الاثنين، 3 مارس 2014

حكم الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم

حكم الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم



إعداد: د.محمد بن عبد الله مختار


مقدمة:


إن الحمد لله نحمده ونستعيه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد؛ فإن من الأمور التي وقع فيها الاختلاف حكم الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبغيره من الصالحين الموتى فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، فمن الناس من ذهب إلى حِلها بل واستحبها وزعم أنها من أعظم القرب إلى الله تعالى، وألَّف في تقريرها كالبكري الذي كفر شيخ الإسلام ابن تيمية ورد عليه، وكالنبهاني الذي ألف شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق، وكالسبكي الذي الف كتابه الموسوم (شفاء السقام في زيارة خير الأنام) وغيرهم. ومن أهل العلم من ذهب إلى ردها وإبطالها، فرأيت الإسهام في توضح هذه المسألة وبيان وجه الحق فيها.
ومن أبرز الكتب التي ألفت في هذه المسألة كتاب شيخ الإسلام الاستغاثة في الرد على البكري، وهو من أميز الكتب التي تناولت هذه المسألة فيما أحسب، ولأهمية هذا الكتاب ومكانته العلمية قام الحافظ ابن كثير بتلخيصه وترتيبه كما اعتنى الباحثون بتحقيقه.
أهمية الموضوع: إن دراسة موضوع الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبيان حكمها من أهم مباحث الدين ومطالبه وذلك لتعلق هذه المسألة بأصل الدين وأساسه الأعظم توحيد الله تعالى في ألوهيته الذي جاءت بدعوة الناس إليه جميع المرسلين كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
خطة البحث: جعلت البحث في مقدمة وثلاثة مطالب.
المقدمة وتشمل على خطبة الحاجة، وأهمية الموضوع وخطة البحث.
المطلب الأول: تعريف الاستغاثة لغة واصطلاحًا والفرق بينها وبين الدعاء.
المطلب الثاني: حكم الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم.
المطلب الثالث: شبهات المخالفين.
والله المسئول أن ينفع به كما نفع بجهود علمائنا في هذه المسألة وأن يجعل عملي فيه خالصا لوجهه الكريم.
وكتبه: محمد عبد الله مختار.
حكم الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم



وفيه ثلاثة مطالب: 

المطلب الأول: تعريف الاستغاثة لغة واصطلاحا والفرق بينها وبين الدعاء



الاستغاثة في اللغة طلب الغوث، وهو: إزالة الشدة؛ كالاستنصار طلب النصرة[1].
وقيل: نداء من يخلص من شدة أو يعين على دفع بلية[2].
فالاستغاثة إذا طلب مقرون بالنداء، وذلك نوع من الدعاء ولكن دعاء خاص وهو لإزالة الشدة، وذلك لأن الدعاء يكون في أحوال متغايرة إما لإزالة شدة واقعة بالعبد وإما طلب خالي من الشدة كالدعاء في حال الرخاء. فالدعاء إذا أعم من كونه لإزالة الشدائد، وبذلك يتبين الفرق بين الدعاء والاستغاثة وهو في العموم والخصوص، فكل استغاثة دعاء، وليس كل دعاء استغاثة.
إذا تقرر هذا فإن طلب الغوث يكون في جلب الخير كما يكون في دفع الضير، لأنه منوط برفع الشدة الواقعة بالعبد، وهي تحصل بفقد المرغوب وبعدم دفع المخوف.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وهذا غاية ما يدعو به الإنسان من جلب الخيرات ودفع المضرات؛ فإن الدعاء فيه تحصيل المطلوب واندفاع المرهوب)[3].
المطلب الثاني: حكم الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم



الاستغاثة بشخص النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لا تخلو: إما أن تكون في حياته أو تكون بعد مماته، فإن كانت في حايته فهي جائزة فيما يقدر عليه بطبع بشريته[4] عليه الصلاة والسلام كالاستنصار به لدفع عدو ونحوه. ومحرمة إذا كانت فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى.
أو بعد مماته فإنها محرمة مطلقا فيما كان قادرا عليه في حياته أو كان مما لا يقدر عليه في حياته. وذلك لأن الموت عجز عن الفعل مطلقا، ولأن التكليف قد انقطع عنهم[5].
والأدلة الدالة على تقرير هذا الأصل كثير؛ فمن ذلك قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 56 - 57]، وقوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62]، وقوله في شأن الموتى والغائبين: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14]، وقوله: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5-6].
يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى شارحا لهذه الآيات ومقررا ما تقدم: (وذلك أن المخلوق يطلب من المخلوق ما يقدر المخلوق عليه، والمخلوق قادر على دعاء الله ومسألته، فلهذا كان طلب الدعاء جائزا كما يطلب من الإعانة بما يقدر عليه، والأفعال التي يقدر عليها، فأما ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى فلا يجوز أن يطلب إلا من الله سبحانه، لا يطلب ذلك لا من الملائكة، ولا من الأنبياء، ولا من غيرهم، ولا يجوز أن يقال لغير الله: اغفر لي، واسقنا الغيث، وانصرنا على القوة الكافرين، أو اهدِ قلوبنا، ونحو ذلك، ولهذا روى الطبراني في معجمه أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين فقال الصديق: قوموا بنا نستغيث برسول الله من هذا المنافق فجاءوا إليه فقال: (إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله)[6]وهذا في الاستغاثة من ذلك. فأما ما يقدر عليه البشر فليس من هذا الباب وقد قال سبحانه: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال: 9]، وفي دعاء موسى عليه السلام: (اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وإليك المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك) [7] وقال أبو يزيد البسطامي: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق. وقال أبو عبد الله القرشي: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون. وقال تعالى: {ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 56 - 57].
قال طائفة من السلف: كان أقوام يدعون الملائكة والأنبياء فقال الله تعالى: هؤلاء الذي تدعونهم هم عبادي كما أنتم عبادي، يرجون رحمتى كما ترجون رحمتي، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي، ويتقربون إليَّ كما تتقربون إليَّ، فنهى سبحانه عن دعاء الملائكة والأنبياء مع إخباره لنا أن الملائكة يدعون لنا ويستغفرون، ومع هذا فليس لنا أن نطلب ذلك منهم. وكذلك الأنبياء والصالحون وإن كانوا أحياء في قبورهم، وإن قدر أنهم يدعون للأحياء، وإن وردت له آثار فليس لأحد أن يطلب منهم ذلك ولم يفعل ذلك أحد من السلف، لأن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم وعبادتهم من دون الله تعالى بخلاف الطلب من أحدهم في حياته فإنه لا يفضي إلى الشرك، ولأن ما تفعله الملائكة ويفعله الأنبياء والصالحون بعد الموت هو بالأمر الكوني، فلا يؤثر فيه سؤال السائلين بخلاف سؤال أحدهم في حياته فإنه يشرع إجابة السائل، وبعد الموت انقطع التكليف عنهم)[8].
المطلب الثالث: الشبهات



هناك بعض الشبهات التي يتعلق بها من يجيز الاستغاثة بشخصه الكريم صلى الله عليه وسلم فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، وهذه الشبهات على أربعة أنواع:
النوع الأول: شبهات لغوية ومردها إلى الخلط بين معنى التوسل والدعاء.
النوع الثاني: الجهل بأن الاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا الله نوع من العبادة لغير الله. وهذه في الواقع ليست شبهة ولكن دَرْجها في الشبه لملاحظة الاشتباه في معنى العبادة وتحقيق معنى كلمة "الإله".
النوع الثالث: أحاديث موضوعة أو ضعيفة أو صحيحة يتأولونها على غير وجهها يستندون عليها في تجويز الاستغاثة بغير الله كحديث: (لو حسَّن أحدكم ظنه بحجر لنفعه)[9]، وحديث: (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور) [10]، وحديث: (إذا أضل أحدكم شيئا، أو أراد أحدكم عونا، وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل: يا عباد الله أغيثوني، يا عباد الله أغيثوني، فإن لله عبادا لا نراهم) [11]، وحديث الأعمى وفيه: (يا محمد يا نبي الرحمة إني...) [12].
النوع الرابع: حكايات ومنامات وقصص بعيدة واهيات أو حصل فيها المقصود فتنة وابتلاء؛ كقول القائل: استغاث فلان بالقبر الفلاني، فتخلص من شدته، ونحو ذلك مما يروج له سُدَّان القبور الداعون لعبادتها.
وأما تفصيل هذه الشبه والرد عليها فهو كما يلي:
الشبهة الأولى: يزعم بعض من يجيز الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم أو بغيره من الصالحين أن ذلك نوع من التوسل وليس بدعاء حقيقة، لأن الدعاء طلب منه مباشرة ونحن لا نطلب إلا من الله ولكن هو وسيلتنا إلى الله عز وجل، ولكن بعض العامة لا تُحسِن العبارة فتسأله مباشرة وهي تريد معنى التوسل. وهذه الشبهة نقلها عنهم صاحب كتاب معارج الألباب في مناهج الحق والصواب[13].
ويستدلون عليها بالأحاديث الواردة في التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم كحديث عمر في الصحيح[14]: إنا كنا نتوسل إليك بنبيك فتسقنا وإنا اليوم نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا، وحديث توسل أصحاب الغار لأعمالهم الصالحة [15]، وحديث توسل الأعمى بالنبي صلى الله عليه وسلم [16]، وغير ذلك من الأحاديث الدالة على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم حال حياته [17].
والجواب: أن المتقرر عند أهل العلم أن الألفاظ قوالب المعاني وأن اللفظ هو الطريق إلى معرفة المعنى المراد، وأما النظر إلى النيات والقصود فهو أمر أجنبي خارج عن ظاهر اللفظ، ولو أهملنا الألفاظ ونظرنا إلى المعاني لتعطلت كثير من الأحكام؛ فإن الله تعالى تعبدنا بالألفاظ كما تعبدنا بالمعاني، وقد عاب على المشركين أنهم أرادوا معاني صحيحة في ظاهرها بألفاظ باطلة وسمى صنيعهم ذلك شركا[18].
قال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3].
كما أن الله تعالى منع من الألفاظ الموهمة لما تفضي إليه من باطل قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 104].
وأيضا: فإن الأحكام في الدنيا مبناها على الظاهر ولا عبرة بالنيات والمقاصد.
ثانيا: أن من أنواع الشرك التي ذكرها أهل العلم الشرك المتعلق بالألفاظ كقول الرجل: ما شاء الله وشئت، ولولا كليبة الدار لأتانا اللصوص، وكالحلف بغير الله، ويدخل في كل لفظ يوهم معنى الشَّرِكة أو يدل على ذلك.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (ومن الشرك به سبحانه الشرك به في اللفظ: كالحلف بغيره، كما رواه الإمام أحمد وأبو داود عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك) وصححه الحاكم وابن حبان[19]. ومن ذلك قول القائل للمخلوق: ما شاء الله وشئت، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل: ما شاء الله وشئت، فقال: (أجعلتني لله ندًا؟ بل قل: ما شاء الله وحده) [20]، هذا مع أن الله قد أثبت للعبد مشيئة، كقوله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 28]، فكيف بمن يقول: أنا متوكل على الله وعليك، وأنا في حسب الله وحسبك، وماليَ إلا الله وأنت، وهذا من الله ومنك، وهذا من بركات اله وبركاتك، والله لي في السماء وأنت لي في الأرض، أو يقول: والله وحياة فلان، أو يقول: نذرا لله ولفلان، أو أنا تائب لله ولفلان، أو أرجو الله وفلانا، ونحو ذلك ...) [21].
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كلام نفيس في رد هذه الشبهة بيَّن من خلاله غَلَطَ تفسير الدعاء بالتوسل كما في تلخيص الاستغاثة للحافظ ابن كثير، حيث يقول رحمه الله في رده على البكري: (وقوله: (من توسل إلى الله بنبيه في تفريج كربة أو استغاث به سواء كان ذلك بلفظ الاستغاثة أو التوسل أو غيرهما مما هو في معناهما) فهذا القول لم يقله أحد من الأمم، بل هو مما اختلقه هذا المفتري، وإلا فلينقل ذلك عن أحد من الناس، وما زلت أتعجب من هذا القول وكيف يقوله عاقل، والفرق واضح بين السؤال بالشخص والاستغاثة به، وأريد أن أعرف من أين دخل اللبس على هؤلاء الجهال، فإن معرفة المرض وسببه يعين على مداواته وعلاجه، ومن لم يعرف أسباب المقالات وإن كانت باطلة لم يتمكن من مداواة أصحابها وإزالة شبهاتهم، فوقع لي أن سبب هذا الضلال الاشتباه عليهم: أنهم عرفوا أن يقال سألت الله بكذا كما في الحديث: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد أنت المنان)[22].
ورأيي أن الاستغاثة تتعدى بنفسها كما يتعدى السؤال كقوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} [الأنفال: 9].
وقوله: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: 15]، فظنوا أن قول القائل استغثت بفلان كقوله سألت بفلان والمتوسل إلى الله بغائب، أو ميت تارة يقول: أتوسل إليك بفلان وتارة يقول أسالك بفلان، فإذا قيل ذلك بلفظ الاستغاثة، فإما أن يقول أستغيثك بفلان، أو أستغيث إليك بفلان وملعون أن كلا هذين القولين ليس من كلام العرب.
وأصل الشبهة على هذا التقدير: أنهم لم يفرقوا بين الباء في استغثت به التي يكون المضاف بها مستغاثا مدعوا مسئولا مطلوبا منه، وبالاستغاثة المحضة من "الإغاثة" التي يكون المضاف بها مطلوبا به لا مطلوبا منه. فإذا قيل: توسلت به أو سألت به أو توجهت به فهي الاستغاثة كما تقول كتبت بالقلم. وهم يقولون: أستغيثه واستغثت به من "الإغاثة" كما يقولون استغثت الله واستغثت به من "الغوث".
فالله في كلا الموضعين مسئول مطلوب منه. وإذا قالوا لمخلوق استغثته واستغثت به من الغوث كان المخلوق مسئولا مطلوبا منه، وأما إذا قالوا: استغثت به من "الإغاثة" فقد يكون مسئولا وقد لا يكون مسئولا. وكذلك "استنصرته" و"استنصرت به" فإن المستنصر يكون مسئولًا مطلوبًا، وأما المستنصر به فقد يكون مسئولا وقد لا يكون مسئولًا.
فلفظ "الاستغاثة" في الكتاب والسنة وكلام العرب إنما هو مستعمل بمعنى الطلب من المستغاث به.
وقول القائل: استغثت فلانا واستغثت به بمعنى طلبت منه الإغاثة لا بمعنى توسلت به فلا يجوز للإنسان الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
قال في الوجه الرابع: إن التضمين المعروف في اللغة إنما هو ضم معنى لفظ معروف إلى آخر مع بقاء معنى اللفظ الأول كما في قوله: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49] فإنه ضُمِّن معنى "الإذاعة" فعدى بحرف الغاية عن من أنه فتنة. وكذلك قوله: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} [ص: 24] فإنه ضُمِّن معنى "الضم" و"الجمع" فعُدِّي بحرف الغاية مع أن معنى السؤال موجود. كذلك قوله: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأنبياء: 77] ضمَّنه معنى "نجيناه" مع بقاء معنى النصر. وقوله: {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] ضُمِّن معنى "يروي" فعدي بحرف الباء مع بقاء معنى الشرب. وهكذا إذا قيل: استغثت بالله من "الغوث" فإنه ضُمِّن معنى "الاستغاثة" التي هي من العون فعدي بالباء مع بقاء معنى الاستغاثة وهي طلب من المستغاث به.
فأما إذا قيل: استغثت بفلان من "الغوث" بمعنى سألت غيره به وتوسلت به فهذا لا يجوز، لأنه أحال معنى "الاستغاثة"؛ فإن معناها طلب الإغاثة من المستغاث به، ومعلوم أن المسئول به والمقسم به والمتوسَّل به ليس مسئولا ولا ملطوبا منه ففيه تبديل معنى اللفظ فلا يجوز ذلك.
وقال في الوجه الخامس: إنه لو قدر أن معنى ذلك معنى التوسل بالأنبياء، فالتوسل بهم الذي جاءت به الشريعة هو التوسل إلى الله بالإيمان بهم وبطاعته أو بدعائهم وشفاعتهم كما كان الصحابة يتوسلون بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء وغيره كما في حديث الأعمى، وكما يتوسل الخلائق يوم القيامة بشفاعته، وأعظم وسائل الخلائق إلى الله تعالى الإيمان بهم واتباعهم وطاعتهم، فأما التوسل بذواتهم والسؤال بهم بدون دعائهم[23] وشفاعتهم وطاعتهم التي يثيب الله عليها فهذا باطل لا أصل له في شرع ولا عقل) أ.هـ من تلخيص الاستغاثة للحافظ ابن كثير [24].
وأما الاستدلال بالأحاديث المتقدمة في جواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم فهي استدلال بها في غير محلها فإنها في جواز التوسل فال في جواز الاستغاثة وقد تقدم الفرق بين الأمرين في كلام شيخ الإسلام المنقول آنفا.
قلت: ومنهم من يجعل الاستغاثة من باب النداء لا من باب الدعاء فيجوِّز الطلب من الأموات.
ويُقال في دفع هذه الشبهة: أن تغيير الأسماء لا يغير حقائق تلك المسميات ولا يزيل أحكامها، إذ العبرة بالحقائق لا بالأسماء.
يقول الشيخ عبد الله أباطين رحمه الله تعالى: (من جعل شيئا من العبادة لغير الله فقد عبده واتخذه إلها، وإن فر من تسميته معبودا وإلها، وسمى ذلك توسلا وتشفعا أو التجاء ونحو ذلك، فالمشرك مشرك شاء أم أبى، فتغيير الاسم لا يغير حقيقة المسمى ولا يزيل حكمه) أ.هـ[25].
الشبهة الثانية: من الأسباب التي أدت إلى الوقوع في الشرك ـ ولا سيما الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما لا يقدر عليه إلا الله ـ الاشتباه في معنى العبادة ومعنى كلمة "الإله" حيث فُسرت العبادة بالاعتقاد وفُسِّر معنى الإله بتوحيد الربوبية، ولذلك اعتقدوا أن الشرك هو اعتقاد الفاعلية في غير الله تعالى، ولذا أجازوا الدعاء والطلب من غير الله ما دام أن الداعي والسائل يعتقد أن مقاليد الأمور بيد الله تعالى، وأن الفاعل حقيقة هو الله وإنما المدعو والمستغاث به هو مجرد واسطة بينك وبين الله.
يقول الشيخ عبد الرحمن المعلِّمي[26] رحمه الله في مطلع كتابه (رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله): (أما بعد: فإني تدبرت الخلاف المستطير بين الأمة في القرون المتأخرة في شأن الاستغاثة بالصالحين الموتى وتعظيم قبورهم ومشاهدهم، وتعظيم بعض المشايخ الأحياء، وَزَعْم بعض الأمة في كثير من ذلك أنه شرك، وبعضها أنه بدعة، وبعضها أنه من الدين الحق. ورأيت كثيرًا من الناس قد وقعوا في تعظيم الكواكب والروحانيين مما يطول شرحه، وهو موجود في كتب التنجيم والتعزيم[27]، كشمس المعارف [28] وغيرها.
وعَلِمْتُ أن مسلما من المسلمين لا يَقْدم على ما يعلم أنه شرك ولا تكفير من يعلم أنه غير كافر، ولكنه وقع الاختلاف في حقيقة الشرك، فنظرت في حقيقة الشرك فإذا هو بالاتفاق: اتخاذ غير الله عز وجل إلها من دونه، أو عبادة غير الله عز وجل. فانتقل النظر إلى معنى الإله والعبادة فإذا فيه اشتباه شديد، فإن أصح الأقوال في تفسير "إله" قولهم: معبود أو معبود بحق، ومعنى العبادة مشتبه كذلك ـ كما سنراه إن شاء الله ـ فعلمت أن ذلك الاشتباه هو سبب الخلاف، وإذا الخطر أشد مما يُظن، لأن الجهل بمعنى الإله يلزمه الجهل بمعنى كلمة التوحيد؛ "لا إله إلا الله" وهي أساس الإسلام وأساس جميع الشرائع الحقة، قال الله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25])[29].
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى سبب التعلق بالصالحين الموتى والاستغاثة بهم في دفع العوائق فقال: (ولهذا كان من أتباع هؤلاء من يسجد للشمس والقمر والكواكب ويدعونها كما يدعو الله تعالى، ويصوم لها، وينسك لها، ويتقرب إليها ثم يقول إن هذا ليس بمشرك، وإنما الشرك إذا اعتقدت أنها هي المدبرة لي، فإذا جعلتها سببا وواسطة لم أكن مشركا.
ومن المعلوم بالاضرار من دين الإسلام أن هذا شرك. فهذا ونحوه من التوحيد الذي بعث الله به رسله وهم لا يدخلونه في مسمى التوحيد الذي اصطلحوا عليه)[30].
الشبهة الثالث: وهي استدلالهم بحديث:
1- (لو حسَّن أحدكم ظنه بحجر لنفعه):
حاصل الرد: أن هذا الحديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأظنه من وضع الزنادقة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جاء للنهي عن عبادة الأحجار فكيف يأمر بما يناقض أصل بعثته وزبدة رسالته!
وممن حكم عليه بالوضع ابن الديبع في تمييز الطيب من الخبيث[31]، وعلي القاري في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة [32]، وابن تيمية كما في مجموع الفتاوى [33]، والحافظ ابن حجر العسقلاني كما نقله عنه تلميذه السخاوي في المقاصد الحسنة [34]، والألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والمووضعة [35].
2- (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور):
وهو كسابقه حديث مكذوب موضوع لا تجوز نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو معارض لأصل الدين وأساس الملة؛ فإن التعلق بأصحاب القبور ذريعة إلى الشرك وذلك لما يفضي إليه من دعاء الأموات وطلب الحوائج منهم، بل هو أصل الشرك في الأمم السابقة فعن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى في سورة نوح: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا} [نوح: 23-24]. قال: (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح؛ فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتُنُسِّخ العلم عُبدت)[36].
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (وأصل الشرك في بني آدم كان من الشرك بالبشر: الصالحين المعظَّمين؛ فإنهم لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم عبدوهم.
فهذا أول شرك كان في بني آدم وكان في قوم نوح؛ فإنه أول رسول بعث إلى أهل الأرض يدعوهم إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك كما قال تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا}.
وهذه أسماء قوم صالحين كانوا في قوم نوح، فلما ماتوا جعلوا الأصنام على صورهم ثم ذهبت هذه الأصنام لما أغرق الله أهل الأرض ثم صارت إلى العرب كما ذكر ذلك ابن عباس وغيره)[37].
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى في صدد حديثه عن الأسباب التي أدت إلى الفتنة بأصحاب القبور: (ومنها: أحاديث مكذوبة مختلقة وضعها أشباه عباد الأصنام من المقابرية على رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقض دينه وما جاء به، كحديث: إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور، وحديث: لو أحسن أحدكم ظنه بحجر نفعه، وأمثال هذه الأحاديث التي هي مناقضة لدين الإسلام وضعها المشركون، وراجت على أشباههم من الجهال الضلال، والله بعث رسوله يقتل من حسَّن ظنه بالأحجار، وجنَّب أمته الفتنة بالقبور من كل طريق كما تقدم)[38].
وممن حكم بوضع هذا الحديث: غير ابن القيم رحمه الله ابن تيمية كما في الاستغاثة في الرد على البكري[39] وقال: (هذا مكذوب باتفاق أهل العلم لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد من علماء الحديث) أهـ. وممن حكم عليه بالوضع أيضا: الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ في تيسير العزيز الحميد [40].
فهذه أقوال أهل العلم في حكم هذا الحديث، وبها يتبين بطلان الاستدلال به على دعاء الأموات والاستغاثة بهم.
3- حديث عتبة بن غزوان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا ضل أحدكم شيئا، أو أراد أحدكم عونا، وهو بأرض ليس بها أنيس؛ فليقل: يا عباد الله أغيثوني، يا عباد الله أغيثوني، فإن لله عبادا لا نراهم)[41].
والرد على استدلالهم بهذا الحديث من جهتين:
الأولى: من جهة الحكم على الحديث، فإن الحديث كما بيَّن الحفاظ أنه ضعيف لا تقوم به حجة رواه الطبراني في المعجم الكبير[42] وفي إسناده معروف بن حسان قال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد [43] "ضعيف". وقال أبو حاتم في الجرح والتعديل [44]: "مجهول". وقال ابن عدي في الكامل [45]: "منكر الحديث".
قلت: وراوي الحديث إذا اجتمعت فيه هذه الأوصاف التي تقدمت في أقوال أهل العلم فإن حديثه مما لا يحتج به لأنه يدور بين الضعف الشديد الذي لا ينجبر وبين الوضع والبطلان.
يقول الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ بعد أن ذكر أقوال أهل العلم في معروف هذا: (وأقول بل هو باطل ـ يعني هذا الحديث ـ إذ كيف يكون عن سعيد بن قتادة ثم يغيب عن أصحاب سعيد الحفاظ الأثبات مثل: يحيى القطان، وإسماعيل بن عليلة، وأبي أسامة، وخالد بن الحارث، وأبي خالد الأحمر، وسفيان، وشعبة، وعبد الوارث، وابن المبارك، والأنصاري، وغندر، وابن أبي عدي ونحوهم، حتى يأتي به هذا الشيخ المجهول المنكر الحديث؛ فهذا من أقوى الأدلة على ضعفه)[46].
الجهة الثانية: على تقدير ثبوته: فإنه لا دليل فيه لأن هذا من دعاء الحاضر فيما يقدر عليه كما جاء في الرواية الأخرى عن عبد الله بن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله احبسوا. يا عباد الله احبسوا؛ فإن لله في الأرض حاضرا سيحبسه عليكم)[47].
يقول ابن سحمان رحمه الله تعالى بعد أن ذكر روايات هذا الحديث وحكم على أسانيدها بالضعف: (على تقدير صحتها فليس فيه إلا نداء الأحياء والطلب منهم ما يقدر هؤلاء الأحياء عليه، وذلك لا يجحده أحد، وأين هذا من الاستغاثة بأصحاب القبور من الأولياء والصالحين...
فإن قيل: إن عباد الله المذكورين غائبون، وأنتم تمنعون من دعاء الأموات والغائبين؟!
فالجواب: إن عباد الله المذكورين ليسوا بغائبين، وعدم رؤيتهم لا يستلزم غيبتهم، فإنا لا نرى الحفظة، ومع ذلك فهم حاضرون، ولا نرى الجن ومع ذلك فهم حاضرون، وكذلك الشياطين والهواء ونحو ذلك، فإن علة الرؤية ليس هو الوجود فقط، فإن هذا من الأسباب الظاهرة العادية، ولا خلاف بين أهل العلم في جوازها، فلا حجة لهم في هذا الحديث ولا متعلَّق لهم فيه بوجه من الوجوه، والله أعلم)[48].
وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين رحمه الله تعالى مفتي الديار النجدية عن استدلالهم بهذا الحديث في جواز دعاء الأموات والغائبين فقال: 
(وأما الجواب عن الحديث فيمن انفلتت دابته في السفر أن يقول: (يا عباد الله احبسوا) فأجيب بأنه غير صحيح لأنه من رواية معروف بن حسان وهو منكر الحديث قاله ابن عدي.
ومن المعلوم ـ إن كان صحيحا ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر من انفلتت دابته أن يطلب ردها وينادي من لا يسمعه ولا يقدر على ردها، بل نقطع أنه إنما أمره أن ينادي من يسمعه وله القدرة على ذلك، كما ينادي الإنسان أصحابه الذين معه في سفره ليردوا دابته.
وهذا يدل ـ إن صح ـ على أن لله جنودا يسمعون ويقدرون {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31] وروى زيادة لفظة في الحديث (فإن الله حاضرا) فهذا صريح في أنه إنما ينادي حاضرا يسمع، فكيف يُستدل بذلك على جواز الاستغاثة بأهل القبور...
فإذا تحققت أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمر من انفلتت دابته أن ينادي مَنْ لا يسمعه ولا قدرة له على ذلك، وكما دل عليه قوله (فإن الله حاضرا) تبين لك ضلال من استدل به على دعاء الغائبين والأموات الذين لا يسمعون ولا ينفعون، وهل هذا إلا مضادة لقوله تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: 106]، {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر: 13]، وقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف: 5]، وقال: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [الرعد: 14].
فهذه الآيات وأضعافها نصٌّ في تضليل من دعا مَنْ لا يسمع دعاءه ولا قدرة له على نفعه ولا ضره، ولو قُدِّر سماعه فإنه عاجز.
فكيف تترك نصوص القرآن الواضحة وتُردُّ بقوله: (يا عباد الله احبسوا) مع أنه ليس في ذلك معارضة لما دلَّ عليه القرآن ولا شبهة معارضة، ولله الحمد)[49]أ.هـ. 
ثم مما يبين أن المراد بالحديث ليس الاستغاثة بالموتى والغائبين على ـ فرض صحته ـ الرواية الأخرى التي في مسند البزار ـ من حديث ابن عباس ـ ولفظها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله عز وجل ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصاب أحدكم عرجة في الأرض لا يقدر فيها على الأعوان فليصيح فليقل: عباد الله أغيثونا أو أعينونا فإنه سيُعان)[50] وفي رواية: (إن لله ملائكة في الأرض يسمون الحفظة يكتبون ما يقع في الأرض من روق الشجر، فما أصاب أحدًا منكم عرجة أو احتاج إلى عون بفلاة من الأرض فليقل: أعينونا عباد الله رحمكم الله، فإنه يعان إن شاء الله) [51].
وبهذا يُعلم ضعف استنادهم على هذا الحديث في جواز الاستغاثة بالأموات والغائبين.
4- استدلالهم بحديث الأعمى على دعاء الأموات: حديث الأعمى هو حديث عثمان بن حنيف رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه كما في الترمذي[52]: أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ادع الله أن يعافيني قال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك) قال: فادعه قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة: إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي اللهم فشفعه فيَّ. وفي بعض الروايات: (فشفعه فيَّ وشفعني في نفسي. فرجع، وقد كشف له عن بصره) [53].
وهذا الحديث اختلف أهل العلم في صحته، فمنهم من يضعفه والقول بتضعيفه جاء عن صاحب المنار[54] وصاحب السنن والمبتدعات [55]. ومن أهل العمل من صححه وممن قال بتصحيحه الإمام الترمذي [56] وشيخ الإسلام ابن تيمية[57] والألباني [58] وجمع من المحققين. ومنهم من توقف في صحته كالعز بن عبد السلام [59] والإمام الصنعاني[60]، وصاحب تيسير العزيز الحميد [61].
ومهما يكن من شيء فإن غاية ما فيه هو توسل الأعمى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم حال حياته وليس فيه متمسَّك بجواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته ولا كذلك التوسل به أو بجاهه بعد مماته.
ومما يبين ذلك أن الأعمى قد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم طالبًا منه الدعاء فعلَّمه أن يقول: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة.. إلى أن قال: اللهم فشفعه فيِّ وشفعني في نفسي، فالحاصل أن الدعاء وقع من الطرفين مِن طرف النبي صلى الله عليه وسلم[62] ومن طرف الأعمى ولذا جاز أن يُقال: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي ـ أي بدعائك ـ، فلو كانت الاستغاثة به جائزة لما كان ثمة حاجة للمجيء للنبي صلى الله عليه وسلم والطلب منه أو الاستغاثة به عنده بل كان يقعد في بيته ويستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول مثلًا: يا رسول الله رد علىِّ بصري، أو أسألك أن تشفيني وتجعلني بصيرًا، أو نحو ذلك من الكلام، ولكنه لم يفعل، لماذا؟ لأنه عربي يفهم معنى الاستغاثة فيما لا يقدر عليه إلا الله وأنها عبادة لا يجوز صرفها لغير الله.
فإذًا ليس في هذا الحديث متمسك لجواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بل غاية ما فيه جواز التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم حال الحياة.
يقول العلامة الألباني –رحمه الله تعالى-: (أن الأعمى إنما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو له، وذلك قوله: (ادعُ الله أن يعافيني) فهو قد توسل إلى الله تعالى بدعائه صلى الله عليه وسلم، لأنه يعلم أن دعاءه صلى الله عليه وسلم أرجى للقبول عند الله بخلاف دعاء غيره، ولو كان قصد الأعمى التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو جاهه أو حقه لما كان ثمة حاجة به إلى أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، ويطلب منه الدعاء له، بل كان يقعد في بيته، ويدعو ربه بأن يقول مثلًا: (اللهم إني أسألك بجاه نبيك ومنزلته عندك أن تشفيني، وتجعلني بصيرًا)، لكنه لم يفعل، لماذا؟ لأنه عربي يفهم معنى التوسل في لغة العرب حق الفهم، ويعرف أنه ليس كلمةً يقولها صاحب الحاجة، يذكر فيها اسم الموسَّبه، بل لابد ان يشتمل على المجيء إلى من يعتقد فيه الصلاح والعلم بالكتاب والسنة، وطلب الدعاء منه له)[63] أ.هـ. 
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى-: (فهذا الحديث فيه التوسل به إلى الله في الدعاء.
فمن الناس من يقول هذا يقتضي جواز التوسل به مطلقًا حيًا وميتًا، وهذا يحتج به من يتوسل بذاته بعد موته وفي مغيبه، ويظن هؤلاء أن توسل الأعمى والصحابة في حياته كان بمعنى الإقسام به على الله، أو بمعنى أنهم سألوا الله بذاته أن يقضي حوائجهم، ويظنون أن التوسل به لا يحتاج إلى أن يدعو هو لهم، ولا إلى أن يطيعوه، فسواء عند هؤلاء دعا الرسول لهم او لم يدع الجميع عندهم توسل به، وسواء أطاعوه أو لم يطيعوه، ويظنون أن الله تعالى يقضي حاجة هذا الذي توسل بدعائه، ودعا له الرسول إذ كلاهما متوسل به عندهم، ويظنون أن كل من سأل الله تعالى بالنبي فقد توسل به كما توسل به ذلك الأعمى، وأن ما أمر به الأعمى مشروع لهم، وقول هؤلاء باطل شرعًا وقدرًا، فلا هم موافقون لشرع الله ولا ما يقولونه مطابق لخلق الله.
ومن الناس من يقولون: هذه قضية عين يثبت الحكم في نظائرها التي تشبهها في مناط الحكم لا يثبت الحكم بها فيما هو مخالف لها لا مماثل لها، والفرق ثابت شرعًا وقدرًا بين من دعا له النبي صلى الله عليه وسلم وبين من لم يدع له، ولا يجوز أن يجعل أحدهم كالآخر.
وهذا الأعمى شفع له النبي صلى الله عليه وسلم، فلهذا قال في دعائه: (اللهم فشفعه فيِّ) فعُلم أنه شفيع فيه ولفظه: (إن شئت صبرت، وإن شئت دعوت لك) فقال: ادع لي، فهو طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي ويدعو هو أيضًا لنفسه، ويقول في دعائه: (اللهم فشفعه فيِّ) فدل ذلك على أن معنى قوله: (أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد) أي: بدعائه وشفاعته كما قال عمر: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا)[64] فالحديثان معناهما واحد، فهو عَلَّم رجلًا أن يتوسل به في حياته كما ذكر عمر أنهم كانوا يتوسلون به إذا أجدبوا، ثم إنهم بعد موته إنما كانوا يتوسلون بغيره بدلًا عنه) [65]أ.هـ.
وقال صاحب تيسير العزيز الحميد: (فالحديث سواء كان صحيحًا أو لا وسواء ثبت قوله فيه: يا محمد أو لا، لايدل على سؤال الغائب، ولا على سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله بوجه من وجوه الدلالات، ومن ادعى ذلك فهو مفترٍ على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه إن كان سأل النبي صلى الله عليه وسلم نفسه فهو لم يسأل منه إلا ما يقدر عليه، وهو أن يدعو له، وهذا لا إنكار فيه، وإن كان توجه به من غير سؤال منه نفسه فهو لم يسأل منه وإنما سأل من الله به، سواء كان متوجهًا بدعائه كما هو نص أول الحديث وهو الصحيح، أو كان متوجهًا بذاته على قول ضعيف، فإن التوجه بذوات المخلوقين والإقسام بهم على الله بدعة منكرة لم تأت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه والتابعين لهم بإحسان، ولا الأئمة الأربعة ونحوهم من أئمة الدين، قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، وقال: أبو يوسف: أكره بحق فلان، وبحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت والمشعر الحرام، وقال القدوري: المسألة بحق المخلوق لا تجوز، فلا يقول أسألك بفلان أو بملائكتك أو أنبيائك ونحو ذلك، لأنه لا حق للمخلوق على الخالق، واختاره العز بن عبد السلام إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم خاصة إن ثبت الحديث –يشير إلى حديث الأعمى، وقد تقدم: أنه على تقدير ثبوته ليس فيه إلا أنه توسل بدعائه لا بذاته)[66] أ.هـ.
إذا ثبت هذا، فلهم شبهة أخرى متعلقة بإحدى زيادات هذا الحديث وهي قوله صلى الله عليه وسلم للأعمى (وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك) فيستدلون بها على جواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم لأمره الأعمى أن يفعل مثل ذلك في سائر حاجاته ولا يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيطلب منه الدعاء.
وحاصل الرد أن هذه الزيادة أعلَّها شيخ الإسلام في (التوسل والوسيلة)[67] بتفرد حماد بن سلمة بها، ومخالفته لرواية شعبة، وهو أجلّ من روى هذا الحديث.
قال الألباني: (وهذا إعلال يتفق مع القواعد الحديثية، ولا يخالفها البتة، وقول الغماري في: (المصباح) (ص:30) بأن حمادًا ثقة من رجال الصحيح، وزيادة الثقة مقبولة، غفلة منه أو تغافل عما تقرر في المصطلح، أن القبول مشروط بما إذا لم يخالف الراوي من هو أوثق منه، قال الحافظ في (نخبة الفكر): (والزيادة مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق، فإن خولف بأرجح، فالراجح المحفوظ، ومقابله الشاذ).
قلت: وهذا الشرط مفقود هنا، فإن حماد بن سلمة، وإن كان من رجال مسلم، فهو بلا شك دون شعبة في الحفظ، ويتبين لك ذلك بمراجعة ترجمة الرجلين في كتب القوم، فالأول أورده الذهبي في (الميزان) وهو إنما يورد من تكلم فيه، ووصفه بأنه (ثقة له أوهام) بينما لم يورد فيه شعبة مطلقًا، ويظهر لك الفرق بينهما بالتأمل في ترجمة الحافظ لهما، فقال في (التقريب): (حماد بن سلمة ثقة عابد أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بآخره) ثم قال: (شعبة بن الحجاج ثقة حافظ متقن، كان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث، وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال، وذب عن السنة، وكان عابدًا).
قلت: إذا تبين لك هذا عرفت أن مخالفة حماد لشعبة في هذا الحديث بزيادته عليه تلك الزيادة غير مقبولة، لأنها منافية لمن هو أوثق منه، فهي زيادة شاذة كما يشير إليه كلام الحافظ السابق في (النخبة) ولعلّ حمادًا روى هذا الحديث حين تغيّر حفظه، فوقع في الخطأ وكأن الإمام أحمد أشار إلى شذوذ هذه الزيادة، فإنه أخرج الحديث من طريق مؤمَّل –وهو ابن إسماعيل- عن حماد عقب رواية شعبة المتقدمة، إلا أنه لم يسق لفظ الحديث، بل أحال به على لفظ حديث شعبة، فقال: (فذكر الحديث) ويحتمل أن الزيادة لم تقع في رواية مؤمل عن حماد، لذلك لم يشر إليها الإمام أحمد كما هي عادة الحفاظ إذا أحالوا في رواية على أخرى بينوا ما في الرواية المحالة من الزيادة على الأولى، وخلاصة القول: إن الزيادة لا تصح لشذوذها، ولو صحت لم تكن دليلًا على جواز التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم، لاحتمال أن يكون معنى قوله: (فافعل مثل ذلك) يعني من إتيانه صلى الله عليه وسلم في حال حياته، وطلب الدعاء منه والتوسل به، والتوضوء والصلاة، والدعاء الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو به، والله أعلم)[68].
ثم على تقدير ثبوتها لم يكن فيها حجة، وإنما غايتها أن يكون عثمان بن حنيف رضي الله عنه ظن أن الدعاء يدعى ببعضه دون بعض، فإنه لم يأمره بالدعاء المشروع بل ببعضه، وظن أن هذا مشروع بعد موته، ولفظ الحديث يناقض ذلك؛ فإن في الحديث أن الأعمى سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، وأنه عَلم الأعمى أن يدعو، وأمره في الدعاء أن يقول: (اللهم فشفعه فِّي) وإنما يدعى بهذا الدعاء إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم داعيًا شافعًا له بخلاف من لم يكن كذلك، فهذا يناسب شفاعته ودعاءه للناس في محياه في الدنيا ويوم القيامة إذا شفع لهم[69].
فظهر مما تقدم أن هذا الحديث لا متمسَّك لهم به في جواز الاستغاثة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله أو الاستغاثة بالميت مطلقًا بل ذلك من الشرك الذي لا يغفر، وقد سد النبي صلى الله عليه وسلم باب الشرك بها مطلقًا فنهى عن الاستغاثة به مطلقًا، فقال: (إني لا يُستغاث بي)[70] مع أن القائلين أرادوا بها معنى صحيحًا وهو الاستغاثة فيما يقدر عليه؛ فإن تخليصهم من هذا المنافق في مقدوره صلى الله عليه وسلم، ولكن حتى لا يُعمَّم اللفظ في الجائز وغير الجائز منع منه مطلقًا، وهذا من حمايته صلى الله عليه وسلم لجناب التوحيد وسدِّه الطرق المفضية إلى الشرك.
يقول الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ: (قوله: (إني لا يُستغاث بي وإنما يستغاث بالله، والظاهر أن مراده صلى الله عليه وسلم إرشادهم إلى التأدب مع الله في الألفاظ، لأن استغاثتهم به صلى الله عليه وسلم من المنافق من الأمور التي يقدر عليها إما بزجره أو تعزيره ونحو ذلك، فظهر أن المراد بذلك الإرشاد إلى حسن اللفظ والحماية منه صلى الله عليه وسلم لجانب التوحيد وتعظيم الله تبارك وتعالى؛ فإذا كان هذا كلامه صلى الله عليه وسلم في الاستغاثة به فيما يقدر عليه فكيف بالاستغاثة به أو بغيره في الأمور المهمة التي لا يقدر عليها أحد إلا الله كما هو جار على ألسنة كثير من الشعراء وغيرهم، وقلَّ مَن يعرف أن ذلك منكر فضلًا عن معرفة كونه شركًا)[71] انتهى كلامه –رحمه الله تعالى-.
الشبهة الرابعة: استدلالهم على جواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بالحكايات والمنامات والقصص البعيدة الواهيات أو تلك التي حصل فيها المقصود وتحقق فيها المرغوب.

الجواب: أن هذا الدين مبناه على التوقيف، والأحكام تبنى على النصوص الشرعية، أما القصص والمنامات والتجارب فليست بحجة في الشرع لاسيما في أعظم الأمور وهو تبرير الشرك وتجويزه، فليس لأحد أن يعارض الشرع بذوقه أو بما يراه في منامه أو يستدل على جواز فعل حرمه الشرع بمن جرّب فحصل مراده ومقصوده، فلو اعتمدنا ذلك لصار الدين لعبة في أيدي العابثين وساغ لكل مبطل أن يعارض الشرع بقوله وذوقه.

وليس كل من دعا عند قبر أو استغاث بصاحب ذلك القبر فاستجيب دعاؤه كان عمله صالحًا لأن الإجابة قد تكون فتنة وابتلاء، وقد تكون لافتقاره واضطراره، لأنه يدعو الله غيره.

يقول ابن القيم –رحمه الله-: (ومنها: حكايات حكيت لهم عن تلك االقبور أن فلانًا استغاث بالقبر الفلاني في شدة فخلص منها، وفلانًا دعاه أو دعا به في حاجة فقضيت له، وفلانًا نزل به ضر فاسترجي صاحب ذلك القبر فكشف ضره، وعند السدنة والمقابرية من ذلك شيء كثير يطول ذكره، وهم من أكذب خلق الله تعالى على الأحياء والأموات، والنفوس مولعة بقضاء حوائجها وإزالة ضروراتها ويسمع بأن قبر فلان ترياق مجرب، والشيطان له تلطف في الدعوة فيدعوهم أولًا إلى الدعاء عنده فيدعو العبد بحرقة وانكسار وذلة فيجيب الله دعوته لما قام بقلبه لا لأجل القبر، فإنه لو دعاه كذلك في الحانة والخمارة والحمام والسوق أجابه فيظن الجاهل أن للقبر تأثيرًا في إجابة تلك الدعوة، والله سبحانه يجيب المضطر ولو كان كافرًا ... فليس كل من أجاب الله دعاءه يكون راضيًا عنه، ولا محبًا له، ولا راضيًا بفعله، فإنه يجيب البر والفاجر والمؤمن والكافر، وكثير من الناس يدعو دعاء يعتدي فيه، أو يشترط في دعائه أو يكون مما لا يجوز أن يسأل فيحصل له ذلك أو بعضه فيظن أن عمله صالح مرضي الله ويكون بمنزلة من أملى له وأمد بالمال والبنين وهو يظن أن الله تعالى يسارع له في الخيرات، وقد قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 44] فالدعاء قد يكون عبادة فيثاب عليه الداعي، وقد يكون مسألة تقضي حاجته ويكون مضرة عليه، إما أن يعاقب بما يحصل له، أو تنقص به درجته فيقضي حاجته ويعاقبه على ما جرأ عليه من إضاعة حقوقه واعتداء حدوده.

والمقصود: أن الشيطان بلطف كيده يحسن الدعاء عند القبر وأنه أرجح منه في بيته ومسجده وأوقات الأسحار، فإذا تقرر ذلك عنده نقله درجة أخرى من الدعاء عنده إلى الدعاء به والإقسام على الله به، وهذا أعظم من الذي قبله، فإن شأن الله أعظم من أن يقسم عليه أو يسأل بأحد من خلقه وقد أنكر أئمة الإسلام ذلك...

فإذا قرر الشيطان عنده أن الإقسام على الله به والدعاء به أبلغ في تعظيمه واحترامه وأنجع في قضاء حاجته نقله درجة أخرى إلى دعائه نفسه من دون الله، ثم ينقله بعد ذلك درجة أخرى إلى أن يتخذ قبره وثنًا يعكف عليه ويوقد عليه القناديل ويعلق عليه الستور ويبني عليه المسجد ويعبده بالسجود له والطواف به وتقبيله واستلامه والحج إليه والذبح عنده، ثم ينقله درجة أخرى إلى دعاء الناس إلى عبادته واتخاذه عيدًا ومنسكًا وأن ذلك أنفع لهم في دنياهم وآخرتهم.

قال شيخنا قدس الله روحه: وهذه الأمور المتبدعة عند القبور مراتب أبعدها عن الشرعت أن يسأل الميت حاجته ويستغيث به فيها كما يفعله كثير من الناس، قال: وهؤلاء من جنس عباد الأصنام، ولهذا قد يتمثل لهم الشيطان في صورة الميت أو الغائب كما يتمثل لعباد الأصنام، وهذا يحصل للكفار من المشركين وأهل الكتاب يدعو أحدهم من يعظمه فيتمثل له الشيطان أحيانًا، وقد يخاطبهم ببعض الأمور الغائبة، وكذلك السجود للقبر والتمسح به وتقبيله المرتبة الثانية أن يسأل الله عز وجل به، وهذا يفعله كثير من المتأخرين وهو بدعة باتفاق المسلمين.

الثالثة: أن يسأله نفسه.

الرابعة: أن يظن أن الدعاء عند قبره مستجاب أو انه أفضل من الدعاء في المسجد فيقصد زيارته والصلاة عنده لأجل طلب حوائجه فهذا أيضًا من المنكرات المبتدعة باتفاق المسلمين، وهي محرمة وما علمت في ذلك نزاعًا بين أئمة الدين وإن كان كثير من المتأخيرن يفعل ذلك ويقول بعضهم: قبر فلان ترياق مجرب)[72].

الخاتمة



وفي الختام هذا البحث فإني أحمد الله كثيرًا أن وفقني لإتمامه، فله الشكر أولًا وآخرًا، وله الحمد باطنًا وظاهرًا، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه.

وبعد، فقمت بإعداد هذا البحث والذي اشتمل على مقدمة وثلاثة مطالب ثم خرجت بنتائج أهمها ما يلي:

1- تطابق الأدلة وتوافرها في تحريم الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عيه إلا الله تبارك وتعالى بل هي من الشرك المخرج من الملة.

2- تهافت الشبهات التي استدل بها المخالفون في تسويغ الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث يغلب عليها أنها أحاديث موضوعة أو ضعيفة، وما صح منها حجة عليهم لا لهم.

3- جهود شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذة ابن القيم في توضيح هذه المسألة.

4- كثرة المخالفين في هذه القضية من أهل البدع والحامل لهم على ذلك هو الغلو في شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم.

5- حماية النبي صلى الله عليه وسلم لجانب التوحيد ونهيه الصريح عن أن يستغاث به صلى الله عليه وسلم كما في قوله: (إني لا يستغاث بي).

المراجع:


[1] انظر: تاج العروس (5/314)، وتلخيص الاستغاثة (1/162)، ومجموع الفتاوى (1/103-105).


[2] المعجم الوسيط (2/665).


[3] مجموع الفتاوى (1/350)، وانظر: تلخيص الاستغاثة ص:286.


[4] أي بطبع القوة المحدودة والتي يشارك النبي صلى الله عليه وسلم فيها غيره من البشر.


[5] كما لو سألهم الدعاء.


[6] أخرجه أحمد في المسند (5/317) لكن بغير هذا اللفظ، وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/387)، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/159) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة وهو حسن الحديث.


[7] أخرجه الطبراني في الأوسط (3/356) برقم (3394) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/183).


[8] مجموع الفتاوى (1/329-331).


[9] سيأتي تخريجه والكلام عليه في موضعه.


[10] سيأتي تخريجه والكلام عليه في موضعه.


[11] سيأتي تخريجه والكلام عليه في موضعه.


[12] سيأتي تخريجه والكلام عليه في موضعه.


[13] انظر: معارج الالباب (2/602-604) بتحقيقي.


[14] البخاري في كتاب الاستسقاء، باب: سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا (جـ2/20) برقم (1010).


[15] حديث توسل أصحاب الغار بأعمالهم الصالحة أخرجه البخاري في كتاب الإجارة من صحيحة (2/793) باب من استأجر أجيرا فترك أجره فعمل فيه المستأجر فزاد، أو من عمل في مال غيره فاستفضل.


[16] وسيأتي تخريجه في موضعه.


[17] معارج الألباب في مناهج الحق والصواب (2/602-603) بتحقيقي، وانظر: جلاء الأوهام عن مذاهب الأئمة العظام والتوسل بجاه خير الأنام عليه الصلاة والسلام ص(83-89) بتحقيق: الأخ عبد الرحمن السلطان.


[18] المعنى الصحيح هنا هو التقرب إلى الله تعالى، فالتقرب إلى الله تعالى مطلوب، ولكن بالألفاظ الصحيحة كالتقرب إلى الله بطلب الدعاء من الرجل الصالح.
والحاصل أن المشركين أرادوا معنى صحيحا وهو التقرب إلى الله ولكن بلفظ منكر شركي وهو دعاء الصالح وعبادته من دون الله تعالى. ومن هنا حصل الإنكار عليهم. والله تعالى أعلم.


[19] كما قال المؤلف: أخرجه أحمد في المسند (2/34، 86، 125)، وأبو داود في كتاب الإيمان، باب: كراهة الحلف بالآباء (5/253) برقم (3251) والترمذي في جامعه برقم (1574)، وابن حبان (1177) والطيالسي (1896)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/29)، والحاكم في المستدرك (1/18، 4/297). وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.


[20] أخرجه أحمد في المسند (1/214، 224)، والبيهقي في السنن (3/217)، وابن أبي شيبة في المصنف (5/340)، والطبراني في الكبير (12/224)، والبخاري في الأدب المفرد (784)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (667).


[21] الجواب الكافي لابن القيم، ص(93).


[22] أخرجه أبو داود في سننه (2/79) برقم (1495)، وأحمد في المسند (3/245)، والضياء في المختارة (5/257) برقم (1885)، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/156) وقال: رواه الطبراني، وفيه أبان بن عياش، وهو متروك.


[23] أي حصول الدعاء منهم في حياتهم عليهم الصلاة والسلام.


[24] ص: 182-187.


[25] الانتصار، ص:33، وانظر: تأسيس التقديس ص:50، 64، ومنهاج التأسيس ص:105.


[26] هو: عبد الرحمن بن يحيى بن علي بن محمد العُتْمي اليماني ثم المكي، نسبة إلى بلاد عُتمة باليمن، عالم في السنة، كانت ولادته في أواخر سنة (1312)هـ، ووفاته في أوائل سنة (1386)هـ. انظر: الأعلام للزركلي (3/342).


[27] كتاب "شمس المعارف" لأحمد بن علي البوني، كتاب سحر وشعوذة، وهو مليء بالشرك ـ والعياذ بالله تعالى.


[28] قال الشيخ ابن جبرين حفظه الله: (هذا الكتاب من كتب الخرافيين، وقد شحنه مؤلفه بالأكاذيب والخرافات الباطلة، وفيه عقائد باطلة يكفر من اعتقدها، وهو أيضا مليء بأمور السحر والكهانة، وأكثر من يقتنيه هم السحرة وأهل الشعوذة، وقد حصل بسببه مفاسد وأضرار أوقعت جماعات كثير في أنواع من الكفريات والضلالة والضرر بالأمة) [نقلا عن كتب حذر منها العلماء (1/124) للشيخ مشهور بن حسن آل سلمان].


[29] رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله، ص(31-32).


[30] درء تعارض العقل والنقل، (1/227-228).


[31] ص: 133.


[32] ص: 288 رقم (376).


[33] (24/335).


[34] ص: 344 عند الحديث رقم (844).


[35] 1/647 برقم (450).


[36] أخرجه البخاري في صحيحه (4/1873) برقم (4636).


[37] محموع القتاوى (14/363).


[38] إغاثة اللهفان (1/512).


[39] 2/483.


[40] ص: 199.


[41] جلاء الأفهام عن مذاهب الأئمة العظام والتوسل بجاه خير الأنام عليه الصلاة والسلام، ص: 89.


[42] 7/117 برقم (290).


[43] 10/132.


[44] 5/322 ترجمة رقم (1490).


[45] 6/325 برقم (1805).


[46] تيسير العزيز الحميد، ص(197).


[47] أخرجه أبو يعلى في مسنده 9/177 برقم (5269)، والطبراني في المعجم الكبير 10/217 برقم (10518)، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص(455-456) برقم (508) من حديث عبد الله بن مسعود، وإسناده ضعيف لضعف معروف بن حسان كما تقدم.
وأعلّه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى بعلة أخرى وهي الانقطاع بين عبد الله بن بريدة وابن مسعود نقل ذلك ابن علان في شرح الأذكار 5/150. وانظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/108 برقم (655).


[48] كشف غياهب الظلام عن أوهام جلاء الأوهام ص:325 بتحقيق الشيخ عبد الرحمن السلطان، بحث غير منشور، وانظر: تيسير العزيز الحميد ص:197.


[49] دحض شبهات على التوحيد من سوء الفهم لثلاثة أحاديث (ص36-38).


[50] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 6/91 برقم (29720)، والبيهقي في شعب الإيمان 6/128 برقم (7697)، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 10/132 وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. وأورده الشوكاني ـ رحمه الله تعالى ـ في تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين ص238 ثم قال: وفي الحديث دليل على جواز الاستعانة بمن لا يراهم الإنسان من عباد الله من الملائكة وصالحي الجن، وليس في ذلك لأس كما يجوز للإنسان أن يستعين ببني آدم إذا عثرت دابته أو انفلتت).
والحديث حسَّن إسناده الحافظ ابن حجر كما في شرح الأذكار لابن علان 5/15. ورجح الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ وقفه. وهو كما قال. وله حكم الرفع لأنه إخبار عن علم غيبي لا مجال للرأي فيه. والله تعالى أعلم بالصواب. انظر: تعليق الشيخ عبد السلام بن برجس ـ رحمه الله ـ على هذا الحديث في تحقيق رسالة دحض شبهات على التوحيد من سوء الفهم لثلاثة أحاديث ص: 37.


[51] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 6/128 برقم (7697).


[52] سنن الترمذي (5/569) برقم (3578).


[53] أخرجها النسائي في سننه الكبرى 6/168 حديث رقم (10494)، والحاكم في المستدرك 1/707 برقم (1929).


[54] هو: الشيخ محمد رشيد رضا ـ رحمه الله تعالى ـ صاحب تفيسير المنار، ومجلة المنار.


[55] انظر: السنن والمبتدعات للشيخ محمد عبد السلام خضر ص: 125-126.


[56] كما في سننه 5/569 برقم (3578).


[57] انظر: التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية ص:98.


[58] انظر: التوسل أنواعه وأحكامه ص: 75.


[59] انظر: الرد على البكري 1/364، وإغاثة اللهفان 1/217 مع تيسير العزيز الحميد ص:195.


[60] انظر: السنن والمبتدعات للشيخ محمد عبد السلام خضر ص: 126.


[61] تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ ص:195.


[62] ومما يدل على وقوع الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم أن في الدعاء الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه أن يقول: (اللهم فشفعه فيِّ) وهذا يستحيل حمله على التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم، أو جاهه أو الاستغاثة به. إذ أن المعنى: اللهم اقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم فيِّ، أي: اقبل دعاءه في أن ترد علي بصري، والشفاعة لغة الدعاء، وهو المراد بالشفاعة الثابتة له صلى الله عليه وسلم ولغيره من الأنبياء والصالحين يوم القيامة، وهذا يبين أن الشفاعة أخص من الدعاء، إذ لا تكون إلا إذا كان هناك اثنان يطلبان أمرًا، فيكون أحدهما شفيعًا للآخر، بخلاف الطالب الواحد الذي لم يشفع غيره. قال في لسان العرب 8/184: (الشفاعة كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره... والشافع الطالب لغيره يتشفع به إلى المطلوب، يقال: تشفعت بفلان إلى فلان، فشفعني فيه) انتهى. فثبت أن توسل الأعمى إنما كان بدعائه صلى الله عليه وسلم لا بذاته، بتصرف يسير من التوسل أنواعه وأحكامه للألباني –رحمه الله تعالى- ص: 79-80.


[63] التوسل أنواعه وأحكامه ص: 76-77.


[64] تقدم تخريجه.


[65] مجموع الفتاوى 1/324-325.


[66] تيسير العزيز الحميد ص: 195.


[67] ص:99 أو مجموع الفتاوى 1/275.


[68] التوسل أنواعه وأحكامه ص: 90-92.


[69] مجموع الفتاوى 1/275-276.


[70] تقدم تخريجه.


[71] تيسير العزيز الحميد ص: 206-207.


[72] إغاثة اللهفان  1/215-228.



http://www.soufia-h.net/showthread.php?t=16831

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق