بنـــاء القبـــب
للشيخ العلامة
أبي طارق البويحياوي عبد الله حشروف
حفظه الله
إعتنى بها تلميذه
نسيم الجزائري
للشيخ العلامة
أبي طارق البويحياوي عبد الله حشروف
حفظه الله
إعتنى بها تلميذه
نسيم الجزائري
الحمد لله تعالى حق حمده، والصلاة والسلام على محمد النبي عبده ورسوله، ثم أما بعد : إن ببلاد القبائل أضرحة تشد إليها الرحال وتقصد للزيارة والتبرك والتوسل والإستغاثة والإستعانة، وقد بنوا عليها قببا مزركشة تجذب الأنظار إليها، ويتلهف لزيارتها المهموم والمغموم،ويدب للتمسح بجدرانها الكسالى والفاشلون والمغفلون والبلهاء أملا في تفريج كربة، أو شفاء من مرض، أو دفع نحس، أو جلب منفعة أو نزع جن من مسكون، والقرية التي تشتد في حماية قبتها وتنتدب بعناية سيدها لحراستها و رعايتها وفتح الباب للاهثين إلى التمسح بهيكلها والطواف حوله وخاصة الذين يتوجهون إلى بيت الله الحرام، تدعي أن المدفون في قبتهم هو جدهم النازح إليهم من الجزيرة العربية من زمن مجهول، وهوعربي ينتمي إلى آل البيت ويتسلسل نسبه إلى فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وهذا ادعاء يفتقر إلى دليل وبرهان، وهل كل الأضرحة القببية المتواجدة عبر منطقة الزواوة[1] أدناها وأقصاها وغيرها من آل البيت؟! أم هي خليط من آل البيت وغيرهم من الدراويش المنتسبين إلى التصوف و الهاربين عن تكاليف الحياة إلى خلوة ينكمشون فيها زاعمين أنهم يتفرغون لذكر الله تعالى بطريقتهم الخاصة تاركين من عاصرهموعاشروهم على جهلهم ولم يكلفوا أنفسهم مشقة تعليمهم أصول دينهم وتبصيرهم بعقيدتهم، وعندما ماتوا دفنوهم وهم في نظرهم من الصالحين، ثم بنوا على قبورهم قببا، وبمرور الزمن انتسبوا إلى آل البيت زورا وبهتانا، وهل المدفونون في هذه القبب من أولياء الله حقا؟ ومن آل البيت صدقا؟ وهل تركوا لنا شيئا مكتوبا يثبت نسبهم وأصلهم لآل البيت، ومستوى ثقافتهم وعلمهم وتاريخ نزوحهم إلى المنطقة؟وما الدافع إلى ذلك؟ وهل هروبا من بطش حكامهم؟ أم لبثّ الدعوة أملا في استمالة أهل المنطقة عسى أن يتقوى بهم؟ وهل كان لهم في حياتهم كرامات معقولة يرويها الخلف عن السلف؟ وهل قام أحد الأحفاد الغيورين الفخورين بالانتساب إليهم بالبحث و التنقيب والكشف عن هويتهم و حياتهم وتاريخهم؟من الذي أعطاهم لقب"الأولياء"؟وهل علماء زمانهمهم الذين زكوهم و رفعوهم إلى درجة "الأولياء"؟ أم جهال زمانهم هم الذين أضفوا عليهم رتبة"الأولياء"؟ لأن في أيام صغري الدراويش الذين لا يتنظفون ويهرفون بما لا يعرفون هم الأولياء في نظر القوم!!!والدافع إلى طرح هذه الأسئلة هو أن " الكفر الفرنسي" لما لمس من الشعب الجزائري العربي المسلم "تقديس الأولياء" وزيارة الأضرحةوتقديم النذور والقرابين ويستغيث بهم، ويتحاشى ذكرهم بسوء،ويحلف بالله حانثا، ولا يحنث إن حلف بالأولياء،استغل بحسه الماكر هذه العاطفة وأخذ يشجع لها ببناء قبب هيكلية جديدة على حدود المزارع التي استولى عليها كحرز يمنع تهجمات الثائرين على محاصيل مزارعة ومستغلاته، ومن جهة أخرى فإن قرية ببني دوالة يقال إنها استقدمت إماما في زمن "الكفر الفرنسي" ليكون إماما في قريتهم فعرض عليهم مهمته الدينية التي يقوم بها من تعليمهم أصول دينهم من وضوء وصيام وتعليم صبيانهم حفظ القرآن الكريم فاعترضوا بالرفض على الجملة الأخيرة محتجين بأن ولي قبتهم قد أوصاهم في حياتهم وحذرهم تحذيرا شديدا إن هم أقدموا على تعليم صبيانهم حفظ القرآن الكريم، فإنهم إن فعلوا ذلك ستصاب نساؤهم وحيواناتهم وأشجارهم بالعقم والعقر،وعبثا حاول الإمام أن يقنعهم بأن القرآن الكريم المنزل من عند الله تعالى لايمكن أبدا أن يكون حفظه سببا في نزول البلاء بقوم، ولكن البلاء ينزل بقوم إن هم هجروا دينهم وتنكروا لرسالة وانغمسوا في الملذات والشهوات المحرمة ولفت نظرهم إلى بعض القرى المجاورة الذين يحرصون على تعليم صبيانهم القرآن الكريم ولم يحدث أن نزل بهم بلاء العقم في نسائهم وحيواناتهم وأشجارهم بل حباهم الله تعالى بخيراته
وأصبحوا سادة لكم تحتاجون إليهم في أمور دينكم وجنائزكم وهو لا يحتاجون إليكم، ثم تبين بعد البحث أن المدفون في قبتهم كان قسيسا يتردد إليهم متسترا في لباس إسلامي من مركز تنصيري قريب من قريتهم، وانتشرت هذه المقولة الخبيثة بين أوساط قرى الزواوة بأن حفظ القرآن الكريم لا يتيسر إلا لفئة معينة تنتسب أصالة إلى عروبة الجزيرة العربية دون سائر المسلمين من أبناء قرى الزواوة، ومن جهة ثانية وكدليل من الواقع المعيش فإن مشعوذا محتالا بقرية "توريت موسى" بنى لنفسه قبة ليدفن فيهاوهو لا يزال على قيد حياته الساعة، وبمرور الزمن تصبح قبة هذا المشعوذ المحتال محل المزار، ويتناسى الناس أصله وأعماله المنافية للإسلام وينسب بعد ذلك إلى زمرة "الأولياء" زورا و بهتانا.
من بنى هذه القبب ؟
هل كان بناء هذه القبب بإيعاز وبوصية من صاحب الضريح نفسه قبل أن يموت؟ أم أن فكرة بنائها تبلورت في ذهن أشياعه وأتباعه بعد وفاته لغرض في نفوسهم؟إذا كان صاحب هذا المقام هو الذي أوصى ببناء هذه القبة على ضريحه فقد خالف في ذلك شرع الله تعالى الذي يقضي بتحريم تقديس الأضرحة وبناء المساجد عليها لتتّخذ مزارا وعبادة من دون الله تعالى ويكون قد سنّ بذلك سنّة سيئة و خالف مانهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وحذر من اتخاذ القبور مساجد، وكل من سلك مسلكه واقتفى أثره فقد لحقه الوزر الذي توعد به الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال:" .. ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيئ"[2]، ومن ثم يحكم على هذا الولي بالجهل في أصول الدين ووصيته هذه مخالفة لكتاب الله تعالى و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم، لأنه قد ثبت أن أم المؤمنين "أم سلمة رضي الله عنها" ذكرت لرسول الله صلى الله عليه و سلم أن كنيسة بأرض الحبشة يقال لها – مارية – رأت على جدرانها صورا فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم :"أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شر الخلق عند الله"[3]، وعن عائشة و ابن عباس رضي الله عنهم قالا:" لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتنم بها كشفها عن وجهه وقال: "وهو كذلك لعنه الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"[4] وقال أيضا : " قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"[5]، وهذه النصوص النبوية الشريفة التي لاتحتمل التأويل لا ينبغي أن يجهلها أو يتجاهلها الوليّ إن كان معدودا في عداد العلماء العارفين بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلة الله عليه وسلم، وإن خالف وأوصى ببناء القبة على ضريحه فإن اللعنة التي وردت في الحديث تلحقه، فيكون من الهالكين، وإذا كان النبي عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يوجّه الله تعالى له نداء يوم القيامة ما "إذا كان هو الذي أوصى أتباعه بأن يتخذوه هو وأمّه إلهين من دون الله تعالى– و هو ما عليه النصارى اليوم – وذلك في قوله تعالى: "وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمّي إلهين من دون الله"[6] فيجيب عيسى عليه السلام رب العزة بأنه لم يزد أن قال له ما أمره به و هو أن يعبدوا الله تعالى وحده لا شريك له وهو بين أظهرهم، وماأحدثوه بعد رفعه من انحراف وتحريف فالله رقيب عليهم،في قوله تعالى: (قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقّ إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب، ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربيّ وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد)[7] وإذا كان الأنبياء وهم أفضل الخلق يسألون يوم القيامة وهم المعصومون؟ فكيف بالأولياء إن كانوا أولياء حقا فهم بالشر يخطأون ويصيبون يحاكمون ويحاسبون ؟ أما إذا كان الأتباع هم الذين أخذتهم الحماسة والحمية الدينية والعرقية لبناء القبة على ضريح وليّهم بعد وفاته، فما الدفاع إلى ذالك ؟ ولا أتصور أكثر من احتمالين هما: الافتخار بالانتساب إليه، لأنه كما يزعمون إن كان لزعمهم بقية صدق من سلاسله آل البيت، وطمع في الأموال التي تدر عليهم وتعود إليهم بالنفع من جراء المزارات التي يقصدها ذووالعقول المريضةوالقلوب الكلية، ومن ثم فإن تغطية ضريح وليهم بقبة منعا من الابتذال، وتمييزه عن بقية المقبورين "كعلامة المسجلة"على السيادة الوهمية والسيطرة الروحية على سائر عباد الله من غير فصيلة دمهم، وهذا هو الشيء الوحيد الذي اهتدى إليه أتباعه من الجهال الذين تركهم وليهم على جهلهم ضمانا لا استمالتهم والتحكم فيهم باسم الدين، وهو أنهم عرفوه لنا ببناء قبة على ضريحه فكان لسان حالهم يقول : من أراد أن يطلع على تاريخه وحياته فلينضر إلى قبته كشاهد وبرهان على أنه كان...وكان...وكان، ومن خلال ما تشاهد من الحفلات في " المواسم المزعومة دينية فيهم " تستنتج أن الهدف من بناء القبب على أضرحة أولياء المرابطين- إن كانوا أولياء حقا في حياتهم- هو استنزاف جيوب المغفلين والبلهاء من خلال الزيارات، ولا زيارة بدون مقابل، ولا دعاء بدون دفع، ولا استغاثة من غير بذل، وكل رجاء وتوسل وبكاء وتضرع وطواف كل ذلك يجب دفع الثمن لأن السيد الوليّ مثل الطبيب الجشع لا يتعامل مع المرضى مجانا، ومن لا يدفع لا فحص ولا وصفة ولا دواء ولا شفاء ولا دعاء.وهكذا بنيت قبب على قبور من يسمونهم بالأولياء واصطلحوا على تصميم وشكل هندسي موحد وزينوها ظاهرا وباطنا بالبلاط الناعم الملون المستورد ووضعوا على رمسه صندوقامغطى بأقمشة حريرية حبرت قصد التمسح به والطواف حوله، وابتدع هؤلاء "من يزعم أنهم المرابطون" البدع في بلاد الزواوة كلها من شيوخهم أن من توجه إلى البقاع المقدسة لأداء فريضةالحج يجب عليه أن يزور ضريح هذا الوليّ المدسوسويطوف حول هيكله وإلا فلا حجّ له، وعلى جانب الضريح حفرة تملأ بالتراب "الزمزمي" تقصدها النساء الجاهلات الغبيات فيأخذن حفنة يمضغنها تبركا وتفاؤلا بزواج أو ولد أو تولة، والمكلّف بمراقبة تراب الحفرة يتردد إليها بين آونة وأخرى ليلمس ما يتناقص منها فيزودها بتراب جديد يأخذه من أي مكان ويفعل ذلك خفية من أعين الناظرين والنساء خصوصا لأن الاعتقاد السائد بين البلهاء والمغفلات أن هذا التراب يتولد تلقائيا من قبر السيد الوليّ ببركته وكرامته حتى بعد وفاته، فكأنه يملك طاحونة سرية كاتمة الصوت في قبره تفرز على الحفرة رملا زمزميا فيه شفاء للنساء الغبيات ودواء للحمقى والمغفلين، ومن الغريب أن هذه القبب لم تمس بسوء في أيام الجهاد التحريري ضد الكفر الصليبي الوثني الفرنسي ولم تتعرض للدمار والهدم لأنه يعلم يقينا أن بقاءها ضمان لبقاء المسلمين على انحرافهم عن عقيدتهم الصحيحة واستمرارهم على جمودهم و تخلفهم عقليا و ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، وقد ثبت واقعيا أن قائدا عسكريا فرنسيا ذهب مع فرقته في الجهاد التحريري إلى قرية ذات قبة فهددها ساخرا، قائلا: "لولا وليّ قبتكم هذه لدمّرت قريتكم عن آخرها"، وقد ظنّ أغبياء القرية أن سلامة قريتهم من الدمار تعود إلى بركته ويده الطويلة وقدرته الخارقة في حماية أحفاده من السحق والموت، وإنّه هوالذي تصدى لهؤلاء الكفرة الفجرة و رد كيدهم إلى نحورهم وهو مستلقي في رمسه بعظامه البالية النخرة، وما علموا أن لسان حال هذا القائد الماكر يقول لهم "استمروا على اعتقادكم الفاسد،وتمسكوا بصنمكم المعبود، و لو أنّكم عرفتم إسلامكم حق المعرفة وعبدتم الله تعالى وحده عن بصيرة ما بقينا في بلادكم أكثر من قرن"
و ما دخل هذه القبب من أموال؟
إن القبب على صنفين: صنف بجواها زاوية لتعليم القرآن الكريم يقصده منمختلف الجهات أبناء الفقراء من عائلات ذات الاتجاه الديني، فأموال هذه القبة التي تأتي عن طريق "سلم" السيد الوليّ من نذر وصدقة و زكاة تنفق على الطلبة الداخليين المنتسبين إليها،ويستفيد من "جفانها" الضيف والزائر من المعارف والأحباب،والوجبات تتأرجح بين مقبولة ورديئة حسب المدخول ومن ثمّ ابتدعوا بدعة إقامة الزردات2 الموسمية قصد التسول المقنع وجمع الأموال تحت طائلة "البركة" وتدارك النقص لأن المردود لا يكفي لإشباع البطون الجائعة، ومن المعلوم أن هذه الزوايا كانت قائمة تؤدي رسالتها على أكمل وجه قبل الاحتلال وينفق عليها من أموال الأوقاف والزكاة، وبدخول الكفر الصليبي الوثني الفرنسي إلى الجزائر استولى على الأوقاف واندرس البعض منها وقضى عليها بحكم السياسة الكفرية الفرنسية والبعض الآخر لا يزال يقوم بدوره إلى اليوم، ومما يجدر ذكره أنه منذ الاستقلال إلى اليوم لم أجد وزيرا شهما للشؤون الدينية على تعاقبهم على كرسي الوزارة فكر في القيام بإحصاء هذه الزوايا وعدد الطلبة المنتسبين إليها قصد إلحاقها بالوزارة والإشراف عليها تعليما ونفقة ويتحصل الطالب المنتسب إليها على منحة دراسية داخلية على غرار المنح التي تقدم لتلاميذ مدارس التربية الوطنية وهم بالآلاف وأولياؤهم أغنياء،وبما أن أغلبية المؤسسات التربوية إن لم تكن كلها قد استغنت الآن عن النظام الداخلي، أليس من العدل والإنصاف أن يقتطع جزء من هذه الأموال الطائلة التي كانت مخصصة للداخليين وأنصافهم بوزارة التربية ويحول جزء إلى طلبة الزوايا وهو بالمئات حتى يتسنى لطالب الزاوية وهو جزائري فقير أن يأكل لقمة عزّ و كرامة ولا يترقب الأموات كالصقر فيساق إلى الجنائز لقراءة القرآن على الجيفة الهامدة نظير لقمة الذلّ والمهانة، ولحس طبق من المرق بعجل و لهفة، من لي بوزير جريء يقود بمبادرة طيبة بإلحاق هذه الزوايا بوزارة الشؤون الدينية قصد الإشراف عليها تنظيما و تعليما و تكوينا و نفقة، و تخصص منحة لكل طالب يلتحق بها و يختار لهم المربون المنفتحون على الثقافة الإسلامية المعاصرة و تخلص من المشرفين التقليديين الذي أشربت قلوبهم الشعوذة و البدع و الخرافات، وقد ابتليت هذه الزوايا بالمشرفين الذين يستحلون البدع الشركية المحرمة، ويشاهدون المنكر يتكرر و يباشر على مرأى منهم ومسمع ولا يغيرون ولا ينهون مع قدرتهم على التغير التدريجي، و علمهم بالتحريم، و يتبجح أحدهمجهارا بأنّه سيقوم بإحياء حلقات الذكر الجماعية التي كانت في عصر جاهلية الكفر الفرنسي،وتردد كلماته وعباراته كالببغاء و هم لا يفقهون ما ينعقون
أما القبب التي لا زوايا لها فأين تذهب أموالها ؟
لا جدال أن هذه الأموال يستغلها "من يزعم أنهم من المرابطين" أنفسهم وحدهم في منافعهم الذاتية ولا يشاركهم فيها غيرهم لأنها من تسوّلات جدهم، وقد كانوا فيما مضى– ولا يزال أحيانا– ينفقونها في شراء ثيران لذبحها بمناسبة موسم الحرث الروماني الذي ورثه سكان المنطقة البربر عنهم اعتقادا منهم بالذبح يغنيهم الله بالمطر، وهذا اعتقاد فاسد وشرك في الإسلام،فقد شرع لنا الإسلام صلاة الإستسقاء بما يتضرع المسلمون إلى الله القديرويدعونه رغبا ورهبا عندما ينزل بهم بلاء الجفاف، وهذه العادة توارثها البربر– كما قلنا– عن الرومان وهي تحمل رائحة الوثنيةوتعظيم القرابين، وكان يجب على "المرابطين" وهم قدوة في الدّين عند العامة من الناس ولهم "عليماء" كما يزعمون أن يبطلوهاويحاربوها لمنافاتها للإسلام حتى يقتفي آثارهم القرى المجاورةولكنّهم تمسكوا بها لأنّ الأموال جاهزة ولأن جدّهم كفاهم مؤنة النفقة،والمرابطون يجتهدون أن تبقى أسرارهمفيمابينهمويضربون عليها أسوارا من الكتمان حتى لا ينكشف عوارهم، فحرمة زيارة قببهم و شركية الإستغاثة بوليهم والتوسل به يجب أن يبقى هذا "الحرام" مجهولا عند غيرهم من غير فصيلة دمهم حتى لا تنقطع قوافلهم وتكسد تجارة قبتهم، ومن ثمّ يمنعون الإمام ويجبرونه على ألاّ يذكر قبتهم بسوء في دروس الوعظ والإرشاد يوم الجمعة حتى لا يلفت انتباه المصلين الوافدينمن القرى المجاورة، وقد توصلوا أخيرا إلى شراء ذمة إمام وضميره وسكوته وهو من فصيلة دمهموحيّهم، بألفي دينار في كلّ صلاة جمعة تدفع له من أموال القبة وهو عن بيعه راض مستبشر، ومن بين البدع التي ابتدعوها حتى تجد أموال قبتهم سبيلا إلى الإنفاق والتبذير، هو دعوة طلبة قريتهم فقط لقراءة القرآن على روح ولي قبتهم في يوم الجمعة من كل أسبوعوهي حيلةماكرةظاهرها عمل تعبدي في نظر عميان الجهل المركب وهو غير مشروع، وباطنها استنزاف أموال القبة وإنفاقها في شهواتهم وبطونهم فيحظى بجفانها ممثلي القرية و حاشية السادن ثمّ الطلبة، وقد أخبرني أحدهم أيضا أن ما أنفق على اللحم فقط في عام واحد قدّر بملايين بخمسة، كما أخبرني أحد الطلبة أن دعوتهم لقراءة القرآن على وليّ القبة ليس إلاّ واجهة وذريعة يتمكن فيها رؤساء القرية و حاشية السادن من إشباع رغبتهم هم أولا، ولا يقدم للطلبة إلا ما فضل في القدور والموائد والجفان، ويستحيل أن يفكر أرباب القبب من المرابطين في الفقراء والمحتاجين من قريتهموخارجها من القرى المجاورة بأن يقدموا يد العون والمساعدة بمناسبة الموسم الدراسي أوالزواج أو الختان أو قضاء الديون أو في العيدين المباركين، وإنّما يظهرون نفاق كرمهم لمن يزورهم من المسؤولين قصد شراء سكوته والتأثير فيه، كما يستحيل أن ينظروا بعين الأخوة والجوار إلى القرى المجاورة و يسرعوا إلى نجدتها ماديا إذا نزل بهم بلاء، فقد وقع حريق مهول في إحدى قرى بني دوالة وآت الحريق على كثير من المنازل والحقول ولم يتحرك شعور "أولياء" القبب "الستة" المجاورة لها بأن يمدوا لها يد المساعدة المالية تخفيفا عن مصابها وإشعارا بأخوة الجزار والإسلام علما بأنّ إحدى القبب منها مدخولها السنوي يتراوح مابين 60 "ستين" إلى 80 "ثمانين" مليونا، وقد يصل أحيانا إلى 0 12 "مائة وعشرين" مليونا، وقد عزمت قرية مجاوزة لقرى المرابطين على بناء مسجد، فتوجه بعض أعضاء اللجنة الدينية منها إلى رؤوس هذه القبب طالبين منهم الإسهام والعون المالي في بناء مسجدهم، إلا أن بخلهم و لؤمهم وجشعهم علوا أيديهم في عنقهم ولم يمدوا لهم ولو مليما واحدا، وهذه القبب الموزعة عبر منطقة الزواوة أدناها وأقصاها تركت أثرا سيئا في الدين وشوهت روح الإسلام فهي أصناموأوثان المرابطين لا فرق بينهم وبين المشركين في الجاهلية، وكلاهما مسلموا اليوم ومشركوا الجاهلية يعترفون بوجود الله وأنه هو الخالق وأنه هو المدبر لكل شيء و يشتركان في التقرب إلى الله زلفى، هؤلاء باللاّت والعزّى وأولئك بالقبب،وكلاهما أيضا يتقربون إليها بالنّذور والتوسل والإستعانة، ويتميز "مرابطو قبب اليوم" بأنّ قبتهم تدبّر إليهم أموالا يستعينون بها في الإنفاق على رغباتهم، ومن العادات المحرمة المتأصلة في عروق ودم "هؤلاء المرابطين" مهما نبّهت وحذرت أن كل من يتوجه إلى البقاع المقدسة لأداء فريضة الحج عليه عرفا أن يمر على صاحب المقام وتفتح له باب القبة ويدعون له – باسم بركة الوليّ -، بسلامة الوصولوالعودة، و منهم من يطوف حول الهيكل سبعة أشواط ومن خالف هذه العادة الشركية،فإنه في نظر المرابطين المتعصبين من المنبوذين،ويقاطع اجتماعيا،بينما المرتدون( من بدل دينه وتنصر...) الذين برزوا في عقر دارهم لا يقاطعونهم ويتعاملون معهم اجتماعياواقتصاديا،ومن خرافاتهموخزعبلاتهم التي لتزال تعشش في أدمغتهم ويرددونها في عصر التقدم العلي والعقلي أن المسافر إذا كان وحده فالولي رفيقه في السفر، وأن كانا اثنين فهو ثالثهما وإن كانوا ثلاثة فأكثر فقد ضمن لهم أمن السفر شريطة أن يتوسلوا ويستغيثوا به، وينطبق عليهم هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد بسند حسن عن طارق بن شهاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "مرّ رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا، فقالوا لأحدهما قرّب، قال: ليس عندي شيء أقربه، قالوا: قرب ولو ذبابا، فقرب ذبابا، فخلوا سبيله فدخل النار، وقالوا للآخر: قرّب، قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عزوجل، فضربوا عنقه فدخل الجنّة"[8]، ومن تعصب عميان الجهل المركب من المرابطينوتطرفهم أنهم إذا عيّن لهم إمام يشترطون عليه عزما أن يتردد إلى وليّ قبتهم ويشاركهم في شركهم وتقاليدهم المحرمة، فإن أبى يضايقونه ويقاطعونه ويضطرونه إلى الانتقال من مسجدهم، وكم من إمام كفء نزيه صالح حافظ للقرآن رفض الامتثال لبدعهموخرافاتهم وترهاتهم ضايقوه حتى غادر المكان إلى آخر ليس فيه قبة تزار.بتاريـخ : 15 ربيـع الثـاني 1423 هـ
26 جـــوان 2002 م
الشيخ أبو طارق البويحياوي
عبد الله حشروف
-----------------------------------
[1]الزواوة : أهل منطقة القبائل "البرابرة" و أطلق عليهم هذا الوصف لكثرة زوايا تحفيظ القرآن فيها – سابقا -.
[2]صحيح رواه مسلم (1017(
[3]أخرجه البخاري في الصلاة باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد 1/110/، ومسلم (528) في المساجد باب النهي عن بناء المساجد على القبور، والنسائي في المساجد باب النهي عن اتخاذ القبور مساجد 2/41.
[4]أخرجه البخاري في الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل 4/144، وفي المغازي باب مرض النبي لله ووفاته 5/140/، وفي اللباس باب الأكسية والخمائص 7/41، ومسلم (531) في المساجد باب النهي عن بناء المساجد على القبور، والنسائي في المساجد باب النهي عن اتخاذ القبور مساجد 2/40/، والدرامي (1410) في الصلاة باب النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وأحمد 1/218 و6/34.
[5]أخرجه مسلم (530) في المساجد باب النهي عن بناء المساجد على القبور، وأبو داود (3227) في الجنائز باب في البناء على القبر، وأحمد 2/284.
7[6]المائدة 116-117
2"الزردة" و "الوعدة" هي وليمة كبيرة تقام عند الأضرحة تقربا لسيدهم الوليّ و لها مواسم معلومة.
[8]رواه الإمام أحمد في الزهد 1/15.
http://www.soufia-h.net/showthread.php?t=16731
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق