الاثنين، 3 مارس 2014

الأقطاب والأبدال في الفكر الصوفي


الأقطاب والأبدال في الفكر الصوفي 



سمعت وقرأت عن ما يسمى بالأبدال والأقطاب وغيرهم ،

هل هم فعلا موجودون بيننا ؟ 

وهل حديث ( لا تسبوا أهل الشام ؛ فإن فيهم الأبدال )

صحيح أم لا ؟. 





الحمد لله 


أولا : 


الولاية عند أهل السنة هي التي عرَّفها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ، حيث قال تعالى :

( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ،
الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ،

لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ، 
لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )

يونس/62-64 


فأعلنت الآية أن ولي الله هو المؤمن التقي ،
الذي يحب الله وينصره ، ويسير في مرضاته ،
ويحفظ حدوده ، ويقيم شريعته ودينه ،
وهو عبد من عباد الله ، لا يخرج عن قهره وسلطانه ،
بل لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، 
ولا يعلم ما قدر الله له ، 
فهذا هو ولي الله عند أهل السنة . 


وطريق الولاية للعبد هو أن يقوم بأداء الفرائض ،
ثم يتدرج في أداء النوافل حتى يحبه الله تعالى ،
فإذا أحبه كان وليا حقا له جل وعلا ، 

وقد جاء في الحديث الصحيح : 

( إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبدًا دَعَا جِبرِيلَ فَقَالَ : إِنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ .
قَالَ : فَيُحِبُّهُ جِبرِيلُ .
ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ . 
فَيُحِبُّهُ أَهلُ السَّمَاءِ ،
قَالَ : ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القبُولُ فِي الأَرضِ ) 

رواه مسلم (2637) 



ثانيا : 


أما الولاية في عرف التصوف البدعي فلها معنى آخر يختلف عما عند أهل السنة ، 
فولي الله عندهم من اختاره الله ، ولو لم يكن فيه من مواصفات الصلاح والتقوى ما يؤهله لحب الله له ،

إذ الولاية عندهم نوع من الوهب الإلهي دون سبب ، وبغير حكمة ،

لذلك كانوا يعتقدون في بعض الظلمة والفسقة والمجانين وأهل الفجور أنهم من الأولياء 
بمجرد أن يظهر على أيديهم من خوارق العادات ،
مثل : ضرب الجسم بالسكاكين ، واللعب بالحيات والنار وأمثال ذلك ، 
حتى عَدُّوا في أوليائهم من يشرب الخمر ويزني ،
ويقولون : الولي الصادق لا تضره معصية أبدا . 



ولم يكتفوا بهذا في تعريف الولاية ،
بل يقررون أن الولي يتصرف في الأكوان ، 
ويقول للشيء كن فيكون ،
وكل ولي عندهم قد وكَّله الله بتصريف جانب من جوانب الخلق ،

فأربعة أولياء يمسكون العالم من جوانبه الأربعة ،
ويسمون الأوتاد ، 
وسبعة أولياء آخرون كل منهم في قارة من قارات الأرض السبع ،
ويسمون الأبدال 
( لكونهم إذا مات واحد منهم كان الآخر بدله ) ، 

وعدد آخر من الأولياء في كل إقليم ،
في مصر ثلاثون أو أربعون ، وفي الشام كذلك ، والعراق وهكذا ،
وكل واحد منهم قد أوكل إليه التصريف في شيء ما ،
وفوقهم جميعا ولي واحد يسمى القطب الأكبر أو الغوث ،
وهو الذي يدبر شأن الملك كله ،

وهكذا أسسوا لهم دولة في الباطن 
تحكم وتنفذ وتتحكم في شؤون الناس على منوال الدولة السياسية ،

وهذه الدولة يترأسها القطب أو الغوث ، 
يليه الإمامان ( وهما الوزيران ) ،
ثم الأوتاد الأربعة ، ثم الأبدال السبعة . 



هذه هي الولاية الصوفية ،
وهي لا تمت من قريب أو بعيد للولاية الإسلامية القرآنية ،

فالولي في الإسلام عبد هداه الله ووفقه 
وسار في مرضاة ربه حسب شريعته ، 
وهو يخشى على نفسه من النفاق وسوء العاقبة ،
ولا يعلم هل يقبل الله عمله أو لا ،


وأما الولي الصوفي 

فقد أعطوه من خصائص الربوبية ما يتصرف به في جانب من جوانب الكون ،
ولا يلتزم بما شاء من شريعة الله ، 
ويدخل الملائكة تحت مشيئته . 



وأصل فكرة الولاية الصوفية مأخوذة من الفلسفة الإغريقية القديمة التي تقوم على فكرة تعدد الآلهة ،

وكان أول من وضع فكرة الولاية الصوفية في أواخر القرن الثالث الهجري هو محمد بن علي بن الحسن الترمذي ،

الذي يسمونه ( الحكيم ) - 
وهو غير الإمام صاحب السنن المشهورة بسنن الترمذي -

ثم بعد ذلك اشتهرت أقوالهم ،
وأصبحت كتب أئمتهم مليئة بهذه الأفكار والمصطلحات ،
ولو ذهبنا ننقل أقوالهم وأباطيلهم لطال بنا المقام ، 


وحتى لا يظن أحد أننا نتجنى عليهم ، 

فهذه أسماء بعض مراجعهم ، 

وستجد أن ما ذكرناه أقل بكثير من شناعة أفكارهم ، 

انظر "الفتوحات المكية" لابن عربي (2/537،455) ،

كتاب "اليواقيت والجواهر" لعبد الوهاب الشعراني (2/79) ،

"المعجم الصوفي" لسعاد الحكيم (189-191، 909-913) ، 


وانظر من مراجع أهل السنة
"الفكر الصوفي" للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق
(343-383) 



ثالثا : 

الحديث الذي ذكره السائل الكريم حديث ضعيف ، 

لا يصح بوجه من الوجوه ،

ولم يرد من طريق صحيحة ذكر شيء من مراتب الولاية عند الصوفية . 

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في "المنار المنيف" (136) : 

" أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد
كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، 

وأقرب ما فيها 
( لا تسبوا أهل الشام ؛ فإن فيهم البدلاء ، 
كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلا آخر )
ذكره أحمد ، ولا يصح أيضا ، فإنه منقطع " انتهى . 


( وانظر تفصيل الأحاديث المروية في ذلك وبيان نكارتها
في "المقالات القصار" لأبي محمد الألفي (69-81) ) 



وقد سئل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : 

عن الحديث المروى فى الأبدال ، هل هو صحيح أم مقطوع ، 

وهل الأبدال مخصوصون بالشام 
أم حيث تكون شعائر الاسلام قائمة بالكتاب والسنة يكون بها الأبدال ، بالشام وغيره من الأقاليم ،

وهل صحيح أن الولى يكون قاعدا فى جماعة ويغيب جسده ،

وما قول السادة العلماء فى هذه الأسماء
التى تسمى بها أقوام من المنسوبين إلى الدين والفضيلة ، 

ويقولون هذا غوث الأغواث ، وهذا قطب الأقطاب ، 
وهذا قطب العالم ،
وهذا القطب الكبير ، وهذا خاتم الأولياء ؟ 


فأجاب رحمه الله : 

" أما الاسماء الدائرة على ألسنة كثير من النساك والعامة ، مثل الغوث الذي بمكة ، 

والأوتاد الأربعة ، والأقطاب السبعة ، والأبدال الأربعين ، والنجباء الثلاثمائة ،

فهذه أسماء ليست موجودة فى كتاب الله تعالى ، 

ولا هي أيضا مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح 

ولا ضعيف يحمل عليه ،

إلا لفظ الأبدال ،

فقد روي فيهم حديث شامى منقطع الإسناد عن على بن أبى طالب رضي الله عنه

مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : 

( إن فيهم - يعني أهل الشام - الأبدال الأربعين رجلا ،
كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا ) ، 

ولا توجد هذه الأسماء فى كلام السلف كما هي على هذا الترتيب ،

ولا هي مأثورة على هذا الترتيب والمعانى عن المشائخ المقبولين عند الأمة قبولا عاما ، 
وإنما توجد على هذه الصورة عن بعض المتوسطين من المشائخ ، 

وقد قالها إما آثرا لها عن غيره ، أو ذاكرا ،

فأما لفظ الغوث والغياث فلا يستحقه إلا الله ،

فهو غياث المستغيثين ،

فلا يجوز لأحد الاستغاثة بغيره ، 

ولا بملك مقرب ، ولا نبى مرسل ، 


ومن زعم أن أهل الأرض يرفعون حوائجهم التي يطلبون بها كشف الضر عنهم ونزول الرحمة

إلى الثلاثمائة ، والثلاثمائة إلى السبعين ، 

والسبعون إلى الأربعين ، والأربعون إلى السبعة ، 

والسبعة إلى الأربعة ، والأربعة إلى الغوث ،

فهو كاذب ضال مشرك ، 

فقد كان المشركون كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله : 

( وإذا مسكم الضر فى البحر ضل من تدعون إلا إياه )

وقال سبحانه وتعالى :

( أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ) 

فكيف يكون المؤمنون يرفعون إليه حوائجهم بعده بوسائط من الحُجَّاب

وهو القائل تعالى :

( وإذا سألك عبادي عني 

فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان 

فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي

لعلهم يرشدون ) ، 


وقد علم المسلمون كلهم 
أنه لم يكن عامة المسلمين ولا مشايخهم المعروفون 

يرفعون إلى الله حوائجهم ، 

لا ظاهرا ولا باطنا ، بهذه الوسائط والحجاب ، 

فتعالى الله عن تشبيهه بالمخلوقين من الملوك 

وسائر ما يقوله الظالمون علوا كبيرا ،


وهذا من جنس دعوى الرافضة أنه لا بد فى كل زمان من إمام معصوم

يكون حجة الله على المكلفين ، لا يتم الإيمان إلا به ،

بل هذا الترتيب والأعداد تشبه من بعض الوجوه ترتيب الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم 

فى السابق والتالي والناطق والأساس والجسد 

وغير ذلك من الترتيب الذى ما نزل الله به من سلطان . 


وأما الأوتاد فقد يوجد فى كلام البعض أنه يقول :

فلان من الأوتاد ، يعني بذلك أن الله تعالى يثبت به الإيمان والدين فى قلوب من يهديهم الله به ،
كما يثبت الأرض بأوتادها ،

وهذا المعنى ثابت لكل من كان بهذه الصفة من العلماء ، 

فكل من حصل به تثبيت العلم والإيمان في جمهور الناس كان بمنزلة الأوتاد العظيمة والجبال الكبيرة ،

ومن كان بدونه كان بحسبه ، 

وليس ذلك محصورا فى أربعة ولا أقل ولا أكثر ،

بل جعل هؤلاء أربعة مضاهاة بقول المنجمين فى أوتاد الأرض . 

واما القطب فيوجد أيضا فى كلامهم : 

( فلان من الأقطاب ) ، أو ( فلان قطب ) 

فكل من دار عليه أمر من أمور الدين أو الدنيا باطنا أو ظاهرا

فهو قطب ذلك الأمر ومداره ، 

ولا اختصاص لهذا المعنى بسبعة ولا أقل ولا أكثر ،

لكن الممدوح من ذلك من كان مدارا لصلاح الدنيا والدين ،

دون مجرد صلاح الدنيا ، فهذا هو القطب فى عرفهم . 


وكذلك لفظ البدل ، جاء فى كلام كثير منهم . 


فأما الحديث المرفوع فالأشبه أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، 

فإن الإيمان كان بالحجاز وباليمن قبل فتوح الشام ، 

وكانت الشام والعراق دار كفر ،

ثم لما كان فى خلافة علي رضي الله عنه ،

قد ثبت عنه عليه السلام أنه قال :

( تمرق مارقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق ) ، 

فكان علي وأصحابه أولى بالحق ممن قاتلهم من أهل الشام ،

ومعلوم أن الذين كانوا مع علي رضي الله عنه من الصحابة ،

مثل : عمار بن ياسر ، وسهل بن حنيف ونحوهما ،

كانوا أفضل من الذين كانوا مع معاوية ، 

فكيف يعتقد مع هذا أن الأبدال جميعهم ،

الذين هم أفضل الخلق ، كانوا في أهل الشام ، هذا باطل قطعا ،

وإن كان قد ورد فى الشام وأهله فضائل معروفة ،

فقد جعل الله لكل شىء قدرا ،

والكلام يجب أن يكون بالعلم والقسط . 


والذين تكلموا باسم ( البدل ) فسروه بمعان ، منها : 

أنهم أبدال الأنبياء ،

ومنها : أنه كلما مات منهم رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا ،

ومنها : أنهم أبدلوا السيئات من أخلاقهم وأعمالهم وعقائدهم بحسنات ، 

وهذه الصفات كلها لا تختص بأربعين ، ولا بأقل ولا بأكثر ،

ولا تحصر بأهل بقعة من الأرض "


انتهى باختصار من مجموع فتاوى ابن تيمية
(11/433-444) 




رابعا : 


جاء في كلام بعض السلف ، وبعض أهل العلم المتأخرين إطلاق لفظ : ( فلان من الأبدال ) ،


ومن ذلك ما جاء في "التاريخ الكبير" للبخاري (7/127) في ترجمة فروة بن مجالد :
" وكانوا لا يشكّون في أنه من الأبدال " انتهى ، 


وقال الإمام أحمد كما في "العلل" للدارقطني (6/29) : 

" إن كان من الأبدال في العراق أحد ،
فأبو إسحاق إبراهيم بن هانئ " انتهى . 


ولا يعنون به ما يريده المتصوفة في اصطلاحهم الباطني البدعي ،

وإنما يريدون المعنى اللغوي ،

فمن قيل فيه ذلك من أهل العلم فهو من ورثة الأنبياء
بما معه من العلم الشرعي ،
فكأنه بدل عنهم في تبليغ الوحي وتعليمه الناس . 



يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في "مجموع الفتاوى" (4/97) :

" وأما أهل العلم فكانوا يقولون هم الأبدال ؛ لأنهم أبدال الأنبياء ،
وقائمون مقامهم حقيقة ،
ليسوا من المعدمين الذين لا يعرف لهم حقيقة ، 
كل منهم يقوم مقام الأنبياء في القدر الذي ناب عنهم فيه ، 
هذا في العلم والمقال ، وهذا في العبادة والحال ،
وهذا في الأمرين جميعا ،

وكانوا يقولون هم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة ،
الظاهرون على الحق ،
لأن الهدى ودين الحق الذي بعث الله به رسله معهم
وهو الذي وعد الله بظهوره على الدين كله 
وكفى بالله شهيدا " انتهى . 


وانظر سؤال رقم (10527
والله أعلم .



الإسلام سؤال وجواب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق