عشرون دليلا في النهي عن الصلاة عند القبور
وبيان حكم بناء المساجد والغرف عليها |
ماجد بن سليمان الرسي
|
مقدمة الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه وسلم ، وبعد: فإن الله خلق الجن والإنس لغاية عظيمة ، وهي أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، قال تعالى ]وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[ ، والعبادة تشمل كل ما يحبه الله ويرضاه ، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة . فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار والمنافقين ، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكـين وابن السبيل والمملوك ، والإحسان إلى البهائم ، والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة . وكذلك حب الله ورسوله ، وخشية الله والإنابة إليه ، وإخلاص الدين له ، والصبر لحكمه ، والشكر لنعمته ، والرضا بقضائه ، والتوكل عليه ، والرجاء لرحمته ، والخوف من عذابه ، وأمثال ذلك ؛ هي من العبادة لله . وضد العبادة ؛ الشرك في عبادة الله ، بأن يجعل الإنسان لله شريكا يعبده كما يعبد الله ، ويخافه كما يخاف الله ، ويتقـرب إليه بشيء من العبادات كما يتقرب لله ، من صلاة أو ذبح أو نذر أو غير ذلك . ومن رحمة الله بعباده أن سد الطرق المفضية إلى الشرك وإن لم تكن شركا بحد ذاتها ، ليكون الإنسان على حذر وبعد من أسباب الهلاك ، ومن ذلك ما جاءت به الشريعة الإسلامية من النهي عن الصلاة عند القبور ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك في أحاديث كثيرة – كما سيأتي بيانه – ، وعلة النهي هي أن المصلي إذا صلى عند قبـر فإن الشيطان سيزين له الصلاة لذاك الميت والسجود له ودعاءه والتوجه إليه ، خصوصا من كان في حالة شدة واضطرار ، ومن وقع في هذا فقد وقع في الشركفي عبادة الله ، الموجب للخلود في النار . وفي هذا البحث المختصر ؛ وددت أن أدلي بدلوي ، وأفيد نفسي وإخواني ، بجمع بعض ما تفرق في كتب أهل السنة في هذا الباب ، فذكرت الأدلة الشرعية الواردة في النهي عن الصلاة عند القبور ، ثم نقلت ما يسر الله نقله عن علماء المذاهب الأربعة في النهي عن ذلك ، ثم نقلت إجماع العلماء قاطبة في النهي عن ذلك أيضا ، ثم استطراد في بيان علة النهي عن الصلاة عند القبور ، ثم ألحقت البحث بجزء في حكم بناء المساجد على القبور ، وبيان أن تحريمه منصوص عليه عند علماء المذاهب الأربعة أيضا ، ثم حكاية اتفاق جميع العلماء على ذلك ، ثم ألحقته بفصل في بيان حكم بناء الغرف والتوابيت ونحوها على القبور . والله أسأل أن ينفع بهذا البحث الكاتب والقارىء ، وأن يوفق المسلمين جميعا للعلم النافع ، واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم بحذافيرها ، واجتناب البدع والمحدثات في العبادات ، لتكون عباداتهم مقبولة عند الله ، نافعة يوم القيامة ، والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . وكتبه ، ماجد بن سليمان الرسي فجر الثاني من ذي القعدة ، لعام ألف وأربعمائة وتسعة وعشرون منالهجرة النبوية المباركة . Readquran1000@hotmail.com هاتف : 00966505906761 المملكة العربية السعودية http://www.saaid.net/kutob/ فصل في بيان معنى كلمة «مسجد»
كل موضع يصلى فيه فإنه يسمى مسجداً وإن لم يكن هناك بناء لمسجد ، وعلى هذا فالأرض تتوصف بأنها مسجد ، وكلمة مسجد تكون اسما للبناء المعروف الذي يتخذه المسلمون لأداء الصلوات الخمسة فيه ، وعلى هذا فكلمة مسجد لها استعمال عام واستعمال خاص ، أما الاستعمال العام فللأرض ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا .[1]
والاستعمال الخاص يكون لبناء المسجد المعروف ، ومنه قول الله تعالى )إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ولم يخش إلا الله(.
فصل في بيان معنى اتخاذ القبور مساجد
اتخاذ القبور مساجد له أربع صور :
الصورة الأولى : أن يُسجد على القبر ، فيكون القبر موضع السجود ، ويكون الميت هو المسجود له عياذا بالله ، وهذا شرك واضح . الصورة الثانية : أن يصلي إلى القبر ، أي يكون القبر أمامه ، يصلي إليه ، ويجعله قبلة ومعبودا ، عياذا بالله ، وهذا حكمه كسابقه . الصورة الثالثة : أن يصلي إلى القبر ، لاعتقاد أن الصلاة بجانب قبر لها فضل ومزية ، مع كون صلاته لله تعالى وليست تعبدا لذاك المقبور ، فهذا حرام ، لكونه وسيلة إلى الصورة الأولى والثانية . الصورة الرابعة : أن يزاد على الصور المتقدمة ، بأن يدفن الميت في أرض سليمة ، ثم يُبنى على القبر مسجدا ، أو يُجعل القبر في مسجد سليم ، فكِلا الصورتين سواء ، ومؤداهما واحد ، وهو جعل القبر في داخل المسجد ، وحكمه كما تقدم ، فإن كان القبر معبودا فهذا شرك مخرج من ملة الإسلام ، وإن كان المقصود اعتقاد أن للصلاة فضلا إذا كانت بجانب قبر فهذا الفعل من كبائر الذنوب كما سيأتي بيانه . الصورة الخامسة : أن يبنى المسجد بجوار قبر ، أو يتخذ قبر بجوار مسجد ، وحكمه كما تقدم . وأسوأ صور اتخاذ القبور مساجد هو الصورة الأولى والثانية ، لأن هذا هو الشرك المخرج من ملة الإسلام ، وأما الصور الباقية فمحرمة ، ولكنها ليست شركا بحد ذاتها ، وليست مخرجة من ملة الإسلام ، ولكنها شديدة التحريم ، بل هي من كبائر الذنوب ، لأن مرتكبها قد قال على الله بغير علم ، ولأن فعله وسيلة إلى ما هو أشد تحريما ، وهو عبادة المقبور ، وسيأتي بيان ذلك بشيء من التفصيل في (فصل في بيان علة النهي عن الصلاة عند القبور) .
فصل في بـيان أدلة النهي عن اتخاذ القبور مساجد
الذي يعنينا في هذا البحث هو الصورة الثالثة والرابعة ، والمتمثلة في قيام بعض الناس بالصلاة في المقابر لله تعالى ، وليس تعبدا لصاحب القبر ، أو الصلاة في مساجد فيها قبور ، سواء كان القبر أمام المصلي أو خلفه أو عن يمينه أو شماله ، ففي حق هؤلاء جاء نهي النبـي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد في مواطن كثيرة من حياته ، ثم جاء تأكيد النهي في مرض وفاته ، بالرغم من ثقل المرض وشدته ، ثم أكد نهيه مرة أخرى وهو في سياق الموت ، فدل ذلك على خطورة الأمر وأهميته ، حيث لم يشغله نـزع الروح عن النهي عن اتخاذ القبور مساجد ، وهذه جملة من الأدلة الواردة في هذا الباب :
1. حديث جندب بن عبد الله البجلي رضى الله عنه أنه قال : سمعت النبـي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس[2] يقول : ... ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبـيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تــتخذوا القبور مساجد ، إني أنهاكم عن ذلك .[3] 2. حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه : لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبـيائهم مساجد . قالت : لولا ذلك أُبرز قبـره غير أنه خُشي أن يتخذ مسجدا .[4] 3. حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما قالا : لما نُزِل[5] برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ طفق[6] يطرح خميصة[7] له على وجهه ، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه ، فقال وهو كذلك : لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبـيائهم مساجد . يحذر ما صنعوا .[8] وفي لفظ : لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبـيائهم مساجد .[9] وهذا الحديث كالذي قبله ، يحذر فيه النبـي صلى الله عليه وسلم بطريق اللعن من اتخاذ القبور مساجد كما فعل أهل الكتاب ، تحذيرا لأمته أن يفعلوا مثلهم . قال ابن حجر رحمه الله : وكأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه مرتحل من ذلك المرض ، فخاف أن يُعظم قبره كما فَعل من مضى ، فلعن اليهود والنصارى ، إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم . وقال الشيخ أحمد الرومي الحنفي معلقا على هذا الحديث : هذا الحديث من صحاح المصابيح ، روته أم المؤمنين عائشة ، وسبب دعائه عليه الصلاة والسلام على اليهود والنصارى باللعنةِ ؛ أنهم كانوا يُصلّون في المواضع التي دفن فيها أنبياؤهم ، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن الصلاة في المقابر احترازاً عن مشابهتهم بهم . قال بعض المحقّقين : والصلاة في المواضع المتبَركة من مقابر الصّالحين داخلة في هذا النهي ، لاسيما إذا كان الباعث عليها تعظيم هؤلاء ، فإن مبتدأ عبادة الأصنام كان في قوم نوح النبي عليه السلام من جهة عكوفهم على القبور ، كما أخبر الله تعالى في كتابه .[10] 4. حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه : أدخِلوا عليَّ أصحابي ، فدخلوا عليه وهو متقنع ببردة مَعافِـري[11] ، فكشف القناع فقال : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .[12] وهذا الحديث فيه دليل على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المسألة حيث لم يكتف بسماع بعض أصحابه له ؛ بل حرص على بيانه لعامة أصحابه ، حيث قال : أدخِلوا علي أصحابي .[13] 5. حديث أبـي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قاتل الله اليهود ، اتخذوا قبور أنبـيائهم مساجد .[14] 6. حديث عائشة رضي الله عنها ، أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال : (لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبـيائهم مساجد) ، يُحَـرِّم ذلك على أمته . [15] 7. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، ومن يتخذ القبور مساجد .[16] 8. حديث أبـي عبـيدة عامر بن الجـراح رضي الله عنه قال : كان آخر ما تكلم به نبـي الله صلى الله عليه وسلم ؛ أن أخرِجوا يهود الحجاز من جزيرة العرب ، واعلموا أن شـرار الناس الذين يتخذون القـبور مساجد .[17] 9. حديث أبـي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم لا تجعل قبـري وثنا ، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبـيائهم مساجد .[18] قال ابن عبد البر رحمـه الله: الوثن الصنم ، وهو الصورة من ذهب كان أو من فضة أو غير ذلك من التمثال ، وكل ما يعبد من دون الله فهو وثن ، صنما كان أو غير صنم ، وكانت العرب تصلي إلى الأصنام وتعبدها ، فخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمتـه أن تصنع كما صنع بعض من مضى من الأمم ، كانوا إذا مات لهم نبي عكفوا حول قبره كما يُصنع بالصنم ، فقال صلى الله عليه وسلم : اللهم لا تجعل قبـري وثنا يصلى إليه ويُسجد نحوه ويُعبد ، فقد اشتد غضب الله على من فعل ذلك ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه وسائر أمته من سوء صنيع الأمم قبله ، الذين صلوا إلى قبور أنبـيائهم واتخذوها قبلة ومسجدا كما صنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون إليها ويعظمونها ، وذلك الشرك الأكبر ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه وأنه مما لا يرضاه ، خشية عليهم من امتثال طرقهم . وكان صلى الله عليه وسلم يحب مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفار ، وكان يخاف على أمته اتِّباعهم ، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم على وجه التعيـير والتوبـيخ : لتــتبعن سنن الذين كانوا قبلكم ، حذو النعل بالنعل ، حتى إن أحدهم لو دخل جحر ضب لدخلتموه .[19] [20] وقال صاحب « البدر التمام » شارح « بلوغ المرام » قوله : وظاهر هذه الأخبار المقترنة باللعن والتشبيه بالوثن بقوله : (لا تجعلوا قبري وثنا يعبد من دون الله) ؛ تفيد التحريم للعمارة والتزيين والتجصيص ، ووضع الصندوق المزخرف ، ووضع الستائر على القبر وعلى سمائه ، والتمسح بجدار القبر ، وأن ذلك قد يفضي مع بُعد العهد وفشو الجهل إلى ما كان عليه الأمم السابقة من عبادة الأوثان ، فكان في المنع عن ذلك بالكلية قطع لهذه الذريعة المفضية إلى الفساد ، وهو المناسب للحكم المعتبر في تشريع الأحكام من جلب المصالح ودفع المفاسد ، سواء كانت بنفسها ، أو باعتبار ما تُفضي إليه .[21] 10. حديث أبـي مرثد الغنوي رضي الله عنه ، أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال : لا تصلوا إلى القبور ، ولا تجلسوا عليها .[22] وفي رواية : لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها .[23] والصلاة إلى القبـر تعني استقباله . قال النووي رحمـه الله في شرح الحديث : فيه تصريح بالنهي عن الصلاة إلى قبـر . 11. حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تصلوا إلى قبـر ، ولا تصلوا على قبـر .[24] 12. حديث أبـي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور ، أو يقعد عليها ، أو يصلى عليها .[25] 13. حديث أبـي سعيد الخدري رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الأرض كلها مسجد إلا المقبـرة والحمام .[26] دل هذا الحديث بمنطوقه وصريح لفظه على أن الصلاة في المقبرة لا تصح ولو كانت الصلاة خالصة لله تعالى ، لأن القبور ليست ظرفاً مكانياً لهذه العبادة الجليلة كما أن الحمام لا يصلح للصلاة فيه ، بل الصلاة في الحمام أخف من الصلاة في المقبرة ، لأن الأحاديث تواترت في لعن وذم من اتخذ القبور مساجد . 14. حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال : اجعلوا في بـيوتكم من صلاتكم ، ولا تــتخذوها قبورا .[27] وفي رواية : إجعلوا من صلاتكم في بـيوتكم ، ولا تــتخذوها قبورا .[28] وفي رواية : صلوا في بـيوتكم ولا تــتخذوها قبورا .[29] قال ابن حجر في « الفتح » : استُـنبط من قوله في الحديث : (ولا تــتخذوها قبورا) ؛ أن القبور ليست بمحل للعبادة . وقال ابن المنذر في « الأوسط »[30] : والذي عليه الأكثر من أهل العلم ؛ كراهية الصلاة في المقبرة ، لحديث أبي سعيد رضي الله عنه[31] ، وكذلك نقول . قلت : الظاهر أن المراد بالكراهة هنا كراهة التحريم لا كراهة التنـزيه ، لأن الكراهة عند المتقدمين هي التحريم كما هي طريقة القرآن ﴿وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان﴾ ، وعند المتأخرين : ما يثاب تاركه امتثالا ، ولا يعاقب فاعله ، ومقصود كلام ابن المنذر هو الأول ، لأنه من المتقدمين . 15. حديث أبـي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تــتخذوا قبـري عيدا ، ولا تجعلوا بـيوتكم قبورا ، وحيثما كنتم فصلوا علي ، فإن صلاتكم تبلغني .[32] ففي هذا الحديث شبه النبي صلى الله عليه وسلم البيوت التي لا يصلى فيها بالقبور ، فدل على أن القبور ليست محل صلاة أصلا ، وهو الشاهد . 16. ومن الأدلة كذلك إنكار الحسن بن الحسن بن علي بن أبى طالب رضي الله عنه على سهيل بن أبى سهيل لما رآه دنا عند قبـر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له : مالي رأيتك عند القبـر ؟ فقال : سلمت على النبـي صلى الله عليه وسلم . فقال : إذا دخلت المسجد فسلم[33] ، ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تــتخذوا قبـري عيداً ، ولا تــتخذوا بـيوتكم قبورا ، وصلوا عليَّ ، فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم ، لعن الله اليهود ، اتخذوا قبور أنبـيائهم مساجد . ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء .[34] 17. ومن الأدلة على تحريم الصلاة في المقـابر أن موضع مسجده صلى الله عليه وسلم كان مقبـرة للمشركين قبل بناءه ، فنَبش النبي صلى الله عليه وسلم قبورهم ، ونقل رفات الموتى ، ثم سوّى الأرض ، ثم بنى المسجد ، ولم يتخذ المكان مسجدا إلا بعد إزالة القبور منه .[35] وهذا دليل واضح على تحريم الصلاة في مسجد فيه قبر ، فلم يرضَ النبي صلى الله عليه وسلم ببناء مسجده على قبور المشركين ، مع أن المدفونين ليسو مظنة غلو الناس فيهم ، فكيف بمن هم مظنة غلو الناس فيهم ، وما ذاك إلا لأن الصلاة بين القبور محرمة ، فتأمل هذا جيداً . 18. أن المنقول عن الصحابة هو الإنكار على من صلى أو دعا عند قبر ، وكفى بفعل الصحابة حجة إذا استقر عنهم فعل أو ترك مع قيام المقتضي ، فعن أنس قال : قمت يوما أصلي وبين يدي قبر لا أشعر به ، فناداني عمر (القبر ، القبر) ، فظننت أنه يعني القمر ، فقال لي بعض من يليني : (إنما يعني القبر) ، فتنحيت عنه .[36] فهذا يدل على أن المستقر عند الصحابة تحريم الصلاة عند القبور . ولما كان هذا هو فقه الصحابة في المسألة ؛ دفنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة خلاف ما اعتادوه من الدفن في المقبـرة لئلا يُتخذ قبـره مصلى ، وقد صرحت عائشة بهذه العلة ، رضي الله عنها وعن أبيها ، في أنه لولا خشية الصحابة أن يتخذ الناس قبـر النبـي صلى الله عليه وسلم مسجدا يُصلى عنده لأبرزوا قبـره - أي لدفن في المقبـرة وصار قبـره ظاهرا للناس كالقبور الأخرى - ، ولكن لمخافة أن يتخذ الناس قبـره صلى الله عليه وسلم مصلى ؛ أجمع الصحابة على دفنه في بـيته لسد الطريق على من يريد أن يبني عليه مسجدا أو يصلي عند قبـره . والقول بتحريم الصلاة عند القبور ورد عن جمع من الصحابة والتابعين كأنس وعبد الله بن عمرو والحسن العرني والمسيب بن رافع وخيثمة بن عبد الرحمن المدني وابراهيم النخعي وابن سيرين ومكحول .[37] 19. ومن أدلة تحريم الصلاة عند القبور أن عمر رضي الله عنه - وهو الخليفة الراشد ذو السنة المتبعة – نهى عن الصلاة في مكان صلى فيه النبـي صلى الله عليه وسلم عرضاً بدون قصد تخصيص الصلاة في ذلك المكان ، فكيف بالصلاة في مكان نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قصده للصلاة فيه ، كالقبور ؟ فقد روى سعيد بن منصور في سننه عن المعرور بن سويد قال : خرجنا مع عمر في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر بألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ولإيلاف قريش في الثانية ، فلما رجع من حجته رأى الناس ابتدروا المسجد فقال : ما هذا ؟ قالوا : مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم ، اتخذوا آثار أنبـيائهم بـيعاً ، من عرضت له منكم الصلاة فيه فليصل ، ومن لم تعرض له الصلاة فليمض . وفى رواية أنه رأى أناس يذهبون مذاهب فقال : أين يذهب هؤلاء ؟ فقيل : يا أمير المؤمنين ، مسجد صلى فيه النبـي صلى الله عليه وسلم ، فهم يصلون فيه ! فقال : إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا ، كانوا يتــتبعون آثار أنبـيائهم ويتخذونها كنائس وبـيعاً ، فمن أدركته الصلاة منكم في هذه المساجد فليصل ، ومن لا فليمض ولا يتعمدها .[38] 20. ومن أدلة تحريم الصلاة عند القبور أن في ذلك تشبها بالكفار ، كما دلت على ذلك الأحاديث الثلاثة الأول ، ومن المعلوم أن التشبه بالكفار في عباداتهم حرام ، وقد جاء الوعيد الشديد في حق من تشبه بهم في قوله صلى الله عليه وسلم : من تشبه بقوم فهو منهم .[39] قال ابن كثير رحمه الله : ففيه دلالة على النهي الشديد والتهديد والوعيد على التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم ولباسهم وأعيادهم وعباداتهم وغير ذلك من أمـورهم التي لم تشرع لنا ولم نقرر عليها .[40] وكان صلى الله عليه وسلم يحب مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفار ، ويخاف على أمته اتِّباعهم ، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم على وجه التعيـير والتوبـيخ : لتــتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه . قلنا : يا رسول الله : اليهود والنصارى ؟ قال : فمن .[41] ومن الأمثلة التطبيقية المعاصرة على أن اتخاذ القبور مساجد هو دين الكفار ؛ ما ذكره الشيخ الألباني رحمـه الله تعالى في كتابه « تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد » ، قال : وقد قرأت مقالا في مجلة المخـتار عدد مايو 1958 تحت عنوان : « الفاتيكان المدينة القديمة المقدسة » يصف فيه كاتبه « رونالد كارلوس بـيتي » كنيسة « بطرس » في هذه المدينة فيقول (ص 40) : إن كنيسة القديس بطرس - وهي أكبر كنيسة من نوعها في العالم المسيحي - تقوم على ساحة مكرسة للعبادة المسيحية منذ أكثر من سبعة عشر قرنا ! إنها قائمة على قبـر القديس نفسه : صياد السمك ، حواري المسيح ، وتحت أرضيتها يقع تيه[42] من المقابر الأثرية ، والخرائب الرومانية القديمة ، ثم ذكر أنه يقصدها نحو مائة ألف شخص في أيام الأعياد الكبـيرة للعبادة .[43] 21. ومن أعظم الأدلة على تحريم الصلاة عند القبور ؛ اتفاق أئمة الأسلام على ذلك ، ومن المعلوم أن إجماع المسلمين حجة شرعية ، لقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة ، ويد الله على الجماعة .[44] ولقوله : يد الله مع الجماعة .[45] وقد نقل إجماعهم السيوطي رحمه الله في كتابه « الأمر بالإتباع والنهي عن الإبتداع » بعدما ذكر صفة الزيارة الشرعية فقال ما نصه : وما سوى ذلك من المحدثات كالصلاة عندها واتخاذها مساجد وبناء المساجد عليها ؛ فقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك ، والتغليظ على فاعله ، فأما بناء المساجد عليها وإشعال القناديل أو الشمع أو السرج عندها فقد لعن فاعله كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وصرح عامة علماء الطوائف بالنهي عن ذلك ، متابعة للأحاديث الواردة في النهي عن ذلك ، ولا ريب في القطع بتحريمه . ثم ذكر حديث جندب رضي الله عنه .[46] قال ابن رجب رحمه الله: (وقد اتفق أئمة الإسلام على هذا المعنى)[47] ، يعني تحريم الصلاة عند القبور . قال مقيده عفا الله عنه : ولا يعلم لهؤلاء الأئمة مخالف ، ومن خالف فخلافه مردود عليه ، لأنه خالف الكتاب والسنة وما سار عليه السلف الصالح ، أصحاب القرون الثلاثة المفضلة الأولى ، وأتباعهم على الحق ، جعلنا الله منهم .
فصل في ذكر أقوال بعض الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام في حكم الصلاة عند القبور
قال الشافعي رحمه الله : أخبرنا مالك[48] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، لا يبقى دينان بأرض العرب .
قال : وأكره هذا للسنة والآثار . وأنه[49] كره والله تعالى أعلم أن يعظم أحد من المسلمين ، يعني يتخذ قبره مسجدا ، ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على من يأتي بعد .[50] والكراهة عند المتقدمين هي التحريم كما هي طريقة القرآن ﴿وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان﴾ ، وعند المتأخرين : ما يثاب تاركه امتثالا ، ولا يعاقب فاعله ، ومقصود كلام الشافعي هو الأول ، لأنه من المتقدمين . وقال أبو بكر الأثرم : سمعت أبا عبد الله – يعني أحمد[51] – يُسأل عن الصلاة في المقبرة ، فكره الصلاة في المقبرة ، فقيل له : (المسجد يكون بين القبور ، أيصلى فيه ؟) ، فكره ذلك . قيل له : (إنه مسجد ، وبينه وبين القبور حاجز) ، فكره أن يصلى فيه الفرض ، ورخص أن يصلى فيه على الجنائز ، وذكر حديث أبي مرثد الغنوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تصلوا إلى القبور ، وقال : إسناد جيد .[52] وممن كره الصلاة في المقبرة الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي والشافعي وأصحابهم ، قاله ابن عبد البر في « التمهيد » .[53] وقال ابن قدامة في « المغني » : وممن روي عنه أنه كره الصلاة في المقبرة علي وابن عباس وابن عمر وعطاء والنخعي وابن المنذر .[54]
فصل في بيان علة النهي عن الصلاة عند القبور[55]
كما تقدم في مقدمة هذا البحث ؛ فإن غالب الذين يصلون عند القبور يعتقدون أن الصلاة عندها لها بركة خاصة ومزية وفضل على غيرها من الصلوات في البقاع الأخرى ، ولا شك أن هذا الاعتقاد ليس له أصل في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل هو عمل محرم مردود على صاحبه ، ليس فيه من البركة والفضل مثقال ذرة ، بل فيه الإثم والبلاء ، لأن الله لم يجعل البركة في مخالفته ، ثم إن الشريعة لم تنص على أفضلية الصلاة في بقعة غير المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى ومسجد قباء بالمدينة ، فعلى هذا فالقول بأفضلية الصلاة في المقابر قول على الله بغير علم ، وافتراء على شريعته .
قال النووي رحمـه الله : قال العلماء : إنما نهى النبـي عن اتخاذ قبـره وقبـر غيره مسجدا خوفا من المبالغة في تعظيمه والافتـتان به ، وربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية .[56] وقال السيوطي في كتابه « الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع » ما نصه : وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع صلى الله عليه وسلم هي التي أوقعت كثيرا من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه ، ولهذا تجد أقواما كثيرين من الضالين يتضرعون عند قبور الصالحين ويخشعون ويتذللون ويعبدونهم بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله المساجد ، بل ولا في الأسحار بين يدي الله تعالى ، ويرجون من الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد التي تشد إليها الرحال ، فهذه المفسدة هي التي أراد النبي صلى الله عليه وسلم حسم مادتها ، حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقا وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة ولا ذلك المكان ، سدا للذريعة إلى تلك المفسدة التي من أجلها عُـبدت الأوثان . [57] وقال الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي رحمه الله : إعلم أن كل مكان لا فضل له في الشريعة أصلاً ، ولا فيه ما يوجب تفضيله ، بل هو كسائر الأمكنة أو دونها ، وقصد ذلك المكان أو قصد الاجتماع فيه لصلاة أو دعاء أو ذكر أو غير ذلك من معتقد قاصده ؛ من الضلال الواضح ، والخطأ الفاضح ، إذ هو تشريع في الدين ، وتفضيل بقعة لم تفضلها الشريعة ، بل مجرد الهوى الذي جعله الله تعالى بمنـزلة إلـٰه يعبد ، فقال سبحانه }أفرأيت من أتخذ إلـٰهه هواه{ ، وفي ذلك مشابهة للمشركين في تفضيلهم أماكن بمجرد هوى أنفسهم ، فإنهم كانوا يقصدون بقعة بعينها لتمثال هناك ، أو غير تمثال ، يعتقدون أن ذلك يقربهم إلى الله تعالى .[58] وقال أيضا : فلو قُدر أن الصلاة عند القبور توجب الرحمة أكثر من الصلاة عند غيرها لكان المفسدة الناشئة من الصلاة عندها أعظم لما تقدم ، ومن لم تكن له بصيرة يدرك بها الفساد الناشئ من الصلاة عندها واتخاذها مساجد ؛ فيكفيه أن يقلد الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأنه لولا الصلاة عندها واتخاذها مساجد مما غلبت مفسدته على مصلحته لما نهى عنه ، كما نهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة ، وعن صوم يومي العيدين . وليس على المؤمن ولا له أن يطالب الرسل بتبيين وجوه المصالح والمفاسد ، وإنما عليه طاعتهم فيما أمروا به ونهوا عنه .[59]
استثناء
إعلم أن الصلاة المقصودة بالنهي عند القبور هي الصلاة ذات الركوع والسجود ، أما صلاة الجنازة لمن فاتته فجائز أداؤها في المقبرة ، ودليل ذلك حديث أبـي هريرة رضي الله عنه ، أن رجلا أسود - أو امرأة سوداء - كان يقم المسجد فمات فسأل النبـي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا : مات ، قال : أفلا كنتم آذنتموني به ؟ دلوني على قبـره – أو قال : على قبـرها – ، فأتى قبـره فصلى عليه .[60]
تنبيه
إعلم – رحمك الله - أن تحريم الصلاة في المساجد المبنية على القبور مضطردة في كل حال ، سواء كان القبـر أمامه أو خلفه ، يمينه أو يساره ، وسواء كان القبر أولاً أو المسجد ، فالصلاة فيها محرمة على كل حال ، ولكن التحريم يشتد إذا كانت الصلاة إلى جهة القبـر .
قال الشيخ محمد سلطان المعصومي الحنفي رحمه الله : وأما التوجه إلى قبره صلى الله عليه وسلم من كل نواحي المسجد كلما دخل المسجد ، أو كلما فرغ من الصلاة ؛ فليس من دين الإسلام أصلا ، بل من شعار عباد الأوثان والمشركين قطعا ، وقد ثبـت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد) ، (ولا تتخذوا قبري عيدا) ، (لعن الله اليـهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). ولا شك أن التوجه إلى شيء أو إلى جهة بقصد التقرب وحصول الثواب عبادة ، والعبادة حق الله خاصة دون غيره ، وهذا لا يكون إلا للكعبة فقط ، فمن توجه إلى غير الكعبة بقصد القربة فقد أشرك بعبادة الله غيره ، وهذا مناف للإسلام وما جاء به محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فقبلة العبادة وقبلة التوجه وقبلة الدعاء إنما هي الكعبة لا غير في دين الإسلام ، ﴿فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره﴾ .[61]
خلاصة
تبين لنا مما تقدم من الأدلة الشرعية الواردة أن تحريم الصلاة عند القبور ورد في خمس صيغ :
الأول : لعن من فعل ذلك . الثاني : أنه من سنن اليهود والنصارى وطرقهم . الثالث : النهي الصريح عن هذا الفعل ، كقول : لا تتخذوا ... الرابع : الدعاء على من فعل ذلك بالمقاتلة ، أي مقاتلة الله له . الخامس : وصف فاعلي ذلك بأنهم شرار الخلق عند الله يوم القيامة . فهل يشك عاقل بعد هذا في تحريم الصلاة عند القبور ؟ الجواب لا بالطبع ، فعلى هذا فالصلاة عند القبور محرمة ، سواء كان القبـر في مسجد أو في مقبـرة أو في العراء بجانب القبر ، وسواء كان المقصود بالصلاة هو الله وحده أو صاحب القبـر ، فإن كانت الصلاة لصاحب القبـر فهذا شرك أكبر مخرج من دين الإسلام ، وإن كانت الصلاة لله وحده ، ولكن بجانب قبر أو إلى قبر ؛ فهذا محرم ومن كبائر الذنوب .
فصل في حكم بناء المساجد على القبور
لم يكتف أقوام بمجرد الصلاة عند القبور ، بل بنوا عليها مساجد لتستقر الصلاة عندها وتثبت على الدوام ، فريضة كانت أو نافلة ، اعتقادا منهم أن ذلك أعظم أجرا من الصلاة في المساجد الخالية من القبور ، وأن الدعاء في المساجد التي تضم قبورا أقرب للإجابة من المساجد الخالية من القبور ، بل إن بعضهم ينفق أموالا طائلة لبناء مسجد ، ثم يوصي بأن يدفن فيه !
ولو رجعنا إلى السنة النبوية لوجدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعلي ذلك ، ونص على أنهم شرار الخلق عند الله يوم القيامة .
فصل في بيان أدلة النهي عن بناء المساجد على القبور
عن عائشة رضي الله عنها قالت : إن أم حبـيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله صلى الله عليه وسلم [62]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبـره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة .[63]
قال ابن عبد البر رحمه الله : هذا يُحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء والصالحين مساجد .[64] وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور ، والمتخذين عليها المساجد والسرج .[65] وقد سار الصحابة والتابعون وتابعوهم رضي الله عنهم على هديه في القرون الثلاثة المفضلة الأولى ، فلم يكونوا يدفنون الموتى في المساجد ، ولا كانوا يبنون المساجد على القبور . ومما جاء عن الصحابة في كراهية بناء المساجد على القبور ما رواه ابن أبي شيبة في « مصنفه » عن أنس ، أنه كان يكره[66] أن يبنى مسجدا بين القبور .[67] ومما جاء عن التابعين في كراهية بناء المساجد على القبور ؛ ما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن إبراهيم النخعي ، أنه كان يكره أن يجعل على القبر مسجدا . [68] قال الألباني رحمه الله في « تحذير الساجد » : وإبراهيم هذا هو ابن يزيد النخعي الإمام ، وهو تابعي صغير ، مات سنة 96 ، فقد تلقى هذا الحكم بلا شك من بعض الصحابة أو ممن أدركهم ، ففيه دليل قاطع أنهم يرون بقاء هذا الحكم واستمراره بعده صلى الله عليه وسلم .[69] وقال الأستاذ عبد الله بن دجين السهلي حفظه الله : وقد اشتد نكير السلف في القرون الثلاثة المفضلة على زخرفة المساجد ، وكتابة القرآن على جدرانها ، مما هي دون بناء المشاهد ودفن الموتى فيها ، ولو كانت موجودة لنقل عنهم إنكارها .[70] قال ابن تيمية رحمه الله : وكذلك المساجد المبنية على القبور التي تسمى المشاهد ؛ محدثة في الإسلام ، والسفر إليها محدث في الإسلام ، لم يكن بُني من ذلك شيء في القرون الثلاثة المفضلة .[71] بل قرر ابن تيمية أن بناء المساجد على القبور لم يعرف إلا في أواخر المائة الثالثة ، قال رحمه الله : وكان ظهور المشاهد وانتشارها حين ضعفت خلافة بني العباس وتفرقت الأمة ، وكثر فيهم الزنادقة المُلبسون على المسلمين ، وفشت فيهم كلمة أهل البدع ، وذلك من دولة المقتدر في أواخر المائة الثالثة ، فإنه إذ ذاك ظهرت القرامطة العبيدية القداحية بأرض المغرب ، ثم جاءوا إلى أرض مصر ، وقريباً من ذلك ظهر بنو بُويه ، وكان في كثير منهم زندقة وبدع قوية .[72] فصل في بيان أن بناء المساجد على القبور محرم في المذاهب الأربعة
وبناء على التحريم الوارد في الأحاديث ، قال علماء المذاهب الأربعة بتحريم بناء المساجد على القبور محرم ، وفيما يلي نص أقوالهم[73]:
مذهب الأحناف قال الإمام محمد الشيباني ، تلميذ أبـي حنيفة : لا نرى أن يزاد على ما خرج من القبـر ، ونكره أن يجصص أو يطين أو يجعل عنده مسجداً .[74] والكراهة عند الحنفية إذا أطلقت فهي للتحريم كما هو معروف عندهم . مذهب المالكية قال القرطبـي في « الجامع لأحكام القرآن » : اتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه لا يجوز . ثم ساق الأحاديث الدالة على ذلك ثم قال : قال علماؤنا : وهذا يحرِّم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبـياء والعلماء مساجد . وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها . أي لا تتخذوها قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى ، فيؤدي إلى عبادة من فيها ، كما كان السبب في عبادة الأصنام .[75] مذهب الشافعية قال الإمام الشافعي رحمـه الله في كتاب « الأم » ما نصه : وأكره أن يبنى على القبـر مسجد .[76] وقال النووي رحمه الله : اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر ، سواء كان الميت مشهورا بالصلاح أو غيره ، لعموم الأحاديث .[77] وسيأتي قريبا إن شاء الله ذكر كلام جلال الدين السيوطي الشافعي رحمه الله وحكاية اتفاق أهل العلم على النهي عن بناء المساجد على القبور . مذهب الحنابلة قال ابن قدامة رحمه الله : ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر[78] ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لعن الله اليهود ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . يحذر مثل ما صنعوا . متفق عليه . ولأن تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها والتقرب إليها . وقال ابن القيم رحمه الله عند ذكر الفوائد المستـنبطة من قصة مسجد الضرار : ومنها[79] : أن الوقف لا يصح على غير بِرٍّ ولا قربة ، كما لم يصح وقف هذا المسجد[80] ، وعلى هذا فيهدم المسجد إذا بُني على قبـر ، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد ، نص على ذلك الإمام أحمد وغيره ، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبـر ، بل أيهما طرأ على آخر مُنع منه ، وكان الحكم للسابق ، فلو وضِعا معاً لم يجز ، ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز ، ولا تصح الصلاة في هذا المسجد لِنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعنه من اتخذ القبـر مسجدا ، أو أوقد عليه سراجاً ، فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبـيه ، وغربته بـين الناس كما ترى .[81] وقد رُوينا أن ابتداء عبادة الاصنام تعظيم الأموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عندها .[82] فصل في بيان اتفاق أهل العلم على تحريم بناء المساجد على القبور
حكى جلال الدين السيوطي الشافعي رحمه الله في كتابه « الأمر بالإتباع والنهي عن الإبتداع » اتفاق أهل العلم على تحريم بناء المساجد على القبور فقال:
وما سوى ذلك من المحدثات كالصلاة عندها واتخاذها مساجد وبناء المساجد عليها ؛ فقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك ، والتغليظ على فاعله ، فأما بناء المساجد عليها وإشعال القناديل أو الشمع أو السرج عندها ؛ فقد لُعن فاعله كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وصرح عامة علماء الطوائف بالنهي عن ذلك ، متابعة للأحاديث الواردة في النهي عن ذلك ، ولا ريب في القطع بتحريمه . ثم ذكر حديث جندب رضي الله عنه .[83] وقال العلامة محمد بن علي الشوكاني رحمـه الله : كيف يقال إن المسلمين لم ينكروا على من فعل ذلك وهم يرددون أدلة النهي عنه ، واللعن لفاعله ، خلفا عن سلف في كل عصر ، ومع هذا فلم يزل علماء الإسلام منكرين لذلك ، مبالغين في النهي عنه ، وقد حكى ابن القيم عن شيخه تقي الدين – وهو الإمام المحيط بمذاهب سلف الأمة وخلفها – أنه قد صرح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد على القبور . ثم قال : وصرح أصحاب أحمد ومالك والشافعي بتحريم ذلك ، وطائفة أطلقت الكراهة ، لكن ينبغي أن يحمل ذلك على كراهة التحريم إحسانا للظن بهم[84] ، وأن لا يُظن بهم أن يُجوِّزوا ما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن فاعله والنهي عنه .[85] وقال العلامة الفقيه علاء الدين أبو الحسن البعلي رحمه الله : ويحرم الإسراج على القبور واتخاذ المساجد عليها وبينها ويتعين إزالتها . قال أبو العباس[86] : ولا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين .[87] وقال أيضا : فإن نهيه عن اتخاذ القبور مساجد يتضمن النهي عن بناء المساجد عليها ، وعن قصد الصلاة عندها ، وكلاهما منهي عنه باتفاق العلماء ، فإنهم قد نهوا عن بناء المساجد على القبور ، بل صرحوا بتحريم ذلك ، كما دل عليه النص .[88] فالخلاصة أن بناء المساجد على القبور حرام ، وكذا إيجاد قبور في مساجد سليمة حرام ، والذي جاءت به الشريعة أن تجعل المقابر على حدة ، والمساجد على حدة ، لأن الله لم يشرع بناء المساجد لدفن الموتى فيها ، ولا المقابر للصلاة فيها ، بل شرع الله المساجد للعبادة فحسب ، والمقابر لدفن الموتى فحسب ، والله أعلم .
فصل في بيان حكم بناء الغرف والتوابيت ونحوها على القبور
ومن الأمور المنتشرة في بعض بلاد المسلمين ؛ البناء على القبور بالآجر[89] أو الرخام أو السيراميك ، أو طلائها بالجص[90] ، سواء كان البناء يباشر القبر أو على شكل قبة أو غرفة من الخارج أو غير ذلك ، فكل هذا محرم شرعا ، لأنه مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في دفن الميت ، ولأن القبر شأنه البلى والاندثار ، فينبغي ترك ما هو سبب لبقائه وثباته ، أما البناء فسبب لتعظيم الميت والغلو فيه ، لأن الزائرين إذا رأوا بناءً فوق القبر هالهم ذلك ، ومن ثم عظُـم الميت في نفوسهم ، فكان هذا سببا في تعلق قلوبهم بذلك الميت ، ومن ثم دعائه والتوجه إليه ، كما هو واقع في بعض بلاد المسلمين .
وقد جاء في النهي عن البناء على القبور عدة أحاديث وآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين ، منها : حديث جابر رضى الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجصص القبـر ، وأن يقعد عليه ، وأن يبنى عليه .[91] وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى على القبـر أو يجصص .[92] وقال النعمان بن أبي شيبة : توفي عم لي بالجند[93] ، فدخلت مع أبي على ابن طاووس فقال : يا أبا عبد الرحمن ، هل ترى أن أُقَصص[94] قبر أخي ، قال : فضحك وقال : سبحان الله يا أبا شيبة ، خير لك ألا تعرف قبره ، إلا أن تأتيه فتستغفر له وتدعو له ، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قبور المسلمين أن يبنى عليها أو تجصص أو تزدرع[95] ، فإن خير قبوركم التي لا تعرف .[96] وأوصى أبو موسى رضي الله عنه حين حضره الموت فقال : إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا المشي ، ولا يتبعني مِجمر[97] ، ولا تجعلوا في لحدي[98] شيئا يحول بـيني وبـين التراب ، ولا تجعلوا على قبـري بناءً ، وأشهدكم أني بريء من كل حالقة أو سالقة أو خارقة .[99] قالوا : أو سمعت فيه شيئا ؟ قال : نعم ، من رسول الله صلى الله عليه وسلم .[100] وعن أبـي سعيد الخدري ، أن النبـي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبـر .[101] وأوصى أبو سعيد الخدري أهله بألا يضربوا على قبره فسطاطا .[102] ورأى ابن عمر رضي الله عنهما فسطاطا ، وهو البـيت المصنوع من الشَّعر ، والتي تسمى بالخيمة ، رآه على قبـر عبد الرحمن ابن أبـي بكر الصديق ، أخي عائشة رضي الله عنها فقال : إنـزعه يا غلام ، فإنما يظله عمله .[103] وكذا أبو هريرة رضي الله عنه ؛ أوصى بأن لا يبنى على قبـره فسطاطا .[104] وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن محمد بن كعب قال : هذه الفساطيط التي على القبور محدثة .[105] ومما يدل على أن البناء على القبور محدث في الإسلام أن مقبـرة البقيع بالمدينة النبوية تضم جما غفيرا من سادات الأمة ، من الصحابة وسادات أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وسادات التابعين ، غير أن اجتـناب السلف الصالح المبالغة في تعظيم القبور وتجصيصها أفضى إلى انطماس آثار أكثرهم ، فلذلك لا يُعرف قبـر معين إلا أفرادا معدودة .[106] بل قال مالك : (مات بالمدينة من الصحابة نحو عشرة آلاف ، وباقيهم تفرقوا في البلدان)[107] ، وغالبهم لا يعرف عين قبـره ، ولا جهته . وقد عد ابن بطة رحمه الله تجصيص القبور والبناء عليها من البدع فقال : ومن البدع البناء على القبور وتجصيصها ، وشد الرحل إلى زيارتها .[108] وقال الشافعي رحمه الله : وأحب ألا يجصص[109] ، فإن ذلك يشبه الزينة والخيلاء ، وليس الموت موضع أحد منهما ، ولم أر قبور المهاجرين والأنصار مجصصة . وقد رأيت من الولاة من يهدم بمكة ما يبنى فيها ، فلم أر الفقهاء يعيبون ذلك .[110] وقال الشيخ العلامة صديق حسن خان القنوجي رحمه الله : الأحاديث الصحيحة وردت بالنهي عن رفع القبور ، فما صدَق عليه أنه قبر مرفوع أو مُشرف فهو منكر شرعا يجب على المسلمين إنكارها وتسويتها ، من غير فرق بين نبي وغير نبي ، وصالح وطالح ، فقد مات جماعة من أكابر الصحابة في عصره صلى الله عليه وسلم ولم يرفع قبورهم ، بل أمر عليا بتسوية المشرف منها ، ومات صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ولم يَرفع قبره أصحابه . فما أحق الصلحـاء والعلماء أن يكون شعارهم هو الشعار الذي أرشدهم إليه صلى الله عليه وآله وسلم ، وتخصيصهم بهذه البدعة المنهي عنها تخصيص لهم بما لا يناسب العلم والفضل ، فإنهم لو تكلموا لضجوا من اتخاذ الأبنية على قبورهم وزخرفتها ، لأنهم لا يرضون بأن يكون لهم شعار من مبتدعات الدين ومنهياته ، فإن رضوا بذلك في الحياة – كمن يوصي مَن بعده أن يجعل على قبره بناء أو يزخرفه – فهو غير فاضل ، والعالم يزجره علمه عن أن يكون على قبره ما هو مخالف لهدي نبيه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم . فما أقبح ما ابتدعه جهلة المسلمين من زخرفة القبور وتشييدها .[111] فصل في بيان إجماع علماء المسلمين على تحريم البناء على القبور
ومما يدل أيضا على تحريم البناء على القبور ؛ إجماع المسلمين على ذلك ، فقد نصوا على وجوب أن يكون القبـر مكشوفا إلى السماء غير مغطى بغرفة ولا قبة ولا مسجد ولا غير ذلك ، وممن حكى إجماعهم الإمام العلامة محمد بن علي الشوكاني رحمـه الله حيث قال :
إعلم أنه قد اتفق الناس سابقهم ولاحقهم وأولهم وآخرهم من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى هذا الوقت أن رفع القبور والبناء عليها بدعة من البدع التي ثبت النهي عنها ، واشتد وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاعلها كما يأتي بيانه ، ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين أجمعين . [112] فصل في بيان حكم رفع تراب القبر
رفع مستوى القبر بزيادة التراب عليه منهي عنه ، إلا بقدر شبر ، ليعرف أنه قبر فلا يمتهن بوطإٍ أو جلوس ، وعلة النهي أن في رفع مستوى القبر تعظيماً لصاحب القبـر ، والواجب تسويته بالأرض ، وقد جاء في النهي عن رفع تراب القبر عدة أحاديث وآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم ، منها :
أنه لما تولى أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ بعث لهدم ما بُني على القبور أبا الهَّياج الأسدي وكان رئيس شرطته ، فعن أبى الَهَّياج الأسدي أنه قال : قال لي علي بن أبى طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبـرا مشرفا إلا سويته .[113] والمشرف هو المرتفع . وليلاحظ القارىء الكريم أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن بين طمس التماثيل وتسوية القبور المرتفعة ، إذ بكليهما يُتوصل لعبادة البشر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم . وعن جابر رضى الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى على القبـر أو يزاد عليه أو يجصص . زاد سليمان بن موسى[114] : أو يكتب عليه .[115] وعن ثمامة بن شفي قال : كنا مع فضالة بن عبـيد بأرض الروم برَودس[116] فتوفي صاحب لنا ، فأمر فضالة بن عبـيد بقبـره فسُوِّي ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها .[117] وعن عبد الله بن شرحبـيل بن حسنة أن عثمان خرج فأمر بتسوية القبور فسويت ، إلا قبر أم عمرو ابنة عثمان ، فقال : ما هذا القبر ؟ فقالوا : قبر أم عمرو . فأمر به فسُوي .[118] وروى ابن أبي شيبة عن مولى لابن عباس قال : قال لي ابن عباس : إذا رأيت القوم قد دفنوا ميتا فأحدثوا في قبره ما ليس في قبور المسلمين ، فسوِّه بقبور المسلمين .[119] وقال معاوية رضي الله عنه : إن تسوية القبور من السنة ، وقد رفعت اليهود والنصارى فلا تتشبهوا بهم .[120] وقال الشافعي رحمه الله : وأحب ألا يزاد في القبر تراب من غيره ، وإنما يشخص على وجه الأرض شبرا أو نحوه .[121] فصل في بيان جواز تسنيم القبور بمقدار شبر وبيان العلة من ذلك
ويُستثنى من النهي عن رفع القبور تسنيمه كما تقدم ، وهو رفعه قليلا بمقدار شبر كهيئة السنام حتى يعرف أنه قبـر ، فلا يُجلس عليه ولا يوطأ ولا ينبش مرة أخرى .
قال القرطبي رحمه الله: والتسنيم في القبر ؛ ارتفاعه قدر شبر ، مأخوذ من سنام البعير .[122] والدليل على جواز التسنيم ما رواه البخاري عن سفيان التمار أنه رأى قبر النبـي صلى الله عليه وسلم مسنما .[123] وروى ابن أبي شيبة عن سفيان التمار قال : دخلت البيت الذي فيه قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فرأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وعمر مسنمة .[124] وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن الشعبي قال : رأيت قبور شهداء أحد جثا[125] مسنمة .[126] وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن أبي ميمونة عن أبيه أن عمران بن حصين أوصى أن يجعلوا قبره مرتفعا ، وأن يرفعوه أربع أصابع أو نحو ذلك .[127] وقال الشافعي رحمـه الله : أكره أن يرفع القبـر إلا بقدر ما يعرف أنه قبـر ، لكيلا يوطأ ولا يجلس عليه .[128] قال ابن قدامة رحمه الله : ولا يستحب رفع القبر إلا شيئا يسيرا ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : لا تدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبرا مشرفا إلا سويته . رواه مسلم وغيره . ثم قال : وتسنيم القبر أفضل من تسطيحه[129] ، وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري .[130] فإن قيل : فما هو المشروع إذن في قبر الميت من الداخل؟ فالجواب أن المشروع هو تغطية الميت بألواح اللبِن[131] ، ثم إهالة التراب عليه ، ثم رفعه قليلا لكي يعرف أنه قبر .[132]
فصل في بيان جواز تسنيم القبور بمقدار شبر وبيان العلة من ذلك
وأما تطيـين القبور - وهو تغطيتها بشيء من الطين أو رش الماء عليها بعد الدفن - فليس داخلا في تعلية القبور إذا كان المقصود منه تثبيت سنامه ليعرف أنه قبر فلا يوطأ ولا يجلس عليه ، فقد روى ابن أبي شيبة بإسناده عن الحسن البصري أنه لم يكن يرى بأسا برش الماء على القبر .[133]
وروى أيضا بإسناده عن أبي جعفر أنه قال : لا بأس برش الماء على القبر .[134] قال الترمذي رحمه الله: وقد رخص بعض أهل العلم ، منهم الحسن البصري ؛ في تطيـين القبور ، وقال الشافعي : لا بأس أن يطين القبر .[135] فصل في بيان مظاهر متفرقة في تعظيم القبور
ومما يلحق بمظاهر تعظيم القبور ؛ وضع الستائر عليها وفرشها بالسجاد ، وفرشها بالرخام ، وكسوة القبـر بكسوة خاصة ، وإفاضة الطيب على القبـر ، أو أن يكون هناك سدنه وحجاب وحرس خاصين على باب القبـر ، أو أن يكون هناك شباك ينظر منه الناس إلى القبـر ، فهذا كله من البدع المحدثة في دين الله التي لم يرد الحث عليها في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال السويدي الشافعي في كتابه « العقد الثمين » منتقدا ما يفعله بعض الناس عند القبور :
فتراهم يرفعونها فوق كل رفيع ، ويكتبون عليها الآيات القرآنية ، ويعملون لها التوابيت من خشب الصندل والعاج ، ويضعون فوقها ستور الحرير المحلاة بالذهب العقيان[136] والفضة الخالصة ، ولم يُرضِهم ذلك حتى أداروا عليها شبابيك من الفضة وغيرها ، وعلقوا عليها قناديل الذهب ، وبنوا عليها قبابا من الذهب أو الزجاج المنقوش ، وزخرفوا أبوابها ، وجعلوا لها الأقفال من الفضة وغيرها ، خوفا عليها من اللصوص ، كل ذلك مخالِـف لدين الرسل ، وعين المحادة لله ورسوله ، فإن كانوا متبعين ؛ فلينظروا إليه صلى الله عليه وسلم كيف كان يفعل بأصحابه الذين هم أفضل الأصحاب ، وينظروا إلى قبره الشريف وما عملت الصحابة فيه .[137] فصل في حكم اتخاذ السرج على القبور
ومن مظاهر تعظيم القبور إنارتها بالسُّرج والمصابـيح ونحوها ، والذين يُسرجون القبور يقصدون بذلك تعظيم الميت ألا يكون قبـره مظلما ، وهذا من الغلو المذموم ، فقد مات النبـي صلى الله عليه وسلم وصحابته ولم يوص أحد منهم بأن يضاء قبـره ، وهم أحق الناس بذلك لو كان مشروعا .
-------------------------------------------ثم إن في إيقاد السرج على القبور صرفا للمال في غير فائدة ، وقد نهى النبـي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال . قال ابن قدامة رحمه الله: ولا يجوز اتخاذ السرج على القبور لأن فيه تضيـيعا للمال في غير فائدة ، وإفراطا في تعظيم القبور أشبه تعظيم الأصنام .[138] وقد عدَّ ابن حجر الهيتمي إسراج القبور من كبائر الذنوب ، فقال في كتابه « الزواجر عن اقتراف الكبائر » : الكبيرة الحادية والثانية والثالثة والعشرون بعد المائة : اتخاذ المساجد أو السرج على القبور ، وزيارة النساء لها ، وتشييعهن الجنائز . وقال الشيخ محمد بن يحيى بن محمد الكندهلوي الحنفي في معرِض كلام له عن إسراج المصابيح على القبور في كتابه « الكواكب الدراري » : وأما اتخاذ السرج عليها ؛ فمع ما فيه من إسراف في ماله المنهي عنه بقوله تعالى ﴿إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا﴾ ؛ ففيه تشبه باليهود ، فإنهم كانوا يسرجون المصابيح على قبور كبرائهم . انتهى . فإن قيل : ما حكم الإنارة بالسراج ونحوه في حالة الدفن بالليل ؟ فالجواب أنه لا بأس بأن يصطحب القائمون على دفن الميت معهم سراجا لرؤية الطريق ومكان الدفن ونحو ذلك ، ثم يخرجونه معهم . والله أعلم ، والحمد لله أولا وآخرا ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم . تمت الرسالة بحمد الله . ثبت لبعض المراجع 1. مسند أبي داود الطيالسي ، تحقيق د. محمد بن عبد المحسن التركي ، دار هجر للنشر والتوزيع 2. الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار ، عبد الله بن أبي شيبة ، الناشر مكتبة دار الباز ، مكة 3. مصنف عبد الرزاق ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ، الناشر المكتب الإسلامي 4. فتح الباري ، ابن رجب ، الناشر دار الغرباء 5. الأمر بالإتباع والنهي عن الابتداع ، جلال الدين السيوطي ، تحقيق مشهور حسن سلمان ، دار ابن القيم 6. اقتضاء الصراط المستقيم ، ابن تيمية ، تحقيق د. ناصر العقل ، الناشر مكتبة الرشد [1] رواه البخاري (335) ومسلم (521) عن جابر رضي الله عنه . [2] أي خمس ليال . [3] رواه مسلم (532) . [4] رواه البخاري (1330) ، ومسلم (529) واللفظ له . [5] أي نزل به الموت . [6] أي جعل . [7] الخميصة ثوب صوف له أعلام ، والمعنى يلقي تلك الخميصة على وجهه . [8] رواه البخاري (435 ، 436) واللفظ له ، ومسلم (531) . [9] رواه أحمد (6/252) ، والنسائي (2045) . [10] « المجالس الأربعة من مجالس الأبرار » ، ص 7 – 9 ، بتحقيق د. محمد بن عبد الرحمن الخميس ، ط دار العاصمة ، باختصار . [11] مَـعافِـري ؛ نوع من أنواع البـُرد منسوبة إلى معافر ، وهي قبيلة في اليمن ، كانت تنسج تلك الأنواع من البرد . « النهاية » [12] أخرجه الطيالسي (669) ، وأحمد (5/204) ، وحسنه الألباني في « تحذير الساجد » ص 16 ، ط 4 . [13] « دمعة على التوحيد » ، ص 6 ، بتصرف يسير . [14] رواه البخاري (437) ، ومسلم (530) ، ورواه النسائي (2046) بلفظ : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبـيائهم مساجد . [15] رواه أحمد (6/274) ، والنسائي (2045) ، وصححه الألباني في « صحيح النسائي » (1933) . [16] رواه أحمد (1/405) ، وصححه الألباني رحمه الله في « تحذير الساجد » ، ص 19 . [17] رواه أحمد (1/195) ، وصححه محققو « المسند » (3/223) . [18] رواه أحمد (2/246 ) ، وصححه الألباني رحمه الله في « تحذير الساجد » ص 18 ، وقال « محققوا المسند » : إسناده قوي . [19] رواه البخاري (3456) (7320) ، ومسلم (2669) بنحوه عن أبـي سعيد الخدري رضي الله عنه . [20] « التمهيد » ، كتاب « جامع الصلاة » ، (5/177) ، الناشر : الفاروق الحديثة للطباعة والنشر . [21] « البدر التمام » (4/232 – 233) ، تحقيق علي الزبن ، بتصرف يسير . [22] رواه مسلم (972) . [23] رواه مسلم (972) . [24] رواه الطبراني (12051 ، 12168) عن ابن عباس ، وصححه الألباني رحمه الله في « تحـذير الساجد » ، ص 22-23 ، وفي « السلسلة الصحيحة » (1016) . [25] رواه أبو يعلى في « مسنده » (1020) ، وصحح الألباني رحمه الله إسناده في « تحذير الساجد » ، ص 22 . [26] رواه الترمذي (317) وأبو داود (492) ، وصححه الألباني رحمه الله في « صحيح أبـي داود » (507) . [27] رواه البخاري (432) ، وأبو داود (1043) . [28] رواه مسلم (777) ، وأحمد (2/16) . [29] رواه أحمد (2/6) ، والترمذي (451) ، والنسائي (1597) ، وهو في « صحيح الترمذي » للشيخ الألباني (450) . [30] (2/185) . [31] وهو حديث : (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) ، وقد تقدم قريبا . [32] رواه أحمد (2/367) ، وأبو داود (2042) ، واللفظ لأحمد ، وسنده حسن كما قال الألباني في « الجنائز » . [33] أي السلام الذي يشرع قوله عند الدخول إلى المسجد ، وهـو قول : " بسم الله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك " ، فهذا يكفي عن سلامك الذي تـكلفته بالدنو من القبـر . [34] رواه سعيد بن منصور في « سننه » ، كما في « إقتضاء الصراط المستقيم » ، وقال الألباني رحمه الله : إسناده قوي (الجنائز ، ص 280 ، ط 1412) . ورواه إسماعيل القاضي في « فضل الصلاة على النبي » ، وصححه الألباني في تعليقه عليه . وقوله : (ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء) ، من كلام الحسن رحمه الله . [35] وقد جاء ذلك في الحديث الذي رواه البخاري (428) ، ومسلم (524) ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، وفيه أن النبـي صلى الله عليه وسلم لما نـزل المدينة أمر ببناء المسجد في مكان حائط – أي بستان – لبني النجار ، وكان فيه نخل وقبور مشركين ، فأمر بالنخل فقطعت ، وبالقبور فنبشت ، ثم بنى المسجد . [36] رواه البخاري تعليقا في كتاب الصلاة ، باب : هل تـنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد ، والبيهقي (2/435) ، واللفظ له . [37] انظر أقوالهم في « مصنف ابن أبي شيبة » (7574 - 7578 ، 7581 ، 7582 ، 7585) . [38] ورواه عبد الرزاق في « المصنف » (1/118) رقم (2734) . [39] رواه أبو داود (4031) عن ابن عمر رضي الله عنهما ، وقال الألباني : حسن صحيح . [40] « تفسير القرآن العظيم » ، سورة البقرة ، آية 104 . [41] رواه البخاري (3456) (7320) ، ومسلم (2669) عن أبـي سعيد الخدري رضي الله عنه . [42] أي عدد كبـير . [43] ص 124 . [44] رواه الترمذي (2167) ، عن ابن عمر ، وصححه الألباني ، وكذا الحاكم في « مستدركه » (1/115 ، 116) ، وذكر بعده إجماع أهل السنة على هذه القاعدة ، وأنها من قواعد الإسلام . [45] رواه الترمذي (2166) ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وصححه الألباني . [46] ص 129 – 130 باختصار يسير . [47] « فتح الباري » (3/248) لابن رجب ، كتاب الصلاة ، باب الصلاة في البيعة ، الناشر دار الغرباء . [48] أي مالك بن أنس ، الإمام المشهور ، الذي عرف به المذهب المالكي . [49] القائل هنا هو الراوي عنه المسألة . [50] « الأم » ، كتاب الجنائز ، باب ما يكون بعد الدفن ، (1/278) ، ونقله النووي عنه بنحوه في شرحه على حديث (972) ، وكذا ابن رجب في « فتح الباري » (3/248) . [51] أي أحمد بن حنبل . [52] نقلا من « فتح الباري » لابن رجب ، (3/195) . [53] كتاب وقوت الصلاة ، باب النوم عن الصلاة . [54] « المغني » ، باب الصلاة في النجاسة وغير ذلك . [55] تقدم ذكر علة النهي عن الصلاة عند القبور في مقدمة هذا البحث على وجه الاختصار ، وفي هذا الفصل إعادة لذكر العلة بشيء من التفصيل . [56] « المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج » ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب النهي عن اتخاذ القبور مساجد . شرح حديث رقم 529 . [57] ص 138 – 139 . [58] « شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور » ، ص 58 - 59 ، الناشر مكتبة نـزار مصطقى الباز . [59] « شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور » ، ص 52 - 53 . [60] رواه البخاري (458) واللفظ له ، ومسلم (956) وأبو داود (3203) ، وابن ماجه (1527) ، وأحمد (2/353) . [61] « المشـاهد المعصومية عند قبر خير البرية » ، باختصار يسير . [62] أي ذكرن وقصصن ما رأينه للنبي صلى الله عليه وسلم ، وليس المقصود أن التصاوير كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن هو الـمُصوّر في تلك الصور . [63] رواه البخاري (1341) ، ومسلم (528) واللفظ له . [64] « التمهيد » ، كتاب الجامع ، باب ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة ، (14/326) . [65] رواه أحمد (1/229) ، وأبو داود (3236) والترمذي (320) ، والنسائي (2042) ، وهو حديث صحيح لغيره كما قرره الألباني في « السلسلة الضعيفة » (225) ، إلا لفظة « السرج » فإنها ضعيفة . [66] تقدم بيان معنى الكراهة عند المتقدمين وأنها تعني التحريم . [67] رقم « 7579» . [68] « مصنف ابن أبي شيبة » ، برقم 11743 . [69] ص 92 – 93 . [70] قاله في تحقيقه على كتاب « الاستغاثة في الرد على البكري » (1/335) باختصار . [71] « الاستغاثة في الرد على البكري » ، ص 334 – 335 . [72] « مجموع الفتاوى » ، (27/466) . [73] وقد نقلت أقوالهم وبعض مظانها من الكتاب النفيس « تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد » للعلامة الألباني رحمه الله . [74] « الآثار » ، ص 45 . [75] « الجامع لأحكام القرآن » ، (10/388 - 389) ، تفسير سورة الكهف : 21 . [76] (1/246) . وقد تقدم بيان أن معنى الكراهة عند المتقدمين هو التحريم . [77] « المجموع » ، (5/289) ، وسيأتي قريبا إن شاء الله ذكر كلام جلال الدين السيوطي الشافعي رحمه الله وحكاية اتفاق أهل العلم على النهي عن بناء المساجد على القبور . [78] يعني قوله صلى الله عليه وسلم : لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج . [79] أي من الفوائد . [80] أي مسجد الضرار . [81] « زاد المعاد » ، (3/572) . [82] « المغني » ، 3/ 441 باختصار . [83] ص 129 – 130 باختصار يسير . [84] مقصود الشيخ أن الطائفة التي قالت بكراهة البناء على القبور تقصد كراهة التحريم لا التـنـزيه . [85] « شرح الصدور » ، ص 37 ، الناشر دار الهجرة - اليمن . [86] يعني ابن تيمية رحمه الله . [87] « الإختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية » ، ص 52 . [88] « اقتضاء الصراط المستقيم » ، (2/774-775) . [89] الآجر نوع من الطوب ، ومادته طبيخ الطين . « لسان العرب » [90] الجص هو طلاء أبيض ، ويستعمل للتزيين ، وهو سبب لتقوية ما طلي به ، لأنه إذا يبس صار صلبا متماسكا ، فإن طلي به تراب القبر كان ذلك سببا في ثبات التراب وعدم اندثاره ، وهو الذي يسمى في زماننا بالجبس . [91] رواه مسلم (970) . [92] رواه أحمد (6/299) ، وقال محققو المسند : صحيح لغيره (44/179) . [93] الجند هي المدينة التي يقيم بها المقاتلون ، وجمعها أجناد . « لسان العرب » . [94] أي أجصص . [95] أي يزرع عليها شيء من الزروع ، والذين يفعلون هذا يقصدون تزينها بتلك الزروع . [96] « مصنف عبد الرزاق » ، رقم (6495) . [97] المِجمر بكسر الميم هو الإناء الذي يوضع فيه النار للبخور ، ومقصوده ألا يلحقه أحد بنار . [98] اللحد هو الشق الذي في جانب القبر . [99] الحالقة هي التي تحلق شعرها عند المصيبة ، والسالقة هي التي ترفع صوتها عند المصيبة ، والخارقة التي تخرق ثوبها عند المصيبة ، وهذه كلها من مظاهر النياحة على الميت والتي نهى عنها النبـي صلى الله عليه وسلم . [100] رواه أحمد (4/397) ، وقال الألباني رحمه الله في « تحذير الساجد » ص 92 : إسناده قوي . [101] رواه ابن ماجه (1564) ، وصححه الألباني في « صحيح ابن ماجه » . [102] رواه ابن أبي شيبة في « المصنف » رقم (11748) . [103] رواه البخاري معلقا في كتاب الجنائز ، باب الجريد على القبـر ، رقم الباب (81) . [104] رواه ابن أبي شيبة في « المصنف » (11747) ، ورواه أحمد (2/292) ، وقال محققو « المسند » (13/293) : صحيح لغيره . [105] « مصنف ابن أبي شيبة » ، (11751) . [106] انظر « وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى » ، ص 916 . [107] عزاه السمهودي في « وفاء الوفاء » ، ص 916 ، إلى كتاب « المدارك » لعياض رحمه الله . [108] « الإبانة الصغرى » ص 366 ، تحقيق د. رضا بن نعسان معطي ، ط مكتبة العلوم والحكم . [109] أي القبر . [110] « الأم » ، كتاب الجنائز ، باب ما يكون بعد الدفن . [111] « التعليقات الرضية على الروضة الندية » ، للشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني (1/469 – 470) ، كتاب الجنائز ، باختصار وتصرف يسير . [112] « شرح الصدور » ص 20 . [113] رواه مسلم (969) ، والترمذي (1049) ، والنسائي (2030) . [114] هو أحد رواة الحديث . [115] رواه النسائي (2026) واللفظ له ، وأبو داود (3226) ، وصححه الألباني في « صحيح أبي داود » . [116] «رَودس» جزيرة في البحر الأبـيض المتوسط قريبة من الإسكندرية . [117] رواه مسلم (968) واللفظ له ، والنسائي (2029) ، وأبو داود (3219) ، وابن أبي شيبة في « المصنف » (11793) . [118] رواه ابن أبـي شيبة في « المصنف » (11795) ، وصححه الألباني في « تحذير الساجد » ص 88 . [119] « المصنف » برقم (11796) . [120] أخرجه الطبراني في « الكبير » (19/352) ، وروى شطره الأول ابن أبي شيبة في « المصنف » (11797) . [121] « الأم » ، كتاب الجنائز ، باب ما يكون بعد الدفن ، باختصار . [122] « الجامع لأحكام القرآن » للقرطبي ، تفسير سورة الكهف ، آية رقم 21 ، باختصار يسير . [123] «صحيح البخاري » (1390) . [124] « مصنف ابن أبي شيبة » برقم (11733) . [125] الجثا جمع جثوة ، وهو الشيء المجموع . « النهاية » ، يعني أن قبور شهداء أحد كانت مجموعة إلى بعضها البعض غير مفرقة . [126] « مصنف ابن أبي شيبة » برقم (11735) . [127] « مصنف ابن أبي شيبة » برقم (11746) . [128] « سنن الترمذي » (3/367) . [129] أي أن يجعل كهيئة السنام ، وسطه أعلى من طرفيه ، بخلاف المسطح ، وهو المستوي جميع أجزاءه . [130] « المغني » ، كتاب الجنائز ، (3/435 – 437) . [131] هي قطع مضروبة من الطين دون أن تطبخ بالنار ، فإن طبخ صار آجرا . انظر « لسان العرب» . [132] أنظر للتوسع « كتاب الجنائز » للشيخ الألباني رحمه الله . [133] « المصنف » برقم (12055) . [134] « المصنف » برقم (12056) . [135] قاله الترمذي في « سننه » بعدما ساق حديث جابر رضي الله عنه رقم (1052) . [136] العقيان جمع عقيق ، والعقيق خرز أحمر يتخذ منه الفصوص . « لسان العرب » [137] نقلا من « الشرك ووسائله عند أئمة الشافعية » ، للدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس . [138] « المغني » (3/440 – 441) ، باختصار . الناشر دار هجر . المصدر |
الثلاثاء، 4 مارس 2014
عشرون دليلا في النهي عن الصلاة عند القبور وبيان حكم بناء المساجد والغرف عليها
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
-
التأصيل للدراسات ** الورد الصوفي، بكسر الواو، جمعه أوراد، يطلقه الصوفية على أذكار يأمر الشيخ تلميذه بذكرها، صباحاً بعد صلاة الصب...
-
13 شبهة للقبوريين والجواب عليها عبد الله بن حميد الفلاسي الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد (1) : ...
-
نؤمن بجواز التبرّك بآثار النبي صلى الله عليه وسلّم بشروط الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من ى نبي بعده، وعلى آله وصحبه . أما بعد، قال...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق