الثلاثاء، 4 مارس 2014

دعاء الأموات والاستغاثة بهم (تأصيلٌ شرعي)

دعاء الأموات والاستغاثة بهم (تأصيلٌ شرعي)

قرأنا كثيرا ممن يعترض ويرفض ويصر على أن دعاء الأموات وسؤالهم والاستغاثة بهم أمر لا بأس به وهو جائز !

وهنا أحب طرح المسألة وتأصيلها شرعيا .. ومعذرة على طول الموضوع .. 

( فمن أعظم نواقض التوحيد، الإشراك بالله بدعاء من سوى الله والاستغاثة به، وزيارة القبور لسؤال أهلها الحاجات والمطالب، وهذا هو الشرك الأكبر الذي حاربه الله ورسوله.

فالله أمرنا بعبادته وحده (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) ، عبادة خالصة له (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) ، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدعاء عبادة، فكان أمر الله بدعائه وحده (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ، وبين سبحانه أنه هو الملك المجيب للدعاء وما سواه لا يقدر على ذلك (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ، إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) ، وأن من سواه ضعيف ولن يقدر على خلق حتى ذبابة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب) ، وبين الله أن كل ما سواه مفتقر إليه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد) ، وقال سبحانه (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)، فهذا الفقير إلى الله الذي لا يستطيع خلق حتى الذبابة، تساويه بالخالق؟ وتجعل دعائك له بدلاً من الخالق سبحانه؟!

قال تعالى (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ، وقال سبحانه (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) ، كل هذه آيات تبين أن الله وحده الذي يجب دعاءه، وتحذر من فعل الظالمين بدعاء غير الله، وسمى ذلك ظلماً وكفراً، وسمى كل ما دعي من دون الله آلهة.

قال ابن كثير في تفسير قول الله (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) "هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه تَعَالَى لِلْمُشْرِكِينَ فِي اِتِّخَاذهمْ آلِهَة مِنْ دُون اللَّه، يَرْجُونَ نَصْرهمْ وَرِزْقهمْ وَيَتَمَسَّكُونَ بِهِمْ فِي الشَّدَائِد، فَهُمْ فِي ذَلِكَ كَبَيْتِ الْعَنْكَبُوت فِي ضَعْفه وَوَهَنه فَلَيْسَ فِي أَيْدِي هَؤُلَاءِ مِنْ آلِهَتهمْ إِلَّا كَمَنْ يَتَمَسَّك بِبَيْتِ الْعَنْكَبُوت، فَإِنَّهُ لَا يُجْدِي عَنْهُ شَيْئًا. فَلَوْ عَلِمُوا هَذَا الْحَال لَمَا اِتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّه أَوْلِيَاء. وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُسْلِم الْمُؤْمِن قَلْبه لِلَّهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُحْسِن الْعَمَل فِي اِتِّبَاع الشَّرْع فَإِنَّهُ مُتَمَسِّك بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا اِنْفِصَام لَهَا لِقُوَّتِهَا وَثَبَاتهَا".
وأما الذين دُعوا من دون الله فيتبرؤون من الذي جعلوهم وسطاء بينهم وبين الله (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ).

يا عبد الله، قال صلى الله عليه وسلم (أفضل العبادة الدعاء) ، فلتكن عبادتك لله وحده، واستجب لأمر الله إذ قال (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ، (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) ، واعلم أنه لا أحد أقرب إليك من الله (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ، ولا أحد يجيب الدعاء ويكشف الضر إلا الله (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ)، وقال الإمام القرطبي في تفسير قول الله ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) ، "أَمْر بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَة لِلَّهِ , وَمُجَانَبَة الْمُشْرِكِينَ وَالْمُلْحِدِينَ".

وحد الله بعبادتك يا عبد الله، و قل مقولة إبراهيم عليه السلام في كتاب الله (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) ، ولا تشرك غير الله بالله سبحانه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من مات يجعل لله ندا أدخل النار) ، واجعل دعاءك كله لله قال تعالى (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ، وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ، قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) ، فالله قريب مجيب لمن سأله (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).

رابط المصدر: منتديات المشكاة

http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t=46971

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق