فهم الصوفية ودورها المحتمل
في سياسة الولايات المتحدة
تحرير/ زيتو باران
ترجمة/ عبد الفتاح الأعقم
تقرير مؤتمر مركز نيكسون
مارس (2004)
حول مركز نيكسون
مركز نيكسون مؤسسة سياسية عامة غير حزبية أسسها الرئيس السابق ريتشارد نيكسون قبل وفاته بفترة قصيرة عام (1994م)، تهتم بتأثير التحديات السياسية على الولايات المتحدة موشور المصلحة القومية الأمريكية.
إن المركز جزء مستقل عملياً ومنهجياً عن مكتبة نيكسون، ومركز بيرث بلاس، معظم برامج مركز نيكسون تتضمن برامج الدراسات الصينية، منتدى الأمن الدولي والهجرة، برنامج الأمن القومي، برنامج الإستراتيجية الإقليمية، وبرنامج العلاقات الأمريكية الروسية.
المواضيع التي يناقشها المركز بمجال علاقات الولايات المتحدة مع الصين وروسيا لتعزيز السياسة الطبيعية في الخليج الفارسي وحوض الكاريبي، وقضايا الأمن الأوربية.
المركز مدعوم من مكتبة نيكسون المركزية ومنح مؤسسة بيرث بلس، كما هي من مؤسسات وشركات وأفراد متطوعين.
إعداد توبياس هيلمستورف وياسمين سينر وإبمن توهي
المقدمة
في (24) أكتوبر (2003م) استضاف مركز نيكسون مؤتمر برنامج الأمن الدولي في واشنطن لاستكشاف مدى دور الصوفية -الجماعة الروحية في الإسلام- فيما يتعلق بأهداف سياسة الخارجية الأمريكية. كان الغرض من الاجتماع تعريف صناع السياسة الأمريكية والمجتمع السياسي لهذا الجزء المهمل إلى حد ما من الإسلام، وغالباً ما يُشار إلى أنه (الثقافة الإسلامية). يعتنق الصوفية ملايين الناس في جميع أنحاء العالم، بما فيها الولايات المتحدة.
ركز اللقاء بشكل أساسي على (أوراسيا وجماعتها الصوفية الكبرى -الجماعة النقشبندية- وكذلك التقاليد الصوفية التركية، في الجلسة الأولى استعرض المتحدثون اللاهوت، التركيب التنظيمي والدور الاجتماعي للصوفية بشكل عام، بينما ناقشوا في الجلسة الثانية الدين والمجتمع والصراع السياسي لمختلف أنشطة الجماعات الصوفية في القوقاز وآسيا الوسطى.
وفي الجلسة الثالثة والأخيرة ناقشوا برامج الحكومة إزاء العالم الإسلامي، بينما كانت الأسئلة قد أعدت لدول أوراسيا، بينما يمكن أن تكون قابلة للتطبيق في أي مكان.
* محور المؤتمر كان مناقشة البروفسور بيرنارد لويس والشيخ محمد هشام قباني لمميزات الفكرة الأساسية.
البروفسور لويس مؤلف معروف لعشرات الكتب منها: ما ذهب خطأ: الصراع بين الإسلام والتقدم في الشرق الأوسط، ونقطة تحول حرجة في الإسلام، ونصح أيضاً صانعي السياسة في كل المستويات في حكومة الولايات المتحدة بطرق تعهد المسلمين بشكل بناء.
الشيخ قباني، نائب زعيم الجماعة الصوفية النقشبندي حقاني - التي يتجاوز عدد أنصارها مليونان نصير في جميع أنحاء العالم، لقد كان أول زعيم مسلم يحذر الولايات المتحدة من تهديد محتمل مخطط له من أسامة بن لادن ومنظمة القاعدة الإرهابية، وبادر العالم الإسلامي بإدانة هجمات الحادي عشر من سبتمبر مباشرة، الشيخ قباني يدعو إلى الوسطية، الإسلام التقليدي وهو معارض وفي ضد التطرف الإسلامي.
* هذا التقرير يتضمن نسخة كاملة من العروض المسجلة وملخصات للنقاط الأساسية لبقية المؤتمر.
كليف كابخان
نائب الرئيس - مركز نيكسون
فهم الصوفية ودورها المحتمل في سياسة الولايات المتحدة
اللائحة الأولى: الصوفية، التاريخ، الفلسفة (اللاهوت)، الجماعات.
د/تيموني جي جيانوتي، قسم الدراسات الدينية، جامعة أوريجون.
د/ زكي ساريتوبارك، قسم الدراسات الدينية، جامعة جون كارول.
د/ هدية مير احمدي، المدير التنفيذي للمجلس الإسلامي الأمريكي.
د/ تيموثي جي جيانوتي، قسم الدراسات الدينية، جامعة أوريجون:
ركز نقاشه على أصول ونشأة الصوفية في الإسلام، بدأ جيانوتي بتفسير مصطلح الصوفية بأنه أساس العوائق في أي نقاش للصوفية اليوم، بسبب التنوع الكبير للجماعات المعتقدات والممارسات جاء التسمية للوجود، بالرغم من أن هناك عدد من الأفراد اليوم يعرفون أنفسهم بأنهم (صوفيون)، ولا يجب اعتبار ذلك لأنه ليس لهم أي انتساب رسمي أو حتى غير رسمي للإسلام، مثلاً شخص يرجع إلى أفكار جماعة الروحي أو إلى صفوة حركة العمر الجديد المستوحاة من طقوس وأفكار صوفية لكن ليس لها اتصال حقيقي مع الصوفية التقليدية المتعمقة إلى حد كبير في الإيمان بالطقوس الإسلامية التقليدية.
بالرغم من ضعف الاتصال بظاهر الإسلام من أشخاص متصوفين أكد جيانوتي بأن الصوفية ربما تعتبر جوهر الإسلام، فلا يمكن تصور الإسلام بدون القيمة الجوهرية المعروفة بشكل متناسق بواسطة الصوفية، قيمة الإحسان.
الإحسان هو فهم يكون شعور داخلي يجاهد لاستغلال كل لحظة في حياة الشخص لاستحضار الله، شعور لا محدود بالذات، خيال واسع، استحواذ التفكير بالماضي والمستقبل وذهول دنيوي.
الصوفية، فهم عميق، تمثل لب الإسلام في كلاً من الدين والتماس الذات. لذلك تركز على إعداد ألحجاج للقاء الموعود بالرب.
بدأ جيانوتي نظرته المختصرة حول تأريخ الصوفية مع نشأة الإسلام في المدينة حيث أسس النبي محمد (ص) أول مجتمع إسلامي عام 622م، حيث علم وربى الرعيل الأول من المسلمين، وبالعودة إلى اللقاء بين النبي (ص) والملك جبرائيل. أعد جيانوتي القالب الأساسي لفهم موقع الصوفية في الإسلام، طبقاً لقصة أن النبي (ص) سُئل عن أهم ثلاثة أشياء في الدين فأجاب بأنها: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره والإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً. الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
خلال القرون الأولى للإسلام، وتوسعه الكبير بسرعة لا نظير لها والازدهار الفكري كرس كثير من أتقياء المسلمين المثقفين جهودهم لتنظيم وتصنيف الدين الجديد. انطلاقاًَ من التخصص في مجالات لها متطلبات عملية في حياة الناس مثل إيجاد مقاييس (معايير) وحفظ القرآن وتعلم القواعد العربية (التي تجعل تلاوة القرآن وتفسيره أكثر دقة). والأحاديث (جمع وتدقيق أقوال النبي صلى الله عليه وسلم السالفة والعمل خارجياًُ وتوسع العقيدة بشكل أكبر لمواجهة مختلف الجماعات الضالة.
وتنسيق طريقة الحياة الإسلامية الأساسية (علم الفقه)، وهذا الجهد الأخير اعتمد على الجهود المبكرة لجمع القرآن والأحاديث الصحيحة لتأسيس نواة العقيدة. باختصار أخذا تأسيس دعائم الإسلام والإيمان اهتمام معظم علماء الدين في تلك الفترة.
على أية حال، شعر بعض المسلمين بالخطر إزاء التزايد الكبير على التركيز على المتطلبات الخارجية للإيمان، فبدأوا بتوضيح وتقنين ما يرتكز على حياة الروح (الإحسان). الإحسان علم متجدر في القرآن الكريم والسنة النبوية وأعمال صحابة محمد صلى الله عليه وسلم. لقد كان بعض طلاب العلم والمريدين يسمونه "علم طريق الآخرة". ويشمل كلاً من المعرفة العملية المتعلقة بنقاء القلب، والبعد النظري أيضاً للدخول إلى أسرار الإيمان والتوجه نحو العلم الشرعي (الفقه). هؤلاء سالكي "الطرق الباطنة" يجادلون بأن المظهر الخارجي لا يكفي، لقد لفتوا انتباههم إلى الإمعان في الأوضاع والنوايا والحالات الذهنية لتكون أساس نقاء ودوران حكم قلوبهم لصنع طريقهم نحو الله.
وهكذا كان عالم الروح الغيبي هو المجال الذي يمارس فيه هؤلاء "أطباء الآخرة" قلمهم وسلطتهم مجال ما وراء العيون الطبيعية (عالم الغيب). وحتى الإدراك خلال ممارسة طقوسهم وفهم بديهة العين الروحية.
بمرور الوقت، جاء بعض السادة ليبرزوا كمعلمين نموذجيين ومريدين (طلاب) لهذا السلوك في القرن الثاني عشر، أعلن الصوفيون مجتمعات أو جماعات مهاجرة،كل مجموعة يحكمها سيد عظيم او شيخ ومن قبِل وريث يُعين شخصياً أو خليفة، وفي كل جبل صلاحية كل جماعة روحية كان متفق عليها عبر سلسلة متواصلة من التشكيل الروحي والتواتر الممتد إلى الشيخ المؤسس أو إلى ما وراءه، وجميعها أخيراً تعود للنبي صلى الله عليه وسلم.
هكذا، تجلت الصوفية كعلم ديني وحركة اجتماعية في كل مجتمع أو جماعة تقود عدد كبير من الأتباع. في الحقيقة في حين أن تلك الجماعات استمرت بالظهور والانتشار في أرجاء العالم الإسلامي، جاء سادتهم للسيطرة على سلطة كبيرة ليس في عالم الروح فحسب بل وإنما في العالم الدنيوي كذلك. هؤلاء السادة جاءوا بسبب حب وتفان الآلاف بل عشرات الآلاف من المريدين، كل منهم يبايع على طاعة الشيخ ومن خلال الشيخ النبي وأخيراً الله.
وهكذا اختتم جيانوتي بأن الصوفية ساعدت على انتشار الإسلام في وسط وشرق آسيا وأرخبيل جنوب شرق آسيا، شبه القارة الهندية وشبه صحراء أفريقيا. كانت قوة روحية واجتماعية معاًَ. التراث الذي تركته كان الإسلام الذي شجع الثقافية المتسامحة والتعاون الديني ولم يحرم الحياة الروحية والإخلاص الروحي من أجل السعي وراء أنشطة سياسية مجردة.
الدكتور/ زكي ساريتوبارك، قسم الدراسات الدينية، جامعة جون كارول:
بدأ ساريتوبارك ملاحظاته بالتصريح بأن علم لاهوت الصوفية عميق ومن خلال معانيه الروحية يستطيع الفرد إدراك عالم الغيب (عالم ما وراء البصر) أو عالم الحقيقة العليا.
في الحقيقة، لقد ناقش أن جميع الطقوس الصوفية في الإسلام نستطيع التعبير عنها بأنها "السعي المستمر وراء المجهول" وهذه مؤكدة في الأجزاء الأولى من القرآن طبقاً لـ((أولئك الذي يؤمنون بالغيب... )) [البقرة:2].
بمعنى آخر أنه من خلال عيون قلب الشخص وليس في عيونه الجسدية، يستطيع التعرف على الله.
أبرز ساريتوبارك أهمية الروحانية في الصوفية بالإشارة إلى القرآن وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم المصدران الرئيسيان للإسلام فجميع الصوفيون يتبعون القول القرآني ((وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهوُ وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون)) [الأنعام:28]. تشديد على الأهمية القصوى للقلب، القرآن يقول: ((الذي آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)) [الرعد:28].
يعتبر ساريتوبارك أن هذه الآية أهم رابط قرآني للصوفية فمن ذلك الحين وهي تزودهم بمعنيين أساسيين هما "صفاء القلب" و"ذكر الله" وهما يمثلان أساس الطقوس الصوفية.
يتوقع الصوفي بأنه يتجه إلى معرفة الله وسوف ينال حبه ومن ثم سينال سعادة الروح هذه الرحلة تشمل ثلاث مراحل، الإيمان بالله، ومعرفة الله وحبه، والمرحلة الأخيرة نتيجة لحب مخلوقات الله.
كما قال الشاعر الصوفي التركي المشهور يونس أمير "نحن نحب المخلوقات إكراماً للخالق" الصوفيون ينظرون إلى هذا الكون بأنه كتاب الله، كل جزء في الطبيعة يعتبر علامة على الله سبحانه وتعالى. خلال التأمل في الطبيعة يجد الصوفي إحساس بالسلام والسعادة الروحية. وهكذا يعرض ساريتوبارك بأنه لا يوجد مكان للحقد في قلوب الصوفيين.
في القرون الوسطى أسس الصوفيون جماعات صوفية لمساعدة المريدين لنيل أعلى مستوى للإيمان أثناء رحلتهم إلى عالم الغيب. التشديد على أهمية "المرشد".
شاعر القرن الثالث عشر الصوفي المسلم "ثابت روحي" قال: "إذا سلكت الطريقة بدون مرشد، ربا تأخذ مائة سنة لقطع رحلة يومين". هذه الرحلة كفاح جوهري ضد الضعف الإنساني برمته. يتحدث القرآن أن النفس البشرية أمارة بالسوء نتيجة للضعف البشري. يستمر الكفاح حتى لدى الذين نالوا أعلى مستويات الإيمان. الكفاح ليس ضد الروح فحسب ولكن ضد جميع النزعات الشريرة والعادات السيئة.
فيما يتعلق بالجهود الحثيثة، يستعرض الصوفيون قول النبي صلى الله عليه وسلم: {أشد أعدائك نفسك التي بين جنبيك} كنقطة انطلاق.
من خلال هذا الكفاح، يحاول الصوفي الوصول إلى مستوى ما يسمونه "الإنسان الكامل" الطائفة الصوفية تقارن بين ثلاث مراحل مختلفة من التكريس الديني: علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، والأخيرة توصف بأنها معرفة الله التي لا ينالها جميع الصوفيون بالرغم من أن كل الصوفيون يجهدون للوصول إليها.
صرح ساريتوبارك بأن الخليفة الرابع وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم علي يعتبر نموذج عظيم لهذا المستوى من الإيمان. . قال علي: "لو انكشف حجاب الغيب، ما زاد إلى قوة إيماني شيء" بعبارة أخرى، لقد كان إيمانه قوي حتى لو رأى الله. فهو لا يستطيع الإيمان بأكثر مما يعتقده، طبقاً لذلك فإن علي يعتبر الزعيم الروحي لجميع الصوفيون لأن شخصية علي مهمة جداً للمسلمين السنة والشيعة، ويمكن أن يمثل القاسم المشترك بين المذهبين.
المذهب السني، بشكل خاص، يؤكد على أهمية علي كثيراً، وفقاً لذلك ناقش ساريتوبارك بأنه يمكن الترويج للحوار بين المذهبين، السنة والشيعة، اللذان يعتبران متماثلان دينياً ومتباينان سياسياً.
في حين أن مصادر لاهوت الصوفية هو القرآن وأحاديث النبي، فلا يوجد هناك شك بذلك. تأثرت الصوفية بقدوات شخصية تحولت من النصرانية واليهودية وكذلك لكثرة الاندماج الثقافي الذي استمر من القرن السابع إلى ما بعد الحروب الصليبية. وكنتيجة لأن عدد من الصوفيين يعتبر أن المسيح نموذج روحي مهم كذلك.
حتى أن هناك بعض الصوفيون ضلوا عزاب ليقلدوا المسيح في عزوبيته. لكن رغم حقيقة أن الصوفيين المسلمين متفاعلين مع الصوفيين المسيحيين واليهود إلا أن القرآن وأحاديث محمد تعتبران المصدران الرئيسيان المعصومين بالنسبة للصوفية.
مع هذا، ومن خلال تاريخ الإسلام، فإنه لا يوجد أي توترات بين الصوفيين وعلماء الفقه الإسلامي الذي يرفضون تلك الأفكار الصوفية المتجذرة في القرآن وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم فهم منقسمون إلى مجموعتين: منهم الذين يرفضون الصوفية باسم الإسلام ومنهم من يرفض الصوفية باسم الحداثة.
المجموعة الأولى تجادل بأن الصوفية بدعة ضد تعاليم الإسلام بينما تؤكد المجموعة الثانية على أن الصوفية لم تكن قابلة للتطبيق في الوقت الحديث مما أدى إلى تخلف العالم الإسلامي في عصر العلم والتكنولوجيا.
بؤرة التوتر كانت بأن العلماء بجلوا الشريعة، بينما اهتم الصوفيون بالحقيقة، طلب علماء الشريعة الإسلامية من الصوفية إتباع الشريعة، بينما رأى عدد من الصوفيين بأن القوانين لا تعتبر أساسية، بدلاً من ذلك، اختاروا القدرات العقلية التي اعتقدوا بأن القرآن دعا إليها. طبقاً لكلام ساريتوبارك، أن الصوفيون يؤمنون بأن الكتاب المقدس (القرآن) يشجع المسلمين للتفكير واستخدام الأسباب لفهم معنى الوجود.
بالرغم من أن بعض المفكرين المسلمين اتبعوا اتخاذ السبب الذي نصح به الكتاب المقدس (القرآن ) النظام القضائي للإسلام وكثير من معتقدات الإسلام ظهرت كنتيجة لجهود أولئك العلماء.
حالياً، هذا التوتر مستمر بطريقة متطرفة نتيجة صراع بين الوهابية والصوفية.
ناقش ساريتوبارك أن معظم الصوفيية لا زالت متمسكة بالتقاليد والتعاليم الأساسية للإسلام، لكن التطورات المعاصرة جلبت لحياتها تحديات جديدة على سبيل المثال في تركيا، وبالرغم من إلغائها في عام (1924م)، إلا أنه لا يزال هناك جماعات صوفية مختلفة، تحاول التكيف مع تحديات الحياة المدنية.
جماعة النقشبندية، لا تزال لديها شعبية كبيرة في السياسة والثقافة بتركيا. وجماعات أخرى لديها صحف ومجلات وحتى بعض المؤسسات المالية.
شرعية كل جماعة كانت مصدق عليها عبر سلسلة متواصلة من التشكيل الروحي بامتداد موصول يعود إلى الشيخ المؤسس أو ما بعده، وكل الطرق تعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
هناك أيضاً بعض الحركات الدينية الشرقية المتحضرة والتي لا تعتبر تقنياً جماعات صوفية، ولكن تحتوي أو تشمل بعض العناصر الصوفية في حياتها الروحانية، تعتبر الساريتوبراك من أهم وأعظم الحركات لأتباع فتح الله غولن الذي يؤكد الاتفاق النظري الذي يشمل كلاً من الحياة الحديثة والروحانية الإسلامية كشيء قيم تختلف بنية أو تنظيم الحركة الغولونية عن الأنظمة أو القوانين الصوفية خصوصاً في العلاقة المفككة غير المترابطة، وكذلك قلتها في الطبقة الحاكمة، وتتشابه هذه الحركة مع الصوفية بأنها لا تترك أو توقف (أبعاد القلب) توضع هذه ببساطة وتجتهد كثيراً لعمل نوع من الإحساس بالتوازن.
المتعاطفون مع حركة غولن والذين يفوقون الملايين، أسسوا شبكة تلفزيونية كبيرة، وصحيفة مشهورة (زمان)، وعدد من المؤسسات المالية والجامعات داخل تركيا وخارجها، إنهم يفضلون التعليم التحرري والذي يتركز بشدة على العلوم، إنهم أيضاً يبدون منفتحين في التنوع ضمن هذه الأماكن، وفي هيئات الطلاب المكتملة والناضجة بالأعراف والتقاليد الدينية والقومية.
لا يعتبر مؤسس حركة غولن ( عبد الله كولن )، شيخاً أو زعيماً كما في النظام الصوفي، ولكنه يُدير أعمال متعددة في الصوفية، ويرجع السبب في ذلك إلى انه ليس هناك عضوية مشتركة في هذه الحركة المدنية، وليس هناك أسلوب صوفي للتركيب يمكن لأحدهم القول بأنها حركة روحانية متطورة مدنياً أو حضارياً بالمفهوم الحديث للصوفية، بعبارة أخرى، إنها من الممكن أن تفهم كطريق جديد للصوفية أو (الحداثة الصوفية).
تشتمل الساريتوبراك على الطريقة التقليدية للصوفية والتي أعادت بنيتها بنفسها طبقاً لمتطلبات الحياة المعاصرة، بالتأكيد ستبقى الصوفية كنموذج روحاني للإسلام، بالرغم من قلة الشهرة والقوة، ولقد حث الصوفية الحديثة على جذب الاهتمام كثيراً لأن تتحرك ليس خلف الأمور الروحانية فحسب في المجتمع، بل السياسة، وحتى المعلومات الاقتصادية.
د/ هدية مير أحمدي، المدير التنفيذي، المجلس الإسلامي الأعلى في أمريكا:
عززت الدكتورة مير أحمدي النقاط الموضحة من قبل جيانوتي وساريتوبراك، الذي يعتبر المجال الأكثر أهمية لتأريخ الصوفية في حقيقة كيف وجدت على المدى البعيد بعض التقاليد الإسلامية من الأيام الأولى لوجود الديانة الإسلامية، ولقد صرحت بأنه في السنين الأولى للإسلام كانت الروحانية طريقة أو نظاماً بدون اسم، ولكنها أصبحت الآن اسماً بدون نظام.
لتفسير التعليق الموضح أعلاه، بدأت بمناقشة الأحداث المؤلمة في القرن العشرين (انهيار الإمبراطورية العثمانية، الغزو الاستعماري من مختلف القوى الغربية، التناقص أو الانحسار العام للحضارة الإسلامية) والذي جلب موجة جديدة من الاعتقادات في العالم الإسلامي، والتي كان يُراد منها توحيد المسلمين في قوة سياسية توجه ضد أوربا والولايات المتحدة، وهذه الأيدلوجية الجديدة غالباً ما يشار إليها بالوهابية (والتي أحياناً يطلق عليها اليوم بالسلفية) ولقد وصفت هذه الأيدلوجية لمعتقديها بأنها محاولة لتخليص الطقوس الإسلامية حول العالم من بدع الصوفية وغيرها المتأثرة بالغرب، لقد فسرت هذه الأيدلوجية الجديدة السبب وراء الفشل في مقاومة المستعمر الغربي، وهو الفساد في الدين والأمانة، لقد ناقشوا بأن المسلمين متواطئين مع الثقافات الجديدة التي دخلت إلى الإسلام، ولهذا السبب استحقوا غضب الله.
إن نجاح هذه الأصولية المسيسة يعتمد على إيجاد وحدة قوية قادرة على مواجهة الغرب، إن الحل هو الرجوع إلى القرآن الكريم. ومن أجل نشر كتبهم استغلوا الكتاب المقدس (القران) وأعادوا تعريف الشرع الإسلامي منسجم مع أدبياتهم.
لقد وضحت مير أحمدي بأن ذلك الحل هو حقاً ناتجا ولكن الناس لم يدركوا بأن الوهابيين أعادوا تفسير الأسباب الدينية والآراء القانونية والتي ظلت ثابتة لقرون، لقد بات من الواضح للجميع أن كل واحد منا ببساطة (تخلص من العقيدة).
لقد أعطت التفسيرات الحديثة التغطية القانونية المهمة لكل المبشرين للقضاء على التسامح وعادات المسلمين الأتقياء، وكذلك الطقوس الجماعية الإسلامية.
أولاً: لنأتي إلى تقليص بنية الثقافة الإسلامية، كما أشارت مير أحمدي، لقد أزالوا مراكز التجمعات الصوفية حيث يتعلم الطلاب الشباب من شيوخهم، وقاموا ببناء مجتمعات متأخرة، وفي مراكز التعليم الحديث والمساجد التي حلت محل تلك المراكز، لقد ركزوا على الروحانية التي أزالوها وأعادوا ترتيبها بمناهج جديدة تتركز كلياً على النظرية السياسية، وفيما يشابه الشيوخ، لقد بدأ الأئمة الجدد الذين خلفوا الشيوخ التقليديين بطريقة متطرفة حول عظمة الإسلام وسموه فوق كل التقاليد الدينية الأخرى.
لقد أشارت مير حول تسأل الناس كيف لهذا العدد الضخم من السكان الذي يتجاوز عدده البليون بتمزيق عقيدتهم وديانتهم بهذه الطريقة الدرامية، كما قالت مير أحمدي. إن الجواب الأسهل هو أنه ليس هناك أي حالة من السماح لها بالتمزق فبعضهم قاوم وبشدة.
لقد وضحت مير أحمدي بأن هذه الجهود الوهابية الضخمة جلبت العنف والدماء إلى كل زاوية في العالم الإسلامي تقريباً. الآباء والأبناء أصبحوا في صراع كل واحد ضد الآخر، وكذلك تمزقت العائلات مع كل جيل جيد تعلم في السلفية.
ومع ذلك، لقد أكدت بأنه من المهم إدراكه على المدى الطويل قبل أن يتحول هذا العنف ضد الولايات المتحدة وحلفائها، لقد كدرت (الوهابية) لصفو المنبع الرئيسي للمسلمين في كل مكان.
لقد اختتمت مير أحمدي إلى أنه من المستحيل الهروب من تأثير الفكر السلفي الوهابي المدمر في أي مكان من العالم.
وبالرجوع إلى السؤال عن السياسة الأمريكية، ونتيجة لمنظومة السياسة الأمريكية العلمانية فأنه من الصعب أن تتخيل أن صنُاع السياسة الأمريكية يتفهمون القيم الصوفية بسهولة. لقد صرحت لو أن الولايات المتحدة تقربت من خلال برامج الحوافز، محتفظة بتأريخ وثقافة الأقطار المختلفة، يمكن أن تجد نفسها قادرة على مساعدة الأمم لاستعادة إرثها المفقود. الشيء الحقيقي الذي يجب على الولايات المتحدة أن تفعله هو أن تتجنب النقد المتزايد من المسلمين حول الحرب على الإرهاب والذي ليس له أي هدف سوى القضاء على الإسلام، لقد اقترحت ثلاث طرق مهمة عن كيف يمكن للولايات المتحدة أن تستطيع المساعدة:
أولاً: في الحفاظ على أو إعادة بناء الأضرحة للأولياء ومراكزهم التعليمية المرتبطة بهم، وينكر السلفيون مفهوم الأولياء وغالباً ما دمروا وانتهكوا مثل هذه الأحزمة والمزارات التي لها قرون من الزمان خاصة في وسط آسيا، إعادة البناء والمحافظة عليها وإعادة هيبة الناس لها.
ثانياً: إعادة تذكير الناس بهذه الأماكن وبناء جسور التسامح والفهم، ولكنهم أيضاً في مصادر كبيرة جعلوا شرعية الحصول على العملات الأجنبية والسبب أنهم تأثروا أو انجذبوا نحو السياحة العالمية.
ثالثاًً: يمكن أن يكون للولايات المتحدة دوراً مفيداً في إنشاء وتمويل مراكز تعليمية تركز على التأريخ القديم والحضارة القديمة في الإقليم، مع التركيز على أسبقية وجود التسامح الديني والأثيني بوجه خاص، كما يمكن أن تساعد تلك المراكز المجتمع بإعادة تأهيل أولئك الشباب الذين تحرروا من عدوانية الفكر الوهابي.
ويمكن أن تكون هذه المبادرات مفيدة جداً شريطة أن يقوم الولايات المتحدة ببذل الجهد الكافي حتى لا يذهب الدعم للمجموعات الخاطئة وأن لا تعمل وفقاً لهذا إلا مع أولئك الذي أثبتوا أنهم أنصار السلام والتسامح تجاه التعددية الدينية وأنهم أنصار الاعتدال في مجتمعاتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق