هذا مختصر لما كتبه الشيخ حفظه الله
هذا عنوان منهج عقدي وفكري يحتاج إليه كل قارئ وتعظم الحاجة إليه في عصرنا الحاضر؛ حيث العولمة بنفوذها الفكري ونفاذها التقني من خلال الإعلام وشبكات المعلومات.
العنوان نصيحة قدمها شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – لأشهر تلاميذه، وهو ابن قيم الجوزية – رحمه الله تعالى – فنعم الناصح ونعم المنصوح.
يقول ابن القيم عن هذه النصيحة: (ما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك) ((مفتاح دار السعادة)) (1/ 443). مع أنه قد تلقى عن شيخه عشرات بل مئات الوصايا، كما هو واضح لمن تتبّع ذلك في كتبه، لكن هذه الوصية كان لها شأن آخر في حياة ابن القيم ومنهجه، وقد مرّ بتجارب متنوعة (سطر خلاصتها في نونيته) فأنقذه الله من شبهات أهل الأهواء الذين وقع في شباكهم بتتلمُذهِ على شيخ الإسلام وملازمته له.
يقول ابن القيم في عرضه لهذه الوصية: (قال لي شيخ الإسلام – رضي الله عنه – وقد جعلت أورد عليه إيراد بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها؛ فلا ينضح إلا بها ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها؛ فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أَشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقراً للشبهات، أو كما قال) ((مفتاح دار السعادة)) (1/ 443).
خلاصة الوصية عند ورود الشبهات والمقالات التي لا تعرف مصدرها هي:
1- لا تجعل قلبك مثل السفنجة؛ أي: يتشربها ولا ينضح إلا بها.
2- واجعله كالزجاجة المصمتة؛ أي : يرها بصفائه ويدفعها بصلابته.
فما وجه تشبيه هذا النوع من القلوب بالإسفنجة؟
1- يلاحظ الشبه بينهما من ناحية التكوين؛ فكل منهما رقيق ليّن ليس في داخله صلابة من عظام ونحوها.
2- أن الإسفنجة معروفة بطبعها؛ فهي تمتص كل سائل؛ فإن أدخلتها طيّباً: من ماء عذب أو لبن أو شراب، فإنها تمتصه كما أنك إن أدخلتها في ماء عفن أو بول أو نجس: كخمر ونحوه، فإنها تمتصه أيضاً.
3- أن الإسفنجة إذا امتصت السائل فلا بد أن تنضح بما فيها؛ حيث يخرج منها القطرات بل أكثر من ذلك إذا ضغط عليها ولو بقليل من القوة وقلّما تحتفظ بما فيها حتى ينشف، ولو نشفت لما أقبح ما فيها؛ إن كان ما امتصته من المجاري وأشباهها!
4- أن الإسفنجة متى ما اعتادت امتصاص العفن، تحولت هي إلى عفن؛ فلا ينفع معها تنظيف ولا غسل.
وكذلك القلوب فهي:
[color="rgb(139, 0, 0)"]أولاً: رقيقة لأنها موطن الإرادة والحب والبُغض والمحبة والكُره، وهي موطن أعمال القلوب: من خوفٍ، ورجاءٍ، ومحبةٍ وإنابةٍ، وإخلاصٍ، وصدقٍ، وتوبةٍ، وتوحيدٍ، وتوكلٍ وغيرها؛ ولذا فهي تابعة لمن خضعت له:
أ- فإن انقادت لمولاها وسيدها ومالكها بتوحيده والتوكل عليه وحده لا شريك له وبمحبته ورجائه وخوفه وسائر أعمال القلوب
ثانياً: هي (أي: القلوب) بحسب ما تُحمل وتُربى عليه؛ فإن حُملت على حبّ الحق والاستجابة له والنفور من الباطل والشبهات، أما إن تركت مرتعاً لكلّ عارضٍ مما يعرض لها، تتقبله من غير تمييز فإنها تكون عُرضةً للخطرات والوساوس التي يلقيها شياطين الإنس والجن، فتصبح مرتعاً للشبهات فتصير كالسفنجة التي حذر منها شيخ الإسلام؛ تمتص الشبهات وربما تنضح، وتصبح مريضة بذلك.
ولتشخيص هذه الحالة في واقعنا المعاصر نلاحظ ما يلي:
1- بروز هذه الظاهرة الإسفنجية لدى بعض طلاب العلم والشباب المستقيم ونحوهم ممن لهم اهتمامات بالعلم الشرعي أو بالقراءة بمعناها العام الشامل لما يُشاهد أو يُسمع أو يُقرأ، أو بحب سماع الحوارات التي تدور بين الأطياف المختلفة في عقائدها، أو في مشاربها، أو في مناهجها؛ فتجد بعض هؤلاء – هدانا الله وإياهم وثبتنا على الحقّ جميعاً- يتشرّب شبهات أهل الباطل فتستقر في نفسه، وإذا علمنا أن للشبهات بريقاً ولمعاناً مُحرقاً خاصةً إن عُرضت بأسلوب ماكر تصحبه سخرية وهزء بأهل الحق المتمسكين به؛ عندها يتبين مدى أثر هذه الشبهات على القلوب الإسفنجية الضعيفة؛ حيث تتحول القلوب إلى نوع من القلق وشيء من الحيرة والشك، حيث يتصارع في قلبه ثقته بمنهجه وعقيدته الصافية، وقوة الشبهة وشدة جذبها وقوة حرقها.
وفي هذه الحالة المرضية العارضة المقلقة يكون للقلب أحد مسارين:
أ- مسار يؤوب فيه القلب إلى سكينة الإيمان وبرد اليقين والتسليم لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، بحيث تكون له خبيئة من عبادة وطاعة يتقرب بها إلى الله تعالى فتجدد له هذه العبادة ثوب الإيمان والتعلق بمقلب القلوب – تبارك وتعالى- فيتوجه إليه منيباً مخبتاً متوكلاً، أو يكون له صاحب أو أصحاب مثل شيخٍ يثق به ويُباحثه أو يُسائله عما عرض له من شبهات فيتلقّى الجواب وهو على حالته السابقة من التسليم والعبادة فهذا غالباً منّا يعود إليه اليقين ويَسلم من غوائل ما عرض لقلبه من الشبهات فينبته لنفسه لاحقاً.
ب- مسار لا يوفق فيه لتسليم ولا لمزيد طاعة، ولا لمعالجة صحيحة لهذا العارض؛ فهذا قد تشتد عنده حالة الشك والقلق ويبقى حبيس نفسه وهواه وهواجسه ووساوسه فينتج عن ذلك مرضان:
- رسوخ الشبهة أو الشبهات: لأن القلب تشربها واختلطت بها، كالإسنفجة التي امتصت الماء العفن.
- نقل الشبهة إلى غيره: حيث تجده ينشرها بين أصحابه ويعرضها في كل مناسبة ويكرر عرضها؛ وكأنه لم يبق معه من القول والهمِّ في دينه ودنياه إلا ما أُشرب قلبه من ذلك؛ فهو لا يكتفي بمرض قلبه، وإنما ينقل عداوة إلى الآخرين السالمين الأصحاء والطامة الكبرى تكون حيث يخصّ بهذه البوائق أحبابه وأصحابه المقرّبين منه أو طلابه المتأثرين به؛ فما أعظمها من مصيبةٍ وقعت على الطرفين!
وهذا معنى تشبيه القلب بالإسفنجة؛ لأنها إذا امتصت العفن صارت تنضح وتقطر بما فيها من ذلك كما هو مشاهد وكذا القلب الشبيه بذلك.
http://alagidah.com/vb/showthread.php?s=9b2f09ab7a2000ae1da8f4f68935c769&t=8984
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق