الاثنين، 3 مارس 2014

ما هو ابن عربي ؟!!



ملاحظات على أفكار صوفية

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه ( * )




ما هو ابن عربي ؟!!


يكثر المتصوفة من الاعتذار لابن عربي، مع ما جاء عنه من قول بالحلول والاتحاد والوحدة، لأجل:
- الإبقاء عليه ضمن دائرة التصوف؛ فهو يمثل عمق التصوف وحقيقته، ومشكلته عندهم:
أنه أفصح بوضوح عن الفكرة الصوفية، كما هي؛
وبذلك أحرج المتصوفة:

- فبراءتهم منه يعني إبطال حقيقة التصوف، القائم على الحلول والاتحاد والوحدة. وهذا يحرجهم مع الفكرة، ومع أنفسهم.

- وقبولهم به يعني الاعتراف بأن فكره هو التصوف الحقيقي. وهذا يحرجهم مع غير المتصوفة، فلا يستطيعون ترويج الفكرة، ولا الذب عن أنفسهم.
ما وجدوا من هذا الحرج مخرجا إلا أن يقولوا:
- أن كلامه دقيق، لا يفهمه أحد من خارج التصوف،
بل فهمه يحتاج إلى شروط صوفية،
وهو أن يرتقي السالك في المنازل والمعارج،
حتى يصل إلى مرتبة يصح له فيها فهم الكلام الصوفي.
وهكذا تخلصوا، ولو ظاهريا، من إلزامهم بالفكرة الحلولية،
بدعواهم دقة كلام ابن عربي،
واحتفظوا في الوقت نفسه بالصلة بينهم وبين هذه الفكرة،
بتعظيم ابن عربي وكلماته.

هذه الطريقة المترددة بين وجهين من الكلام،
هي طريقة ابن عربي نفسه،
فمرة يقول الكلام، ثم يكر عليه ليأتي بضده،
وهو بذلك سهل لأتباعه التزام العذر له...

سئل مرة عما يعنيه بقوله:


يا من يراني ولا أراه **** كم ذا أراه ولا يراني

يشير بذلك إلى مذهبه في وحدة الوجود،
وأنه يرى الحق متجليا في صور أعيان الممكنات،
ولا يراه الحق؛ لأنه هو المتجلي في صورته،
فأجاب من فوره:

يا من يراني مجرما **** ولا أراه آخذا
كم ذا أره منعما **** ولا يراني لائذا(7).



يقول محقق كتاب الفصوص أبو العلا عفيفي،
وهو تلميذ المستشرق الإنجليزي ني كلسون: 

"يغلب على ظني أنه يعتمد تعقيد البسيط وإخفاء الظاهر لأغراض في نفسه،
فعباراته تحتمل في أغلب الأحيان معنيين على الأقل:
أحدهما ظاهر، وهو ما يشير به ظاهر الشرع.

والثاني باطن، وهو ما يشير به إلى مذهبه.

ولو أن من يعمق النظر في معانيه ويدرك مراميه،

لا يسعه إلا القول بأن الناحية الثانية
هي الهدف الذي يرمي إليه،

أما ما يذكره مما له صلة بظاهر الشرع،
فإنما يقدمه إرضاء لأهل الظاهر من الفقهاء،
الذين يخشى أن يتهموه بالخروج والمروق"
(8).


وكل من تعمق في مذهبه، وقرأ له زمنا،
وكان منصفا، مبتغيا الحق،
لم يجد عذرا صحيحا يحسن به مذهبه،
إلا أن يكون على عقيدته، فيلبس كتلبيسه.
غير أنه قد يرد ذلك إلى مرض غلب عليه،
اختل به مزاجه، فصدر منه ما صدر،


فقد نقل ملا علي القارئ عن الجزري قوله:
"وأحسن ما عندي في أمر هذا الرجل أنه لما ارتاض غلبت عليه السوداء، فقال ما قال،

فلهذا اختلف كلامه اختلافا كثيرا،
وتناقض تناقضا ظاهرا،
فيقول اليوم شيئا، وغدا بخلافه"(9).

************

=======================
(*) عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى.
(7) الفتوحات المكية 2/491.
(8) مقدمة الفصوص 1/17، 18. 



إذا كان الأمر كذلك،
فالاعتذار عنه بادعاء أن كلامه دقيق، لا يفهمه كل أحد:
غير مقبول.


وكذلك القول بأنه مدسوس عليه،
دع عنك القول ببطلان نسبة كتبه إليه: الفصوص، والفتوحات.

مردود غير مقبول للأسباب التالية:

1- أن أصل فكرته: التجلي الإلهي في صور الكائنات.
وهي نفس فكرة الحلول والاتحاد والوحدة، تملؤ كتبه،
فإنك تجدها في كل صفحة، وفصل، وباب.
وفي مثل هذا الحال يتعذر قبول دعوى أنها مدسوسة،
فالمدسوس لا يغلب.

2- أن المتصوفة المتقدمين قبلوا بهذه الكتب،
وشرحوها، كالقاشاني، والنابلسي.


3- أن المعتنين بتراث ابن عربي اليوم، الناشرين لها،
كالدكتور عثمان يحيى، والدكتور أبو العلا عفيفي، والدكتور سعاد الحكيم،
وكل هؤلاء باحثون مدققون،
لم يؤثر عنهم إنكار النسبة.

نبذ من كلام ابن عربي




هذه نبذ من كلام ابن عربي، الذي يزعمون أنه دقيق،
يظهر فيه حقيقة مذهبه،
فماذا يقول: 


* "فشهوده للحق في المرأة أتم وأكمل.
لأنه يشاهد الحق من حيث هو فاعل منفعل،
ومن نفسه من حيث هو منفعل خاصة.

فلهذا أحب صلى الله عليه وسلم النساء،
لكمال شهود الحق فيهن...

فشهود الحق في النساء أعظم الشهود وأكمله،
وأعظم الوصلة النكاح،

وهو نظير التوجه الإلهي على من خلقه على صورته،
ليخلقه فيرى فيه نفسه،
فسواه وعدله، ونفخ فيه من روحه الذي هو نفسه،
فظاهره خلق وباطنه حق ".

وفي الفص الإدريسي في تفسير قوله تعالى:
{ وخلق منها زوجها } قال
ـ تعالى الله عما يقول هذا وأمثاله من الملحدين:

"فما نكح سوى نفسه،

فمنه الصاحبة والولد والأمر الواحد في العدد".


وجاء عبدالغني النابلسي فشرح هذه الكلمة شرحا موافقا لقول ابن عربي، فقال:

" وفي الحقيقة حضرة إلهية توجهت على حضرة إلهية أخرى
من قبيل المغايرة بين الواحد ونفسه إذا كان معلوما"(10).


* يقول في ترجمان الأشواق(11) :

كل ما أذكره من طلل **** أو ربوع أو مغان كل ما
أو نساء كاعبات نهّد **** طالعات أو شموس أو دمى
صفة قدسية علوية **** أعلمت إن لمثلي قدما

وتمثل الحضرة الإلهية في المرأة، تعالى وتقدس،
ليست شناعة انفرد بها ابن عربي،
بل سبق إليها المتصوفة القدماء،
حيث نزلوا أشعار الغزل في الذات الإلهية،
وتغزلوا كما يتغزلون بالمرأة،


كما قال أبو عبد الله المغربي:

لا تدعني إلا بيا عبدها **** فإنها أصدق أسمائي (12).


وهي موجودة عند ابن الفارض، والجيلي الذي يقول:

وكل كحيل الطرف يقتل صبّه ****
بماض كسيف الهند حالا مضارع

وكل اسمرار في القوائم كالقنا ****
عليه من الشعر الرسيل شرائع

وكل مليح بالملاحة قد زها ****
وكل جميل بالمحاسن بارع

وكل لطيف جلّ أو دق حسنه ****
وكل جليل فهو باللطف صادع

محاسن من أنشاه ذلك كله ****
فوحد ولا تشرك به فهو واسع (13).

والمقام لا يتسع لاستزادة من الأمثلة،
لكنها حقائق ثابتة في التصوف.



=================
(9) الرد على القائلين بوحدة الوجود ص34.
(10) انظر: شرح جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص للنابلسي 1/129.
(11) ص10.
(12) طبقات الصوفية للسلمي ص245.
(13) الإنسان الكامل 1/90.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق