت اليعاقبة بحلول الله سبحانه في جسد المسيح عليه السلام.(4)
ومن النصوص التي استدل بها النصارى على الحلول الإلهي بالمسيح قوله: (لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب في وأنا فيه) يوحنا 38/10, وفي موضع آخر: (الذي رآني فقد رأى الآب ... الآب حال في) يوحنا 9/14- 10, وقوله: ( أنا والآب واحد ) يوحنا 30/10.
الحلول والاتحاد عند الشيعة الرافضة
يعتقد الشيعة الاثني عشرية بأن جزءا من النور الإلهي قد حل بعلي رضي الله عنه, كما نقل ذلك إمامهم الكليني في أصول الكافي: (قال أبو عبد الله: ثم مسنا بيمينه فأفضى نوره فينا) وقال أيضا: (ولكن الله خلطنا بنفسه).
ولم يكتف الشيعة الرافضة بالقول بالحلول بعلي رضي الله عنه, بل غالوا بأئمتهم حتى أوصلوهم إلى درجة الألوهية والعياذ بالله, فقد نقل الكليني في الأصول عن الرضا عليه السلام (أن رجلا قال له: ادع الله لي ولأهل بيتي, فقال: أولست أفعل؟ والله إن أعمالكم لتعرض علي في كل يوم وليلة)
والأمثلة على ذلك كثيرة من كتبهم لا يمكن حصرها, ويكفي أن يطلع أحدنا على فهرس مراجعهم المعتمدة, ليكتشف الغلو الشديد بأئمتهم, ففي فهرس الكافي مثلا: باب: أن الأئمة ولاة أمر الله وخزنة علمه, وأن الأئمة نور الله عزوجل, وأنهم يعلمون ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء.........الخ.(5)
 وبعد هذا الاستعراض للحلول والاتحاد عند كل من اليهود والنصارى والشيعة الرافضة, يمكن أن نستخلص أهم الملاحظات والتعليقات.
أهم الملاحظات والتعليقات في موضوع الحلول والاتحاد وهي:
1- إن توافق الفرق الثلاث على الأخذ بفكرة الحلول والاتحاد يؤكد أنها تستمد من بعضها البعض, وطبقا للتسلسل التاريخي المنطقي يمكن القول: إن اليهود أخذوا فكرة الحلول والاتحاد من الوثنيات القديمة, الفرعونية وغير الفرعونية, خاصة إذا علمنا أن اليهود لم يستطيعوا التخلص من فكرة حلول الإله بشخص (كفرعون), حتى إنهم وبعد أن نجاهم الله تعالى من جيش فرعون بمعجزة شق البحر, طلبوا من موسى عليه السلام أن يجعل لهم آلهة فور نجاتهم وخروجهم إلى البر, عندما شاهدوا قوما يعكفون على أصنام لهم, كما ورد في القرآن الكريم, قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} الأعراف/138 .
2- يمكن القول بأن النصارى استمدوا فكرة الحلول من اليهود, خاصة إذا علمنا دور اليهود القوي والمؤثر والفاعل في تحريف الديانة النصرانية, وفي إخراجها عن عقيدة التوحيد التي جاء بها عيسى عليه السلام, عن طريق بولس اليهودي وغيره.
3- يمكن القول أيضا بأن الشيعة الرافضة استمدوا فكرة الحلول من أجدادهم المجوس الذين كانوا يعتقدون بأن الله حل في ملوكهم, وقد كانوا يضفون عليه هالة من القداسة تحولت فيما بعد إلى أئمتهم الاثني عشر.
4- لا يمكن إغفال دور اليهود أيضا في تسلل الحلول إلى الرافضة الشيعة, فهم بذرة الفساد وأساسه, ولا يخفى ما كان لعبد الله بن سبأ اليهودي من دور كبير في إضفاء صفة الوصي لعلي رضي الله عنه, ثم وصل به الغلو إلى وصفه بالإله, في محاولة منه لإفساد عقيدة التوحيد عند المسلمين, كما فعل بولس بعقيدة النصارى.
فقد ذكر ابن أبي الحديد رواية في (شرح نهج البلاغة 5/ 5) تؤكد ذلك بقوله: (قال ابن سبأ للإمام وهو يخطب: أنت أنت، وجعلها يكررها، فقال الإمام: ويلك من أنا؟؟!! فقال ابن سبأ: أنت الله، فأمر بأخذه).
ويذكر الكليني في الكافي رواية عن أبي عبد الله في باب ولادة النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى قال: (يا محمد! إني خلقتك وعليا قبل أن أخلق سماواتي وأرضي وعرشي وبحري، ثم جمعت روحيكما واحدة، ثم قسمتها ثنتين، وقسمت الثنتين ثنتين فصارت أربعة، محمد وعلي والحسن والحسين).
5- مع أن الكفر واحد لا يتجزأ و ليس فيه سيء  وأسوأ, ومع كون الحلول والاتحاد أشد أنواع الكفر بصريح نص القرآن الكريم {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} المائدة/73-76, إلا أننا إذا أردنا -نظريا– التفريق بين السيء والأسوأ, فإن أسوأ أنواع الحلول والاتحاد هو عند اليهود يليهم الشيعة الرافضة ثم النصارى.
فاليهود قالوا بالحلول الإلهي بالشعب اليهودي بأكمله, فهم يرون أن اليهود شعب الله المختار, بل إن الله قد حل بهذا الشعب, وهو ما يعني أن كل يهودي فيه مسحة وشيء من القدسية والألوهية.
والشيعة الرافضة قالوا بحلول الإله في علي وفي الأئمة من بعده, فهم أتباع الأئمة والمنقادون لهم, فلهم شيء من القداسة وإن لم تكن فيهم مباشرة, فأشبهوا بذلك اليهود.
أما النصارى فهم الأقل سوءا, نظرا لأنهم جعلوا الحلول في شخص نبي الله عيسى عليه السلام, ولا يتعدى إلى أي نصراني أو مسيحي غيره.
6- إن فكرة الحلول والاتحاد تظهر تعلق الإنسان بتقديس الأشخاص وتأليههم, الأمر الذي جاء الإسلام لإبطاله وإلغائه, حتى يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد, إلا أن بقايا الوثنية ما زالت حتى الآن, ونحن في القرن الواحد والعشرين, قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} المائدة/114- 118
7- لا ينحصر شر تبني عقيدة الحلول والاتحاد على الفكر والاعتقاد فحسب, بل يتعداه إلى كثير من الكوارث والحروب والدماء التي تسفك وتراق اليوم بسبب هذه العقيدة.
فقد اغتصب اليهود فلسطين بناء على هذه العقيدة, وقتلوا الشعب الفلسطيني المسلم بدافع من تلك العقيدة, وما يفعله الشيعة الرافضة اليوم في كل من العراق وسوريا لا يخرج عن هذا الإطار, وتحالف النصارى واليهود والرافضة اليوم ضد الإسلام والمسلمين, والذي يرتكز على الرؤى والنبوءات الباطلة عن آخر الزمان, وتعاليم الدين التي تصدر غالبا عن بشر مثلنا, ادعت لنفسها القداسة, وكأن الإله قد حل بها أو اتحد -والعياذ بالله- تؤكد النتائج الدموية لهذه العقيدة والفكرة.
إن استعراض أمثال هذه العقائد الباطلة وأثرها على الناس أفرادا وأمما, يزيد المسلم يقينا بمنهج الله تعالى ودينه الإسلام, ويزيده يقينا بوجوب نشره في كل أنحاء الأرض ليعم الأمن والأمان والاطمئنان, وإلا فكما أن قانون الفيزياء المادية يؤكد أنه لا يوجد في الكون فراغ, فالمكان الفارغ يملأه الهواء, فكذلك الحال في قانون الأفكار والمعتقدات, فإن لم يعمل أهل الحق على نشر ما يعتقدون به, فإن أهل الباطل سيملؤون الفراغ أينما وجد, بل إنهم يزاحمون أهل الحق في أماكن نفوذهم, فماذا هم فاعلون؟؟!!
===================
الفهارس
(1) التعريفات للجرجاني 6 و 22
(2) مجموع الفتاوى 2/160, الموسوعة العربية الميسرة 2/1945 
(3) موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية للمسيري  13/146  
(4) الله واحد أم ثلاثة منقذ بن محمود السقار 1/156 الملل والنحل للشهرستاني 1/222  
(5) أصول الكافي للكليني (1/219- 440 )
 

الكرامات بين أهل السنة ومخالفيهم

الكرامات بين أهل السنة ومخالفيهم
14-11-2013  |  مركز التأصيل للدراسات والبحوث
يصطفي الله من عبادة الصلحاء فينعم عليهم ويغدق عليهم من إحسانه وفضله، وهذا الإحسان وذلك الفضل يسمى بالكرامة، وهذه الكرامة قد تحصل في أمر دنيوي وقد تحصل في أمر أخروي



يصطفي الله من عبادة الصلحاء فينعم عليهم ويغدق عليهم من إحسانه وفضله، وهذا الإحسان وذلك الفضل يسمى بالكرامة، وهذه الكرامة قد تحصل في أمر دنيوي وقد تحصل في أمر أخروي، فمن أمثلة الكرامات التي تخص آخرة العبد ودينه، إعانة الله للعبد على تقواه في الحياة الدنيا؛ بتدبر القرآن، وقيام الليل، والصيام، والمحافظة على الصلاة والنفل إلى غير ذلك من الأمور. وقد تتعلق الكرامة بأمر دنيوي، فيقضي الله لعبده حوائجه الدنيوية وييسر أمره. ولا شك أن الكرامة في أمور الدين أفضل منها في أمور الدنيا.
فما الكرامة؟ وهل هناك فرق بينها وبين المعجزة؟ وما هي شروطها وشروط من يأتي بها؟
هذه الأسئلة وغيرها ستكون محور هذا التقرير الخاص ببيان معتقد أهل السنة في كرامات الأولياء، والفارق بينهم وبين مخالفيهم في هذا الأمر.
- الكرامة في اللغة والاصطلاح:
الكرامة في اللغة: الكرم ضد اللؤم، والكريم من صفات الله عز وجل، والكرامة في اللغة يراد بها كل نعمه ينعم بها الله عز وجل على أحد من خلقه(1).
أما الكرامة في الاصطلاح: فهي أمر خارج للعادة يظهر الله عز وجل على أيدي أوليائه.
يقول البغدادي: اعلم أن المعجزات والكرامات متساوية في كونها ناقضة للعادات(2).
وقال السفاريني: الكرامة وهي أمر خارق للعادة غير مقرون بدعوى النبوة ولا هو مقدمة يظهر على يد عبد ظاهر الصلاح علم بها ذلك العبد الصالح أم لم يعلم(3).
- الفرق بين المعجزة والكرامة:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في التفريق بين الكرامة والمعجزة: "وإن كان اسم المعجزة يعم كل خارق للعادة في اللغة، وعرف الأئمة المتقدمين كالإمام أحمد بن حنبل وغيره، ويسمونها: الآيات، لكن كثيرا من المتأخرين يفرق في اللفظ بينهما فيجعل المعجزة للنبي والكرامة للولي، وجماعهما الأمر الخارق للعادة"(4).
فالمعجزة أمر خارق للعادة يظهره الله على يد النبي تأييدا لنبوته(5). أو هي أمر خارق للعادة، داعية إلى الخير والسعادة، مقرونة بدعوى النبوة، قصد به إظهار من ادعى أنه رسول الله(6)، أما الكرامة فهي الأمر الخارق للعادة غير المقرون بالتحدي ودعوى النبوة، يظهره الله على أيدي أوليائه(7).
- وقد انقسم الناس حيال مسألة الكرامات إلى ثلاثة أقسام(8):
الأول: مغال فيها مثبت لكل خارق، فكل ما صدر من أي عبد؛ صالحاً كان أو طالحاً وفيه نوع غرابة عدوه من قبيل الكرامات التي تدل على قربه من الله؛ وأنه من المصطفين؛ فأدخلوا السحرة والكهان والعرافين والدجالين من ضمن الأولياء؛ وأغلب هؤلاء من غلاة التصوف وأرباب الطرق.
الثاني: الجفاة عن نصوص الوحي ودلائلها الدالة على وقوع الكرامة للمؤمنين، ونفوا وقوعها وزعموا أن الخوارق لو جاز ظهورها من الأولياء لالتبس النبي بغيره إذ فرق ما بينهما -عندهم- إنما هو المعجزة، وبنوا على ذلك أنه لا يجوز ظهور خارق إلا لنبي، وممن ذهب إلى هذا القول المعتزلة قديماً ومن تأثر بهمحديثاً.
الثالث: أهل السنة الذين أثبتوا الكرامات، لكن لا على وجه الإطلاق، فقيدوها بما قيدته النصوص الشرعية، ووَفقِ الأدلةِ دون غلو أو جفاء أو إفراط أو تفريط، فكانوا أسعد بالوسط الذي هو العدل الخيار، وهدوا إلى الصراط المستقيم.
- وعليه فلإثبات صحة الكرامة شروط عدة تتلخص في الآتي(9):
1- كون صاحبها مؤمنا بربه مصدقا بوعده ووعيده، مؤتمرا بأمره متقيا لنهيه كما وصفهم الحق جل وعلا بقوله: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّـهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(10)، مؤديا ما فرض الله عليه من الفرائض والواجبات مجتنباً ما نهى عنه من المآثم والمحرمات حتى يسمو به لفعل المستحبات، وترك المكروهات، فيتحقق بذلك الولاية، ويلازمه الأمن والهداية، ويجانبه الخوف والخواية.
2- ألا يزكي نفسه بالولاية، فدعوى الولاية من علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه، فلا يعلمه أحد إلا بعد إعلامه تعالى له وكذا تزكية الإنسان نفسه منهي عنه.
3- ألا تخالف ما جاء به الكتاب والسنة وسار عليه سلف الأمة، كما يمثل لبعضهم في المنام أو في اليقظة شخص في صورة نبي أو صالح أو ملك يحرم الحلال ويبيح الحرام ويحث على ارتكاب الجرائم والآثام ومصاحبة السفهاء واللئام.
4- أن يكون حريصا على كتمانها مستكتماً ما جرى له فيها. فإذا أمن الفتنة واقتضت المصلحة إفشائها فلا بأس بالتحدث عنها أو إعلانها كما حصل ذلك من بعض السلف رحمهم الله تعالى.
5- ألا تتسبب في ترك شيء من المأمور، أو ارتكاب شيء من المحظور، لا سيما والكرامة لا يتحصل عليها العبد إلا بطاعته لله ورسوله ظاهراً وباطناً، فلا تخالف ما كان سبباً لوجوده، وذلك كالذي يحمله جني إلى عرفه ليلة عرفه ثم يحج مع الناس ثم يرده إلى أهله من غير إحرام ولا ميقات، فهذه ليست بكرامة بل هي مكر وخداع واستدراج من الجني الكافر للجاهل الفاجر.
أمثلة لكرامات الصالحين:
الكرامات أو المعجزات لغير الأنبياء كثيرة جدا، وهي دائمة الحدوث، فهي غير مرتبطة بزمن معين، أو بمن ينزل عليه وحي، ومن أمثلة ذلك قول عمر في قصة سارية، وأخبار أبي بكر بأن ببطن زوجته أنثى، وإخبار عمرو بمن يخرج من ولده فيكون عادلا، وقصة صاحب موسى في علمه بحال الغلام، فهذه الكرامات من "باب الكشف والعلم".
والكرامات في "القدرة" مثل قصة الذي عنده علم من الكتاب، وقصة أهل الكهف، وقصة مريم، وقصة خالد بن الوليد (عندما شرب السم ولم يضره)، وقصة سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأسد الذي مشى معه، وقصة أبي مسلم الخولاني (عندما ألقي في النار فلم تضره)(11).
- أمثلة لما يظن أنه كرامة وليس بكرامة وإنما من عمل الشيطان:
- ذكرها ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة عن القطب الكبير عبد القادر الجيلاني أنه قال: "خرجت في بعض سياحاتي إلى البرية ومكثت أيامًا لا أجد ماء، فاشتد بي العطش فأظلتني سحابة، ونزل عليِّ منها شيء يشبه الندى. فترويت به. ثم رأيت نورًا أضاء به الأفق، وبدت لي صورة، ونوديت منها: يا عبد القادر أنا ربك، وقد أحللت لك المحرمات- أو قال: ما حرمت على غيرك- فقلت: أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم. اخسأ يا لعين، فإذا ذلك النور ظلام، وتلك الصورة دخان، ثم خاطبني، وقال: يا عبد القادر، نجوت مني بعلمك بحكم ربك وفقهك في أحوال منازلاتك. ولقد أضللت بمثل هذه الواقعة سبعين من أهل الطريق. فقلت: لربي الفضل والمنة. قال: فقيل لـه: كيف علمت أنه شيطان. قال: بقولـه: وقد أحللت لك المحرمات"(12).
- قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: "سمعت شيخنا الإمام أبا محمد عبد المعطي بثغر الإسكندرية يقول: إن شيطانا يقال له البيضاوي يتمثل للفقراء المواصلين في الصيام فإذا استحكم منهم الجوع وأضر بأدمغتهم يكشف لهم عن ضياء ونور حتى يملأ عليهم البيوت فيظنون أنهم قد وصلوا وأن ذلك من الله وليس كما ظنوا"(13).
ــــــــــــــ
الهوامش:
(1) ينظر لسان العرب لابن منظور- مادة: (كرم).
(2) أصول الدين للبغدادي: (ص:174).
(3) لوامع الأنوار البهية للسفاريني: (2/392).
(4) الفتاوى الكبرى لابن تيمية: (1/58).
(5) المعجم الوسيط: (2/591).
(6) لتعريفات للجرجاني: (ص:219).
(7) المعجم الوسيط: (2/790).
(8) مقدمة كتاب الإنصاف في حقيقة الأولياء ومالهم من الكرامات والألطاف للصنعاني، المقدمة بقلم: عبد الرزاق البدر: (ص:6-7).
(9) كرامات الأولياء- لأبي الفداء عبد الرقيب الإربي: (ص:10-16)
(10) سورة يونس: (62-64).
(11) قاعدة في المعجزات والكرامات لابن تيمية: (ص:21).
(12) ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: (ص:120).
(13) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: (10/422).
 
أعلى الصفحة
HTML حفظ كصفحة

التبَرُّك المنحرِف.. بَواعِثه ومظاهره أكرم مبارك عصبان



أكرم مبارك عصبان **

إنَّ مِن أهمِّ بواعثِ الانحراف في كثير من المفاهيم يعودُ إلى وجود اللَّبْسِ في المعنى، فيركب المبطلون إجمالَ اللفظ ابتغاءَ تمريرِ معناه المنحرف، وتلبيساً على الأمة التي تقبله بمعناه الصحيح، ويُثمر هذا اللبسُ كتمانَ الحق، وقد حذر القرآن من هذا المسلك؛ قال تعالى: {وَلا تَلْبِسُوا الْـحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْـحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42]، وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْـحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْـحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: 71].
فالتوسُّلُ والتبَرُّك وزيارة القبور والزهد مثلاً يستغلها أهل الباطل ويلبسون شركهم في مضامينها، وقد احتوت على معنى شرعيٍّ وآخرَ بِدْعيٍّ وثالثٍ شِرْكيٍّ، فيطلقونها ويقصدون بها المعنى المنحرف، ويلبسون عليه ثوب الأدلة للمعنى الصحيح، فيقع الناس في أمر مَرِيج، وهكذا دخل أهل الباطل على العامة، وساغت مفاهيمهم؛ إذ لو أظهروا قصدهم لنكِرَهم الناس؛ فإنه لا يرضى الوقوعَ في الشرك أحدٌ إلا أن يشاء الله؛ فيعمدون إلى هذا المكر.
ومن الخلط البيِّنِ هنا ما يقع في مفهوم التبَرُّك الذي نريد أن نُزيلَ الإشكال على الانحراف الذي دخل عليه، ونسُدُّ الذرائع المُفضِية إلى الشرك بالله - عز وجل - تحت هذا المسمَّى، وهو بريء من لَوْثته.
وقبل أن نفيض في الحديث عن المعنى المنحرف يجدُر بنا أن نوضح معناه وقسمه الصحيح الذي تؤازره النصوص، حتى لا نضاهيَ سبيل الغالطين الذين إن رأوا الوجه القبيح من الشيء ردُّوه كلَّه، فتصيبهم مَعَرَّةٌ بغير علم، ويطيب لأهل الباطل في نقدهم، إذ إنهم حين ردوه برمته ردوا المعنى الصحيح الذي يحتويه، وهذا سبيل من يُبادِر في الإنكار، ويفارق الإنصاف، كما هو الحال في الألفاظ المجملة.
فالتبَرُّك هو طلبُ البركة، وطلب البَرَكَة لا يخلو من أمرَيْن: إمَّا أن يكون التبَرُّك بأمر شرعي معلوم دلَّتْ عليه النصوص، مثل: القرآن، قال الله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام: 92]، وصُوَرُ بركته كثيرة؛ وإما أن يكون التبَرُّك بأمر غير مشروع، كالتبَرُّك بالأشجار والأحجار والقبور والقباب والبقاع ونحو ذلك، مما نبين حقيقته، من خلال هذه المحاور، لكن نذكر أولاً أهمَّ البواعث للوقوع في التبَرُّك المنحرف، وهي:
ـ الخلطُ المتعمَّد بينه وبين المشروع كما سبق.
ـ تبنِّي أهل الغلبة لترويجه، الذين لا يلوون على النصوص، وإنما يفعلون ما أُشرِبَتْه قلوبُهم من كل شُبهة.
ـ الجهل بدين الله، فلا يرى الجهَلة بأساً من مُضاهَاةِ المشركين.
ـ الفتنة بما يحصل من صلاحٍ أو خيرٍ للمتبَرُّك به، فيرتكس مَن لا حظَّ له من الحق في عبادة غير الله باسم التبَرُّك.
ـ الشَّهْوة الخفية من الجاهِ والمال الذي يتحصَّل به بعض من يحافظ على هذا التبَرُّك المنحرف.
وبعد ذكر هذه الدواعي، نأتي إلى وجودها في المظاهر عبر المعالم التالية:
أولاً: القرآن يسد الذرائع:
من التبَرُّك الممنوع ما رآه الغالبون على الأمر في شأن أصحاب الكهف، حيث بنَوْا عليهم مسجداً، قال تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً} [الكهف: 21]، وهذا فيه دلالة على الخطوات التي تقود إلى مثل هذا اللون من التبَرُّك الممنوع، وهو كون أصحاب الكهف صالحين قد ظهرت لهم كرامة وآية ظاهرة جَعَلت فئةً من الناس تبتدع هذه البدعة.
وفي تفسير ابنِ كثير عند قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً} قال: (حَكَى ابْنُ جَرِيرٍ فِي الْقَائِلِينَ ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ. وَالثَّانِي: أَهْلُ الشِّرْكِ مِنْهُمْ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ هُمْ أَصْحَابُ الْكَلِمَةِ وَالنُّفُوذِ. وَلَكِنْ هَلْ هُمْ مَحْمُودُونَ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ»[1] يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، أَنَّهُ لَمَّا وَجَدَ قَبْرَ دَانْيَالَ فِي زَمَانِهِ بِالْعِرَاقِ، أَمَرَ أَنْ يُخْفَى عَنِ النَّاسِ، وَأَنْ تُدْفَنَ تِلْكَ الرُّقْعَةُ الَّتِي وَجَدُوهَا عِنْدَهُ، فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْمَلَاحِمِ وَغَيْرِهَا)[2].
وقال الحافظ ابنُ رجب في فتح الباري في شرح البخاري عند حديث: (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ): (وقد دلَّ القرآن على مثل ما دلَّ عليه هذا الحديث، وهو قول الله عز وجل في قصة أصحاب الكهف: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً}، فجعل اتخاذ القبور على المساجد من فعل أهل الغَلَبة على الأمور، وذلك يُشعِرُ بأن مستنده القهر والغلبة واتباع الهوى، وأنه ليس من فعل أهل العلم والفضل المنتصِر لما أنزل الله على رسله من الهُدى)[3].
فمن البواعث على رَواج التبَرُّك المنحرف قيامُ أهل الغلبة والملك على العناية به، وهكذا ترى أن الذي يتولى هذه المخالفات هو ممن لا حظَّ لهم من العلم والهدى، وإنما هو اتباع الهوى، لأن هذا البناء يُفضي إلى تعظيم المقبورين، والافتتان بهم، وصَرْفِ العبادة إليهم، كل ذلك باسم التبَرُّك بهم، وقد قال النووي في شرح مسلم: (قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ اتِّخَاذِ قَبْرِهِ وَقَبْرِ غَيْرِهِ مَسْجِداً خَوْفاً مِنَ المُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِهِ وَالِافْتِتَانِ بِهِ فَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إِلَى الْكُفْرِ كَمَا جَرَى لِكَثِيرٍ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ)[4].
وصيانةً لجَناب التوحيد تأتي تَعْمِيَةُ قبر دانيال التي أشار إليها ابنُ كثير آنفاً؛ لئلا يَفتَتِن به الناسُ بحجة التبَرُّك بقبره، وقد وجدوه ميتاً كما قال أبو العالية: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة، فلما كان بالليل دفناه وسوينا القبور كلها لنعمِّيَه على الناس؛ لا ينبشونه[5].
والحقُّ أبلج، لكن أمراً قد بدا للغالبين في إضلال العامة، فيحجبون نور الحق، ويُرْدُون أتباعَهم في المهاوي؛ فلا يسمعون لوعظ النصوص كما قال الأول:
كأنّي أُنادي صخرةً حين أعرضتْ ** من الصُّمِّ لو تمشي بها العصمُ زلَّتِ
ثانياً: السنة والنكير على التبَرُّك الشركي:
لقد كان للمشركين سِدْرةٌ يتبَرُّكون بها، ويعلِّقون أسلحتهم عليها؛ رجاءَ النصر على أعدائهم، فعن أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حُنينٍ ونحن حديثو عَهْدٍ بكفر وللمشركين سِدْرةٌ يعكفون حولها ويَنُوطون بها أسلحتهم يقال لها: ذاتُ أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يَا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الله أكبر، هذا كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: {اجْعَل لَّنَا إلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ 138} [الأعراف: 138]، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ)[6].
فهؤلاء بعض مُسلِمَةِ الفتح ممن لم يَفْقَهْ في الإسلام أراد أن يَنُوطَ السلاح بسدرةٍ تبَرُّكاً كما للمشركين نظيرها، فتعجَّب عليه الصلاة والسلام من هذا الجهل بالإسلام في مفهوم التبَرُّك المنحرف، وأنه مضاهاة للمشركين.
والعلة دائرةٌ مع معلولها فحيثما وُجِدَ هذا النوع من التبَرُّك بالقبور أو الأشجار أو الأحجار أو العيون التي ينوطون بها حاجاتِهم؛ وُجِدَ النكيرُ على أصحابه، وعلى هذه الجادَّةِ مشَى كوكبة من الأعلام في الاستدلال بهذا النص نذكر أقوالهم على النحو التالي:
ـ قال الإمام أبو بكر الطُّرْطُوشِيُّ: انظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس، ويعظِّمونها، ويرجون البُرْءَ والشفاء من قِبَلِها، ويضربون بها المسامير والخرق؛ فهي ذاتُ أنواطٍ فاقطعوها[7].
ـ وقال الحافظ أبو شامة: ومن هذا القسم أيضاً ما قد عَمَّ به الابتلاء من تزيين الشيطان للعامة تخليقَ الحيطان والعمد، وسرج مواضع مخصوصة من كل بلد يَحكِي لهم حاكٍ أنه رأى في منامه بها أحداً ممن شُهِرَ بالصلاح والولاية، فيفعلون ذلك، ويحافظون عليه، مع تضييعهم فرائضَ الله وسننَه، ويظنون أنهم متقرِّبون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم، فيعظِّمونها ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنَّذْر لها، وهي من بين عيون وشجر وحائط وحجر[8].
ـ وقال العلامة ابنُ القيم: فإذا كان اتخاذُ هذه الشجرة لتعليق الأسلحة والعُكوف حولها اتخاذَ إلهٍ مع الله تعالى مع أنهم لا يعبدونها، ولا يسألونها؛ فما الظنُّ بالعكوف حول القبر والدعاء به ودعائه والدعاء عنده؟ فأيُّ نسبةٍ للفتنة بشجرة إلى الفتنة بالقبر لو كان أهل الشرك والبدعة يعلمون!
ومَن له خبرةٌ بما بعَثَ الله تعالى به رسولَه وبما عليه أهل الشرك والبدع اليوم في هذا الباب وغيره؛ علِمَ أن بين السَّلَف وبين هؤلاء الخلوف من البُعد أبعدَ مما بين المشرق والمغرب، وأنهم على شيء والسَّلَف على شيء كما قيل:
سارَتْ مشرِّقَةً وسرتُ مغرِّباً ** شتانَ بينَ مُشَرِّقٍ ومغرِّبِ[9]
وهكذا نجد أنَّ مَن تأمَّل سيرة السلف التي تعكس التربية الصحيحة، رأى البَوْن الشاسع بينهم وبين من لم يُبالِ بمَوَاطِنِ الرِّيبة غروراً بنفسه؛ فأقام المشاهد والقِباب والتوابيت والزيارات، وأدام العكوف عند ساكنيها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثالثاً: موقف الصحابة من التبَرُّك بشجرة الحُدَيْبِيَةِ:
لقد شهدت شجرةٌ بالحُدَيْبِيَة بيعة الرضوان، وذكرها القرآن؛ قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْـمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]، وكان الصحابة يعرِفونها حين يمرُّون بها في طريقهم للحج، وقد خُفِيت هذه الشجرة بعد ذلك، ووصف ابن عمر رضي الله عنهما حادثة خفائها بقوله: (كانت رحمةً من الله)، قال الحافظ ابنُ حجر: (وبيان الحكمة فِي ذَلِك وهو أَن لا يحصل بِهَا افتِتان لِما وَقع تحتها مِن الخير، فَلو بَقِيت لَما أُمِنَ تعظِيم بعض الجهال لَها، حتى ربما أَفضى بِهِم إلى اعتِقَاد أَن لَها قوةَ نفعٍ أَو ضُرٍّ كما نراه الآن مُشَاهَداً فِيمَا هو دونها)[10].
وقد روى البخاري في صحيحه عن ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عنهما قال: (رَجَعْنَا مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فَمَا اجْتَمَعَ مِنَّا اثْنَانِ عَلَى الشَّجَرَةِ الَّتِي بَايَعْنَا تَحْتَهَا، كَانَتْ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ)[11].
وروى البخاري أيضاً عن طَارِقِ بن عبد الرحمن قال: (انْطَلَقْتُ حَاجّاً، فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ، قُلْتُ: مَا هَذَا المَسْجِدُ؟ قَالُوا: هَذِهِ الشَّجَرَةُ حَيْثُ بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيِّبِ، فضحك فقال: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ العَامِ المُقْبِلِ نَسِينَاهَا، فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهَا، وفي رواية: فعميت علينا.
فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْلَمُوهَا وَعَلِمْتُمُوهَا أَنْتُمْ؟! فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ!)[12].
قَطْعُها:
وقد وردت بعض الروايات التي تفيد بأن عمر رضي الله عنه أمر بقطعها؛ منها ما رواه ابنُ سعد في الطبقات الكبرى قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ الشَّجَرَةَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا شَجَرَةُ الرِّضْوَانِ فَيُصَلُّونَ عِنْدَهَا. قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَوْعَدَهُمْ فِيهَا وَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ.
قال الحافظ في فتح الباري: «إِسْنَاده صَحِيح»[13].
ورواه ابنُ أبي شيبة في المصنَّف: قال حدثنا معاذ بن معاذ قال: ثنا ابن عون عن نافع قال: بلغ عمرَ بن الخطاب أن ناساً يأتون الشجرة التي بُويع تحتها. قال: فأمر بها فقُطعت، ورجاله رجال الصحيح[14].
قال الألباني: فلعلَّ الواسطة بينهما عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، لكنه أشار إلى ضَعْفِ الرواية لهذا الانقطاع[15].
قلتُ: وفي الطبقات الكبرى لابن سعدٍ ما يشير إلى الجمع بين روايتَيْ قطع الشجرة وخفائها، فعن نافع قال: خرَج قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بأعوام، فما عرَفَ أحدٌ منهم الشجرة، واختلفوا فيها؛ قال ابن عمر: كانت رحمة من الله[16].
فالتعبير بالأعوام هنا يجمع بين الروايتين، حيث لا يبعُد أن القطع كان أولاً فخفيت، والله أعلم.
ومن عَجَبٍ في هذا المقام استغلالُ بعض الشيعة هذا الخبر للنيل من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والغَمْزِ في الحطِّ من فضله؛ لأن هذا الخبر يتنافى مع دعوتهم لتعظيم المشاهد والصلاة عندها، والتبَرُّك بترابها، وظنُّوا أن ذاك قدح، وإنما هو مدح، وتفرَّدوا بزيادةٍ زعموا أن عمر رضي الله عنه قال: (أراكم أيها الناس رجَعتم إلى العُزَّى، ألا لا أوتى منذ اليوم بأحدٍ عاد لمثلها إلا قتلتُه بالسيف كما يُقتل المرتدُّ، ثم أمر بها فقُطعت)[17].
وتلك شَكَاةٌ ظاهِرٌ عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه عارُها، وصدَق مَن قال:
عيَّرتْني بالشَّيْبِ وهو وقار ** ليتها عيَّرَتْ بما هو عَارُ
وبهذا يتبيَّنُ لنا حَسْمُ مادة الشر الداخلة من بوابة التبَرُّك المنحرف، وما أجمل ما قاله ابنُ القيِّم في كلامه القيِّم ونصُّه: فإذا كان هذا فعلَ عمر رضي الله عنه بالشجرة التي ذكرها الله تعالى في القرآن، وبايع تحتها الصحابةُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ فماذا حكمه فيما عداها من هذه الأنصاب والأوثان التي قد عظمت الفتنة بها واشتدت البلية بها؟!
وأبلغ من ذلك: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هدَم مسجد الضِّرار؛ ففي هذا دليل على هدم ما هو أعظم فساداً منه كالمساجد المبنية على القبور، فإن حكم الإسلام فيها: أن تُهدَمَ كلُّها حتى تُسوَّى بالأرض وهي أولى بالهدم من مسجد الضرار، وكذلك القباب التي على القبور يحب هدمها كلها؛ لأنها أُسِّست على معصية الرسول؛ لأنه قد نَهَى عن البناء على القبور كما تقدم، فبناءٌ أُسِّس على معصيته ومخافته بناءٌ غير محرم، وهو أولى بالهدم من بناء الغاصِب قطعاً[18].
رابعاً: تصدي الفقهاء للغالطين في التبَرُّك:
إن تحذير الأمة من التبَرُّك المنحرف قطْعٌ للشرك ومادته، وقد صاغ فقهاء الإسلام هذه التعاليم في متون الأحكام، وشروحها، وزادوا الحواشيَ عليها، والفروع والفتاوى، مما تُغنِي شهرتُه عن التفصيل فيه، ونعطِّر المقام بشواهد يُستدَلُّ بها على غيرها.
فالشافعيُّ - رحمه الله - يجيب عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُوراً! بِأَنَّا لَمْ نَدَّعِ اسْتِلَامَهُمَا هَجْراً للبيت، وَكَيْفَ يَهْجُرُهُ وَهُوَ يَطُوفُ بِهِ وَلَكِنَّا نَتَّبِعُ السُّنَّةَ فِعْلاً أَوْ تَرْكاً وَلَوْ كَانَ تَرْكُ استلامهما هجراً لَهما لَكَانَ تَرْكُ اسْتِلَامِ مَا بَيْنَ الْأَرْكَانِ هَجْراً لَهَا وَلَا قَائِلَ بِهِ[19].
وما أجملَ عبارةَ الشافعيِّ (وَلَكِنَّا نَتَّبِعُ السُّنَّةَ فِعْلاً أَوْ تَرْكاً)، ومن أصحابه الفقيهُ أبو موسى القائل: (وَلَا يَمْسَحُ الْقَبْرَ وَلَا يَمَسُّهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ عَادَةُ النَّصَارَى).
قال النووي: (وَمَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ تَعْظِيمِ الْقُبُورِ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُسْتَحَبَّ اسْتِلَامُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ مِنْ أَرْكَانِ الْكَعْبَةِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُسَنَّ مَعَ اسْتِحْبَابِ اسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَلَأَنْ لَا يُسْتَحَبَّ مَسُّ الْقُبُورِ أولى، والله أعلم)[20].
ومن أصحاب الشافعيِّ أيضاً الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ القائل بتحريم شدِّ الرِّحال إلى غير المساجد الثلاثة عملاً بظاهر حديث: (لا تُشَدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد...)[21]، فيحرم شد الرحال لزيارة القبور، وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبَرُّك بها والصلاة فيها.
وَأَشَارَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إِلَى اخْتِيَارِهِ، قال الحافظُ ابنُ حجر: (وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ إِنْكَارِ بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ خُرُوجَهُ إِلَى الطُّورِ وَقَالَ لَهُ لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مَا خَرَجْتُ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ وَوَافَقَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ)[22].
وبالجملة فيتضح مما سبق أهميةُ الفرقان بين التبَرُّك المشروع والتبَرُّك المنحرف الذي يُفضي إلى الإشراك، ومن سوَّى بينهما فقد نادى على نفسه بالجهالة، ورعَى حول حِمَى الشِّرك فيوشك أن يقع فيه.
فالقرآن حذَّر من اقتفاء سبيل أهل الغَلَبة من الجهَلة بشرع الله في تعظيم قبور أصحاب الكهف، وأوضحت السنةُ خطورة اتخاذ القبور مساجدَ أتمَّ إيضاحٍ.
كما أوضحت السُّنة خطأ أنَّ أهل الجاهلية كانوا يتبرَّكون بسدرةٍ، وضلوا في ثلاثة أمور هي: التعظيم والعُكوف والتبَرُّك، وبهذه الأمور الثلاثة يُعبد أصحاب القبور، وتُعظَّم الأشجار والأحجار والآبار، فمن طلب البَرَكَة فمَثَلُه كمَثَلِ بني إسرائيل حين طلبوا من موسى أن يجعل لهم إلهاً، فأقسم صلى الله عليه وسلم أن مقالةَ هؤلاءِ كمقالةِ أولئك سواءً بسواءٍ.
فالقبور والأشجار والأحجار والعيون ونحوها مما يَنذُر لها العامَّةُ، ويعلِّقون بها خِرَقاً، ويأخذون منها شيئاً تبَرُّكاً، ويرجون قضاء حوائجهم وشفاءَ مرضاهم، ويتمسَّحون بها؛ هو من عمل أهل الجاهلية ومن أسباب الشرك بالله.
خامساً: دمعةٌ على التبَرُّك:
ومَن نَظَر إلى ما أصاب المسلمين في بلادٍ شتَّى من رواج هذا التبَرُّك المنحرف، لا يستطيع أن يُغالِبَ الأسى، ويدفع البكاء، من جراء المهالك التي يتعاطاها الجهَلَةُ، فما أسرَعَهم إلى الإتيان إليها سعياً حثيثاً، ثم يُفيضون منها، بعدما علَّقوا عليها الحاجات، وعقَدوا عليها الآمال.
ومما هالني الوقوفُ عليه مما نحن بصدده ما اختُصَّتْ به بلادُ حَضْرَمَوْتَ مثلاً مما طفَحَتِ الكتب بذكره، مِن تعظيم المَشاهد والزيارات والأودية التي شهدت خلوات أقطاب الطريقة، وتراب القبور، والعيون، وآثار الموتى، وغير ذلك مما يعلقونه على التبَرُّك.
وتُفْرَدُ فصولٌ من هذه الكتب في ذكر شعاب تريم، وأوديتها، وتربها، ومساجدها، ومقابرها المشهورة بالبَرَكَة كما يزعمون، ويقول القائل:
تريم بها منهم ألوفٌ عـديـدةٌ ** بساحة بشـار شموس الهُدى قل
زيارة كــل منهم صَـحَّ أنهــــا ** لما شئتَ مِن نفعٍ وجلـب محصـل
وإن قيل ترياق ببغـداد جُربـا ** ففي ربع بشـار شِفا كلِّ معضــل
ويُفرِدون فصلاً فيما يتعلق بفضل وبركة الجموعات العامة عند قبور الأولياء المشهورين، وقراء المولد عند ضرائحهم، وما الحديث عن زيارة قبر النبي هود عز وجل المزعوم بحَضْرَمَوْتَ بالحديث المُرَجَّمِ، وإنما أشرنا إلى هذا حتى لا تصير المعالم مُعطَّلةً من ذكر الشواهد، ويكون المقام خِلْواً من الفوائد، وليس مقصودنا الاسترسال[23].
فيا ليت هؤلاء القوم يعلمون بما جرَّه التبَرُّكُ المنحرف على التوحيد، ويَفِيئون إلى الحق؛ فإنَّ للحقِّ نوراً يُعرف به، وعسى القيود التي وضعها الغالبون في أعناق الأتباع قد وهَنت، فيسهل حلُّها، وينطلقون بعدها إلى رحاب السنة كما قال كثيِّر:
فليتَ قلوصي عندَ عزَّةَ قيِّدتْ ** بحبلٍ ضعيفٍ غرَّ منها فندَّتِ
ولا بد إذن من بيان سبيل المنحرفين في التبَرُّك حتى تَستبينَ لكل أحد، كما شدَّ رسول الله في النكير على بعض مسلمة الفتح مع أنهم كانوا معه قبل حنين، إذ إن توحيد الكلمة إنما يكون على كلمة التوحيد، وغضُّ الطَّرْف عن الانحراف يجعله يتسلل لِوَاذاً إلى أفراد المجتمع.
واللهَ نسألُ أن يُريَنا الحقَّ حقّاً ويرزقنا اتباعه، ويريَنا الباطلَ باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين.
الهوامش:
[1] متفق عليه، أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور (1330)، ومسلم، كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المسجد على القبور واتخاذ الصور فيها (529).
[2] تفسير ابن كثير (5/147).
[3] فتح الباري لابن رجب (6/280).
[4] شرح النووي على صحيح مسلم (5/13).
[5] وقد ذكر هذه القصةَ ابنُ كثير في البداية والنهاية، (2/40)، وقال: إسناده صحيح إلى أبي العالية، وذكر لها أيضاً طرقاً أخرى تؤكد أن القصة واقعة وصحيحة.
[6] أخرجه الترمذي، كتاب الفتن، باب لتركبن سنن من كان قبلكم (2180)، وصحَّحه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2180).
[7] إغاثة اللهفان لابن القيم (1 / 211).
[8] الحوادث والبدع، ثم ذكر ما صنعه بعضُ أهل العلم ببلاد إفريقية بهدم عينٍ وقت السَّحَر تسمى عين العافية فُتن بها العوام؛ فمن تعذَّر عليه نكاح أو ولد مضى إليها، وهدمها وأذَّن للصبح عليها ثم قال: «اللهم إني هدمتها لك فلا ترفع لها رأساً» .
[9] إغاثة اللهفان لابن القيم (1 / 205).
[10] فتح الباري لابن حجر (9 / 136).
[11] أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، بَابُ البَيْعَةِ فِي الحَرْبِ أَنْ لاَ يَفِرُّوا، (2958).
[12] أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الحُدَيْبِيَة، (4163).
[13] انظر الطبقات الكبرى (2 /100)، فتح الباري (11/490).
[14] مُصنف ابن أبي شيبة (2/375). وبهذا يتبين ما في الرواية المعضلة عند الفاكهي في أخبار مكة (7 /434)، قال: حدثنا حسين بن حسن المروزي قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: ثنا ابن عون قال: «بلغ عمر رضي الله عنه أن الشجرة التي بويع عندها تؤتى، فأوعد في ذلك وأمر بها فقُطعت» .
[15] تحذير الساجد للألباني (ص: 112).
[16] الطبقات الكبرى (2/205).
[17] انظر هذا في شرح نهج البلاغة (1/59، 60)، وشرحه لابن أبي الحديد (3 /122).
[18] إغاثة اللهفان لابن القيم (2/210).
[19] انظر: فتح الباري لابن حجر (3 / 474). وذكر الحافظ رواية ابن عباس أنه طاف مع معاوية فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُوراً . فَقَالَ لَهُ ابن عَبَّاسٍ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: صَدَقْتَ. ولله در عمر في قوله وهو يُقبِّل الحجَر الأسود: «إنك حجَر لا تَضُرُّ ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك» .
[20] شرح المهذب للنووي (5 / 311).
[21] متفق عليه: البخاري (1189)، ومسلم (1397).
[22] فتح الباري لابن حجر (3 / 65).
[23] تُطلب هذه الفصول من: المشرع الروي والنور السافر والفوائد السنية وغيرها من تراث التصوف في حضرموت.
** المصدر: مجلة البيان العدد 309 جمادى الأولى 1434هـ، مارس - إبريل 2013م.

الأوراد عند الصوفية



التأصيل للدراسات **  

الورد الصوفي، بكسر الواو، جمعه أوراد، يطلقه الصوفية على أذكار يأمر الشيخ تلميذه بذكرها، صباحاً بعد صلاة الصبح، ومساءً بعد صلاة المغرب، ويعني أيضاً ما يتحفه الحق سبحانه قلوب أوليائه من النفحات الإلهية فيكسبه قوة محركة وربما يدهشه أو يغيبه عن حسه ولا يكون إلاَّ بغتة، ولا يدوم على صاحبه، أما بالنسبة لورد الذكر، فيشمل الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتوحيد(1).
طبيعة الأوراد عند الوفية
يقول الدكتور حسن الشرقاوي في كتابه: معجم ألفاظ الصوفية: وكل طريقة من الطرق الصوفية لها وردها الخاص، وعلى كل مريد قراءة الورد صباحاً مساءً، وغالبا ما يكون الورد استغفاراً لله كأن يقول المريد (استغفر الله) تسعة وتسعون مرة، ثم يقول في المرة المائة (استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه)، وفي الطريقة الشاذلية يقول المريد (اللهم صلي على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً بقدر عظمة ذلك في كل وقت وحين) تسعة وتسعون مرة، وأكثر ما يذكر في الورد في الطرق الصوفية المختلفة قول: (لا إله إلا الله) تسعة وتسعون مرة(2).
هذا ما ذكره الصوفية عن أنفسهم وعن أورادهم، ولكن الصورة تختلف تماماً في الواقع التطبيقي للصوفية، تختلف في طريقة الذكر وطبيعته، وما يحويه من معاني وأفكار، وهذا ما سنبينه سريعاً، ونبين حكمه في هذا التقرير.
بدايات الأوراد وتطورها عند المتصوفة
يلخص شيخ الإسلام ابن تيمية بدايات ظهور الصوفية، وما ألحقته من محدثات بالدين بقوله: "في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء: الرأي، والكلام، والتصوف، فكان جمهور الرأي في الكوفة، وكان جمهور الكلام والتصوف في البصرة، فإنه بعد موت الحسن وابن سيرين ظهر عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وظهر أحمد بن علي الهجيمي، وبنى دويرة للصوفية، وهي أول ما بني في الإسلام أي دار خاصة للالتقاء على ذكر أو سماع وصار لهم من التعبد المحدث طريق يتمسكون به، مع تمسكهم بغالب التعبد المشروع، وصار لهم حال من السماع والصوت، وكان أهل المدينة أقرب من هؤلاء في القول والعمل، وأما الشاميون فكان غالبهم مجاهدين"(3).
يقول الباحث محمد جمعة في دراسة مختصرة له بعنوان (الأوراد الصوفية دراسة شرعية): "تطورت الصوفية حتى وصلت إلى الغلو، من البدع العملية إلى البدع القولية الاعتقادية، بعد أن دخلت عليها عناصر خارجية. وقد كان أهل التصوف في مراحله الأولى يعظمون اتباع الكتاب والسنة وينهون عن البدع... ثم ظهرت البدع والأهواء والشطحات في المتأخرين، فكثيرًا ما ترى المتأخرين ممن يتشبه بهم، يرتكب من الأعمال ما أجمع المسلمون على فساده شرعًا بل أجمع الناس على فساده عقلا... ثم تطور الأمر شيئا فشيئا فظهرت الأوراد الخاصة بكل طريقة وراحوا يعظمون ما يتلقونه عن مشايخهم أكثر مما يعظمون الأذكار الشرعية المتلقاة عن الكتاب والسنة(4).
مصادر تلقي الأوراد عند الصوفية
تتنوع مصادر أهل التصوف في تلقي الأوراد، فإما أن يكون عن الله مباشرة- تعالى الله عما يفترون- وإما أن يكون بالتلقي من رسول الله يقظة أو مناما، وإما عن الخضر حيث يزعمون أنهم يلتقون به(5).
أمثلة لأوراد الصوفية البدعية
جاء في ورد الجلالة المنسوب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني ما نصه: "وأسألك الوصول بالسر الذي تدهش منه العقول، فهو من قربة ذاهل، ايتنوخ، يا ملوخ، باي، وامن أي وامن، مهباش الذي له ملك السموات والأرض" ثم يستطرد قائلا:  "طهفلوش انقطع الرجاء إلا منك، وسدت الطرق إلا إليك، وخابت الآمال إلا فيك"(6).
ومن أوراد الصوفيه أيضا التي بها إلحاد في أسماء الله ما جاء في كتاب ذكر ودعاء جمع عبد الله أحمد أبو زينة، جاء فيه: "يا باسط، يا غني بمهبوب ذي لطف خفي بصعصع بسهسهوب ذي العهز الشامخ، الذي له العظمة والكبرياء، بطهطهوب لهوب ذي القدرة والبرهان والعظمة والسلطان" ثم يقول:"بحق سورة الواقعة، وبحق فقج مخمت مفتاح جبار فرد معطي خير الرازقين"(7).
ويقول إبراهيم الدسوقي في ورده المسمى بـ"الحزب الكبير": "اللهم آمني من كل خوف، وهم وغم، وكرب كدكد كردد كردد كردد كرده كرده كرد ده ده ده ده الله رب العزة"(8).
فإن: ايتنوخ، وملوخ، ومهباش، وطهفلوش، وفقج، ومخمت، وغيرها من الأسماء هي أسماء لله عز وجل عند بعض الصوفية، وهو بهتان وظلم كبير، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
ومن الأوراد الشاذلية (وغيرهم يستعملها) قولهم: "وزج بي في بحار الأحدية وانشلْني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة، حتى لا أرى ولا أسمع ولا أحس الا بها(9).
حكم قراءة الأوراد الصوفية
الأوراد الصوفية ليست سواء، فمنها ما يشتمل على البدع، ومنها ما يتضمن الكفر والشرك، ومنها ما هو طلاسم لا تفهم، وقليل منها ما يوافق ذكراً أو دعاءً مأثوراً، وإذا كان الأمر كذلك، فلا يمكن أن نطلق حكما عاماً لكل ما هو ورد صوفي.
وكذلك الأمر بالنسبة للصوفية، فليسوا سواء أيضاً، لأن مصطلح التصوف في نفسه مصطلح حادث لا يتعلق به مدح ولا ذم، ولكن ينظر إلى أحوال المنتسب إليه من حيث موافقته للشرع ومخالفته له(10).
وذكر الله عز وجل والصلاة والسلام على رسوله مقيّدٌ بالكيفية التي جاء بها الشرع المطهر فلا نتعداها، وقد قال الله عز وجل في القرآن: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ)(11)، ولم يؤثَر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أنهم كانوا يجتمعون لترديد الأذكار من تسبيح وتحميد وتكبير وتهليل، بل المأثور عنهم إنكار ذلك رضوان الله عليهم(12).
ويقول الشيخ صالح اللحيدان: "وهذه الأعمال مردودة على أهلها بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المُخرج في الصحيحين: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)(13)، والدين كَمُلَ قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال الله: (الْيوْم أكْملْت لكمْ دِينكمْ وأتْممْت عليْكمْ نِعْمتِي ورضِيت لكم الْإِسْلام دِينًا)(14)، والدين كَمُل لا نحتاج إلى أوارد جديدة ، تُدَّعى بمنامات أو تُخترع أو يزعموا أصحابها بأنهم تلقوها من المشكاة التي يتلقي منها رسول الله كما يقول بعض هؤلاء المتصوفة .
ويجب أن يُنصح هؤلاء ولا يجوز لأحد أن يأخذ عنهم مثل هذه الأمور. وأما إنها تحبط الأعمال؛ الأعمال لا تُحبطها إلا الأعمال الشركية، فما كان من شرك أكبر فهو يُحبط الأعمال، ولا يترك منها شيئا إلا إن تاب الإنسان منها قبل أن يموت.
خلاصة القول أن اختيار أذكار معينة وترديدها بطريقة معينة وبعدد معين على خلاف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدعي لا يجور العمل به، فضلا عما تحويه هذه الأذكار من أمور بدعية كالإلحاد في أسماء الله أو الاعتقاد بعقائد بدعية كالحلول والاتحاد ووحدة الوجود إلى غير ذلك من العقائد الباطلة.
الهوامش:
(1) معجم الصوفية، ممدوح الزوبي: (ص:429).
(2) معجم ألفاظ الصوفية، د. حسن الشرقاوي: (ص:283).
(3) الفتاوى لابن تيمية، (10/359).
(4) دراسة: الأوراد الصوفية دراسة شرعية، لمحمد جمعة، موقع الصوفية.
(5) المرجع السابق.
(6) مجموع الأوراد الكبير- ورد الجلالة للجيلاني: (ص:10).
(7) ذكر ودعاء جمع عبد الله أحمد أبو زينة– ( ص: 53).
(8) ذكر ودعاء جمع عبد الله أحمد أبو زينة: ( ص:117).
(9) النفخة العلية في الأوراد الشاذلية، (ص:16).
(10) الأوراد الصوفية ليست سواء- الشبكة الإسلامية.
(11) سورة الأعراف: (205).
(12) ما حكم قراءة أوراد الطرق الصوفية وترديدها؟ للشيخ عبد الحي يوسف- طريق الإسلام.
(13) متفق عليه، البخاري: (3/214/2697)، وسلم: (5/132/4589).
(14) سورة المائدة، الآية: (3).
** المصدر: التأصيل للدراسات، بتصرف يسير.
 هنا

الأحد، 16 مارس 2014

أهمية التوحيد وثمراته أبو مريم محمد الجريتلي






رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/9421/#ixzz2w75DAH11